الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احفظ الله يحفظك» «1» .
وعند ذلك يسمو الإنسان بالحبّ في الله، ويغدو كلّ شيء من أجله هين، وكلّ مشكلة في طريقه ميسورة.
ومن أجل هذا الدين وحبّه ترك المهاجرون كلّ شيء: الأهل والولد والمال، وكذلك البلد. وهذا كلّه رغم حبّ الإنسان لكل ذلك، وتعلّقه بها، ولكن دين الله تعالى أغلى من ذلك كله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يترك مكة المكرمة حين الهجرة:«والله! إنك لخير أرض الله وأحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» «2» .
وبذلك يقوم المجتمع المسلم، وينصر الله المؤمنين، وبه حلّت كلّ المشكلات، يوم انتقلوا إلى دار جديدة، إذ كانت بعض المشكلات- بدون هذا الدّين- تجعل قيام المجتمع (الإسلامي) ودولته أبعد من البعيد.
*
النصر حليف الإيمان:
فالنصر يدور مع الإيمان، مع الإيمان- العميق الواعي المتفهم- بالله تعالى، ودعوته الكريمة، وبالنبوة الخاتمة، ومع الأخذ بكلّ الأسباب
(1) حديث شريف وتمامه: (عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، قال: (كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقال لي) : «يا غلام! إني معلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك. وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أنّ الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصّحف» . أخرجه الترمذي، رقم (2516/ 4) . المسند (1/ 293، 303، 307)(الجديدة: أرقام 2669/ 4، 2763/ 4، 2803/ 5) . جامع الأصول، رقم (9315/ 11) .
(2)
سبق ذكره، أعلاه، ص 345. انظر: زاد المعاد (1/ 49) . رواه الترمذي رقم (3925/ 5)، وأحمد (4/ 305) . كذلك: سبل الهدى (3/ 333) . أسد الغابة (3/ 336) ، رقم (3068) . الاستيعاب (3/ 949) ، رقم (1608) .
الممكّنة، كما رأينا في الهجرة النبوية الشريفة واضحة، فالنصر إذا لا يدور مع القلّة والكثرة، كما هو مشاهد في السّيرة الشريفة وعموم التاريخ الإسلامي. وحتى الكثرة تأتي بهذا البناء، فتغني نعم الغناء. وكذلك كانت الهجرة، تمت في ظروف صعبة، وإمكانيات قليلة، في خضم متلاطم من الأعداء والأهواء والأهوال، وهكذا كانت وجرت كلّ أمور الإسلام.
إنّها القوة الإيمانية الربانية التي تقود إلى الانطلاق بهذا الدّين، حرصا والتزاما حبا وطاعة لله تعالى. يلازمها تحرّي منهج الله والسعي لرضاه، وصورة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة ماثلة. وبذلك لا يهمّ المسلم ما يلقاه من أجل نصرة هذا الدّين. وكل المشكلات، وكل الطغاة لا ينالون من الدّعاة شيئا.
هؤلاء الدّعاة الذين رسموا صورة الإسلام بسلوكهم، وأقاموا الحياة بجهادهم، فالله تعالى مانعهم من كلّ الأذى، إلا ما يجريه- سبحانه وتعالى عزّه- حسب إرادته وحكمته. وهي سنّة الله الذي منع أنبياءه وحفظهم عليهم السلام وسيدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذي يقول مخاطبا ابنته فاطمة يوم اشتدّ عليه الأذى في مكة:«فإن الله مانع أباك» «1» .
وبهذه الرّوح انطلقوا في الحياة على بيعتهم يوفونها، وهم بها فرحون وينشدون:
نحن الذين بايعوا محمّدا
…
على الجهاد ما بقينا أبدا «2»
لا بدّ أن يعود الإسلام ليقود ويسود، ولكن لله تعالى سننا، فلا بدّ من جند أمناء أقوياء أوفياء، ينصرونه ويحملونه ويفتدونه، والتباشير بادية إن شاء الله تعالى.
وإن الغرب الذي غزا العالم الإسلامي بعسكره وفكره، بخيله ورجله، صحا أو غدا على صليبيته ووحشيته، انهزم مرتين في البلاد، بكل
(1) انظر: سيرة الذهبي (235) . البداية والنهاية (3/ 134) حياة الصحابة (1/ 266) .
(2)
سبق ذكره، انظر: أعلاه، ص 348.