الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشدّ تصديقا لكتاب الله، ولا إيمانا بالتنزيل. لما نزلت في سورة النور:
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته، وعلى كل ذي قرابته.
فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحّل، فاعتجرت به تصديقا وإيمانا بما أنزل الله من كتابه. فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رؤوسهنّ الغربان) «1» .
*
جيل الصحابة والإقبال على أمر الله:
وهكذا تلقّى جيل الصحابة الكرام كل الأوامر والنواهي والتوجيهات.
رغم أن الذي كان يحدث يعدّ أمرا فريدا، يصعب تصديق حدوثه لولا أنه قد حدث فعلا؛ فإن المسحة المعجزة التي تزينه والنسمة العالية التي توصله والقوة الإيمانية الربانية التي تحمله، هي من آثار الإعجاز في هذا الدين- قرآنا وسنة وسيرة- الذي نجده مبثوثا قويا شامخا في فعال أولئك الصحب الكرام، في كل أحوالهم، من الغضب والرضا والعسر واليسر والمنشط والمكره، وفي كل جوانب الحياة وأمورها وتعاملها، في السلم والحرب في الفقر والغنى والسراء والضراء وفي النصر والهزيمة. وإن كان لا هزيمة في مثل هذا البناء، في الحياة وتكاليفها أو في المعارك مع كل الأقوام الآخرى، التي عرف أهلها بالشجاعة. وهم الذين تصدوا ابتداء لحرب المسلمين، مغرورين بكل ما لديهم- وحق ذلك لهم- فهزموا، بفضل الله تعالى جميعا.
ولكن أية هزيمة، ما توقعوها وما سبق أن عرفوها. هزائم تتلوها هزائم، حتى استقاموا أو تركوا أو بادوا.
(1) فتح الباري، كتاب التفسير، باب وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ، (8/ 489- 490)، رقم (4758- 4759) . وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. انظر: البخاري، (5/ 1951، 1955) . ابن ماجه، (1/ 211) ، رقم (624) .
وإن إعجابنا بذلك الجيل الفريد الجديد السعيد، في الفتوحات المعروفة- مثلا- المؤهّلة لهذا، حق وواجب وطبيعي، ولكن فتوحاتهم متوالية متتابعة متصاحبة، في كافة ميادين الحياة، ثمرة هذا الغرس الإيماني والمنهج الإلهي والتربية الربانية، الذي يؤتي أكله كل حين بإذن الله ربه سبحانه وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم: 24- 25] . وهذا يتم في كل وقت يؤخذ به شرع ومنهج الله تعالى، كما أخذه الصحابة الكرام، ليتكرر في كل جيل ومع أي أحد في كل زمان ومكان وإنسان.
تلك النماذج والنوعية والمثالية كانت بهذا الدين، وتكون متكررة حين الأخذ به، حيث إن الإسلام جاء لأهل الأرض، بشمولها وشمول حياتهم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن بشرعه نصا ومعنى وتطبيقا كاملا. كما تم في ذلك الجيل الكريم جيل الصحابة الحبيب، الذي حاز الخيرية الشاملة، لهم ولكل من يماثلهم في أي جيل من أي الأمم والشعوب.
فكان تلقيهم الأوامر الشرعية- وفي أشق الأمور- تلقيا متعاليا متواليا ومتعانقا، مع كل ما يرضي الله تعالى وبينه لهم رسوله صلى الله عليه وسلم. وما كان ذلك ليحدث لولا البناء بهذا الدين وعلى قواعده المتينة المتفردة المتجددة، لكل طاقة ومولّدة لها. وحتى لو عرفوه أو بعضه- وهو لا يكون- ما كان ليحدث ولو جزء منه بحال، إلا بهذا الدين.
ومع ذلك فالعجب فوق هذا العجب كله، أن تكون الاستجابة جماعية لا نعرف فيها شذوذا لأحد. وكان كل أحد منهم رقيبا. ليس فقط على نفسه، ولكن كذلك على أهله ومجتمعه وكل من حوله، وبافاق لا مثيل لها، بل لا يعرفها أحد ولا يفتكر فيها أو يتخيلها، فضلا عن أن تكون صورا في الحياة ماثلة قائمة راسخة. بل إنه مهما كان تعلقهم بالأمر فإن استجابتهم للقيام به تتسم بلهفة التنفيذ والحرص عليه والسرعة في الاستجابة المتابعة