الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى جاء موكب الهادي المدينة مهلّلة مكبرة «1» .
طلع البدر علينا
…
من ثنيّات الوداع
وجب الشّكر علينا
…
ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا
…
جئت بالأمر المطاع
جئت شرّفت المدينة
…
مرحبا يا خير داع
فالتقى أهل الهجرة بأهل النصرة أخوّة في الله وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 62- 64] . ذلك الجيل الفريد تربّى على مائدة القرآن وسيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكذلك حين يفعل أي جيل. وانظر إلى ما صنعوا هم وغيرهم ممن أتى بعدهم، وكلهم كانوا كذلك ويكونون بعون الله تعالى، وعلى مدار التاريخ. فهذا سعد بن معاذ، وموقفه العظيم في بدر والخندق وفي الحياة الإسلامية كلها «2» ، وتعرّف إلى أي أحد منهم تجد في حياته عجبا، وقمة سامقة، ونموذجا باهرا.
أظهرت الهجرة- مثل غيرها من الأحداث الكثيرة الوفيرة- قوة الإيمان التي لا تقاس بالقوة المادية. وإن الله ينصر عبده، ويبعث له جنده، حتى ليقوم القليل منهم بما يواجه بهم الجيش الجليل، كما جرى في الغار والمعارك والفتوحات «3» .
*
لقاء الهجرة والنّصرة:
ووصل الركب الكريم مدينة النور والحبور «4» ، واجتمع المهاجرون
(1) تخريج الدلالات السمعية (761) . البداية والنهاية (3/ 197) . حياة الصحابة (1/ 344) .
(2)
انظر: أعلاه، 119، 123- 138، 221.
(3)
انظر: أعلاه، ص 150.
(4)
حياة الصحابة (1/ 342- 344) .
والأنصار على الأخوّة في الله «1» ، وجرت أحداث عجيبة، ودوما كان كذلك، وهكذا يفعل دوما صدق التوجّه إلى الله- إيمانا واحتسابا- ينشئ طاقة جديدة تقوم هي أيضا، قوة تفتق الخير كله، بكل ما لديه، وتأخذ بها إلى قمة عليا، تقيم البناء، وتربو الحياة- بنصر الله وتأييده- متوجهة إلى الله تعالى، وترجو رضاه.
إن الذين حملوا الإسلام، وهاجروا به ونصروه، نراهم نعم القدوة، لا لأنهم أكثر علما- مع أهميته وضرورته- أو خلفوا لنا الكتب، بل لأنهم تربوا على القرآن وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحيا ذلك نفوسهم، وأنار قلوبهم، وملأ كيانهم.
كم هو جيد أن نحتفل بهذه المناسبات، في وقت حاول البعض تشويهها وطمسها ونسيانها، ولكن يجب أن يتجاوز اهتمامنا الاحتفال إلى الإقبال والعمل والإقدام. وكم من أناس وتجمع يحاربون الإسلام، ويحتفلون به، وهم أكثر ضيقا به من أعدائه، يغشونه، ويجهلونه، ويرفضونه.
نريد أن تحتفل به نفوسنا، وتتنوّر به أعمالنا، وتحفل به حياتنا؛ لتقوم الحياة الإسلامية، وترتفع راية شريعته، وتتثبت في الحياة أعلامه.
فالقرن الخامس عشر الأمل- إن شاء الله تعالى- أن يهيئ الله أمر دعوته وينجز ذلك بسنته؛ لتسوس الحياة، وتقيم شؤون الناس على حكمه، وهو أمر كائن إن شاء الله ولا شك فيه بعونه، إن لم يكن بنا فبغيرنا. وسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: 54] ، يحتضنون دينه، وينصرونه. وكل حرب له لا تفيد، فالخير قادم، والحق قائم، والنبع الجديد ماء الحياة سالم، وما يريد الله وصله لا ينقطع أبدا.
(1) حياة الصحابة (1/ 343، 344، 380) .