الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
تضحيات فائقة رائقة:
فلا بدّ لهذا الأمر من تضحية تهون عنده الأمور، وتسترخص النفوس، ولا بد من الإقدام والبذل من أجله أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة: 214] .
في ليلة قدم فارس إلى المدينة المنورة، ودفع باب أحد دورها برمحه، فخرج عليه شابّ دون التاسعة والعشرين من عمره، واستغرب وتعجّب كل منهما من الآخر.
أتدرون من هذا الفارس ومن هذا الشاب العالم؟ هو الأب الذي خرج للجهاد «1» قبل نحو تسع وعشرين سنة، يوم كان الشاب جنينا في بطن أمه.
وتعرفا على بعضهما، ولف الأب ابنه بذراعيه ذراع البطولة، وكان الابن من علماء المدينة يستمع الناس له بشوق.
جاهد الأب في ميدان القتال، وجاهد الابن في ميدان العلم، وكلاهما لحمل الإسلام، وحفظه، ونشره، ذاك يرعاه بسلاحه، وهذا يرعاه بعلمه وفقهه. وكلاهما صفحة لقرطاس حملن أن يكون عند واحد، وعند كليهما عند الآخر «2» :«وإنّ العلماء ورثة الأنبياء» «3» .
(1) فإن «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد» . أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. سنن الترمذي (5/ 13) ، رقم (2616) . كذلك (4/ 159)، رقم (1658) . ثم انظر: زاد المعاد (3/ 85، 111) .
(2)
الشاب، هو: أبو عثمان ربيعة (ربيعة الرأي، 136 هـ 753 م) بن أبي عبد الرحمن فرّوخ. انظر: وفيات الأعيان، (2/ 288)(232) . سير أعلام النبلاء (6/ 89) . الأعلام (3/ 17) .
(3)
وهذا الجزء من الحديث الشريف بتمامه هو: «إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما إنما ورّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظّ وافر» . الترمذي، رقم (2682/ 5) . كذلك أبو داود، رقم (3641/ 4) . البخاري، كتاب: العلم، باب: العلم قبل القول والعمل.
إن الأمر جدّ، ينتظم الدنيا والآخرة، فلا بدّ من سلوك الجد في أمر الدنيا والآخرة، ولا بد من التوجه إلى الله تعالى والأخذ بشرعه، ونبذ ما عداه. وإن كل نصر في الحياة وبعد الممات يأتي تاليا بنصرة العقيدة وانتصارها في النفس، ثم يأتي بعدها انتصارها في الحياة.
اللهم اجعلنا من العاملين بشرعك والدّاعين إليك، إيمانا عظيما، والمجاهدين في سبيلك، والحاملين مشاعل دعوتك ونور شريعتك، نحمل رايتها خفاقة، نعليها ونفتديها، واحفظ دينك، وأقم دعوتك دعوة القرآن، بأيدينا وأيدي هذا الجيل، وكل جيل من المسلمين، يمسكون قيادتها نحو الخير والبركة ينبوعا، يبنون مجتمعه المتحضّر، مثابة للناس كافة، ومهوى الأفئدة، وموئلا آمنا كريما لأهل الأرض أجمعين «1» .
اللهم أعزنا بكلمتك، وأعزّها بنا، وانصرنا بدعوتك، وانصرها بنا، وأقم شريعتك الغراء في حياتنا، واجعل مجتمعاتنا له حامية وبانية وحانية، واجعلنا من جنودك المخلصين، وهيئ لنا فرص خدمة هذا الدين، وقوّنا في أداء أمانته، آمين كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [البقرة: 249- 250] .
(1) كان هذا المبحث في الأصل كلمة ألقيت بقاعة الاحتفالات الكبرى (كليات البنين) بجامعة الإمارات العربية المتحدة (مدينة العين) ، قبل نحو خمسة عشر عاما، بمناسبة الاحتفال بالهجرة النبوية الشريفة- على صاحبها الصلاة والسلام- ثم زيدت هنا كثيرا جدا وتعنونت (العناوين الفرعية كافة) وتهامشت (تزويدها بالمصادر والمراجع) . والحمد لله رب العالمين.
المبحث التاسع حقائق الهجرة (النبوية) ودعائمها
* مناسبات ذات دلالة
* قوة الإسلام ذاتية ربانية أودعها الله تعالى
* التسخير لهذا الدين
* الهجرة حب وحفظ
* النصر حليف الإيمان
* عجائب هذا التاريخ
* الإسلام ارتقاء وشموخ
* الإسلام تعامل وأخلاق
* الإسلام شفاء وبناء