الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم هذه محاضرات فى علم المعانى أريد بها أن تكمل ما بدأناه فى «فنون بلاغية» وتقدم صورة صادقة للبلاغة العربية وتطور موضوعاتها. وهى محاضرات أخذت من القديم خطوطها واعتمدت على السابقين فى فصولها، ولم ترجع إلى ما أثير فى هذه الأيام، لأن الهدف ليس تجديد البلاغة وإنما تقديم ما عند القدماء بأسلوب يجمع بين عباراتهم وينسّق آراءهم، لتكون منطلقا إلى التجديد.
وقد اقتضى المقرر الذى ينبغى أن يلم به طالب اللغة العربية فى مرحلة دراسته الجامعية الأولى أن يكون لأهم أساليب البلاغة نصيب فى هذه المحاضرات التى انقسمت إلى قسمين:
الأول: الفصاحة والبلاغة، وهى مقدمة ينبغى أن يعرفها الدارس لأنّها الأساس الذى ينطلق منها إلى أساليب البلاغة وفنونها، بل هى الغاية التى يصل إليها حينما ينهى تطوافه فى الموضوعات التى وضعت لتنير الطريق له فى دراسة الأدب.
الثانى: علم المعانى، الذى كان أحد علوم البلاغة العربية حينما قسمها السكاكى إلى البيان والمعانى والمحسنات اللفظية والمعنوية أى البديع.
وكان العرب قبل ذلك قد درسوا هذا العلم فى كتب النحو، ولعل كتاب سيبويه أصدق ما وصل إلينا وأقربه إلى ذوق العربية، لأنه عنى بالأساليب إلى جانب عنايته بالقواعد والأصول. وقد سمينا هذا القسم «أساليب
بلاغية» لأنه يتصل بأهم وسائل التعبير وصياغة الكلام. وليس أدل على ذلك من أنّ المتحدث أو الأديب لا ينطلق فى تصوير نفسه وعرض أفكاره إلّا من خلالها. فالخبر والإنشاء، والتعريف والتنكير، والذكر والحذف، والتقديم والتأخير، والقصر، والفصل والوصل، والإيجاز والإطناب والمساواة، وخروج الكلام على مقتضى الظاهر- عمدة الكلام وزاد المنشئين.
والدرس النحوى أولى بهذه الموضوعات لولا انصراف النحاة إلى العناية بالإعراب والبناء، والعوامل والتقديرات مما أبعد النحو عن هدفه وأحاله قواعد لا روح فيها. وسنظل نؤمن بأن هذه الدراسة من البلاغة حتى تعود إلى النحو أصالته وحتى نجد أساتذة النحو يغيّرون طرق تدريسه ويعنون بالأساليب البلاغية كعنايتهم بالقواعد والإعراب.
إنّ دراسة الأساليب والوقوف عندها تفتح السبيل أمام الأديب مادام يكتب باللغة العربية، وهى لغة عريقة تشعبت
فنون التعبير فيها وأصبحت طيعة لمن تعمق فيها وفهم أسرارها، ولن يكون المنشئ أديبا إذا نأى عن لغته وضرب عن أساليبها صفحا، وإنّه لمن أعجب العجب إذا لم ير فى الخبر والإنشاء، والتقديم والتأخير، والحذف والذكر، والإيجاز والإطناب وغيرها- فائدة وهى أصل الكلام وعمدة التعبير. ولن يغنى ما تقدّمه الكتب المترجمة والأساليب الغربية عما تتسم به لغة الضاد، وإن كانت تضيف أبعادا جديدة وتفتح آفاقا واسعة. وستبقى الأساليب البلاغية التى عرضت لها هذه المحاضرات خالدة ما دامت اللغة العربية حية فى العقول ونابضة فى القلوب، ولن يقدر على إنكارها من سولت له نفسه وظن أنّه سبق العصر وتخطّى الزمان.
لقد سار البحث فى هذه المحاضرات كما سار فى «فنون بلاغية» ويتجلى ذلك فى أمرين:
الأول: الوقوف على تعريفات القدماء وتقسيماتهم وآرائهم.
الثانى: الأخذ بالأمثلة التى ذكروها لئلا تتجرد القواعد والأصول من روحها التى ارتبطت بها حينما فكّر العرب الأوائل بضبط لغتهم وحفظها من الضياع.
ولذلك لم يكن للجديد نصيب فيها، لأنّ فى ذلك ابتعادا عن منهج دراسة القديم وتجنيا على الأدب الحديث الذى خطا خطوات واسعة وكانت له مناهج درس جديرة بالتأمل العميق والنظر السليم والبحث الرصين. ولن يقدر على بحثه إلّا من وطن نفسه وأخلص النية، ووقف على القديم وأساليبه وعرف الحديث وفنونه، وليس ذلك بيسير.
هذه ملامح محاضرات «أساليب بلاغية» جاءت كما بناها القدماء ليعرف الجيل الجديد ما كان من هذا العلم الذى لم ينضج ولم يحترق، ولتكون مقدمة لمن يريد أن يخطو باتزان فى طريق التجديد الذى من أول متطلباته قتل القديم درسا.
ومن الله العون والتوفيق.
الدكتور أحمد مطلوب أستاذ البلاغة والنقد فى كلية الآداب جامعة بغداد