الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تنبيه)
قال التبريزي: التمسك على الفور بالاحتياط ضعيف
، لأن الاحتياط ليس من أمارات الوضع، ولا من مقتضيات الوجوب، بل هو من باب الأصلح ثم إن قوله:(افعل الآن) بعد تأكيدا، وفي أي وقت شئت يعد تحقيقا ومسامحة.
ويرد عليه: أن هاهنا قاعدة خفية، عادة الفضلاء يوردون بسبب إهمالها سؤلا، فيقولون في كل ما يقول فالمستدل فيه: هذا أرجح، فيجب المصير إليه: إن الرجحان يقتضي أنه أحسن، وأما التعيين فلا، بل الندب هو اللازم في هذه المواطن التي فيها الرجحان والاحتياط ونحو ذلك، فإن فعل الأحسن، وترك مواطن الشبه مندوب إليه، والأفضل الوجوب، وأهملت قاعدة وهي: أن الرجحان إن كان في أفعال المكلفين، فكما قالوا وإن كان في مدارك المجتهدين وأدلة النظار والمناظرين اقتضى ذلك الوجوب والتحتم واللزوم، بل انعقد الإجماع على أن المجتهد يجب عليه اتباع الراجح من غير رخصه في تركه، بخلاف الراجح في حق المكلف إنما هو مندوب، وكذلك الراجح في الاجتهاد في طلب القبلة، وطهورية الماء من باب الوجوب إجماعا، ومنه قيم المتلفات، وأروش الجنايات فتأمل هذه القاعدة، فهي ظاهرة وهي خفية وبهذا يظهر لك بطلان قوله: إن الاحتياط ليس من مقتضيات الوجوب، لأن هذا رجحان في دليل لا في فعل.
وأما قوله: (افعل الآن تأكيد، وفي أي وقت شئت مسامحة) فهو مصادرة على مذهب الخصم بغير دليل.
(تنبيه)
قال إمام الحرمين في (البرهان): قال غلاة الواقفية: إن عجل وفعل
على الفور لم يقطع بامتثاله وهو سر في الوقف، وقطع مقتصدوهم: بالامتثال وتوقفوا إذا أخر قال: وهذا هو المختار، قال: ومن قال: إن الأمر للفور فلفظه مدخول؛ لأنه يقتضي أنه لو عجّل لم يخرج عن العهدة، وهو خلاف الإجماع، بل ينبغي أن يقول: الصيغة تقتضي الطلب من غير تعيين وقت.
المسألة السابعة
في أن الأمر المعلق، أو الخبر المعلق على شيء بكلمة (إن)
عدم عندعدم ذلك الشيء
والخلاف فيه مع القاضي أبي بكر، وأكثر المعتزلة.
لنا وجهان:
الأول: هو أن النحويين سموا كلمة (إن) حرف شرط، والشرط ما ينتفي الحكم عند انتفائه، فيلزم أن يكون أن يكون المعلق بهذا الحرف منتفيا عند انتفاء المعلق عليه.
أما أن النحويين سموا هذا الحرف بحرف الشرط، فذلك ظاهر في كتبهم.
وأما أن الشرط ما ينتفي الحكم عند انتفائه، فلأنهم يقولون: الوضوء شرط صحة الصلاة، والحول شرط وجوب الزكاة، وعنوا بكونهما شرطين انتفاء الحكم عن انتفائهما، والاستعمال دليل الحقيقة ظاهرا.
فإن قيل: لا نزاع في أن النحويين سموا هذا الحرف بحرف الشرط، ولكن لعل ذلك من اصطلاحهم الحادثة، كتسميتهم الحركات المخصوصة بالرفع، والنصب، والحر، وإن لم تكن تسمية هذه الحركات بهذه الأسماء موجودة في أصل اللغة.
سلمنا أن هذه الاسم أصلي، لكن لا نسلم أن الشرط: ما ينتفي الحكم عند
انتفائه بل شرط الشيء: ما يكون علامة عل ثبوت الحكم، من قولهم: أشراط الساعة أي: علامتها.
سلمنا أن شرط الشيء: ما يوقف عليه لكن مطلقا أو بشرط ألا يوجد ما يقوم مقامه.
الأول ممنوع: والثاني مسلم وعلى هذا التقدير: لا يلزم من عغدم هذا الشرط عدم الحكم، إلا إذا عرف أنه لم يوجد شيء ما يقوم مقام هذا الشرط.
والجواب: لما دلت الكتب النحوية على تسمية هذا الحرف بحرف الشرط وجب اعتقاد أن هذا الاسم كان حاصلا في أصل اللغة، وإلا كان حصول هذا الاسم له بالنقل، وقد بينا أن النقل خلاف الأصل.
قوله: (شرط الشيء: ما يدل على ثبوته):
قلنا: لو كان كذلك لا متنعت تسمية الوضوء بأنه شرط صحة الصلاة، فإن الوضوء لا يدل على صحة الصلاة، وكذا القول في قولنا: الحول شرط وجوب الزكاة، والإحصان شرط وجوب الرجم.
وأما أشراط الساعة: فهي وإن كانت علامات دالة على وجوب الساعة، لكن يمتنع وجود الساعة إلا عند وجودها، فهي مسماة بالأشراط لا بحسب الاعتبار الأول، بل بحسب الاعتبار الثاني.
قوله: (شرط الشيء ما ينتفي الحكم عند انتفائه مطلقا، أو إذا لم يوجد ما يقوم مقامه؟):
قلنا: مطلقا؛ لأنه إذا ثبت كون شيء شرطا، وثبت أن لفظ الشرط معناه في اللغة: ما ينتفي الحكم عند انتفائه، وثبت أن ذلك الشيء يجب انتفاء الحكم عند انتفائه، فلو أثبتنا شيئا آخر يقوم مقامه، لم يكن ذلك الشيء بعينه شرطا، بل يكون الشرط: إما هو أو ذلك الآخر، لا على التعيين وذلك ينافي قيام الدلالة على كونه بعينه شرطا.
الحجة الثانية: ماروي أن يعلى بن أمية سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (مابالنا نقصر، وقد أمنا)؟ فقا: (عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلو صدقته).
ولو لم يفهم أن المعلق على الشيء بكلمة (إن) عدم عندد عدم ذلك الشيء لم يكن لذلك التعجب معنى!!
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: إنما تعجبا من ذلك، لأنهما عقلا من الآيات الواردة في وجوب الصلاة وجوب الإتمام، وأن حال الخوف مستثناة من ذلك، وماعداها ثابت على الأصل في وجوب الإتمام فلذلك تعجبا من ثبوت القصر مع الأمن.
ثم نقول: هذا الحديق حجة عليكم لأنه لو امتنع المشروط عند عدم الشرط لما جاز القصر عند عدم الخوف وقد جاز فعلمنا أنه لا يجب عدم المشروط عند عدم الشرط
والجواب عن السؤال الأول: أن الآيات الدالة على وجوب الصلاة، لا تنطق بالإتمام ولا بأن الأصل في الصلاة الإتمام، بل المروي عن عائشة رضي الله
عنها أنها قالت: (كانت صلاة السفر والحضر ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر).
وعن الثاني: أن ظاهر الشرط يمنع من ذلك ولذلك ظهر التعجب لكن لا يمتنع أن يدل دليل على خلاف الظاهر والله أعلم.
احتج المخالف بالآية والحكم.
أما الآية: فهو أن المعلق (بأن) على شيء، فلو كان عدما عن عدم ذلك الشيء، لكان قوله عز وجل:(ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا)[النور:33] دليلا على أن ما حرم الإكراه على البغاء إن لم يردن التحصن وقوله تعالى (فكاتبوهم إن علمتهم فيهم خيرا)[البقرة:172]. وقوله: (أن تقصروا من الصلاة إن خفتم)[النساء:101] وقوله: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة)[البقرة:283] ففي جميع هذه الآيات الحكم غير منتف عند انتفاء الشرط.
وأما الحكم: فهو: ما إذا قال لإمرأته: إن دخلت الدار فأن طالق، فهذا لا ينفي الطلاق قبل ذلك الشرط، حتى لو نجز، أو علق بشرط آخر، ولم يكن مناقضا للأول، ولو لزم عدم المشروط عند عدم الشرط، لزم التناقض هاهنا.
والجواب عن الأول: أن الظاهر يقتضي ألا يحرم الإكراه على البغاء إذا لم يردن التحصن ولكن لا يلزم من عدم الحرمة القول بالجواز؛ بأن زوال الحرمة قد يكون لطريان المحل، وقد يكون لامتناع وجود عقلا وهاهنا كذلك لأنهن
إذا لم يردن التحصن فقد أردن البغاء وإذا أردن البغاء امتنع إكراههن على البغاء، وإذا أردن البغاء، امتنع إكراههن على البغاء.
وعن الثاني: أنه إذا علق الطلاق على الدخول، ثم نجز: فإن كان المنجز واحدة أو اثنين، بقي التعليق، فالمنجز غير المعلق، حتى لو تزوجت بزوج آخر وعادت إليه وتزوجها وقع الطلاق المعلق.
وإن كان المنجز ثلاثا، فعندنا المنجز غير المعلق، حتى بقي المعلق موقوفا على دخول الدار فإذا تزوجت بزوج آخر وعادت إليه ودخلت الدار وقع الطلاق المعلق والله أعلم.
المسألة السابعة
الأمر المعلق أو الخبر المعلق على شيء بكلمة (إن) عدم عند عدم ذلك الشيء
قال القرافي: هاهنا مباحث:
البحث الأول
في هذه الترجمة
وتقد توسع المصنف فيها توسعا كبيرا لأنه جعل نفس العدم، وليس كذلك بل الذي يستحقه لغة أن يقال له معدوم أما التعبير بالمصادر وأسماء الأجناس عن الحقائق فمجاز إجماعاً.
...............................................
البحث الثاني
في تحريم محل الخلاف
فإن القاضي رحمه الله لم يقل: إنه ليس عدما عند عدمه، بل هاهنا أقسام أربعة:
الأول: ترتيب الوجود على الوجود، إذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق.
الثاني: ترتيب العدم على العدم، فلا تطلق عند عدم الدخول.
الثالث: دلالة التعليق على ترتيب الثبوت.
الرابع: دلالة لفظ التعليق على ترتيب العدم على العدم
والثلاثة الأولى متفق عليها، إنما النزاع في دلالة لفظ التعليق على ترتيب العدم على العدم
فالقاضي يقول: العدم واقع، ولكن الاستصحاب في العصمة لا من دلالة لفظ التعليق.
وغيره يقول بالأمرين، وهذا هو معنى قول العلماء: الشرط له مفهوم أو لا مفهوم له، فالقاضي يقول: لا مفهوم للفظ، أي لا يدل لفظ التعليق على ذلك العدم، وغيره يقول به.
فهذا هو صورة النزاع وأما عدم المشروط عند عدم الشرط فلا نزاع فيه وكلام المصنف رحمه الله يقتضي أنه محل الخلاف وليس كذلك.