الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشّجون؟!! فاقرأ معي قول الله سبحانه وتعالى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ «1» [البقرة: 275] .
يا حسرة على العباد! بأيديهم كتاب الله سبحانه وتعالى، فيه شفاء من كلّ داء، وصحة في كل ميدان، وتقدم نحو أرقى أفق وسعادة في الدارين، ويبحثون عند أهل الأدواء- في الدنيا والآخرة- ما يشفيهم. والوضع الطبيعي أن يتولّوا- هم حفظة وحملة وأهل هذا الكتاب الرباني الكريم- علاج أهل الأدواء. وعلى ذلك فعند أهله المسلمين وحدهم- بهذا الكتاب الكريم- العلاج، أنزله الله شفاء وضياء وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الإسراء: 82] وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ [النور: 40] .
*
ولادة وولادة:
وحين نحتفل بولادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إنما نحتفل بنبوته ورسالته ودعوته وبنزول القرآن عليه؛ الذي كان نزوله من عند الله سبحانه، رحمة منه عز وجل، ونعمة، ومنّة مباركة، فهو بداية الولادة المحتفى بها؛ ولادة الإنسان القرآني الرباني.
حمل هذا القرآن إلى الإنسان والإنسانية؛ في نوعيتها الجديدة، وولادتها الجديدة، ذلك المولود العظيم والنبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم الذي نحتفي اليوم بولادته، وبهذه الدعوة كانت ولادات الحيوات الفاضلة (جمع حياة) والحضارة الرافلة، بتعاليم هذا القرآن، وبمنهج الإسلام وشريعته كانت ولادة الإنسان الجديد.
وعندها ابتدأ الطريق لولادة الإنسان الجديد والحضارة الفريدة، ولادة الحياة الإسلامية، وقيام الدولة القرآنية.
(1) انظر: التفسير (1/ 318- 333، 472- 478، 2/ 803، 2771- 2772) .
فنزول القرآن الكريم هو بداية المولد بعد المولد، مولد الإنسان الربّاني الذي تربّى بهذا القرآن. ومع أن الله تعالى أراد لدينه النصر ووعد به، لكنه جعل ذلك حسب سننه الحكيمة التي وضعها، وكان هذا واضحا ومستيقنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بما أوحاه الله إليه، وقد علّمه للمسلمين الذين وعوه، لكنهم جاهدوا معه حق الجهاد، وكان أحدهم يستقلّ نفسه في سبيل الله، حتى إن المسلم ليتمنى أن يستجمع عمره لينفقه في أي حدث أو موقف أو حال أو معركة، دفاعا عن الإسلام، وتحقيقا لنصرته، وطلبا للشّهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى.
ومع أنّ ذلك كان واضحا، ومع أن المسلمين جميعا كانوا على يقين من تحقيق وعد الله بالنصر، إلا أنّهم أيضا كانوا على يقين وقناعة مما عليهم أن يقدّموه في سبيل الله، عشقا حقا، وغراما صدقا وفداء ووفاء وإقبالا وتنافسا، ليقوم المجتمع الإسلامي، ويا بنى وجوده، وتقوم دولة الإسلام، وترتفع راية القرآن، وعند الله خير الجزاء في الجنان إلى جوار الرحمن سبحانه وتعالى. فإنّ تلك سنّة الله، وهي كذلك تماما تحقيق لمقتضيات الإيمان، ونصرة لدولة القرآن، وتقديم لافتداء العاشق الولهان.
فما كان يفكر أحدهم في النكوص؛ الذي ليس هو من صفات المؤمن، ولا ينظر أبدا في التّراجع، وقد برّأهم الله من ذلك. وهم الذين اجتنبوا السبع الموبقات، ومنها التّولّي يوم الزّحف «1» .
فكان الإقبال كاملا، والمحبة عميقة، تدفع المؤمن ليطير إلى كل أفق كريم، وسط الأعاصير يزاحمها، وفوق الأمواج يعلوها، ويمتطيها، وبين الأسنّة يقارعها، ونحو القمم يجاورها ويحاورها.
(1) من حديث شريف رواه البخاري (رقم 2615) ونصه: «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» .