الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقيم البناء، وتربو الحياة بنصر الله وتأييده، يتوجّه إلى الله يرجوه القبول.
أحزان قلبي لا تزول
…
حتى أبلّغ بالقبول
وأرى كتابي باليمين
…
وتقرّ عيني بالرّسول
فكم من مجاهد سعى يبحث متلهّفا عن الشهادة حثيثا فرزقها، أمنية عزيزة ألذ من شهد، وأحفل من زفاف. وشهيد استعد لها، وتمنّاها، ووجد ريحها، وتمنى أن يعود، ويقتل فيعود، ويقتل فيعود، كانت ثيابه كفنا قصيرا لا تغطيه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23] .
وكم من عين رخص ماؤها، وأخرى ذهب بصرها في سبيل الله، وجزء من بدن مجاهد ترك في ميدان المعركة بعيدة، سابقة صاحبها إلى الجنة، وجسد كثرت فيه الطعان تجاوزت جروحه العشرات يغبطه فيها ومنها، السليم المصاب.
إنها بيعة دائمة، وعهود قائمة
.
فانظروا ماذا صنع خبيب، وماذا طلب قبل الموت «1» : الصلاة.
وعمر بن الخطاب يوم طعن عمّ سأل: عن الصلاة «2» .
هجروا كل شيء، وهاجروا إلى الله، باعوها (النفس) له، وبايعوا عليها. أقبلوا عليه بخلوص وصفاء، ملك عليهم الحياة، وتخلوا عن كل ما عداه، من منصب ومال وزعامة وجاه، إذ لا حياة ولا جاه إلا بالإسلام، وكانت لهم النّصرة والنفرة في كل الأحوال.
*
الإقبال خفافا وثقالا:
ذكر عن أحدهم أنه قال: وافيت المقداد بن الأسود- فارس رسول الله
(1) انظر: أعلاه، ص 104، 301.
(2)
أخبار عمر (405) .
صلى الله عليه وسلم- جالسا على تابوت (صندوق) من توابيت الصيارفة، وقد فضل عنها من عظمه: أريد الغزو، فقلت له: قد أعذر الله إليك، فقال: أبت علينا سورة البعوث (التوبة) انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا [التوبة: 41]«1» . وفهم أن ذلك محفوف بالأهوال خفّت وبذل المال، وتقديم الأنفس إحقاقا له، وإعلاء لشأنه، نساء ورجالا، شيبا وأطفالا. وكان هذا أمنية «2» يسعون إليها، ويضرعون إلى الله في تحقيقها في كل طور، وما أكثر الأمثلة «3» !
هبّت نفوس أحياها الإيمان، وأشرقت جوانبها، وأضاءت جوانحها بالهداية، فباعت نفسها لله، وبايعت على الطاعة والفداء تتحرك بشرعه تدور مع القرآن حيث دار «4» ، ولا تخاف في الله لومة لائم «5» .
نحن الذين بايعوا محمدا
…
على الجهاد ما بقينا أبدا «6»
وتقدّموا على الطريق يحملونه بأرواحهم، ويغسلونه بدمائهم شهداء، يتمنون على الله أن يعادوا لمثله «7» . وانظر ماذا فعل ثابت بن قيس سيد الخزرج «8» في حرب اليمامة تحنط وتكفن وخطب في المسلمين حتى أثخنته
(1) وكما يقول الله عز وجل من قائل في سورة النساء (71) : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً.
(2)
حياة الصحابة (1/ 457، 2/ 109، 389) .
(3)
انظر: أعلاه.
(4)
معنى حديث شريف. انظر: موضوع أبي بصير الذي كان ينشد:
الحمد لله العلي الأكبر
…
من ينصر الله فسوف ينصر
(5)
من الآية الكريمة: سورة المائدة (54) .
(6)
البخاري، كتاب: المغازي، باب: غزوة الخندق، رقم (3873- 3874/ 4) .
(7)
أخرجه البخاري، أرقام (2642- 2646) . مسلم، رقم (1877) . انظر: رياض الصالحين، (504) ، رقم (1311) .
(8)
سيد الخزرج، وحامل راية الأنصار، وخطيب الأنصار. انظر: الاستيعاب (1/ 200) ، رقم (250) . أسد الغابة (1/ 275) ، رقم (569) . الإصابة (1/ 195) ، رقم (904) . البداية والنهاية (6/ 335) . سير أعلام النبلاء (1/ 310- 311) . حياة الصحابة (1/ 535، 537، 2/ 367) . الأعلام (2/ 98) .
الجراح، فذهب شهيدا، وفاز بالشهادة.
عجيب ذلك الجيل الكريم، وما تلاه من أجيال سارت على الدرب المنير، وكذا الآن وفي كل آن والمستقبل ما دامت تقتديه وتفتديه، تعلّقت بالله وعبدته بشرعه وعملت لرضاه، أملا وعملا، بنت الحياة منيرة معمورة متعالية منصورة «1» .
إذا حلّ الإيمان قلب إنسان كانت له بذلك ولادة جديدة رشيدة، وبيعة العقبة طليعة أهل النصرة.
ثم كانت الهجرة لتغرس على الطريق أزاهير المسك فوّاحة، بأقدامهم القوية خلال خطواتهم السّارة البارّة.
هجروا الموطن وما فيه وهو عزيز، ولاحتضانه البيت العتيق، من أجل الدعوة إلى دار الهجرة، إشارة إلى أن موطن المسلم حيث تكون دعوته، وتقوم دولته وأهله وقومه؛ الذين يعيشون فيه بها وله، فهم إخوانه والمعسكر الذي ينتمي إليه، وهم فئته وأمته من دون الناس، وسماعها ذكر اسم الله تعالى.
هاجروا إلى المدينة أرسالا وفي أحدها مجموعة فيها عمر بن الخطاب، وسالم «2» مولى أبي حذيفة، كان يؤمّهم لأنه أحفظهم للقرآن. وفيه قال عمر:(لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته)«3» (يعني: الخلافة) .
(1) وهذا نجده في كل العصور واضحا، والشواهد على ذلك كثيرة، وكثيرة جدا.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، رقم (3709- 3710، 3/ 1428، 1372) . كتاب: الجماعة والإمامة، باب: إمامة العبد والمولى، رقم (660)(1/ 246) . سير أعلام النبلاء (1/ 168- 169) . حياة الصحابة (1/ 344، 535، 3/ 96) . «أرسالا» (مفردها: رسل) : بعضهم في إثر بعض، تفسير القرطبي (2/ 131) .
(3)
أسد الغابة (2/ 307) ، رقم (1892) . سير أعلام النبلاء (1/ 170) . أخبار عمر (412) .