الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثانيهما: ما دل لفظه على محتملات متعددة، ولا يمكن التعبير عنه بمثل ألفاظه وفى عدتها، بل يستحيل ذلك وهو أعلى طبقات الإيجاز مكانا، ومنه قوله تعالى:«وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ» الذى فاق كل كلام وفضل غيره من كلام العرب.
الثانى: إيجاز الحذف: وهو ما يكون بحذف كلمة أو جملة أو أكثر مع قرينة تعين المحذوف. أو هو كما قال ابن الأثير: «ما يحذف منه المفرد والجملة لدلالة فحوى الكلام على المحذوف، ولا يكون إلّا فيما زاد معناه على لفظه» (1). وقال عن هذا الأسلوب: «أما الإيجاز بالحذف فانه عجيب الأمر شبيه بالسحر، وذاك أنّك ترى فيه ترك الذكر أفصح من الذكر والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون مبينا إذا لم تبيّن، وهذه جملة تنكرها حتى تخبر وتدفعها حتى تنظر. والأصل فى المحذوفات جميعا على اختلاف ضروبها أن يكون فى الكلام ما يدل على المحذوف، فان لم يكن هناك دليل على المحذوف فانه لغو من الحديث لا يجوز بوجه ولا سبب. ومن شرط المحذوف فى حكم البلاغة أنّه متى أظهر صار الكلام إلى شئ غث لا يناسب ما كان عليه أولا من الطلاوة والحسن» (2).
أدلة الحذف:
أدلة الحذف كثيرة منها:
- أن يدل العقل على الحذف، والمقصود الأظهر على تعيين المحذوف، كقوله تعالى:«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ» (3)، فانّ العقل يدل على الحذف، والمقصود الأظهر يرشد إلى أنّ التقدير: حرّم عليكم تناول الميتة والدم ولحم الخنزير، لأنّ الغرض الأظهر منها تناولها.
(1) المثل السائر ج 2 ص 78.
(2)
المثل السائر ج 2 ص 82.
(3)
المائدة 3.
- أن يدل العقل على الحذف والتعيين، كقوله تعالى:«وَجاءَ رَبُّكَ» (1) أى: أمر ربك أو عذابه أو بأسه.
- أن يدل العقل على الحذف، والعادة على التعيين، كقوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز:«فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ» (2)، دل العقل على الحذف فيه، لأنّ الإنسان إنّما يلام على كسبه فيحتمل أن يكون التقدير فى حبه لقوله «قَدْ شَغَفَها حُبًّا» (3)، وأن يكون فى مراودته لقوله:«تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ» (4)، وأن يكون فى شأنه وأمره فيشملهما. والعادة دلت على تعيين المراودة، لأنّ الحب المفرط لا يلام الانسان عليه فى العادة لقهره صاحبه وغلبته إياه، وإنّما يلام على المراودة الداخلة تحت كسبه التى يقدر أن يدفعها عن نفسه.
- أن تدل العادة على الحذف والتعيين، كقوله تعالى:«لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ» (5) مع أنّهم كانوا أخبر الناس بالحرب، فكيف يقولون بأنّهم لا يعرفونها؟ فلا بد من حذف، وتقديره «مكان قتال» أى: إنكم تقاتلون فى موضع لا يصلح للقتال ويخشى عليكم منه، ويدل على أنّهم أشاروا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم أن لا يخرج من المدينة وأنّ الحزم البقاء فيها.
- الشروع فى الفعل، كقول المؤمن:«بسم الله الرحمن الرحيم» عند الشروع فى القراءة أو أى عمل، فانه لا يفيد أنّ المراد «بسم الله أقرأ» .
والمحذوف يقدر ما جعلت التسمية مبدأ له.
(1) الفجر 22.
(2)
يوسف 32.
(3)
يوسف 30.
(4)
يوسف 30.
(5)
آل عمران 167.