الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكقوله تعالى: «يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ؟ قُلْ: ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (1). سألوا عن بيان ما ينفقون فأجيبوا ببيان المصرف (2) وللأسلوب الحكيم أثر فى الكلام، وقد أوضح السكاكى هذا الأثر بقوله:«وإنّ هذا الأسلوب الحكيم لربما صادف المقام فحرك من نشاط السامع، سلبه حكم الوقور وأبرزه فى معرض المسحور. وهل ألان شكيمة الحجاج لذلك الخارجى وسل سخيمته (3) حتى آثر أن يحسن على أن يسئ غير أن سحره بهذا الأسلوب اذا توعده الحجاج بالقيد فى قوله «لأحملنك على الأدهم» فقال متغابيا: «مثل الأمير- يحمل على الأدهم والأشهب» مبرزا وعيده فى معرض الوعد متوصلا أن يريه بألطف وجه أن امرءا مثله فى مسند الإمرة المطاعة خليق بأن يصفد لا أن يصفد، وأن يعد لا أن يوعد» (4).
التغليب:
[تعريفه]
وهو إعطاء الشئ حكم غيره، وقيل: ترجيح أحد المغلوبين على الآخر أو إطلاق لفظة عليهما، إجراء للمختلفين مجرى المتفقين. (5)
[انواعه]
وهو أنواع:
الأول: تغليب المذكر، كقوله تعالى:«وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ» (6)، غلب المذكر لأن الواو جامعة ولأن لفظ الفعل مقتض
(1) البقرة 215.
(2)
ينظر مفتاح العلوم ص 155، والايضاح ص 75، وشروح التلخيص ج 1 ص 479.
(3)
السخيمة: الضغينة، يقال: سللت سخيمته باللطف والترضى، أى:
أخرجت ضغينته من صدره.
(4)
مفتاح العلوم ص 156.
(5)
البرهان فى علوم القرآن ج 3 ص 302.
(6)
القيامة 9.
ولو أريد العطف امتنع. وقوله: «وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ» (1)، وقوله:
«إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ» (2). والأصل «من القانتات» و «من الغابرات» فعدت الأنثى من المذكر بحكم التغليب.
الثانى: تغليب المتكلم على المخاطب والمخاطب على الغائب، كقوله تعالى:
«بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» (3)، بتاء الخطاب، غلب جانب «أنتم» على جانب «قوم» والقياس أن يجئ بالياء لأنه وصف القوم، وقوم اسم غيبة ولكن حسن آخر الخطاب وصفا ل «قوم» لوقوعه خبرا عن ضمير المخاطبين.
ومنه قوله تعالى: «فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ» (4)، غلب جانب «أنت» على جانب «من» فأسند إليه الفعل وكان تقديره «فاستقيموا» فغلب الخطاب على الغيبة، لأنّ حرف العطف فصل بين المسند إليهم الفعل فصار كما نرى.
الثالث: تغليب العاقل على غيره، وذلك بأن يتقدم لفظ يعم من يعقل ومن لا يعقل فيطلق اللفظ المختص بالعاقل على الجميع. ومنه قوله تعالى:
«وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ» (5)، لما تقدم لفظ «الدابة» والمراد بها عموم من يعقل ومن لا يعقل غلب من يعقل فقال «فمنهم من يمشى» .
وقد يجتمع فى لفظ واحد تغليب المخاطب على الغائب والعقلاء على غيرهم كقوله تعالى: «جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ» (6)، أى: خلق لكم أيّها الناس من جنسكم ذكورا وإناثا وخلق الأنعام أيضا من أنفسها ذكورا وإناثا. يذرؤكم- أى ينبتكم ويكثركم أيها
(1) التحريم 12.
(2)
الأعراف 83.
(3)
النمل 55.
(4)
هود 112.
(5)
النور 45.
(6)
الشورى 11.
الناس والأنعام فى هذا التدبير والجعل- فهو خطاب للجميع، للناس المحاسبين وللأنعام المذكورة بلفظة الغيبة، ففيه تغليب المخاطب على الغائب، وإلّا لما صح ذكر الجميع- الناس والأنعام- بطريق الخطاب لأنّ الأنعام غيب وفيه تغليب العقلاء على غيرهم، وإلا لما صح خطاب الجمع بلفظ «كم» المختص بالعقلاء. ففى لفظ «كم» تغليبان، ولولا التغليب لكان القياس أن يقال يذرؤكم وإياها.
الرابع: تغليب المتصف بالشئ على ما لم يتصف به، كقوله تعالى:
«وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا» (1)، قيل: غلب غير المرتابين على المرتابين.
الخامس: تغليب الأكثر على الأقل، وذلك بأن ينسب إلى الجميع وصف يختص بالأكثر، كقوله تعالى:«لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا» (2)، وأدخل شعيب فى قوله «لتعودن» بحكم التغليب إذ لم يكن فى ملتهم أصلا حتى يعود إليها.
السادس: تغليب الجنس الكثير الأفراد على فرد من غير هذا الجنس مغمور فيما بينهم بأن يطلق اسم الجنس على الجميع، كقوله تعالى:«فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ» (3)، وأنه عد منهم مع أنّه كان من الجن تغليبا لكونه جنيا واحدا فيما بينهم، ولأنّ حمل الاستثناء على الاتصال هو الأصل.
السابع: تغليب الموجود على ما لم يوجد، كقوله تعالى:«بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ» (4) فان المراد المنزل كله، وإنما عبر عنه بلفظ المضى وإن كان بعضه مترقبا تغليبا للموجود على ما لم يوجد.
(1) البقرة 23.
(2)
الأعراف 88.
(3)
ص 73 - 74.
(4)
البقرة 4.