الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأعلاهم وأقربهم، كيف لا وهو إمام الأنبياء وسيد المرسلين. وقد ربى أصحابه ويربي إخوانه التابعين في كل الأجيال- مقتدين به صلى الله عليه وسلم على مائدة القرآن الكريم، كتاب الله المبين الذي أنزله نورا وهدى للعالمين.
رأينا ذلك تماما لدى الصحابة الكرام، نساء ورجالا، أغنياء وفقراء، كبراء وإماء. واقرأ- إن شئت- هنا تراجم الصحابة الكرام، تجدهم أهل مواقف للحق، لا يعرفون إلّا بها ولا يعرفون إلا بها. وأي مواقف تكون على منهج الإسلام! فأي قمم شواهد ارتقوها، وأي ذرا شواهق وقفوا عليها، وكأنهم ينادون البشرية ويدلّونهم ليذهبوا إليها، يترفقون بهم. ويقودهم لذلك معلم الإنسانية ورحمة الله إليهم وإلى البشرية كافة محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فمن سمع واستجاب ارتفع، ومن أعرض وقع. وانظر تصوير رسول الله صلى الله عليه وسلم البليغ لذلك، كيف لا، والله قد رباه ورعاه وأدبه وأعدّه ووجّهه، والوحي يتنزل عليه، ويرشده ويسدده ويوجّهه، فيقول صلى الله عليه وسلم:«مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبّهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون (تفلّتون) من يدي» «1» .
*
الإضافة وحديث القرآن:
إن شخصا يقوم بكل ذلك، ينشئ أمة مثالا من عدم، ويهيب بها وفية، لتكون قائدة رائدة- في ذلك الزمان والوسائل- للبشرية كلها، وتدير دفة التاريخ وتحوز مقوده وتحوّل مجراه وتستديره إلى حاله يوم خلق الله
(1) انظر: تفسير القرطبي، (14/ 122) ، (20/ 165) . وقد أخرجه البخاري. روى أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل ينزعهنّ ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقحّمون فيها» . كتاب الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصي، رقم (6118) ، (5/ 2379) .
السموات والأرض «1» ، وتملك الزمام وتسيّر موكب الإنسانية وتنشر آثارها وتقدم ثمارها لكل أهل الأرض، تابعها وغيره. وما زال المستقبل لها- إن شاء الله تعالى- بجولات وصولات قادمات. تلك طبيعتها وطبيعة الحياة وحاجة الإنسان، وتقوم بتلك الإنجازات والفتوحات، لا شك أنه نبي من عند الله ورسول منه سبحانه وتعالى. وهو خاتمهم- الأنبياء والرسل، عليهم السلام به صلى الله عليه وسلم ختم الله النبوات والرسالات، هيأه وأعده لهذه المهمة، أوحى إليه وسدده وأعانه ونصره ونشر دينه وأجرى المعجزات على يديه.
والقرآن الكريم هو معجزة هذا الدين الكبرى الدائمة الباقية المتجددة المبينة المهيمنة الأكيدة، كل يوم تظهر من جوانبه أعاجيب ومعجزات وآيات جديدة. والقرآن الكريم وحي الله وهداه، بكل حروفه وكلماته وآياته، نصا ومعنى وترتيبا، تشرحه وتوضحه السنة المطهرة وتنشره السيرة النبوية الشريفة.
وإن نبيا يحمل هذا المنهج الإلهي، الذي أنزله الله تعالى هدى ونورا للبشرية، وينفذه ويقيم به مجتمعا مثالا، تطبق فيه كل تلك المعاني الموحى بها والتعاليم التي أنزلها الله تعالى في ذلك الزمان بأحواله ووسائله، وتنشر دعوته وتنصر، ويقبل عليها الناس وتقيم مجتمعا مثالا لوقتهم وللأجيال التالية بعدها وهم ثلّة ضعيفة صغيرة كان يسخر منها «2» ومن أهدافها. وكان أهل الدعوة في ضيق لا يدعو للأمل- لولا نصر الله- إلى درجة أن أحد أوائل المسلمين وهو خباب بن الأرت «3» جرى معه مثل هذا، فيحدثنا عنه بقوله:
(1) مقتبس مما قاله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: «أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» . مجموعة الوثائق السياسية، (365) .
(2)
سيرة ابن هشام، (1/ 313، 320، 351) . شرح الخشني، (1/ 387، 396، 431) .
(3)
خبّاب بن الأرت (37 هـ 657 م) كان في الجاهلية قينا (عبدا أو حدادا) ، يعمل السيوف بمكة. أسلم قديما، فهو من السابقين الأولين للإسلام. قيل: سادس ستة،