الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنه قول امرئ القيس:
فقلت: يمين الله أبرح قاعدا
…
ولو قطعّوا رأسى لديك وأوصالى
أى: لا أبرح قاعدا
…
- حذف الواو من الكلام وإثباتها، وأحسن حذوفها فى المعطوف والمعطوف عليه، ومنه قوله تعالى:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ» (1). أى: لا يألونكم خبالا وودوا
…
- حذف بعض اللفظ وهو سماعى لا يجوز القياس عليه (2)، ومنه قول علقمة بن عبدة:
كأنّ إبريقهم ظبى على شرف
…
مفدّم بسبا الكتّان ملثوم (3)
فقوله: «بسبا الكتان» يريد بسبائب الكتان.
وهذا وأمثاله مما يقبح ولا يحسن وإن كانت العرب قد استعملته فانه لا يجوز لنا أن نستعمله.
[النوع الثانى: حذف الجمل]
النوع الثانى: حذف الجمل وهو قسمان:
أحدهما: حذف الجمل المفيدة التى تستقل بنفسها كلاما وهذا أحسن المحذوفات وأدلها على الاختصار ولا نكاد نراه إلّا فى كتاب الله تعالى.
وثانيهما: حذف الجمل غير المفيدة.
وجملة هذين النوعين أربعة أضرب:
الضرب الأول: حذف السؤال المقدر ويسمى الاستئناف ويكون على وجهين:
(1) آل عمران 118.
(2)
ينظر المثل السائر ج 2 ص 113؛ والطراز ج 2 ص 112.
(3)
الفدام: خرقة تجعل فى فم الإبريق. سبائب الكتان: جمع سبيبة وهى الشقة، وقيل: الشقة البيضاء.
- إعادة الأسماء والصفات، كقوله تعالى:«الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (1)، والاستئناف واقع فى هذا الكلام على «أولئك» لأنه لما قال «الم. ذلك الكتاب» إلى قوله «وبالآخرة هم يوقنون» اتجه السائل أن يقول: ما بال المستقلين بهذه الصفات قد اختصوا بالهدى، فأجيب بأن أولئك الموصوفين غير مستبعد أن يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلا وبالفلاح آجلا.
- الاستئناف بغير إعادة الأسماء والصفات، كقوله تعالى:«وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ* إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ* قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ» (2). فمخرج هذا القول مخرج الاستئناف، لأن ذلك من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه، وكأنّ قائلا قال: كيف حال هذا الرجل عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب فى دينه والتسخى لوجهه بروحه؟
فقيل: قيل ادخل الجنة ولم يقل قيل له لانصباب الغرض إلى المقول لا إلى المقول له مع كونه معلوما، وكذلك قوله تعالى:«يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ» مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد.
الضرب الثانى: الاكتفاء بالسبب عن المسبب وبالمسبب عن السبب، فاما الاكتفاء بالسبب عن المسبب فكقوله تعالى: «وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ
(1) البقرة 1 - 5.
(2)
يس 22 - 27.
إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ» (1)، فذكر الرحمة التى هى السبب فى إرساله إلى الخلق ودل بها على المسبب وهو الإرسال.
وعليه قول المتنبى:
أتى الزمان بنوه فى شبيبته
…
فسرّهم وأتيناه على الهرم
أى: فساءنا.
وأما حذف الجملة غير المفيدة من هذا الضرب فكقوله تعالى حكاية عن مريم- عليها السلام «قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا. قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا» (2)، فقوله:«ولنجعله آية للناس» تعليل معلّله محذوف أى: وإنما فعلنا ذلك لنجعله آية للناس، فذكر السبب الذى صدر الفعل من أجله، وهو جعله آية للناس، ودل به على المسبب الذى هو الفعل.
وأما الاكتفاء بالمسبب عن السبب، فكقوله تعالى:«فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ» (3)، أى: إذا أردت قراءة القرآن.
فاكتفى بالمسبب الذى هو القراءة عن السبب الذى هو الإرادة، والدليل على ذلك أنّ الاستعاذة قبل القراءة والذى دلت عليه أنّها بعد القراءة.
الضرب الثالث: الإضمار على شريطة التفسير، وهو أن يحذف من صدر الكلام ما يؤتى به فى آخره فيكون الآخر دليلا على الأول. وهو ثلاثة أوجه (4):
(1) القصص 44 - 45.
(2)
مريم 20 - 21.
(3)
النحل 98.
(4)
ينظر المثل السائر ج 2 ص 86، والجامع الكبير ص 125، والطراز ج 2 ص 97.
- أن يأتى على طريق الاستفهام فتذكر الجملة الأولى دون الثانية، كقوله تعالى:«أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» (1)، تقدير الآية:
أفمن شرح الله صدره للاسلام كمن أقسى قلبه؟ ويدل على المحذوف قوله «فويل للقاسية قلوبهم» .
- أن يرد على حد النفى والإثبات، كقوله تعالى:«لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا» (2). تقديره: لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن أنفق من بعده وقاتل، ويدل على المحذوف قوله:
«أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا» .
- أن يرد على غير هذين الوجهين، فلا يكون استفهاما ولا نفيا وإثباتا كقوله تعالى:«وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ» (3) فالمعنى فى الآية: والذين يعطون ما أعطوا من الصدقات وسائر القرب الخالصة لوجه الله تعالى «وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» أى: خائفة من أن ترد عليهم صدقاتهم فحذف قوله: ويخافون أن ترد عليهم هذه النفقات، ودل عليه بقوله «وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» فظاهر الآية أنّهم وجلون من الصدقة وليس من وجلهم لأجل الصدقة، وإنّما وجلهم لأجل خوف الرد المتصل بالصدقة.
وكقول أبى تمام:
يتجنب الآثام ثم يخافها
…
فكأنّما حسناته آثام
(1) الزمر 22.
(2)
الحديد 10.
(3)
المؤمنون 60.
التقدير: أنه يتجنب الآثام فاذا تجنبها فقد أتى بحسنة ثم يخاف أن لا تكون تلك الحسنة مقبولة، فكأنما حسناته آثام
فلم يخف الحسنة لكونها حسنة وإنّما خاف ما يتصل بها من الرد فكأنها مخوفة كما تخاف الآثام.
ومنه قول أبى نواس:
سنّة العشّاق واحدة
…
فاذا أحببت فاستكن
فحذف الاستكانة من الأول وذكرها فى المصراع الثانى، لأنّ التقدير:
سنة العاشقين واحدة وهى أن يستكينوا ويتضرعوا، فاذا أحببت فاستكن.
الضرب الرابع: ما ليس بسبب ولا مسبب، ولا إضمار على شريطة التفسير، ولا استئناف.
فمن حذف الجمل المفيدة فيه قوله تعالى: «قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ. وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ» (1)، فانه حذف من هذا الكلام جملة مفيدة تقديرها: فرجع الرسول فأخبرهم بمقالة يوسف فعجبوا لها أو فصدقوه عليها وقال الملك:
«ائتونى به» .
ومن حذف الجمل غير المفيدة قوله تعالى: «يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا* قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا* قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً* قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا
(1) يوسف 47 - 50.
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا* يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» (1).
هذا الكلام قد حذف منه جملة دل عليها صدره وهو البشرى بالغلام وتقديرها: ولما جاءه الغلام ونشأ وترعرع قلنا له: يا يحيى خذ الكتاب بقوة، فالجملة المحذوفة ليست من الجمل المفيدة.
ومما ورد على ذلك شعرا قول المتنبى:
لا أبغض العيس لكّنى وقيت بها
…
قلبى من الهمّ أو جسمى من السّقم
وفى هذا البيت حذف، والتقدير: لا أبغض العيس لإنضائى إياها فى الأسفار ولكنى وقيت بها كذا وكذا، فالثانى دليل على حذف الأول.
ومما يتصل بهذا الضرب حذف ما يجئ بعد «أفعل» مثل: «الله أكبر» أى: أكبر من كل كبير. وعليه ورد قول
البحترى:
الله أعطاك المحبّة فى الورى
…
وحباك بالفضل الذى لا ينكر
ولأنت أملأ فى العيون لديهم
…
وأجلّ قدرا فى الصدور وأكبر
أى: أنت أملأ فى العيون من غيرك (2).
…
(1) مريم 7 - 12.
(2)
ينظر التفصيل فى هذه المسائل المثل السائر ج 2 ص 71 وما بعدها، والجامع الكبير ص 122 وما بعدها، والإيضاح ص 185 وما بعدها، والطراز ج ص 88 وما بعدها، وشروح التلخيص ج 3 ص 183 وما بعدها.