الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضع المظهر موضع المضمر:
فان كان ذلك الظاهر اسم إشارة ففائدته:
- كمال العناية فى ترك مقتضى الظاهر إلى غيره لاختصاصه بحكم غريب، كقول ابن الراوندى:
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه
…
وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذى ترك الأوهام حائرة
…
وصيّر العالم النحرير زنديقا
فالمشار إليه هو كون العاقل محروما والجاهل مرزوقا، أو إعياء مذاهب العاقل ورزق الجاهل.
- التهكم بالسامع والتعجب من أمره، كقوله تعالى:«ص، وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ. كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ. وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ، وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ» (1).
فالإتيان باسم الإشارة فى قوله «هذا ساحر كذّاب» إنّما هو للتهكم من الكفار.
- التنبيه على كمال بلادة السامع، كأن يقال:«من الحاكم؟» فيقال فى الجواب «ذلك محمد» بدل «هو محمد» .
- التنبيه على كمال فطنة السامع، وذلك أن يكون غير المحسوس عنده كالمحسوس. ومثال ذلك أن يقال «هذه قضية مهمة» بدل «هى قضية مهمة» .
- ادعاء كمال ظهور المسند إليه عند المتكلم ولو لم يكن ظاهرا فى نفسه، وذلك أن يقال «هذه مسألة واضحة» بدل «هى مسألة واضحة». وإن كان المظهر غير اسم إشارة فالعدول إليه عن الضمير يأتى لأسباب منها:
(1) ص 1 - 4.
- زيادة تمكين المسند إليه فى ذهن السامع كقوله تعالى: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ» (1)
- إدخال الروع والمهابة فى قلب السامع أو تقوية ما يدعو المخاطب إلى الامتثال والطاعة ومثاله «الحاكم يأمرك، بل أنا آمرك» .
- الاستعطاف، كقول الشاعر
إلهى عبدك العاصى أتاكا
…
مقرا بالذنوب وقد دعاكا
وهذه صور المسند إليه، أما صور الخروج على مقتضى الظاهر فى غير ذلك فكقول عبد الله ابن الدمينة:
تعاللت كى أشجى وما بك علّة
…
تريدين قتلى قد ظفرت بذلك
وكان مقتضى الظاهر أن يقول «قد ظفرت به» ولكنه عدل عنه وقال «قد ظفرت بذلك» . ومنه قوله تعالى: «وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ» (2) وكان مقتضى الظاهر أن يقول «وبه نزل» .
وقوله: «فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» (3)، وكان مقتضى الظاهر أن يقول «فتوكل على» (4)
وليس فى دراسة البلاغيين لهذا الأسلوب غير ما ذكرنا، أمّا الذين عنوا بعلوم القرآن فكانت نظرتهم أوسع ومسائلهم أكثر تشعبا واستيعابا. ولعل الزركشى من أبرز الذين بحثوا هذا الموضوع، وقد قال عن وضع الظاهر
(1) الإخلاص 1 - 2.
(2)
الإسراء 105.
(3)
آل عمران 159.
(4)
ينظر مفتاح العلوم ص 94، والإيضاح ص 70، وشروح التلخيص ج 1 ص 452.