الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محسنات الوصل:
من محسنات الوصل تناسب الجملتين فى الاسمية والفعلية، وتناسب الجملتين الفعليتين فى المضى والمضارعة، وفى الإطلاق والتقييد، ولا يعدل عن ذلك إلّا لغرض أو لمانع، كما إذا أريد بإحداهما التجدد وبالأخرى الثبوت مثل:«قام محمد وعمرو قاعد» إذا أريد أن قيام محمد متجدد وقعود عمرو ثابت مستمر. أو أن يراد حكاية الحال الماضية واستحضار الصورة فى الذهن كقوله تعالى: «فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ» (1).
أو أن يراد الإطلاق فى إحداهما والتقييد فى الأخرى كقوله تعالى:
«وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ، وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ» (2)، والجملة الأولى مطلقة، والثانية مقيدة؛ لأنّ الشرط مقيد للجواب (3).
الفصل والوصل فى المفردات:
لم يتعرض البلاغيون إلّا للجمل حينما ترتبط أو تنفصل، أمّا المفردات فلم يتعرضوا لها، ولعل السبب وضوح هذه المسألة أو أن الحكم يعلم من الجملتين.
وكان عبد القاهر الجرجانى قد اتخذ من الحديث عن عطف المفردات سبيلا للحديث عن عطف الجمل، ولكنه لم يعقد لهذا القسم دراسة لأنّه مما يتحدث عنه النحاة ولا يقع فيه الإشكال (4). وأشار السكاكى إلى أنّ الفصل والوصل بين الجمل هو الأصل فى هذا الفن (5)،
(1) البقرة 87.
(2)
الأنعام 8.
(3)
ينظر مفتاح العلوم ص 131، والإيضاح ص 165، وشروح التلخيص ج 3 ص 109.
(4)
دلائل الإعجاز ص 171 وما بعدها.
(5)
مفتاح العلوم ص 120.
وظن الخطيب القزوينى أنّ غير ذلك متروك ولذلك عرف هذا الأسلوب بقوله: «الوصل عطف بعض الجمل على
بعض والفصل تركه» (1)، وعلى ذلك سار شراح تلخيصه غير أنّ العصام يعقب على كلام التفتازانى بقوله:
«وعبارته بأنّ الفصل والوصل مختصان اصطلاحا بالجمل والمقتضيات لهما جارية فى المفردات أيضا. فلا ينبغى التخصيص اصطلاحا ونحن نفهم من عبارة المفتاح عدم اختصاصها بها، وإنما هو الأصل فى الجمل حيث قال:
«تمييز موضع العطف عن غير موضعه فى الجمل هو الأصل فى هذا الفن» (2).
ولعل بهاء الدين السبكى شارح تلخيص القزوينى، كان من أحسن الذين تعرضوا لهذا البحث، وقال إنّ الأصل فى المفرد فصله مما قبله، لأنّ ما قبله (4):
- إمّا عامل فيه مثل «زيد قائم» فلا يعطف المعمول على عامله.
- أو معمول فلا يعطف العامل على معموله.
- أو كلاهما معمول والفعل يطلبهما طلبا واحدا فلا يمكن عطفه لأنّه يلزم قطع العامل عن الثانى مثل: «علمت زيدا قائما» .
وإذا اجتمع مفردان وأمكن من جهة الصناعة عطف أحدهما على الآخر فان كان بينهما جامع تم الوصل وإلّا كان الفصل هو الأساس.
وسار بهاء الدين السبكى فى بحث هذا النوع على منهجه فى الجمل، وهو أقسام:
(1) الإيضاح ص 147.
(2)
هذه عبارة السكاكى فى المفتاح ص 120.
(3)
الشرح الأطول ج 2 ص 2.
(4)
عروس الأفراح، شروح التلخيص ج 3 ص 113 وما بعدها.
الأول: أن يكون بين المفردين كمال الانقطاع بلا إيهام غير المراد مثل «زيد عالم قائم» فانه لا جامع بين هذين الخبرين ولذلك يفصلان، ومثل ذلك الأعداد واحد أثنان ثلاثة أربعة
…
، وحروف الهجاء ألف باء
…
ففى مثل هذه الحالة يجب الفصل.
الثانى: أن يكون بينهما كمال الانقطاع وفى الفصل إيهام غير المراد مثل:
«ظننت زيدا ضاربا وعالما» فيجب العطف إذ لو لم يعطف لتوهم أن «عالما» «معمول» ل «ضاربا» .
الثالث: كمال الاتصال بأن يكون تأكيدا معنويا، أو لفظيا، أو عطف بيان، أو نعتا، أو بدلا نحو «جاء زيد نفسه» و «جاء زيد أبو عبد الله» و «جاء زيد القاسم» فلا يعطف شئ من ذلك.
أو يكون فى معنى واحد من هذه الأمور كما فى عطف الجمل أو فصلها أو أن يكونا بمنزلة خبر واحد، مثل:«هذا حلو حامض» إذا جعلناهما خبرين.
الرابع: شبه كمال الانقطاع بأن يكون للمفرد الأول حكم لا يقصد إعطاؤه للثانى نحو «زيد مجيب إن قصد صالح» إذا أريد الإخبار بأنّه صالح مطلقا فان عطف «صالح» على «مجيب» يوهم أنّه صالح إن قصد، لأنّ الشرط فى أحد المتعاطفين شرط فى الآخر بخلاف الشرط فى واحد من خبرى المبتدأ. وتارة يكون عطفه على المفرد قبله يوهم عطفه على غيره مثل «كان زيد ضاربا عمرا قائما» فلو قيل:«وقائما» لأوهم أنّه معطوف على «عمرو» المفعول.
الخامس: شبه كمال الاتصال، مثل «زيد غضبان ناقص الحظ» كأنّ سائلا سأل: لم غضب؟.
السادس: أن يكون بينهما التوسط من كمال الانقطاع وكمال الاتصال مثل «زيد معط مانع» على أن يكونا خبرين، فإذا أريد جعل الثانى صفة تعين الوصل.
أما العطف بين الجمل والمفردات، فقد جوّز أكثر النحاة عطف الفعل على الاسم وعطف الاسم على الفعل إذا كان كل منهما فى تقدير الآخر. وقال السهيلى يحسن عطف الفعل على الاسم إذا كان اسم فاعل، ويقبح عطف الاسم على الفعل. وقال إنّ مثل «مررت برجل يقوم قاعد» ممتنع إلّا على وجه. وجوّزه الزجاج كعطف الفعل على الاسم، والأكثرون على الجواز (1). قال تعالى:«صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ (2)» وقال:
«فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً. فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (3)» .
…
(1) عروس الأفراح- شروح التلخيص ج 3 ص 115.
(2)
الملك 19.
(3)
العاديات 3 - 4.