الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تعريف المسند]
أمّا تعريف المسند فلإفادة السامع إمّا حكما على أمر معلوم له بطريق من طرق التعريف بأمر آخر معلوم له كذلك، وإما لازم حكم بين أمرين كذلك وقد شرح القزوينى هذه الافادة بقوله:«تفسير هذا أنّه قد يكون للشئ صفتان التعريف ويكون السامع عالما باتصافه باحداهما دون الأخرى، فاذا أردت أن تخبره بأنّه متصف بالأخرى تعمد إلى اللفظ الدال على الأولى وتجعله مبتدأ، وتعمد إلى اللفظ الدال على الثانية وتجعله خبرا فتفيد السامع ما كان يجهله من اتصاف بالثانية كما إذا كان للسامع أخ يسمى زيدا وهو يعرفه بعينه واسمه ولكن لا يعرف أنّه أخوه وأردت أن تعرفه أنّه أخوه فتقول له: «زيد أخوك» سواء عرف أنّ له أخا ولم يعرف أنّ زيدا أخوه أو لم يعرف أنّ له أخا أصلا. وإن عرف أنّ له أخا فى الجملة وأردت أن تعينه عنده قلت: «أخوك زيد» . أما إذا لم يعرف أنّ له أخا أصلا فلا يقال ذلك لاقناع الحكم بالتعيين على من لا يعرفه المخاطب أصلا، فظهر الفرق بين قولنا:«زيد أخوك» وقولنا: «أخوك زيد» .
وكذا إذا عرف السامع إنسانا يسمّى زيدا بعينه واسمه، وعرف أنّه كان من إنسان انطلاق ولم يعرف أنّه كان من
زيد أو غيره فأردت أن تعرفه أنّ زيدا هو ذلك المنطلق فتقول: «زيد المنطلق» وإن أردت أن تعرف أنّ ذلك المنطلق هو زيد قلت: «المنطلق زيد» .
وكذا إذا عرف السامع إنسانا يسمى زيدا بعينه واسمه، وهو يعرف معنى جنس المنطلق وأردت أن تعرفه بأنّ زيدا متصف به فتقول:«زيد المنطلق» وإن أردت أن تعين عنده جنس المنطلق قلت: «المنطلق زيد» (1).
وكان عبد القاهر الجرجانى من أحسن الذين ميزوا بين تعريف المسند وتنكيره (2) وقد أوضح الفروق بين هاتين الجملتين:
(1) الإيضاح ص 98 - 98، وينظر شروح التلخيص ج 2 ص 93 وما بعدها.
(2)
ينظر دلائل الإعجاز ص 132 وما بعدها.
- زيد منطلق.
- زيد المنطلق.
وقال إنّ فى كل واحد من هذه الأحوال غرضا خاصا وفائدة لا تكون فى الباقى، فالعبارة الأولى «زيد منطلق» كان الكلام فيها مع من لم يعلم أنّ انطلاقا كان لا من «زيد» ولا من «عمرو» فهى تفيده ذلك ابتداء. والعبارة الثانية «زيد المنطلق» كان الكلام فيها مع من عرف أنّ انطلاقا كان إمّا من «زيد» وإمّا من «عمرو» فهى تعلمه أنّه كان من «زيد» دون غيره.
والنكتة هنا هى أن يثبت المتكلم فى العبارة الأولى «زيد منطلق» فعلا لم يعلم السامع من أصله أنّه كان، ويثبت فى الثانى «زيد المنطلق» فعلا قد علم السامع به أنّه كان ولكنه لم يعلمه ل «زيد» .
ومن الفرق بين الجملتين أنّه إذا نكر الخبر جاز أن يؤتى بمبتدأ ثان على أن يشرك بحرف العطف فى المعنى الذى أخبر به عن الأول، وإذا عرّف الخبر- المسند- لم يجز؛ ولذلك يقال:«زيد منطلق وعمرو» أى: «وعمرو منطلق أيضا» ولا يصح «زيد المنطلق وعمرو» لأنّ المعنى مع التعريف على على إرادة إثبات انطلاق مخصوص قد كان من واحد، فاذا أثبت ل «زيد» لم يصح إثباته ل «عمرو». ثم إن كان ذلك الانطلاق من الاثنين وجب الجمع بينهما فى الخبر فيقال:«زيد وعمرو هما المنطلقان» لا أن يفرقا فيثبت أولا ل «زيد» ثم ل «عمرو» بعد ذلك. وربما كانت الألف واللام فى المسند على معنى الجنس ثم يكون لها فى ذلك وجوه:
الأول: قصر جنس المعنى على المخبر للمبالغة مثل «زيد هو الجواد وعمرو هو الشجاع» أى: إنّه الكامل إلّا أنّ
الكلام خرج فى صورة توهم أنّ الجود أو الشجاعة لم توجد إلّا فيه. ولا يجوز فى هذه الحالة العطف عليه للاشراك، ولو قيل «زيد هو الجواد وعمرو» كان خلفا من القول.
الثانى: قصر جنس المعنى الذى يفاد بالخبر على المخبر عنه لا على معنى المبالغة وترك الاعتداد بوجوده فى غير المخبر عنه بل على دعوى أنّه لا يوجد
إلّا منه، ولا يكون ذلك إلّا إذا قيد المعنى بشئ يخصصه ويجعله فى حكم نوع برأسه، وذلك كنحو أن يقيد بالحال والوقت مثل:«هو الوفى حين لا تظن نفس بنفس خيرا» . وهكذا إذا كان الخبر بمعنى يتعدى ثم اشترط له مفعول مخصوص كقول الأعشى:
هو الواهب المائة المصطفا
…
ة إمّا مخاضا وإما عشارا
فقد جعل الوفاء فى الوقت الذى لا يفى فيه أحد نوعا خاصا من الوفاء، وكذلك جعلت «هبة المائة من الإبل» نوعا خاصا، أى أنّ المقصور هو الوفاء فى هذا الوقت لا الوفاء مطلقا، وأنّ المقصور هبة المائة من الإبل فى إحدى الحالتين- إمّا مخاضا وإمّا عشارا- لاهبتها مطلقا ولا الهبة مطلقا.
الثالث: أن لا يقصد قصر المعنى فى جنسه على المذكور كما فى الوجهين السابقين وإنما لغير ذلك، كما فى قول الخنساء:
إذا قبح البكاء على قتيل
…
رأيت بكاءك الحسن الجميلا
لم ترد الشاعرة أنّ ما عدا البكاء عليه فليس بحسن ولا جميل ولم تقيد الحسن بشئ فيتصور أن يقصر على البكاء كما قصر الأعشى «هبة المائة» على الممدوح، ولكنها أرادت أن تقره فى جنس ما حسنه الحسن الظاهر الذى لا ينكره أحد ولا يشك فيه شاكّ. ومثله قول حسان:
وإنّ سنام المجد من آل هاشم
…
بنو بنت مخزوم ووالدك العبد
أراد أن يثبت العبودية ثم يجعله ظاهرا لأمر فيها ومعروفا بها، ولو قال:
«ووالدك عبد» لم يكن قد جعل حاله فى العبودية حالة ظاهرة متعارفة. وعلى ذلك قول الآخر:
أسود إذا ما أبدت الحرب نابها
…
وفى سائر الدهر الغيوث المواطر
ولتعريف المسند- الخبر- بالألف واللام نكات أخرى ذكرها عبد القاهر الجرجانى ومن ذلك أن يقال: «هو البطل المحامى وهو المتقى