الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستغلى. وهو بالإسلام أغنى وأعلى وأغلى، فرضي به مسرورا، وعاش فقيرا، من ذلك محروما.
وكان من المهاجرين إلى الحبشة في المرتين، والمهاجر الأول إلى المدينة المنورة، ومعلّم القرآن إلى أهلها.
اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، واشترك في الأحداث والمعارك، وكان حامل لواء المسلمين في بدر وفي أحد، قطعت يده اليمنى، فحملها باليسرى، وقطعت فاحتضنها، ثم استشهد وهو لا يملك شيئا من الدنيا؛ حتى ولا بردا، يغطّي جسمه كله، فإذا سحبوه على رأسه ظهرت رجله، وإذا غطيت رجله تكشف وجهه، وجه الجهاد على أرض الجهاد، مهاجرا إلى الله في الحياة وحتى الممات «1» .
وحين أطل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد الشهداء رأى مصعبا، فقال:«لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرقّ حلّة، ولا أحسن لمّة منك، ثم أنت شعث الرأس في بردة» «2» .
نقول هذا لكل مسلم، وللشباب خاصة، ليسلكوا هذا المسلك في حياة الإنسان المسلم العزيز الحر الكريم الرباني الوضئ.
*
الحق قادم بأهله:
فأين لي بأولئك الذين لا يتقدم عندهم حبّ على حبّ الله ورسوله، لا يحبون إلا الله، ولا يوالون إلا من والى الله ووالى رسوله صلى الله عليه وسلم، ويكرهون أن يحيوا خارج الإسلام ولو لحظات «3» . والحرق بالنار والضرب بالأحجار
(1) سير أعلام النبلاء (1/ 146) . حياة الصحابة (1/ 116، 187- 190) . سيرة ابن هشام (1/ 434- 438، 612، 645- 646، 3/ 98، 149) .
(2)
سبق ذكره، انظر: إمتاع الأسماع (1/ 162) . انظر أعلاه، 117- 120.
(3)
انظر ما قاله وفعله الصحابي الجليل: عبد الله بن حذافة السهمي، حين أسرته الروم. انظر: أعلاه، ص 299.
والتعليق على الأشجار والتغريق في البحار أهون عليهم، وأطيب إليهم.
وهم قادمون إن شاء الله تعالى ليقيموا الحياة الإنسانية.
فمن تكن كلمات الله حجّته
…
فلن يهاب من الدنيا وما فيها
إنني ألمحهم في الآفاق من حولنا والبقاع في كل مكان، يتنادون بالإسلام، مستعدين للتضحية في سبيل الله، وقد جرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا [الأحزاب: 23] .
وفي الماضي بدأ الإسلام غريبا «1» ثم انتشر، فكانت الهجرة ثم كانت الدولة والخلافة، رعت الجهاد، وحملت الراية، واستمر الإسلام في الامتداد، وما زال اليوم، بعد ذهاب الخلافة، يمتد وحده رغم كل ما يرصد له على أيدي الأعداء، وما أكثرهم.
ولكن ما تزال لهذا الدين جولات وصولات وأدوار يؤديها في تاريخ البشرية، ظاهرا بإذن الله على الدين كله وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
(1) من حديث شريف. وتمامه: (رواه عبد الله بن مسعود وأبو هريرة وعوف بن مالك)، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنّتي» . صحيح مسلم، رقم (145/ 1) . سنن الترمذي، رقم (2629- 2630/ 5) . جامع الأصول، رقم (62- 63/ 1) . مسند الإمام أحمد (5/ 296) . «طوبى» : من الطيب، وهو من قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد: 28- 29] . «تطمئن» واطمأنت: سكنت واستأنست بتوحيد الله تعالى فتطمئن، وهم يذكرونه ويطيعونه قولا وعملا في كل حال. «طوبى» : على وزن كبرى، من طاب يطيب، للتفخيم والتعظيم. «وحسن ماب» : حسن منقلب ومرجع، أي: وحسن ماب إلى الله تعالى الذي أنابوا إليه، ودانوا في الحياة الدنيا. تفسير الطبري (13/ 145) وبعدها. تفسير القرطبي (9/ 314) وبعدها. التفسير (4/ 2059) وبعدها.
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [النور: 55] .
وذلك لوعد الله الذي لا يقف في وجهه كيد الكائدين ولا قوة المضلين يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف: 8- 9] .
وإنه لوعد حق، منجز، منصور، مكتوب: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105] . فالحمد لله على نعمه، وأكبرها كلها نعمة هذا الدين العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا.
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: 21] .
المبحث الثامن الهجرة (النبوية) بيع وبيعة
* بداية وافتتاح
* الإسلام كبرى النعم
* ولادة الإنسان الجديد
* دعوة اليقظة والارتقاء
* تقدم الركب الميمون
* حمل الراية المباركة
* ذلك الجيل الفريد
* قوة التضحية والفداء
* الإقبال خفافا وثقالا
* لقاء الهجرة والنصرة
* واجب الشباب الطلاب
* تضحيات فائقة رائقة