الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهل كان ما جرى بين خلف وبشار بمحضر من أبى عمرو بن العلاء- وهم من فحولة هذا الفن- إلّا للطف المعنى
فى ذلك وخفائه» (1).
- أن ينزل غير المنكر منزلة المنكر إذا ظهر عليه شئ من أمارات الإنكار، ومنه قوله تعالى:«ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ» (2)، وقد أكد إثبات الموت تأكيدين- وإن كان مما لا ينكر- لتنزيل المخاطبين منزلة من يبالغ فى إنكار الموت لتماديهم فى الغفلة والإعراض عن العمل لما بعده، ولهذا قيل:«ميتون» دون «تموتون» . ومنه قول حجل ابن نضلة:
جاء شقيق عارضا رمحه
…
إنّ بنى عمك فيهم رماح
فانّ مجيئه هكذا مدلّا بشجاعته قد وضع رمحه عارضا، دليل على إعجاب شديد منه واعتقاد أنّه لا يقوم إليه من بنى عمه أحد، كأنهم كلهم عزل ليس مع أحد منهم رمح.
- أن ينزل المنكر منزلة غير المنكر، إذا كان معه ما إن تأمله ارتدع عن الإنكار، كما يقال لمنكر الإسلام:«لإاسلام حق» ، وعليه قوله تعالى «لا رَيْبَ فِيهِ» (3) وقوله «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ» (4). وقد أكّد إثبات البعث تأكيدا واحدا- وإن كان مما ينكر- لأنّه لما كانت أدلته ظاهرة كان جديرا بأن لا ينكر.
الأغراض المجازية:
الأصل فى الخبر أن يلقى لغرضين هما: فائدة الخبر، ولازم الفائدة، غير أنّه كثيرا ما يخرج على خلاف مقتضى الظاهر. ولكنه لا يقتصر على ذلك وإنما يخرج مجازا إلى أغراض كثيرة تفهم من السياق وقرائن الأحوال ومن ذلك:
(1) الإيضاح ص 19، وينظر دلائل الإعجاز ص 211، ومفتاح العلوم ص 82.
(2)
المؤمنون 15.
(3)
البقرة 2.
(4)
المؤمنون 16.
- إظهار الضعف: ومنه قوله تعالى: «قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً» (1) وقول الشاعر:
إنّ الثمانين- وبلغتها-
…
قد أحوجت سمعى إلى ترجمان
وقول أبى نواس:
دبّ فىّ السقام سفلا وعلوا
…
وأرانى أموت عضوا فعضوا
- الاسترحام: ومنه قول إبراهيم بن المهدى مخاطبا المأمون:
أتيت جرما شنيعا
…
وأنت للعفو أهل
فان عفوت فمنّ
…
وإن قتلت فعدل
وقول الآخر:
فمالى حيلة إلا رجائى
…
لعفوك إن عفوت وحسن ظنى
- تحريك الهمة: ومنه قوله تعالى: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ» (2).
- إظهار التحسر: ومنه قول أعرابى يرثى ولده:
ولما دعوت الصبر بعدك والأسى
…
أجاب الأسى طوعا ولم يجب الصّبر
وقول المتنبى:
أقمت بأرض مصر فلا ورائى
…
تخبّ بى الركاب ولا أمامى
وقوله فى الرثاء:
الحزن يقلق والتجمل يردع
…
والقلب بينهما عصىّ طيّع
يتنازعان دموع عين مسهّد
…
هذا يجئ بها وهذا يرجع
(1) مريم 4.
(2)
يونس 26.
- المدح: ومنه قول النابغة الذبيانى:
فإنك شمس والملوك كواكب
…
إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب
- الفخر: ومنه قول عمرو بن كلثوم:
إذا بلغ الفطام لناصبىّ
…
تخرّ له الجبابر ساجدينا
وقول أبى فراس الحمدانى:
إنّا إذا اشتد الزما
…
ن وناب خطب وادلهم
ألفيت حول بيوتنا
…
عدد الشجاعة والكرم
للقا العدا بيض السيو
…
ف، وللندى حمر النّعم
هذا وهذا دأبنا
…
يودى دم ويراق دم
وقول الشريف الرضى:
لغير العلى منى القلى والتجنّب
…
ولولا العلى ما كنت فى العيش أرغب
وقور فلا الألحان تأسر عزمتى
…
ولا تمكر الصهباء بى حين أشرب
ولا أعرف الفحشاء إلّا بوصفها
…
ولا أنطق العوراء والقلب مغضب
- التوبيخ: ومن ذلك قولنا لتارك الصلاة: «الصلاة ركن من أركان الإسلام» .
- التحذير: ومنه قول النبى- صلى الله عليه وسلم: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» .
- الأمر: ومنه قوله تعالى: «وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ» (1) وقوله:
«وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ» (2)، فان السياق يدل على أنّ الله تعالى أمر بذلك لا أنّه خبر.
- النهى: ومنه قوله تعالى: «لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» (3).
- الوعد: ومنه قوله تعالى: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ» (4).
- الوعيد: ومنه قوله تعالى: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» (5).
- الدعاء: ومنه قوله تعالى «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» (6)، أى:
أعنّا على عبادتك، وقولنا:«عفا الله عنه» .
- الإنكار والتبكيت: ومنه قوله تعالى: «ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ» (7)
- التمنى: ومنه قولنا: «وددتك عندنا» .
- الإنكار: ومنه: «ماله علىّ حق» .
- النفى: ومنه: «لا بأس عليك» .
- التعظيم: ومنه: «سبحان الله» .
(1) البقرة 228.
(2)
البقرة 233.
(3)
الواقعة 79.
(4)
فصلت 53.
(5)
الشعراء 227.
(6)
الفاتحة 5.
(7)
الدخان 49.
وربما كان اللفظ خبرا والمعنى شرطا وجزاء، كقوله تعالى:«إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ» (1)، فظاهره خبر، والمعنى إنّا إن نكشف عنكم العذاب تعودوا. ومنه قوله:«الطَّلاقُ مَرَّتانِ» (2)، والمعنى:
من طلّق امرأة مرتين فليمسكها بعدهما بمعروف أو يسرحها باحسان (3).
…
(1) الدخان 15.
(2)
البقرة 229.
(3)
تنظر أغراض الخبر المجازية فى الصاحبى لابن فارس ص 179، والبرهان فى علوم القرآن ج 2 ص 310.