الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف: 6]، وقال سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:
105] . ووردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى «1» .
*
عالمية الدعوة الإسلامية:
ولا بد لمثل هذه الرسالة الربانية، والعناية الإلهية بها، باكتمالها وبالبشارات أن تسبقها، وأنها ليست فقط خاتمة كونها الأخيرة بل لأهل الأرض ودائمة. وهي باعتبارها نعمة، على أهل الأرض أن يسلكوا سبيلها ولا يقبل الله غيرها الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: 3] . إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:
19] .
ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بكتبه وسفرائه إلى الملوك والأمراء يدعوهم إلى الإسلام، في وقت مبكر، وكان ذلك مقدمة وإشارة وإيضاح لما سيكون بعده، ولقيام مواكب الفتح الإسلامي.
ومن هؤلاء الرسل حاطب بن أبي بلتعة (30 هـ) رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس حاكم مصر بكتاب يدعوه فيه إلى الإسلام، ونصه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم (وأسلم) يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت، فعليك إثم القبط قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا
(1) السيرة النبوية، الذهبي، (42) . وانظر: السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، (1/ 178) ، (247- 254) . تحفة الأريب، (256، 267) . السيرة النبوية، ابن هشام، (1/ 248) . قصص الأنبياء، (441) وبعدها. وانظر: أعلاه تجد تفصيلات أوسع ونصوصا أكثر وشرحا أوفر.
نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 64] » «1» .
وكان مما قاله حاطب للمقوقس مما يشير إلى وضوح البشارة عنده برسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنجيل: (ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إيّاك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدركت هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، ولكنا نأمرك به)«2» .
كل ذلك واضح، وأقر به، ولكن أهل الدعوة أولى بالكتابة عن هذه السيرة وكل متعلقاتها، وهذه القضية منها، وهم أمناء عرفوا بذلك. فإذا كانوا أمناء على حقوق غيرهم فهم على هذا آمن. وهو أمر متصل بالله تعالى، وهم يخافونه ويتقونه ويبحثون عن رضاه. فإنهم أهل الموضوعية الحقة، بكل مواصفاتها وجلائها وجلالتها وضيائها. رواه الصحابة، وهم أمناء شهداء عيان لجوانب السيرة كافة، وهي عملية، والأقوال صورة لها.
وإبراز الجانب العملي في السيرة وفي حياة المسلمين، إن هو إلا مواكبة لآفاق السيرة في حقائقها ووقائعها وفي عرضها والاستواء معها، في دراستها وفهم مضامينها ومكنوناتها وموقعها. فهي سيرة تحمل معنى السلوك العملي والتطبيق للتعليمات والتعين للآيات وطريقة السير في الحياة بهذا الدين، وهي بجانب كونها السيرة العملية للأقوال، فهي تشمل أكبر الخير.
ولو أخذنا السّنة فهي تشمل القول والعمل والتقرير، بل السيرة لتتسع- وإن اتسعت لها ولغيرها السنة- لكنها أحيانا لتتسع حتى لعلها تزيد جانبا أو
(1) زاد المعاد، (3/ 691) ، مجموعة الوثائق السياسية، (135- 136) . حياة الصحابة، (1/ 140) .
(2)
زاد المعاد (3/ 691) . أسد الغابة، (1/ 431- 433) ، رقم (1011) . السيرة النبوية، الندوي، (252- 254) .
أكثر على السنة من بعض الوجوه، فإن تداخلت فهي لها جوانب أخرى.
وكذلك الصحابة كانت أفعالهم أكثر من أقوالهم. إن المكانة التي يمثلها بلال تقوم على المواقف والفعال، نحبها ونتأثر بها وعلى دربها نسير إن شاء الله تعالى. ويوم وقف عثمان بن عفان رضي الله عنه على المنبر أرتج عليه لكنه قال وقتها:(أنتم إلى إمام فعّال أحوج منه إلى إمام قوّال) ثم نزل.
فكل ذلك يقوم على العمل بالإسلام الذي جاء لأجله. فتقوم الحياة الإنسانية على عقيدته وشريعته ومنهجه، وتتحقق صورتها في الحياة والواقع، عملية تراها وتحياها وتلمسها وتحسها وتعايشها ناطقة معبرة.
مثلما تقدّم تلك للأمور والحياة جديتها ومصداقيتها وقيمة ما فيها، كما هي تعطي للإنسان صورته الحقة الكريمة اللائقة وتقويه في حسن التعبير ودقته وجديته، وتنقذه مما دونها.
ولقد يدخل الجنة أكثر من واحد، ولم يركع لله ركعة، منهم الأصيرم، الذي استشهد في معركة أحد «1» . فإن تحويل المعلومات الإسلامية- بعد الإيمان بها- إلى صورة عملية هي الهم الأكبر والأهم في الأمر وإعطائه القيامة والوضع الحقيقي والجدية والقوة. إن التلقي العملي، منه تستنبط الأحكام، ومنها الرؤية لطبيعة المعلومات ونوعيتها وتطبيقها.
فكان المسلم لا يستمر في تعلم جديد، إلا بعد العمل بما سبقت معرفته، وتحول علمه إلى كتلة من العمل في كل حال، به يتحرك وله يغضب ومن أجله يفرح ويحزن ويحيا ويموت. وقد نقل العديد من المفسرين عن الصحابة الكرام أنهم كانوا إذا تعلموا آيات من القرآن الكريم وعلموا ما فيها يعملون بها تنفيذا، ثم بعدها يحفظون غيرها، وهكذا (تعلّمنا القرآن والعمل به)«2» .
(1) سيرة ابن هشام، (3/ 90) .
(2)
سبق ذكره. تفسير القرآن، الطبري، (1/ 36) .