الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
كتابة السيرة الشريفة:
إن كتابة السيرة الشريفة- على صاحبها أفضل الصلاة وأتمّ السلام- وقراءتها، ثمرة لتطبيق وأسوة لحياة. ولا يتولى كتابتها وتدريسها إلا أهل هذا اللون من الفهم والاتجاه. ولا بد من النظر إلى السيرة الشريفة في كل ذلك، باستيعاب ليس عقليا فحسب، بل كيانيا متلاحما، يهيمن ويستبطن ويجنّد كافة الجوانب والطاقات، ويستأهلها ويؤهّلها في الإنسان، للتلقي الفاضل؛ لأن الإسلام خاطبها، واهتم بكافة الجوانب في هذا الإنسان، وتناولها، واعتمدها.
وله: تذكرة الحفاظ (1/ 172) . وله: العبر (1/ 216) . شذرات الذهب، ابن العماد (2/ 235) . الوافي بالوفيات (2/ 188) . الأعلام (6/ 28) . ولقد أثنى العديد على ابن إسحاق. وقد وصف بأنه بحر في معرفته بالسيرة النبوية الشريفة- على الرسول الصلاة والسلام- وإنه أمير المؤمنين في الحديث، ووثقه العديد من العلماء، وإن لم يعتبره بعضهم حجة في الحديث الشريف. ويقول الذهبي (تاريخ الإسلام، حوادث وفيات 141- 160، ص 591) : (الذي استقر عليه الأمر أن ابن إسحاق صالح الحديث وأنه في المغازي أقوى منه في الأحكام) . أي: إنه مؤرخ ومحدّث وليس فقيها، مع علمه بالحديث، وتحريه له، واستفادته منه، واقتفائه رواياته، واعتماده عليه، فهو محدّث ومؤرخ، استفاد من كل ذلك في كتابته سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. ويقول الحافظ ابن كثير (774 هـ) في البداية والنهاية (10/ 109) :(صاحب السيرة النبوية التي جمعها وجعلها علما يهتدى به وفخرا يستجلى به، والناس كلهم عيال عليه في ذلك كما قال الشافعي وغيره من الأئمة) . ويقول ابن خلكان (681 هـ) في وفيات الأعيان، 4/ 276:(وكان محمد المذكور ثبتا في الحديث عند أكثر العلماء، وأما في المغازي والسير فلا تجهل إمامته فيها) . وقال ابن العماد الحنبلي (1089 هـ) صاحب شذرات الذهب (2/ 235)، بأنه: (كان بحرا من بحور العلم، ذكيا، حافظا، طلّابة للعلم، أخباريا، نسابة، علامة
…
لا تجهل أمانته (إمامته) ووثقه الأكثرون في الحديث) . ولقد روى له أكثر أهل الصحاح. انظر مقدمة السيرة النبوية الشريفة لابن هشام. والسيرة النبوية، أبو شهبة (1/ 30) .
فلا بدّ من توفر التلقي، بكل هذه الوسائل التي تعهّدتها السيرة، ليصفو العطاء زلالا، بالتلازم والاستواء والوفاء.
فالسيرة الشريفة بفصولها، هي قصة الهداية الإنسانية والإنسان المثال، قصة الإنسان في هذه الأرض وقصة حضارته، قصة السعادة في الدارين، وقصة الموكب السّائر نحو الله بمنهجه سبحانه وتعالى، عبر القرون والأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وكذلك قصة ما يحفّ ذلك كله من طبيعة وحقيقة ووسائل الصراع بين الحق والباطل، حتى يبقى الأخير أسيرا ومنهزما حسيرا، مثلما هي كذلك تحمل كيفية الإيصال والإبلاغ للحق، والإقامة والإدامة والبناء خلال الأجيال. فيبقى الإنسان سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة، حين يتأهّل بمنهج الله تعالى، استحقاقا للخلافة في أرض الله تعالى، بل وكذلك حتى يلقاه سبحانه وتعالى.
فالإسلام وحده- من خلال السيرة الشريفة والاقتداء بها- رفع الإنسان، وأهّله لكلّ ذلك. وعندها وبه- لا بغيره- يستطيع أن يا بني الحضارة الفاضلة والإنسانية الكريمة. والإسلام يفعل كلّ ذلك وأمثاله وغيره دوما، وقد فعل.
رفع الإسلام قدر الإنسان، وحقّق إنسانيته، بعد أن طهّر نفسه من الأرجاس، وابتناها على الإيمان المستنير بالله وحده لا شريك له، سبحانه وتعالى.
فحرّرها من كل ألوان العبوديات والوثنيات والجاهليات، في العقيدة والعبادة والنوايا والأقوال والأفعال، وفي أمور الحياة كافة، وخلوص ذلك كله لله تعالى وحده جلت قدرته، وأعلى مكانتها بذلك، فتحقّقت إنسانيتها المؤمنة المطمئنّة، الراضية بالله تعالى ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
وبه استحق الخلافة في أرض الله، يرعاها بدين الله القويم، وينيرها بمنهجه، ويسير به مضيئا، ويتحرك مشرقا، ويحمل راياته، داعيا له بلسانه، متحركا به بسلوكه. يرى ويعلم أنّ تلك مهمته، إنقاذ البشرية وهدايتها. وهكذا كان المسلمون، لا سيما الصحابة الكرام ومن بعدهم.