الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سالما وجد هو ومولاه أبو حذيفة، رأس أحدهما عند رجلي الآخر صريعين رضي الله عنهما «1» .
ومصعب الذي استشهد وهو يدافع عن رسول صلى الله عليه وسلم في أحد، وقطعت أعضاؤه، وهو مستمرّ في القتال «2» .
إنّ فوت الزمان يجعل الإنسان المسلم يتشوّق، ويتحوّل أكثر نشاطا لتعويض ما فات «3» . وكلّ ذلك بسبب بنائه على دين الله، وقيام حياته على منهجه وارتباطه بالله تعالى، طاعة وعبودية وحبّا.
*
الإسلام تعامل وأخلاق:
إنها العقيدة في الله، تنير القلب، وشريعة الله تضئ الدرب، وتحطّم
(1) سير أعلام النبلاء (1/ 169) .
(2)
انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (1/ 145) . أعلاه، ص 117- 120، 331.
(3)
مثلا، انظر ما فعله الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي (15 هـ) ، أبو المغيرة، وأبو عبد الرحمن، (أخو أبي جهل) من مسلمة الفتح (8 هـ) . ولما أسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم:«الحمد لله الذي هداك، ما كان مثلك يجهل الإسلام» . استأمنت له أم هانئ، فأمّنه النبي صلى الله عليه وسلم. وهو من المؤلّفة قلوبهم، والذين حسن إسلامهم. ترك مكة في خلافة عمر بن الخطاب متوجها إلى الشام، متفرغا للجهاد هو وأسرته وماله، واستشهد باليرموك (15 هـ) . وهو أحد الثلاثة الجرحى في اليرموك، وآثروا بعضهم بالماء، وماتوا ولم يشربه أحد منهم. ولما خرج أهل مكة يشيّعونه، ويبكون، فقال لهم:(يا أيها النّاس! والله ما رغبت بنفسي عنكم، ولا اخترت بلدا غير بلدكم، ولكن كان هذا الأمر فخرجت فيه رجال من قريش، والله ما كانوا من ذوي أسنانها ولا في بيوتاتها، فأصبحنا والله لو أن جبال مكة ذهبا، فأنفقناها في سبيل الله عز وجل ما أدركنا يوما من أيامهم، وأيم الله لئن فاتونا في الدنيا لنلمسنّ أن نشاركهم في الآخرة، ولكنها النقلة إلى الله تعالى، فاتقى الله امرؤ) . وخرج في سبعين من أهل بيته فلم يرجع منهم إلا أربعة. الاستيعاب، (1/ 301- 304) ، رقم (440) . أسد الغابة، (1/ 420- 421) ، رقم (979) . سير أعلام النبلاء، (4/ 419) رقم (167) .
كلّ الجدر، فيصل صوتها الى النفس، تخترق الحواجز فيقيم الإنسان من رقدة، وتنفض عنه همدة. وانظر ما جرى لثمامة بن أثال «1» ، الذي كان
(1) ثمامة بن أثال (12 هـ 633 م) بن النعمان اليمامي من بني حنيفة، أبو أمامة: سيد أهل اليمامة، صحابي. وقف في حروب الردة ضد الذين حاربوا الإسلام من قومه، وقاتل مع المسلمين، وبعد أن نصح قومه، وواجههم بالحق، وحثّهم على الصدق. وقبل إسلامه له جهود طويلة، وأعمال كثيرة، وإعداد متكرر، كان يرتب أساليب الأذى، ويجهز من أتباعه، ويبعث الأعوان لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويذكر أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم دعا:«اللهم اهد عامرا، وأمكنّي من ثمامة» . الإصابة، (2/ 250) ، رقم (4390) . فأسلم عامر (عم ثمامة) وأسر ثمامة، ثم أسلم. ويوما بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة سليط بن عمرو العامري (إمتاع الأسماع، 1/ 308. زاد المعاد 1/ 122، 3/ 110) ، أو محمد بن مسلمة (البداية والنهاية، 4/ 149) على ما يبدو، في السنة السابعة للهجرة- فأسرت هذه السرية ثمامة بن أثال- وهو يريد العمرة- وهم لا يعرفونه. فجاؤوا به إلى النبي الكريم والرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، فوضعه في المسجد، وترك من يقوم على ضيافته يسقيه ويطعمه، ويقدم له الحليب من ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ما عندك يا ثمامة» ؟ فقال: عندي خير يا محمد! إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل منه ما شئت. فتركه حتى كان الغد ثم قال له: «ما عندك يا ثمامة» ؟ فقال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد فقال: «ما عندك يا ثمامة» ؟ فقال: عندي ما قلت لك، فقال صلى الله عليه وسلم: «أطلقوا ثمامة» . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد ألاإله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت، قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله! لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم. البخاري: المغازي، باب: وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال، رقم (4114/ 4) . ومسلم، كتاب: الجهاد والسير،
باب: ربط الأسير، رقم (1764/ 3) . وأبو داود، كتاب الجهاد، باب في الأسير يوثق، رقم (2679/ 3) . زاد المعاد (3/ 110، 277) . مغازي الذهبي، (350- 351) . الاستيعاب (1/ 203) . فقدم ثمامة إلى اليمامة، فحبس عنهم ما كان يردهم من الحنطة، وضاقت بهم الحال، فلم يجدوا من يلجؤون إليه في رفع هذا الحصار عنهم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنه لأمر عجيب أن يلجؤوا إليه في ذلك وهم يحاربونه حربا طاحنة، لو استطاعوا قتله، وإبادة المسلمين، وإفناء الإسلام ما تأخروا. ولكنهم يعلمون خلق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي وصفه الله تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4] . وإنه لعجب جدّ شديد أنهم يعرفون ذلك ويحاربونه، وأن يستجيب صلى الله عليه وسلم لذلك، ويتمه، وينجزه، فأي أفق يرفع الإسلام إليه الإنسان، ويضعه فيه، ويحرّكه في مداره. وهكذا يربي الإسلام أتباعه، ويدعوهم إليه مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم (فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنك تأمر بصلة الرّحم، وإن ثمامة حبس عنا الحمل. فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم فحمل إليهم) . الوافي بالوفيات، (11/ 19) . زاد المعاد، (3/ 277) . «الحمل» : ثمر الشجر الناضج، جمعها: أحمال وحمول وحمال. ومنه: «هذا الحمال لا حمال خيبر» يعني: ثمر الجنة، وأنه لا ينفد، وشجرة حاملة. (القاموس المحيط، 1276. تخريج الدلالات السمعية، 739.) . وهذا جزء من شعر أحد المهاجرين تمثّل به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أثناء بناء مسجده بالمدينة بعد الهجرة إليها.
هذا الحمال لا حمال خيبر
…
هذا أبرّ- ربّنا- وأطهر
أخرجه البخاري، رقم (3694/ 3) . حياة الصحابة (1/ 343) . السيرة النبوية، أبو شهبة، (2/ 30) . وكان ثمامة ممن ثبت حين الردّة عن الإسلام، وله مقام محمود في ذلك. وقد أغلظ لهم، وبرأ منهم، وقال مخاطبا زعيمهم:(ما قضيت حق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد) . ثم جمع بني حنيفة، وخاطبهم فقال: (يا بني حنيفة إني أرى فيكم بغيا ولجاجة والبغي هلاك واللجاج نكد
…
، وإنكم والله لو قاتلتم أمثالكم لما خفت أن يغلبوكم، ولكنكم تقاتلون النبوة بالكهانة، والقرآن بالشعر، والأنصار بالكفار، والمهاجرين بالأعراب، فلو كان لنادم إقالة أو لشاك بقاء، لم نكره أن تذوقوا عواقب ما أنتم فيه، ولكنه هلاك الأبد) . الوافي بالوفيات، (11/ 19- 20) . كذلك: الاستيعاب، (1/ 213) ، رقم (278) . أسد الغابة، (1/ 294) ، رقم (619) . فأعظمه القوم أن يجيبوه، وبقوا على حالهم ورجع ثمامة مغضبا وقال في ذلك شعرا متنوعا، ثم جمع أتباعه، وشارك المسلمين في دفع أهل الردة وقتالهم ومواجهتهم