الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والله إن هذا للأصيرم، ما جاء به؟ فسألوا فأخبرهم الخبر، وإنه حين ذكر أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنه لمن أهل الجنة» . وهكذا رحمه الله تعالى، ورضي الله عنه، وكان إقدامه واستشهاده. ذلك هو مقتضى الصدق في هذا الدّين، وقضى شهيدا، فكان هو الذي دخل الجنة، ولم يركع لله ركعة.
ولدينا العديد من هذه النماذج الفذة، وغيرها الكثير والكثير جدا، تلك صنعها هذا الدين، دين الله الحق لأهل الأرض أجمعين، ولا يمكن أن تكون إلا به- وبه وحده- وهو أمر طبيعيّ.
وفي معركة اليرموك (15 هـ) جرى مثل ذلك، حين أقبل إلى معسكر المسلمين «جرجة» أحد قادة الروم ليعلن إسلامه، ودخل المعركة إلى جانب عكرمة، وتعاهدا- مع آخرين كثير- على الموت في سبيل الله، فاستشهدا جميعا «1» . وهكذا وهكذا كثير، ووفير، وجدير.
فليلتحق المسلمون بركب الإسلام المنير عاملين بجديّة أكثر، يزداد القريب قربا، ويقترب البعيد، كما يفوز بالخير ولا يفوته، ويحظى برضا الله عز وجل وجنته، إن شاء الله سبحانه وتعالى.
*
الشرود عن منهج الله هو الدمار:
لقد هربت أوربا من شريعة الله، ومنه سبحانه وتعالى. وحين هربت من الكنيسة الطاغية الباغية باسم الدين الزائف، وثارت على دين الله سبحانه وتعالى، ظن الناس هناك أنهم يجدون إنسانيتهم وحريتهم وكرامتهم ومصالحهم وحياتهم وسعادتهم، في ظلّ الأنظمة الفردية الديمقراطية؛ بما صاغوه، ووفّروه، ثم في ظلّ الأنظمة التفردية المستبدة الطاغوتية الجماعية، فلم يجدوا إلا الخيبة، والفشل الذّريع، والتغرير، والتدمير، وكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، وانتقلوا من الوهم إلى السّراب
(1) البداية والنهاية، ابن كثير (7/ 12- 13) .
والأساطير. وسيبقى الإنسان كذلك حتى يعود إلى دين الله تعالى، ففيه وحده النجاح الأكيد الجديد، دنيا وأخرى، سيادة وسعادة.
وقد أغرتهم بذلك تلك الأشكال، وغرّتهم تلك المنتجات والإمكانيات، إلا أنّ الأمر انتهى إلى الرأسمالية الطاغية، بتشكيلاتها المختلفة، ولا فتاتها التي تحولت إلى خيالات وأوهام، فوقعوا في عبودية ذليلة، عبودية البشر للبشر، كثرة ساحقة خضعت لأقلية طاغية، تملك رأس المال، وتملك كل المؤسسات، وإن وضعت عليها اللافتات المزوّقة، والشعارات المنمّقة.
وهرب فريق منهم من تلك الأنظمة الفردية وأجهزتها؛ التي يطغى فيها رأس المال والطبقة، إلى الأنظمة الجماعية، فاستبدلوا طبقة بطبقة أعتى.
وبعد أن كانت تبعيتهم لأصحاب رؤوس الأموال ومؤسساتهم، غدت للدولة التي تملك المال والسلطان، فكانوا كذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار الأشد قسوة ولظى، بعد تلك المعاناة.
وسواء انتهت هذه السلسلة أو ما زالت فيها بقية، يدفعها الضلال والكبرياء إلى الشرود عن الله سبحانه وتعالى، والتمسك بالجاهلية، فسيبقى الإنسان خاسرا مسحوقا، مادام في معزل عن الله ومنهجه، ومهما كان في مستوى فلا يقارن مع منهج الله تعالى، ومهما بلغ تقدمه من كل نوع؛ ولذلك أنزل الله شرعه العظيم الذي لا يكون أفضل له فحسب، بل لا يكون بدونه أبدا.
وفي كل مرة- لكل إنسان، وفي كل حال أو وضع أو نظام- دان فيه البشر للبشر، دفعوا له ضرائب فادحة، أنفسهم وكرامتهم وحياتهم وسعادتهم ودنياهم وأخراهم. إنه لا بدّ من عبودية لله تعالى، والأخذ بكل منهجه لكل الحياة الإنسانية، وهذا مما تحمله العبودية لله تعالى، وبها وحدها- يعرف الإنسان نفسه، ويجد حريته، ويحظى بإنسانيته وسعادته، فإن لا تكن لله وحده تكن لغيره، مما عداه، من حجر أو شجر أو شهوة أو هوى أو بشر أو وجهة، من أي نوع كانت وتكون.