الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك الجيل الخيّر الذي كان وصفا آحادهم فيه بأنه (كان قرآنا يمشي على الأرض) . وكيف لا يكونون كذلك، وهم الذين قد استحقّوا وصف الله تعالى لهم، ومن ماثلهم من الأجيال بعدهم كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110] .
وهذه وحدها هي الخيرية المؤكّدة، وبمواصفاتها الملتزمة.
ثم استحقّوا وصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم «خير أمتي (الناس) قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» «1» . وكذلك وصفه صلى الله عليه وسلم لهم يوم الحديبية: «أنتم (اليوم) خير أهل الأرض» «2» .
فالقدوة لكلّ أحد متوفرة فيه، مرسومة معالمها، واضحة الدّلالة، قوية الأصالة، مرتبطة ومعبرة أكرم تعبير، ومتّجهة أفضل اتجاه وأصفاه، ومستمدة من الشّريعة الإسلامية أقوم استمداد، ملتزمة إلى أبعد حدود الالتزام، وأعلاه.
يجري ذلك، ويتمّ في إنسانية كريمة مكرمة، ربانية الوجهة مثالية الواقع عالية واعية، رسمتها السيرة النبوية الشريفة، لتتحف بها الإنسان، صورة مثلى، وسيرة عليا، ونموذجا حيّا فريدا، وقدوة متّبعة، يسير اتباعها في ركبها، علهم يقتربون من آفاقها، وابتغاء العيش في أجوائها، وهو ميسّر الأسباب بفضل الله تعالى ومنّته، لمن نوى وأراد.
*
القدوة المثالية الواقعية:
فكانت سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم رسما قويا، للنبوة الخاتمة، والرسالة الأخيرة الخيّرة الدائمة، والدين الحق اللازم، والصورة الأخيرة للإسلام؛
(1) أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب: لا يشهد على شهادة جور (رقم: 5208) . كذلك: أعلاه، 47.
(2)
أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب: غزوة الحديبية (رقم: 3923) .
الذي أراده الله رحمة للعالمين، وحمله سيّد المرسلين صلى الله عليه وسلم إلى الناس أجمعين، في تطبيق معبر، أكرم تعبير، وأفضله، وأوسعه، وأشمله، مما لا يماثله إنسان، بل الجميع لا بدّ أن يقتدي به، ليحيا في ظل شرع الله تعالى الظليل.
وفي هذا الاتجاه الذي سبق، يرد وصف عائشة رضي الله عنها للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في فهمها العملي، وفقهها العميق، ورؤيتها الثاقبة، والبصر الواضح، والنظر الكاشف، والبناء القويّ المكين، حين سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابت بأنه (كان خلقه القرآن) .
كل ذلك يقوم على وحي الله تعالى- إلى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم القرآن العظيم ثم السّنّة المطهرة، يدفعه ويوسعه ويمثله ويتمثله ويشرحه ويقدمه للبشرية كلها رسول الله صلى الله عليه وسلم قياما بأمر الله تعالى.
وما دامت السيرة الشريفة هي تطبيق للإسلام- قرآنا وسنّة- وأنها تتسع لكل أمور الحياة، ويجد فيها كل أحد حاجته واستقامته وسعادته، للاقتداء بها في كل حال، لذلك المجتمع المسلم، لا بدّ- وهو كذلك دوما- أن يكون معها، وبها يقوم لزاما.
ومن هنا فإن الأمة المسلمة، بكلّ أجيالها وطوال عصورها وفي كافة بقاعها كانت كذلك. وكانوا لا ينفكون يلجؤون إليها، ووقت الشدائد والأزمات كل يجد فيها ضالته، كما وجد فيها استقامته ورقيه وسعادته.
فهي مرآة ومحثّ وحاد للناس، يتخذونها، ويقتدون بها ويهتدون للسّير في طريق الله المنير؛ الذي أراده سبحانه وتعالى لخلقه أجمعين.
وما دامت الأمة المسلمة تحيا بها، وتستظل بأفيائها، وتدعو إلى مثلها، فمن الطبيعيّ إذا ألا تفتأ تعتني بها بكل أسلوب، بجانب هذا الأمر.
وليس يحدث ذلك في دراستها وفهمها فحسب، بل والنظر والاستنباط والكتابة والتأليف فيها، يستخرجون من جواهرها وأجوادها وكرائمها لآلئ جديدة فريدة؛ بأصدافها الغنية بمكنوناتها الجديدة المجيدة الوحيدة. وهي