الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يباين مقام الحذف، ومقام القصر يباين مقام خلافه، ومقام الفصل يباين مقام الوصل، ومقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة، وكذا خطاب الذكى يباين خطاب الغبى، وكذا لكل كلمة مع صاحبتها مقام. وتطبيق الكلام على مقتضى الحال هو الذى يسميه عبد القاهر النظم. (1)
وقال عن الثانية: «وأما بلاغة المتكلم فهى ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ» (2). وقرر أنّ كل بليغ- كلاما كان أم متكلما- فصيح، وليس كل فصيح بليغا، وأنّ البلاغة فى الكلام مرجعها إلى الاحتراز عن الخطأ فى تأدية المعنى المراد، وإلى تمييز الكلام الفصيح من غيره.
وقسّم البلاغة إلى ثلاثة أقسام، فكان ما يحترز به عن الخطأ علم المعانى، وما يحترز به عن التعقيد المعنوى علم البيان، وما يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال وفصاحته علم البديع. فالبلاغة- عنده- ثلاثة:
- علم المعانى.
- علم البيان.
- علم البديع.
ولم يخرج البلاغيون المتأخرون عن هذا التعريف والتقسيم، وأصبح مصطلح البلاغة يضم هذه العلوم الثلاثة.
رأى:
وحينما أطل فجر النهضة الحديثة حاول العرب التجديد فى الدراسات الأدبية، وكان للبلاغة نصيب منه. ومن أشهر الذين عنوا بذلك المرحوم أمين الخولى الذى أطلق على البلاغة «فن القول» ، وسماه غيره «فن الكتابة» أو «فن التأليف الأدبى» أو «فن الإنشاء» أو «علم الأساليب» أو «فن
(1) الإيضاح ص 9، والتلخيص ص 33.
(2)
الإيضاح ص 11.
الأنواع الأدبية» وحجتهم أنّ مصطلح «البلاغة» قد رثّ من كثرة ما تداولته الأجيال وأصبح مقترنا بألوان الأدب القاتمة التى خلّفتها العهود المظلمة.
ولو عدنا إلى المصطلحات الجديدة التى حاول الدارسون أن يربطوا البلاغة يها ويقضوا على المصطلح القديم لرأيناهم غير موفقين، لأنّ مصطلحاتهم لا تحمل المعانى الكثيرة التى تحملها لفظة «البلاغة» القديمة، فلا «فن القول» ولا «علم الأساليب» ولا «فن الانشاء» تغنى عن هذا المصطلح أو تضم مباحثه وأقسامه كلها، لأنّ لكل مصطلح منها دلالته فى لغته التى استعمل فيها، وأنّ بعضها فقد محتواه بعد ترجمته وأصبح يضيق بالبلاغة العربية ذات الإرث العريق.
وقد آثر بعضهم مصطلح «البلاغة» على هذه المصطلحات، وقال الأستاذ عدنان بن ذريل:«لقد وسعت مجالات البحث البلاغى الحديث إلى حدود أرحب أفقا، وسعت من حدود اللفظة والجملة إلى المجالات الرحبة التى للنوع الأدبى الواحد والأساليب المتنوعة فى القول، وصارت تشمل ما يكفل تبين إبداع الأديب أو جمال أدبه. ولنلاحظ أخيرا أنّ البلاغة كمصطلح فنى أدبى حديث تشمل الأسلوب وعلمه، إلا أنّها إلى جانب ذلك تتضمن الطاقة الأدبية أو الملكة أو المقدرة على التعبير عند الأديب، كما أنها تقصدها، وبذلك هى تتميز عن مصطلح أسلوب أو علم أسلوب. وبالفعل إذا نحن قارنا بين مصطلحى «بلاغة» و «علم الأسلوب» وجدنا أنّ مصطلح «بلاغة» يضعنا أمام ملكة التعبير الأدبى ثم التعبير الأدبى، كما يضعنا أمام أصول الأدب وجماله، بينما مصطلح «علم الأسلوب» أو «علم الأساليب» لا يتعدى إيحاؤه دراسة التعبير الأدبى وأساليبه، ومصطلح «أسلوب» مصطلح حديث يقصد طريقة فى التعبير خاصة بالأديب. يضاف إلى ذلك أنّ مصطلح «بلاغة» يشمل أيضا بحث الذوق الذى ظل الأقدمون ينوهون به، وهو أساسى أيضا فى بحث المحدثين، الأمر الذى يقربنا من المجالات المختلفة التى
للدراسة الأدبية وللتعبير الأدبى ومطابقته مقتضيات أحوال المخاطبين والجمهور» (1).
وهذا ما آمنا به بعد دراسة طويلة للبلاغة ومصطلحاتها، وبذلك يبقى هذا المصطلح محتفظا بمعناه البلاغى القديم ومحتواه الأدبى الجديد، جامعا كثيرا من المباحث التى لا يمكن أن تضمها المصطلحات الجديدة كالفصاحة أو دراسة الألفاظ وعلم المعانى وعلم البيان وعلم البديع، وهى من أقدم الفنون التى عنى بها البلاغيون وأولوها أهمية عظيمة، وكانت دراساتهم المفصلة ونظراتهم العميقة دليلا على تلك العناية. أما التعبير الأدبى والملكة على إنشائه أو نقده فقد عبر عنها القزوينى تعبيرا دقيقا حينما قال: «وأما بلاغة الكلام فهى مطابقته لمقتضى الحال مع
فصاحته»
…
«وأما بلاغة المتكلم فهى ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ» ، وفى هاتين العبارتين إشارة إلى الملكة الأدبية والتعبير الأدبى. ويضاف إلى ذلك أنّ مصطلح أسلوب لا يشمل البلاغة كلها بل يخص بعضها أو يكون أشد ارتباطا بقسم من موضوعاتها وهى «علم المعانى» ولذلك سمينا هذا الكتاب «أساليب بلاغية» وسمينا ما يبحث فى علمى البيان والبديع «فنون بلاغية» ، وهى تسمية ليست أخيرة ولكنها أقرب إلى روح البلاغة العربية التى تضم الأساليب والفنون وغيرها.
وأما الذوق فقد كان من القضايا التى اهتم بها البلاغيون وأقاموا عليها أحكامهم، ولا يخلو كتاب بلاغى أو نقدى من الرجوع إليه أو التحدث عنه وعقد فصول ضافية عنه، ومن ذلك الفصل الرائع الذى ختم به عبد القاهر الجرجانى كتابه «دلائل الاعجاز» وقرر أنّ العمدة فى إدراك البلاغة هو الذوق والإحساس الروحانى، وأنه لا بد من تهذيبه بالوقوف على مواطن الجمال فى الأدب، ولن يفهم الأدب ويهتز له من عدم الذوق وفقد الإحساس والشعور مهما أوتى من علم بالبلاغة وقواعدها، ومهما كدّ ذهنه وأجهد عقله. يقول
(1) مجلة الأديب البيروتية (السنة- أيلول) ص.
لقد ضمت كتب البلاغة البحث فى الفصاحة والمعانى والبيان والبديع والسرقات والذوق الأدبى والإحساس الروحانى والعاطفة، وليس هناك ما يمنع أن تدرس الكتب الحديثة هذه الفنون ويعنى بها كما فعل القدماء، ويظل مصطلح «البلاغة» جامعا لها كما كان، لأنّ أى مصطلح من المصطلحات الجديدة التى أسرف بعضهم فى إشاعتها والتعصب لها لا يجمعها ويوحد بينها، وبذلك نحتفظ بالمصطلح القديم وما ينضوى تحته من فنون قديمة
وحديثة، وللباحثين الجدد الحرية الواسعة فى معالجتها ورسم المناهج التى تكفل فائدتها وتطورها، ما دامت الأصول ثابتة والأسس متينة راسخة.
(1) دلائل الإعجاز ص 421.