الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنه قوله تعالى: «وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً» (1)، وإنما قيل «وَحَشَرْناهُمْ» ماضيا بعد «نسير» و «ترى» وهما مستقبلان للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير والبروز ليشاهدوا تلك الأحوال كأنه قال: وحشرناهم قبل ذلك لأنّ الحشر هو المهم ومن أجل ذلك ذكر بلفظ الماضى.
ومما يجرى هذا المجرى الإخبار باسم المفعول عن الفعل المستقبل وإنما يفعل ذلك لتضمنه معنى الفعل الماضى، كقوله تعالى:«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ، ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ» (2)، فانه إنما آثر اسم المفعول الذى هو «مجموع» على الفعل المستقبل الذى هو «يجمع» لما فيه من الدلالة على ثبات معنى الجمع لليوم وأنه الموصوف بهذه الصفة.
ولم يدخل الزركشى الأنواع الأربعة الأخيرة فى الالتفات وإنما بحثها فى مبحث خاص وقال إنّها تقرب من الالتفات، فى حين عدّها ابن الأثير النوع الثانى والنوع الثالث من أقسامه الثلاثة (3).
أساليب أخرى:
وهناك أساليب أخرى من إتيان الكلام على خلاف مقتضى الظاهر، وكل منها يصلح أن يكون من أبواب المعانى
إذا اعتبرت فيه نكتة لطيفة.
وكان الخطيب القزوينى قد أهملها ونبه إليها السبكى (4)، وأشار إلى بعضها الزركشى وقال عنها إنّها تقرب من الالتفات (5).
(1) الكهف 47.
(2)
هود 103.
(3)
ينظر المثل السائر ج 2 ص 4 - 19، والجامع الكبير ص 96 وما بعدها، والبرهان فى علوم القرآن ج 3 ص 314 - 337.
(4)
عروس الأفراح- شروح التلخيص ج 1 ص 491 - 492.
(5)
البرهان فى علوم القرآن ج 3 ص 234.
ومن هذه الأساليب:
- الانتقال من خطاب الواحد لخطاب الاثنين، كقوله تعالى:«قالُوا: أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ» (1).
- الانتقال من خطاب الواحد إلى خطاب الجمع، كقوله تعالى:«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ» (2).
- الانتقال من الاثنين إلى الواحد، كقوله تعالى:«قالَ: فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى» (3).
- الانتقال من الاثنين إلى الجمع، كقوله تعالى:«وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» (4).
- الانتقال من الجمع إلى الواحد كقوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» (5).
- الانتقال من الجمع إلى التثنية، كقوله تعالى:«يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» (6).
(1) يونس 78.
(2)
الطلاق 1.
(3)
طه 49.
(4)
يونس 87.
(5)
يونس 87.
(6)
الرحمن ص- 34.
والخروج على مقتضى الظاهر كما ظهر فى الأساليب المتقدمة، يعطى المتكلم أو الكاتب مجالا رحبا للتعبير عن الآراء بطرق مختلفة، وفى ذلك حرية لا تنكر. وهذه الأساليب ألصق بمباحث المجاز لأنّها تعبير عن المعنى بغير لفظه الموضوع له وبغير أسلوبه المعتاد. وقد أشار القدماء إلى ذلك فقال الزركشى وهو يتحدث عن التغليب:«جميع باب التغليب من المجاز، لأنّ اللفظ لم يستعمل فيما وضع له، ألا ترى أنّ القانتين موضوع للذكور الموصوفين بهذا الوصف فاطلاقه على الذكور والإناث على غير ما وضع له، وقس على هذا جميع الأمثلة» (1). ولعل ضمّ هذه الأساليب إلى المجاز المرسل يوحّد أجزاءه ويجمع منه ما تفرق فى أبواب البلاغة المختلفة، وذلك ما دعونا إليه فى دراساتنا السابقة.
…
(1) البرهان فى علوم القران ج 3 ص 312.