الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الايجاز
تعريفه:
الايجاز- لغة-: التقصير، تقول: أوجزت الكلام، أى: قصرته وكلام موجز من أوجز.
والايجاز- اصطلاحا- أن يكون اللفظ أقل من المعنى، مع الوفاء به وإلّا كان إخلالا يفسد الكلام.
وهذا الأسلوب من أهم خصائص اللغة العربية فى القديم، فقد كان العرب لا يميلون إلى الاطالة والشرح والإسهاب، وكانوا يعدون الإيجاز هو البلاغة، فأكثم بن صيفى يرى أنّ البلاغة هى الايجاز، وكان جعفر بن يحيى يقول لكتّابه:«إن قدرتم أن تجعلوا كتبكم توقيعات فافعلوا» (1). وفعلوا مثل ذلك فى القصائد، وقد قيل لبعضهم: مالك لا تزيد على أربعة واثنين؟
قال: هنّ بالقلوب أوقع وإلى الحفظ أسرع وبالألسن أعلق، وللمعانى أجمع وصاحبها أبلغ وأوجز. وقيل لآخر: ألا تطيل القصائد، فقال:
أبى لى أن أطيل الشعر قصدى
…
إلى المعنى وعلمى بالصواب
وإيجازى بمختصر قريب
…
حذفت به الفضول من الجواب
فأبعثهنّ أربعة وستا
…
مثقفة بألفاظ عذاب
خوالد ماحدا ليل نهارا
…
وما حسن الصبا بأخى الشباب
وهنّ إذا وسمت بهن قوما
…
كأطواق الحمائم فى الرّقاب
وكنّ إذا أقمت مسافرات
…
تهاداها الرواة مع الركاب (2)
(1) البيان والتبيين ج 1 ص 86، وكتاب الصناعتين ص 173.
(2)
كتاب الصناعتين ص 174.
وفى هذه الأبيات خلاصة لأغراض الإيجاز، فبه يصل المتكلم إلى هدفه من غير تمهيد أو زيادة لا يقتضيها المعنى، وبه يأتى الكلام قصيرا يسهل حفظه وروايته، وهذا ما يبدو واضحا فى الأمثال والخطب والشعر، وبهذا
الأسلوب أيضا تصل المعانى إلى القلب فى أسرع ما يكون وتؤثر فيه فيهتز طربا إن كان الكلام مما يسر، وينفعل ويتجهم إن كان مما لا يسر.
وكان لهذه الصفة التى أولع بها العرب أن اهتم البلاغيون والنقاد بأسلوب الايجاز، ووضعوا له حدودا وأقساما، وبينوا مواضعه، لأنّه ليس بمحمود فى كل موضع ولا بمختار فى كل كتاب بل لكل مقام مقال، وإلى ذلك أشار ابن قتيبة بقوله:«ولو كان الإيجاز محمودا فى كل الأحوال لجرّده الله تعالى فى القرآن، ولم يفعل الله ذلك ولكنه أطال تارة للتوكيد، وحذف تارة للايجاز، وكرر تارة للافهام» (1).
وقال ابن جنى إنّ الإطالة والإيجاز هما فى كل كلام مقيد مستقل بنفسه ولو بلغ الإيجاز غايته لم يكن له بدّ من أن يعطيك تمامه وفائدته مع أنّه لا بد فيه من تركيب الجملة فان نقصت عن ذلك لم يكن هناك استحسان ولا استعذاب.
وقال إنّ العرب إلى «الايجاز أقبل وعن الإكثار أبعد» ، وضرب مثلا بالقرآن الكريم وما فيه من الحذف الذى يجعل الكلام موجزا (2). ومعنى ذلك أنّ هذا الأسلوب ضرورى كغيره إذا أراد المتكلم أن يكون مطابقا لمقتضى الحال ولذلك يقول أبو هلال العسكرى:«إنّ الإيجاز والإطناب يحتاج إليهما فى جميع الكلام وكل نوع منه، ولكل واحد منهما موضع، فالحاجة إلى الإيجاز فى موضعه كالحاجة إلى الإطناب فى مكانه فمن أزال التدبير فى ذلك عن جهته، واستعمل الإطناب فى موضع الإيجاز واستعمل الإيجاز فى موضع الإطناب أخطأ» (3).
(1) أدب الكاتب ص 15.
(2)
ينظر الخصائص ج 1 ص 39، 83، 86.
(3)
كتاب الصناعتين ص 190.
وتحدث ابن رشيق عن الإيجاز وذكر تعريف الرمانى وهو: «الإيجاز هو العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف» وقسّمه إلى نوعيه المعروفين (1).
وعقد ابن سنان له بحثا وسمّاه «الإشارة» وقال عنه: «هو أن يكون المعنى زائدا على اللفظ، أى أنّه لفظ موجز يدل على معنى طويل على وجه الإشارة واللمحة» (2). والمختار عنده فى الفصاحة والدال على البلاغة هو أن يكون المعنى مساويا للفظ أو زائدا عليه، أى أن يكون اللفظ القليل يدل على الكثير دلالة واضحة ظاهرة لا أن تكون الألفاظ لفرط إيجازها قد ألبست المعنى وأغمضته حتى يحتاج فى استنباطه إلى طرف من التأمل ودقيق الفكر.
وعرّف الرازى الإيجاز بقوله: «وحده أنّه العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف من غير إخلال» (3).
وقال السكاكى إنّ الإيجاز والإطناب- كما سبق- من الأمور النسبية كالأبوة والبنوة وهى التى يتوقف تعقلها على تعقل غيرها، فإنّ الكلام الموجز إنّما يدرك من حيث وصفه بالإيجاز بالقياس إلى كلام آخر أكثر منه، وكذلك المطنب إنّما يدرك من حيث وصفه بالإطناب إلى كلام آخر يكون أقل منه.
وتحدث عنه ابن الأثير وعقد له فصلا فى «المثل السائر» وفصلا فى «الجامع الكبير» وقال فى تعريفه: «هو حذف زيادات الألفاظ» (4)، وهذا النوع من الأساليب شريف لا يتعلق به إلّا فرسان البلاغة، وذلك لعلو منزلته وبعد مناله. ثم قال بعد أن مهد لبحثه: «حد الإيجاز هو دلالة اللفظ
(1) العمدة ج 1 ص 221.
(2)
سر الفصاحة ص 243.
(3)
نهاية الإيجاز ص 145.
(4)
المثل السائر ج 2 ص 71، والجامع الكبير ص 122.