الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمكن على ذلك القول: إن هذه الصورة مستمرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. صورتان متقابلتان، كأنهما واحدة: صورة الصحبة وصورة القدوة والأسوة. فطوال العصور الإسلامية عاصر المسلمون الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصاحبوه.
الصحابة الكرام- رضوان الله عليهم- صاحبوه صحبة زمانية ومكانية، روحية ونفسية، وتلقوا عنه سماعا ورؤية ورواية، ففازوا بشرف الصحبة الذي لا شرف غيره بعده يدانيه، ويعلي هذه الصحبة وشرفها الإسلام الذي كانت به هذه الصحبة وشرفها الرفيع الفريد.
ولقد جاء في صحيح البخاري قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «لا تسبّوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» «1» .
وهي جزء من شرف الإسلام كله لا يصح بدونه، والذين أتوا من بعدهم صاحبوه صلى الله عليه وسلم صحبة عملية، صاحبوه في سيرته صلى الله عليه وسلم علما وعملا وتأليفا في السيرة والسنة، يفهمون الكثير من أمور القرآن من خلالها، كما يفهمون السيرة من خلال القرآن الكريم. فهما طريقان متعاونان متعانقان ملتقيان.
يؤدي كل منهما إلى الآخر، توافقا وتطابقا وتكاملا «2» .
*
وضوح أحداث السيرة:
ولعل من لطف الله تعالى: أن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، كانت
(1) التفسير، (3/ 1575)، (6/ 3484) . رواه البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لو كنت متخذا خليلا» ، رقم (3470)، (3/ 1343) . ومسلم: أرقام (2540- 2541) . كذلك. زاد المعاد، (3/ 416) . سيرة ابن هشام، (3/ 431) . وسبق ذكره.
(2)
هذا الموضوع بحاجة إلى بحث مستقل نجد في كثير من كتب السنة المطهرة والحديث الشريف مادة طيبة عن السيرة الشريفة. انظر: السيرة النبوية، أبو شهبة، (1/ 27) .
معروفة ليس فيها مجهول، يعرفها قومه وأهل بلده، منذ صغره، وبتفاصيل كثيرة، بل وبكل تفاصيلها.
فهي واضحة مكشوفة مرئية بسهولة- ولذلك حكمة- وليس فحسب، كي لا يكون الرسول الخاتم والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم مجهولا، مما قد يثير شيئا من التّقوّل، وعلى غير أساس، لكنها بجانب ذلك كانت- بفضل الله تعالى ورعايته وتوجيهه- واضحة ملموسة، بطهارتها وصونها وتمايزها ومغايرتها لما ألف قومه، كي لا يكون فيها مجال للمتقولين، أو حجة للمتعللين، أو مدخل للطاعنين، بل تكون موضعا للمتيقنين، وهي دليل قوي بليغ مكين، مؤكد صدق نبوته. وهي أيضا أحد الأدلة، على أن يد الله كانت ترعاه، إعدادا لحمل هذه الرسالة الخاتمة إلى أهل الأرض أجمعين. وليس في عصره فحسب ولكن في كل العصور، إلى يوم الدين. فلا بد أن تكون كل هذه الأمور متوافرة متضافرة، بما يتناسب وهذه الرسالة الخاتمة الشاملة الكاملة، المتفردة الدائمة المهيمنة دوما.
بحيث تكون كل أدلتها واضحة ويجد الجميع في كل العصور الأدلة القوية على كل اعتبار وأي اتجاه، بحيث لا تبقى في أي مسألة حجة لمعتذر بلغته رسالته أن يمتنع من الالتحاق بها، ويجد لذلك عذرا. وهذا طبعا بجانب الإسلام نفسه، وحيث كانت السيرة واحدة من ثمراته الطيبة. وكل ما فيه- ابتداء من القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حياته وسيرته وكل شمائله، كلها ليس فقط مجتمعه بل حتى كل واحدة بمفردها- تقود لذلك وتدل عليه بقوة ووضوح. والإسلام جاء بالأدلة المتنوعة العريضة تمتلك النفوس وتشملها، مهما كانت نوازعها ومنازعها.
وإن موقع مثل هذه الرسالة بحاجة إلى كل تلك العناية الإلهية، والله تعالى أحكم وأعلم وأكرم وأرحم. وهذا أمر امتازت به هذه الرسالة الإسلامية الربانية، حتى على غيرها من رسالات الله. وهي خاتمها ومهيمنة عليها وناسخة لها، تدعو كل أهل الأرض للإيمان بها، يؤمن بها كل أحد،