الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبوية المطهرة والسيرة النبوية الشريفة، تبينها وتوضحها وتمثلها.
*
الصحابة أئمة ومثل وهم بالرسول صلى الله عليه وسلم مقتدون:
ولو أخذت أيّة شريحة من الأحداث والأشخاص تجد عجبا، وفي أشد الأوقات وأصعب الأمور والوقائع، ومع ذلك نجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أولهم وأكثرهم وأبعدهم احتمالا من أشدهم، وهذا في كل الصفات. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعهم وأنجدهم وأشجعهم وأكرمهم وأورعهم وأعبدهم لله رب العالمين. ويروى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس. ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت (وقد استبرأ الخبر) وهو على فرس لأبي طلحة رضي الله عنه عري، ما عليه سرج، في عنقه السيف، وهو يقول:«لم تراعوا، لم تراعوا، ما رأينا من شيء وجدناه لبحرا» «1» ، فكان بعد ذلك لا يجارى!!!
(1) أخرجه الشيخان (البخاري ومسلم) . البخاري: كتاب الهبة، باب من استعار من الناس الفرس، رقم (2484)، (2/ 926) . ومسلم: رقم (2526) . كذلك: الترمذي، أرقام (1685- 1687) . (جامع الأصول، رقم 8818، 11/ 247) . انظر: حياة الصحابة، (2/ 609) . تجد هناك أمثلة كثيرة، حيث يتحدث العديد من الصحابة عن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي منها في الغزوات. فيروي العديد منهم قولهم: كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم. وعند أحمد والبيهقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس بأسا. كما كان أقربهم إلى العدو. انظر: البداية والنهاية، (6/ 37) . حياة الصحابة، (3/ 610) . «لبحر (بحر) » : واسع الجري. «استبرأ الخبر» : كشفه وحقق أمره. وكانت هذه الفرس لأبي طلحة. وهو زيد بن سهل الأنصاري (34 هـ) . وهو زوج أم سليم أم أنس بن مالك، وكان مهرها إسلامه. شهد العقبة الثانية (وكان أحد نقباء الأنصار الاثني عشر) وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يعد من خيار المسلمين، معروف المواقف والمحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان راميا شديد النزع. وكان
ففي الخندق كان الصحابة رضوان الله عليهم- مهاجرين وأنصارا- يحفرون الخندق (شوال السنة الخامسة للهجرة) حول المدينة المنورة وينقلون التراب على متونهم، في غداة باردة، فرأى صلى الله عليه وسلم ما بهم من النّصب والجوع والبرد، قال:«اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة» «1» ، فقالوا مجيبين له مرتجزين مرددين:
نحن الذين بايعوا محمدا
…
على الجهاد ما بقينا أبدا
كانوا يقومون بكل ذلك وهم مجهدون. وكان مأكلهم بشعا ومنتنا والقوم جياع، مرت ثلاثة أيام لم يذوقوا ذواقا. ورأى الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا، وهو ينقل من تراب الخندق، وكان عمره المبارك نحو ثمان وخمسين سنة، والغبار يلفّه حتى أتمه. فأقبلت العرب بقيادة قريش في عشرة آلاف.
والمسلمون لا يتجاوزوا الثلاثة آلاف. ونصر الله النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه. فكان عليه الصلاة والسلام يقول، ويهتف:«لا إله إلّا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعزّ جنده وغلب (وهزم) الأحزاب وحده فلا شيء بعده» «2» .
في هذا الجو الرعيب الرهيب الكئيب، المحاط بالبرد والجوع والخوف، كان الصحابة أقوياء، يعملون في تلك الظروف، ونصرهم الله على عدوهم. وفي كل ذلك كان صلى الله عليه وسلم أكثرهم عملا وتحملا وإقداما. فهو
يجثو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب ويقول: نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء، ثم ينثر كنانته بين يديه. وكان جهير الصوت (صيّتا) . وفي الحديث:«لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل» . وكان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر. وعاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الصوم حتى وفاته بالشام وهو ابن سبعين سنة. وإنه ركب البحر غازيا فمات شهيدا رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين. سبق الحديث عن أبي طلحة مع ذكر المصادر. انظر: أعلاه، ص 206- 207.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، وهي الأحزاب، أرقام (3871 3874) . كذلك: البخاري، أرقام (3878- 3880) . وفي رواية يرد (الإسلام) :
نحن الذين بايعوا محمدا
…
على الإسلام ما بقينا أبدا
(2)
البخاري، رقم (3888) . انظر: أدناه، ص 371.