الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دائما، وفي كل شيء ووقت وظرف، خير قدوة وأسوة لأشدهم وأقواهم، فكان يغمرهم بمحبته ويرفع من هممهم ونفسياتهم ويبعث فيهم روحا متفتحة مقبلة. وكانوا هم يقتدونه ويحبونه ويتبعونه ويفتدونه ويؤثرونه ويطيعونه، ويسرعون متسابقين لطاعته.
*
حبّ متوارث طهور:
هذا الحب والتضحية والالتزام ورّثه الصحابة الكرام لمن بعدهم. فلقد قال محمد بن كعب القرظي «1» : إن رجلا من أهل الكوفة قال لحذيفة بن اليمان «2» : يا أبا عبد الله أرأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال: نعم يا بن أخي. قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد، قال:
فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا! «3» .
فكيف لا يفعل المسلمون ذلك وأكثر منه. إنه الحب العميق الذي لم
(1) هو أبو حمزة بن كعب (108 هـ) من بني سليم القرظي (من بني قريظة) ثم الأوسي (من حلفاء الأوس) ، الكوفي (ولد ونشأ فيها) ثم المدني. كان أبوه كعب من سبي بني قريظة (الذين استحيوا إذ وجدوا لم ينبتوا (صغارا غير محاربين) . الاستيعاب، (3/ 1317) ، رقم (2194) . أسد الغابة، (4/ 479) . الإصابة، (3/ 297) ، رقم (7414) . ومحمد هذا تابعي، عالم بالتفسير ومن الأئمة فيه، الإمام العلامة الصادق، كان كبير القدر، موصوفا بالعلم والورع والصلاح. سير أعلام النبلاء، (5/ 65) . البداية والنهاية، (9/ 257) . عبر الذهبي، (1/ 124)
(2)
حذيفة بن اليمان (36 هـ) ، هو وأبوه من سادات الصحابة المهاجرين، وهو من الولاة الشجعان الفاتحين، وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين. ولاه عمر المدائن، وطلب ما يكفيه من القوت. وأقام هناك وأصلح البلاد. وروى له أصحاب الصحاح الستة (225) حديثا. انظر: الاستيعاب، (1/ 334) ، رقم (492) . أسد الغابة، (1/ 468) ، رقم (1113) . سير أعلام النبلاء، (2/ 361) .
(3)
سيرة ابن هشام، (3/ 231- 232) .
يحدث أن أحدا أحب أحدا مثلما أحب الصحابة محمدا صلى الله عليه وسلم «1» . وهكذا الأجيال التالية حتى يوم الدين، ونحن منهم إن شاء الله رب العالمين.
بل إن آخرين وإن لم يسلموا أعظموه وتمنوا أن يخدموه، ومنهم من أسلم حين سمع أخباره. وكثير من الأحبار والرهبان وحتى من ملوكهم، من عملوا ذلك. كما فعل هرقل (قيصر الروم) ، الذي وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه، بعد صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة يدعوهم للإسلام.
فلقد روي عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما أنه أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل (قيصر الروم) يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي (نحو 45 هـ) فقرئ الكتاب لهرقل، وفيه:«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين. و: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 64] «2» » .
وقد سأل هرقل عن صفات الرسول الكريم الحبيب صلى الله عليه وسلم وأمور دعوته، فعلم أنه النبي الحق وقال: «وهذه صفة النبي، وقد كنت أعلم أنه خارج
…
فيوشك أن يملك موضع قدمي هذين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت (عن) قدميه» «3» .
(1) سبق ذكره حين الحديث عن خبيب بن عدي.
(2)
وأول الآية الكريمة قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ.
(3)
أخرجه البخاري: باب بدء الوحي، كتاب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم (7) . كتاب الجهاد، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة، رقم (2782)، (3/ 1074- 1076) . ومسلم: رقم (1773/ 3) . حياة الصحابة، (1/ 134) . والمراد بالأريسيين: الأتباع من رعاياه والأتباع من أهل مملكته. وتجد في هذا الخبر