الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثانى الخبر والانشاء
[ظهور دراسته]
ظهرت دراسات هذا الموضوع فى رحاب علم الكلام، وكان لمسألة خلق القرآن أثر فى ذلك، وقد بنى المعتزلة رأيهم على أساس أنّ القرآن أمر ونهى وخبر، وذلك مما ينفى عنه صفة القدم التى ذهب إليها معظم المسلمين.
وظهر فى بيئة الاعتزال رأيان فى صدق الخبر وكذبه:
الرأى الأول: ينسب إلى أبى إسحاق إبراهيم بن سيار المعروف بالنظام (- هـ أو هـ) وخلاصة هذا الرأى أنّ صدق الخبر مطابقة حكمه لاعتقاد المخبر صوابا كان أو خطأ، وكذبه مطابقة حكمه له. واحتج بوجهين:
أحدهما: أنّ من اعتقد أمرا فأخبر به ثم ظهر خبره بخلاف الواقع يقال:
ما كذب ولكنه أخطأ. كما روى عن عائشة- رضى الله عنها- قالت فيمن شأنه كذلك «ما كذب ولكنه وهم» .
الثانى: قوله تعالى: «وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ» (1) كذبهم فى قولهم: «إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ» وإن كان مطابقا للواقع لأنّهم لم يعتقدوه. وردّ الخطيب القزوينى على الوجه الأول بأنّ المنفى تعمد الكذب لا الكذب بدليل تكذيب الكافر إذا قال: «الإسلام باطل» وتصديقه إذا قال: «الإسلام حق» . فقول السيدة عائشة «ما كذب» متأول بما كذب عمدا وأجاب عن الوجه الأول بوجوه:
(1) المنافقون 1، والآية:«إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ» .
أحدها: أنّ المعنى نشهد شهادة واطأت فيها قلوبنا ألسنتنا، كما يترجم عنه «إنّ» واللام، وكون الجملة اسمية فى قولهم:«إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ» ، فالتكذيب فى قولهم «نشهد» وادعائهم فيه المواطأة لا فى قولهم «إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ»
وثانيها: أنّ التكذيب فى تسميتهم إخباره شهادة، لأنّ الإخبار إذا خلا عن المواطأة لم يكن شهادة فى الحقيقة.
وثالثها: أنّ المعنى لكاذبون فى قولهم: «إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ» عند أنفسهم لاعتقادهم أنّه خبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه.
الرأى الثانى: ينسب إلى أبى عثمان الجاحظ (- هـ)، وفيه أنكر انحصار الخبر فى الصدق والكذب، وزعم أنّه ثلاثة أقسام: صادق، وكاذب، وغير صادق ولا كاذب. فالخبر الصادق هو المطابق للواقع مع الاعتقاد بأنّه مطابق، والخبر الكاذب هو الذى لا يطابق الواقع مع الاعتقاد بأنّه غير مطابق. أما الخبر الذى ليس بصادق ولا كاذب فهو أربعة أنواع:
- الخبر المطابق للواقع مع الاعتقاد بأنه غير مطابق.
- الخبر المطابق للواقع بلا اعتقاد.
- الخبر غير المطابق للواقع مع الاعتقاد بأنه مطابق.
- الخبر غير المطابق للواقع بلا اعتقاد.
واحتج بقوله تعالى: «أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ» (1)، فانهم حصروا دعوى النبى- صلى الله عليه وسلم
الرسالة فى الافتراء والإخبار حال الجنون، بمعنى امتناع الخلو، وليس إخباره حال الجنون كذبا لجعلهم الافتراء فى مقابلته، ولا صدقا لأنّهم لم يعتقدوا صدقه، فثبت أنّ من الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب (2).
(1) سبأ 8.
(2)
ينظر الإيضاح ص 13 - 15، وشروح التلخيص ج 1 ص 176 وما بعدها.
وانتقلت هذه المباحث إلى كتب البلاغة والأدب، فقال ابن قتيبة (- هـ) وهو يتحدث عما كان فى زمانه من معارف أذهلت بعضهم:
وقسّم ثعلب (- هـ) قواعد الشعر إلى أمر، ونهى، وخبر، واستخبار (2).
وقسم أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم بن وهب الكلام إلى خبر وطلب، وقال: «الخبر: كل قول أفدت به مستمعه ما لم يكن عنده، كقولك:
«قام زيد» فقد أفدته العلم بقيامه
…
والطلب: كل ما طلبته من غيرك (3)»
وعقد أحمد بن فارس (- هـ) فى كتابه «الصاحبى» بابا سماه «معانى الكلام» وهى عند أهل العلم عشرة: خبر واستخبار، وأمر ونهى، ودعاء وطلب، وعرض وتحضيض، وتمن وتعجب. وقال فى تعريف الخبر:«أمّا أهل اللغة فلا يقولون فى الخبر أكثر من أنّه إعلام: تقول أخبرته أخبره، والخبر هو العلم. وأهل النظر يقولون: الخبر ما جاز تصديق قائله أو تكذيبه، وهو إفادة المخاطب أمرا فى ماض من زمان، أو مستقبل، أو دائم (4)» .
(1) أدب الكاتب ص 4.
(2)
قواعد الشعر ص 25 وما بعدها.
(3)
البرهان فى وجوه البيان ص 113.
(4)
الصاحبى ص 179.