الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلوكا، يكون مستمدا على الدوام، من هذا النهر الفياض، الذي يملأ الحياة بكل جوانبها خيرا وبركة، فيوفر ذلك صحّة في القصد، وصفاء في الفهم، ودقة في التصور، وجودة في الاستكناه والاستجلاء، وبغير ذلك فالدراسة هزيلة بخيلة نحيلة، وشاحبة ناحبة، وأمرها يغيض ولا يفيض، ينحدر نضوبها، ويتبعثر هروبا، ثم تذهب أدراج العواصف هشيما تذروه الرياح.
وإذا كانت بداية الاهتمام بالسيرة هواية- وما زالت- محببة إلى النفس، وسلوى وقوة لها وأنسا، وغذاء وإطرابا لأركانها، وندى وظلالا تستظل أفياءها، فإنها قد تعمّقت بمرور السّنين وتوالي تدريسها، حتى أصبحت تخصّصا آخر، بعد أن جرى الاستمرار في هذا الاهتمام، وتدريسها في الجامعات لأكثر من بلد، ولما يزيد على خمسة عشر عاما، أكثرها ذات فصلين.
ثم فوق ذلك، إن لكل أمر دوافع، ودوافع هذه الدراسة تنبع من عقيدتنا الإسلامية، فان معرفة السيرة الشريفة تاريخا وتفسيرا والتزاما، والسنة المطهرة حديثا وفعلا وتقريرا، مهمة أساسية؛ إذ أنها ترتبط بعقيدة المسلم، وهي جزء من إسلامه. وعلى هذا النسق يجب أن تكون دراستها.
*
اتساع السيرة النبوية والاقتداء بها:
فدراسة السيرة النبوية الشريفة- والتاريخ الإسلامي عموما- بالنسبة لكل مسلم، مهمة أساسية، وإذا كان ذلك مهما لغير المتخصصين والباحثين في أية صيغة وهدف- دراسة وقراءة وحديثا وتدريسا وكتابة عن السيرة الشريفة، فلا بد من العيش في موكبها والسعي لمثلها، فهي لأهل التخصص وأمثالهم أهمّ وألزم وأوجب وأرغب، متابعة وتجلية وحثا وتأليفا، بصيغة تتناسب- قوة ودقة- وموقعها ذاك.
وإني كلما سرت، وتقدمت في المتابعة، وتعمقت فيها، فرحت
بالجديد، كما اكتشفت جهلي بالكثير والكثير منها ومن جوانبها، وازددت علما ومعرفة وفقها وإقبالا وتعمقا.
والذي يتولى القراءة والدراسة لها- فضلا عن التأليف فيها- لا بد أن يقوم بكل ذلك، اقتداء واهتداء، وتقرّبا إلى الله، تمثّلا والتزاما وسلوكا، وارتقاء بإنسانيته، وإعلاء لتقواه.
فالسيرة النبوية الشريفة وصاحبها صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والقدوة الكريمة، واتّباعها ملزم للمسلم لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب: 21] .
وهذا كله يقوم على المحبة المتشوقة المتعطشة، إلى حدّ كان بعض الصحابة- رضوان الله عليهم أجمعين- يتحرّون اتّباع الرسول صلى الله عليه وسلم في المندوبات والنوافل والأمور الاعتيادية، تقرّبا الى الله سبحانه وتعالى، وحبّا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31] .
بل إن عبد الله بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما الصحابي الجليل (74 هـ 693 م) »
، كان يتحرى أن يتمثّل أسلوب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأحواله ومشيته، ويترسّم مواطئ أقدامه، في طرقات المدينة وخارجها وغيرها، بل لعله يدفع ناقته لتنطلق في طريق سلكته القصواء، ناقة
(1) عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، 3/ 950 (رقم 1612) . أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، 3/ 340 (رقم 3080) . الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، 2/ 347 (رقم 4834) . سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، 3/ 203 (رقم 45) . شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، 1/ 310. الوافي بالوفيات، الصفدي، 17/ 362 (رقم 297) . الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، 4/ 142. أخبار عمر وأخبار عبد الله بن عمر، علي وناجي الطنطاويين، 431 وبعدها. عبد الله بن عمر (الصحابي المؤتسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، سلسلة أعلام المسلمين رقم (6) ، محيي الدين مستو (129- 133) .