الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلمية والبديهيات التى لا يشك فيها، لا يمكن أن تحتمل الكذب مع أنّها إخبار عن شئ، ولذلك تخرج من هذا التعريف، أما غيرها من الأخبار فهى قابلة للتصديق والتكذيب من أى إنسان صدرت؛ لأنّها ينظر إليها لذاتها لا لذات القائلين.
أضربه:
للجملة الخبرية معنى يحدده تركيبها، فاذا أطلقت خالية من أى تأكيد كانت لها دلالة، وإذا أكدت بمؤكد واحد أو أكثر كانت لها دلالة أخرى.
وقد انتبه العرب إلى ذلك فى إطلاقهم الخبر، وأشار عبد القاهر إلى هذه الاختلافات فقال: «واعلم أنّ مما أغمض الطريق إلى معرفة ما نحن بصدده أنّ ههنا فروقا خفية تجهلها العامة وكثير من الخاصة، ليس أنّهم يجهلونها فى موضع ويعرفونها فى آخر، بل لا يدرون أنّها هى ولا يعلمونها فى جملة ولا تفصيل. روى ابن الأنبارى أنّه قال: ركب الكندى المتفلسف إلى أبى العباس (1) وقال له: إنّى لأجد فى كلام العرب حشوا. فقال له أبو العباس: فى أى موضع وجدت ذلك؟ فقال: أجد العرب يقولون:
«عبد الله قائم» ثم يقولون: «إنّ عبد الله قائم» ثم يقولون: «إنّ عبد الله لقائم» فالألفاظ متكررة والمعنى واحد. فقال أبو العباس: بل المعانى مختلفة لاختلاف الألفاظ. فقولهم: «عبد الله قائم» إخبار عن قيامه، وقولهم:«إنّ عبد الله قائم» جواب عن سؤال سائل، وقولهم:«إنّ عبد الله لقائم» جواب عن إنكار منكر قيامه. فقد تكررت الألفاظ لتكرر المعانى. قال: فما أحار المتفلسف جوابا. وإذا كان الكندى يذهب هذا عليه حتى يركب فيه ركوب مستفهم أو معترض فما ظنك بالعامة ومن هو فى عداد العامة ممن لا يخطر شبه هذا بباله» (2).
(1) يريد به المبرد.
(2)
دلائل الإعجاز ص 242.
فالخبر ثلاثة أضرب:
الاول: الابتدائى، وهو الخبر الذى يكون خاليا من المؤكدات لأنّ المخاطب خالى الذهن من الحكم الذى تضمنه. ومن ذلك قوله تعالى:
«قالَ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا» (1). وقوله: «وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ» (2). ومنه قول المتنبى:
أنا الذى نظر الأعمى إلى أدبى
…
وأسمعت كلماتى من به صمم
أنام ملء جفونى عن شواردها
…
ويسهر الخلق جرّاها ويختصم
ففى هذه الأمثلة إلقاء للخبر إلى مخاطب خالى الذهن من حكمه، ولذلك جاءت من غير توكيد.
الثانى: الطلبى، وهو الخبر الذى يتردد المخاطب فيه ولا يعرف مدى صحته، أو هو كما قال السكاكى:«وإذا ألقاها إلى طالب لها متحير طرفاها عنده دون الاستناد فهو منه بين بين لينقذه عن ورطة الحيرة، استحسن تقوية المنقذ بإدخال اللام فى الجملة أو «إنّ» (3).
ومن ذلك قوله تعالى: «وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى، قالَ يا مُوسى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ» (4). وقوله: «إِذْ قالُوا: لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا» (5).
ومنه قول جرير:
إنّ العيون التى فى طرفها حور
…
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
(1) الأنبياء 36.
(2)
النور 47.
(3)
مفتاح العلوم ص 91.
(4)
القصص 20.
(5)
يوسف 8.
وقول البحترى:
هل يجلبنّ إلىّ عطفك موقف
…
ثبت لديك أقول فيه وتسمع؟
فى هذه الأمثلة أكد الخبر باحدى أدوات التأكيد، مثل «إنّ» فى الآية الأولى والبيت الأول، واللام فى الآية الثانية «ليوسف» والنون فى «يجلبنّ» والمؤكد فى كل منها واحد.
الثالث: الإنكارى، وهو الخبر الذى ينكره المخاطب إنكارا يحتاج إلى أن يؤكد بأكثر من مؤكد. ففى قوله تعالى:«وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ، فَقالُوا: إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ. قالُوا: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا، وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قالُوا: رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ» (1).
حيث قال أولا: «إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ» وقال ثانيا: «إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ» حينما ازداد إنكارهم ولذلك أكّده ب «إنّ» أولا وباللام ثانيا ليزيل منهم ذلك الشك والإنكار. ومنه قوله:
«إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ» (2).
ومنه قول الحماسى:
إنّا لنصفح عن مجاهل قومنا
…
ونقيم سالفة العدو الأصيد (3)
ومتى نجد يوما فساد عشيرة
…
نصلح وإن نر صالحا لا نفسد
وفى هذه الأمثلة مؤكدان «إنّ» واللام.
(1) يس 13 - 16.
(2)
الصافات 39.
(3)
السالفة: صفحة العنق. الأصيد: المتكبر.