الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الرخص أم العزائم:
ومن هنا فإن الحياة الإسلامية، لا سيما مجتمع الصحابة الكرام، ملئ بالعزائم الغالية، موار بالعظمات العاليات. دعائمه ذلك البناء الرصين، قام على شرع الله المبين، قدوتهم ومربيهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي اختاره الله تعالى لتولي هذه المهمة، أدّبه ورباه وأعدّه، فهو يعلمه ويوحي إليه ويوجهه «1» .
وحتى وقت الشدائد والمازق، قلّ جدا وندر- حتى بعد عهد الصحابة الكرام- من أخذ منهم بالرخصة. فكلهم كانوا يأخذون بالعزيمة- رغم وجود الرخصة- وذلك من شدة حبهم لله تعالى ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ذلك الحب الرائق المترقرق والاقتناع البليغ المتدفق والحيوية الفعالة، في ذلك الحب الذي أخذ بهم إلى تلك الآفاق وأجلسهم أو أوقفهم على تلك القمم. وهم يسعون للارتقاء في مسعاهم طبيعة، لرضا الله تعالى والقرب منه، وهم طليعة البشرية ورواد الحياة السعيدة الفريدة، مقتدين بالرسول الكريم ومهتدين بهديه صلى الله عليه وسلم.
وقد فهموا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن
(1) هذه هي مباني الإسلام الفذة الرائعة في تلك الأحوال والظروف، وفي كل الظروف. وهكذا فالإسلام لا يعبر عن مستواه قياسا إلى غيره بل مستواه المتميز واضح وملحوظ، أمام كل أحد وفي كل العصور والأمكنة ولا يقاس بما حوله ولا يعتمد تقدمه على أي ظروف، لكن لا بد من شروط في أتباعه ليقيموا الحياة الإسلامية فيأتي بالعجائب في أي ظروف مهما تملك أهل العصر والمصر. ويوم انطلق المسلمون بهذا الدين ينشرونه انطلقوا وهم لا يملكون مما عند الآخرين من تقدم مدني أو علمي، وفي ذلك عبرة وحكمة أرادها الله تعالى، للبشرية جمعاء. وهكذا فالإسلام عظيم ودوما هو الموئل والمنهج والطريق للإنسانية، لإقامة حياتها الفاضلة وحضارتها الإنسانية، على غير مثال ونسق. فإنه دين الله الذي ارتضاه للعالمين حتى يوم الدين. ولا يقبل من أحد غيره. فلا يلحقه أحد أو منهج. وهو مستقل وثابت وسامق، في كل وقت، وينشئ الحياة الفاضلة الكريمة، ابتداء وانفرادا وتميّزا.
تؤتى عزائمه» «1» . إن هذه الرخص رخص العبادة، أما في الحياة والمواقف فالعزيمة أولى وأدعى وأجدى. وإن الذين بنوا الحياة الإسلامية هم أهل العزائم، في كل موطن وموقع، في البذل والتضحية والإقدام عليها، حبا ورضا وقربى. ويوم يكثر الأخذ بالرخص في أمور الحياة وتحقيق معاني الإسلام فيها، فقد تردت الأمور ونصل بها إلى أضعف الإيمان، الذي هو الاستنكار القلبي. وحتى هذا يصبح في خطر إذا جرى الاستمرار على الرخص والتّرخّص فيها. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:«من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» «2» .
فالأخذ بالعزيمة هو طبيعة الحياة الإسلامية وسمتها المتميّز، ونهرها الجاري. وهو زلال متدفق متدافع متسارع. وإن الأخذ بالعزيمة عبادة، وأحد ثمارها الطيبة، ولا انفصام بينهما، يجري بها للتقرب إلى الله تعالى.
وإن النظرة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تنير هذا البصر والبصيرة وتبني هذا الفهم وتطلق المسلم قويا في الحياة أبيا نقي النفس عالي الهمة.
وفي العهد المكي من أول يوم كان صلى الله عليه وسلم إصراره على الدعوة وحملها وإبلاغها لا حدود له.
فأي شيء تذكره في حياته تجدها من هذا النوع وعلى نفس النسج، مهما كانت الشدائد والصعوبات والقوى الباغية. ولا بد أنه قد مرّ بك ماذا قال لعمه أبي طالب حين بدا وكأنه يتخلى عنه بقوله له: يا بن أخي أبق عليّ وعلى نفسك ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيق. فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمّه خاذله ومسلمه وضعف عن نصرته، فقال صلى الله عليه وسلم: «والله يا عمّ، لو وضعوا الشمس
(1) انظر: تفسير القرطبي، (5/ 356) . وكذلك رواه البيهقي. وقد رواه الإمام أحمد بلفظ آخر:«إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» . المسند، (2/ 108) . وكذلك رواه البيهقي.
(2)
رواه مسلم، رقم (49) . وأبو داود، (1140) و (4340) . والترمذي، (2172) . وانظر: رياض الصالحين، (125) .
في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته» «1» .
وهذا تصوير لحقيقة هذا الدين والإصرار عليه، من الهادي القدوة والأسوة- صلوات الله وسلامه عليه- روحا استرضعها الصحابة واستنبتوها، شجرة باسقة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، لا تعرف غير هذا اللون من الثمار دائما، ومع كل الظروف.
وقال صلى الله عليه وسلم مثل ذلك في المدينة، بعد أن نصره الله وأقام دولة الإسلام وحكّم شريعة الله، حيث بها قام مجتمع فاضل كريم، أيام الحديبية (6 هـ) حين تعنتت قريش وركبت رأسها:«يا ويح قريش، لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم، دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش. فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به، حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة» «2» .
وبذلك تسمو الحياة الإنسانية وتتأكد معالمها وتشرق لوامعها. بل إننا لنجد في التضحيات والإقدام تمتلئ الساحات، يتنافسون فيها ويقدمون، كلما زاد الخطر وأقبلت الشدائد واعتركت المعامع، تكاثر الناس بالمواقف الشوامخ، حتى لنرى عجبا من التصرفات والأعمال، ما يظهر معادنهم الباهرة وشواهدهم النادرة، وفي شكل متسع ونوعية تعبر عن ذلك البناء الفرد أو المتفرد، تربّوا على مائدة القرآن، مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم فهما وعملا.
فهم كما وصفهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون
(1) سيرة ابن هشام، (1/ 266) . سيرة ابن هشام (بشرح الخشني، (1/ 329- 330)) . سيرة الذهبي، (149) .
(2)
سيرة ابن هشام، (3/ 309) . «السالفة» : صفحة العنق: وهي كناية عن القتل.
عند الطمع» «1» . كيف وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وهو الذي كان يبدأ بنفسه في الملمات والتضحيات.
وانظر إلى سعد بن معاذ «2» ، ماذا يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة بدر:
(فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته
(1) انظر: نظرات في دراسة التاريخ الإسلامي، (72) . وهذا الوصف قاله صلى الله عليه وسلم أساسا في الأنصار.
(2)
سعد بن معاذ الأوسي الأشهلي الأنصاري (5 هـ) من مشاهير الصحابة وأبطالهم، سيد الأوس، وحامل لوائهم يوم بدر. وحضر أحدا والخندق التي استشهد من أثرها بسهم أصابه فيها، بعد غزوة بني قريظة بليال، وبعد أن نزل بنو قريظة على حكمه، وبعد الخندق بشهر. ويروى عن عائشة رضي الله عنها أنه كان في بني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن- بعد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منهم: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعبّاد بن بشر. وقال صلى الله عليه وسلم في حلّة رآها سيراء (بدلة أو بردة جميلة) : «لمنديل من مناديل سعد في الجنة خير منها» . ورد بعدة ألفاظ أخرجه مسلم، رقم (2468- 2469) . والترمذي، رقم (1723) . سير أعلام النبلاء، (1/ 292) . انظر: أعلاه، ص 119. أسلم على يد مصعب بن عمير بين العقبة الأولى والثانية، ودعا قومه إلى الإسلام فأسلموا جميعا نساء ورجالا (انظر: أعلاه، ص 119) ، إلا الأصيرم الذي أسلم يوم أحد، وشهدها واستشهد فيها، فحاز الكثير بالعمل أو الوقت القليل حيث إنه ضحى بنفسه في سبيل الله. وكان سعد بن معاذ من أعظم الناس بركة في الإسلام، سمعته أمّه يردد في معركة الخندق منشدا:
لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل
…
ما أحسن الموت إذا حان الأجل
فقالت أمه: الحق يا بني فقد تأخرت. انظر: البخاري، كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، رقم (3895 و 3896) ، (4/ 1511) . الإصابة، (2/ 37) ، رقم (3204) . الاستيعاب، (2/ 602) ، رقم (958) . أسد الغابة، (2/ 374) ، رقم (615) . سير أعلام النبلاء، (1/ 281) . سيرة ابن هشام، (3/ 226- 227) . الوافي بالوفيات، (15/ 152) ، رقم (204) . الأعلام، (3/ 88) .
لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنّا لصبر في الحرب صدق في اللقاء. لعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله» «1» . فسّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ونشّطه وقال:«سيروا وأبشروا فإنّ الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله كأني الآن أنظر إلى مصارع القوم» «2» .
ثم عبّر سعد عن حب المسلمين والأنصار الذين يتحدث بلسانهم للرسول صلى الله عليه وسلم واستعدادهم للبذل في سبيل الله وأن من تخلف منهم كان بسبب عدم توقعهم قتالا فقال: (يا نبي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعدّ عند ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الآخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك)«3» ، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له بالخير، ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش فكان فيه.
وهكذا استحقت هذه النوعية نصر الله تعالى في بدر، أول لقاء بين المسلمين والمشركين، ورغم التفاوت الذي ما كان يظن أحد أن تدور الدائرة عليهم. أتى نصر الله الذي كانت ثقة الرسول صلى الله عليه وسلم به والمسلمين عالية جدا وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:
123] .
وهكذا سمى الله سبحانه وتعالى يوم بدر يوم الفرقان وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنفال:
41] . وهذا هو الحق المبين الذي عاشه المسلمون وأدركوه.
(1) سيرة ابن هشام، (1/ 615)(سيرة ابن هشام شرح الخشني، 2/ 306) . وانظر: زاد المعاد، (3/ 173) . مغازي الذهبي، (107) .
(2)
سيرة ابن هشام، (1/ 615) .
(3)
سيرة ابن هشام، (1/ 620- 621) . سيرة ابن هشام شرح الخشني، (2/ 313) .
ولم يكن الصحابة الكرام يأخذون بالرخصة في أي من هذه الأمور وأمثالها دوما، وعلى ذلك سرت الحياة الإسلامية وسارت مواكبها. ورغم ضعف المسلمين في مكة وقلة عددهم وشدة الاضطهاد عليهم فلم يأخذوا بالرخصة عموما، طيلة العهد المكي، الذي نعرف مقدار ونوعية الاضطهاد فيه للمسلمين، من قبل قريش وصدهم عن سبيل الله، ورفض أهل مكة والعرب من حولها لهذه الدعوة المباركة، رغم إعجازها وبيانها وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم المعروف عندهم قبل النبوة، بحيث إنهم هم الذين سمّوه «الصادق الأمين» ، وحكّموه جميعا راضين، في أكبر حدث كادت تسيل فيه الدماء، يوم الحجر الأسود، وكان سنه صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة.
وما كانوا ينكرون صدقه أبدا. ولشدة ثقتهم به وتأكدهم من أمانته وصدقه أنهم كانوا يضعون أماناتهم عنده، وهم يحاربونه ويحاربون رسالة الله التي أنزلها عليه ليبلغا للعالمين. فتراهم يسعون لقتله بكل سبيل. كما يعلمون صدق المسلمين في حملها ويرون آثارها عليهم خيرا وبركة واستقامة ظاهرة متجلجلة.
فمضت قريش بعيدا في اضطهادها إلى القتل بالسلاح والقتل بالجوع والتعذيب الوحشي. واجه المسلمون كل ذلك بالعزيمة القوية التي تهد الجبال، وأعظم وأكبر من الجبال الراسيات «1» .
كل هذا والإسلام في أوله لم تكتمل آياته ولم تتم شريعته ولم تظهر عظيم صوره وبليغات ماثره ولوامع جوامعه ولم تر أمجاده الواسعة وكل معجزاته الرائعة ولم يسجل بعد بواهر انتصاراته المتقدمة ولم يقم مجتمعه المتلاحم ودولته العظيمة وتتبين مفاخر حياته. ولكن الانتصار بدأ وسار موكبه المبارك الميمون لحظة استقرت عقيدته، عقيدة التوحيد «لا إله إلا الله» ومستلزماتها «محمد رسول الله» واستقامت على الهدى خطواته.
(1) انظر: أخبار عمر وأخبار عبد الله بن عمر، (451) .
وكلمة التوحيد خير ما قاله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والأنبياء- عليهم السلام قبله «1» ، وذلك أساس دعوة الإسلام ودعوات الأنبياء. وكان صلى الله عليه وسلم في العهد المكي يلاقي الناس ويلتقي في أسواقهم وهو ينادي بهم ويقول:«يا أيها الناس قولوا: لا إله إلّا الله تفلحوا» «2» .
وهذه المواجهة الصريحة المعلنة كانت في أشد ما يكرهون، لكنها النبوة والرسالة الحقة، وهي من أدلتها ومستلزماتها وأصولها ومقوماتها التي لا تصح بدونها، ولا يقبل الله عملا إلا بها.
ولقد صدق المسلمون في حملها واستعدوا لأعبائها وأخذوا بالعزيمة، بالإيمان بها. وإن علموا الرخصة في ذلك بشروطها وضرورتها، والله تعالى يقول: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [النحل: 106] .
وقد أتاح لهم ذلك لكنهم أخذوا بالعزيمة. وهذا بلال «3» العبد الحبشي- الذي أعتقه فيما بعد أبو بكر الصديق، والذي قال فيه عمر بن الخطاب:
(أبو بكر سيدنا وأعتق سيّدنا)«4» - كان عبدا لأمية بن خلف يعذبه تعذيبا يفري صاحبه، وكان بإمكانه أن ينجو من ذلك بكلمة يقولها بفمه، إرضاء لقريش، لكنه على العكس كان يكرر دوما- وهم يعذبونه- ويصرخ بها في
(1) معنى حديث شريف رواه الترمذي وآخرون. ونصه: «خير ما قلت أنا والنبيون (من) قبلي لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير» .
(2)
سبق ذكره أعلاه، ص 158- 159. وانظر: الإصابة، (1/ 509)(ترجمة ربيعة بن عباد رقم 2610) . حياة الصحابة، (1/ 107) ، وقبلها وبعدها. سيرة ابن هشام، (1/ 433)(سيرة ابن هشام، شرح الخشني، 2/ 74) .
(3)
سبق الحديث عنه. انظر: أعلاه، ص 214 (حاشية) .
(4)
أخرجه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب بلال بن رباح، رقم (3544) ، (3/ 1371) .
وجوههم: (أحد أحد) ، وأنه لو يعرف كلمة في الإسلام تقال أشد منها عليهم لقالها.
وكذلك آل ياسر الذين قال فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة» «1» . سميّة وزوجها ياسر وابنهما عمار. كان الأبوان أول الشهداء في الإسلام إذ قتلت سمية بطعنة رمح، في موطن العفة، من أبي جهل. وهي تعلم أنه سيفعل ذلك بها. وكان يمكن أن تبقي على حياتها مسلمة مؤمنة بكلمات يرميها لسانها عليهم. واستشهد ياسر تحت التعذيب.
وفي العهد المدني ترى جميع الصحابة- نساء ورجالا- أبطالا عظاما.
انظرهم كيف فعلوا وهم يمتطون قمم العزائم. وذلك لا يحدث ولا جزء منه إلا بهذا الدين الذي نرجو أن تعود صيغه وفيرة منيرة، لتحرر الإنسان من العبودية لغير الله وتعبّده لله رب العالمين، وتحمل راية هذا الدين تطوف بها جنبات الأرض الواسعة.
انظر ماذا فعل حبيب بن زيد الأنصاري «2» الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا إلى مسيلمة الكذاب باليمامة. فكان مسيلمة إذا قال له: أتشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وإذا قال له: أتشهد أني رسول الله؟
قال: أنا أصم لا أسمع. فعله مرارا، فقطعه مسيلمة عضوا عضوا ومات شهيدا رحمه الله «3» . لا يزيده على ذلك إذا ذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن به وصلّى عليه، وإذا ذكر له مسيلمة قال: لا أسمع «4» . وكان دمه يسيل ويسأله فيجيب نفس الجواب إلى آخر رمق به، وهو ثابت على ذلك. رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه.
(1) سبق ذكره، ص 214، وانظر: حياة الصحابة، (1/ 291) .
(2)
انظر: الإصابة، (1/ 306) ، رقم (1584) . الاستيعاب، (1/ 328) .
(3)
التفسير، (4/ 2196) . سيرة ابن هشام، (1/ 466- 467)(شرح الخشني، 2/ 120) .
(4)
سيرة ابن هشام، (1/ 466- 467) ، (شرح الخشني، 2/ 120) .