الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحثيثا لإعلاء كلمة الإسلام في كل عصر ومكان. وفي مختلف الظروف احتملوا الأعباء، وصبروا على البلاء، وتقدّموا لا يأبهون لطغيان العملاء، رفعوا أيديهم الأمينة القوية عالية يحملون اللواء.
ونتيجة لهذا الحرص على كل معاني الإسلام وتمثيله، وطاعة لله تعالى وعبادة له، كان مثله حرصهم على جمع السيرة وكتابتها، وتدقيق أخبارها، والسعي لتدوين وجمع كل ما يتعلق بها.
ولا يستطيع خدمة السيرة النبوية الشريفة وإتقان هذه الخدمة وإحسان تصويرها وتسطيرها، بشكل أصيل ودقيق وعميق، إلا من كان كذلك.
يفعلونه حبا لله تعالى وتقربا إليه وطاعة، وحبا لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وبه يقتدون. وهم الذين تقدموا لكل واجب، خدمة وتضحية، ومنها الحفاظ على دين الله سبحانه وتعالى بكل طريق- وعلى سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، بكل ما تقتضيه، ومنه النهوض لدراستها، ونقلها، والكتابة فيها.
*
واجبات محبّبة كريمة، وثمار مباركة طيبة:
وكانت تلك هي الكتابات الجيدة المعتمدة المعتدة الموثقة الباقية، لا يعرفون غيرها، وحسب ما توفر لهم من الإمكانيات، وجعلوا من تلك الكتابات الجيدة- للسيرة الشريفة وغيرها- العامل المنير الخير، مهمة أساسية للمسلمين، لتربيتهم على معاني الإسلام، وهي القصد القصيد منها.
إنّ الذين كتبوا في السيرة الشريفة، وعموم التاريخ الإسلامي، كانوا يعتبرون ذلك واجبا إسلاميا، وهو عليهم فريضة ووسيلة إبلاغ. وكانوا يبتغون الأجر والقربى بها عند الله تعالى، وهي عبادة.
وكانت متنوعة الثمار، وما كان لله فهو مبارك كثير الثمار، طيبة الأشجار، زاهية الأزهار، بعضها محسوب ومرقوب ومرغوب، وبعضها غير مرقوب ولا محسوب، وهو كذلك طيب ومطلوب. بذور تلقى إلى
أرض خصباء تملأ الأجواء بكل نماء والعطر والحناء، تقوى وتأبى على كل التواء وعناد وأهواء.
ولعلّ من تلك البركة الربانية والعناية الإلهية والرعاية؛ التي أرادها الله، والهداية التي اقتضتها حكمته، والحماية التي توفرت، والهمة القوية الواعية التي امتلكوها وقدّموها، أن المكتبة الإسلامية- وإن أصابها الكثير من الكوارث والنوازل- مما بعضه يمحقها؛ وقد بقي الكثير الكثير من النتاج الإسلامي العزيز الغزير عبر القرون والشجون ذات العداء واللأواء، خلال الجسور والطرق والمعابر والحمائل، غير المنقطعة في كل الظروف، وبرغمها فهي متينة أمينة، ليصل إلينا. وأحيانا على خيط رفيع لا يحتمل مثله، لولا لطف الله الذي به كان هذا النتاج، أقوى من كل القوى المحيطة المتلهفة على طمسه، بل وتغييبه وإتلافه.
فكان عمل أولئك المسلمين كله لله تعالى، حصولا للأجر، وأداء للواجب، وإبراء للذمة، وقياما بالدعوة، وحملا للمهمة، وتقديما لواجبها؛ بإقدام وتضحية وتفضيل، وعند الله الجزاء. فالخلوص أساسيّ، ومسارب التأثير والأجر متعددة، وبعضها محسوب، وبعضها غير محسوب.
إنّ طبيعة الإسلام تنمّي الطاقة وتفتقها، وتفتح آفاقا نفسية وتبني وتزيد كل قابلية، وتؤسّسها وتنميها. ومنذ عرف المسلم الإسلام اعتناقا واقتناعا، بات في جهاد بالنفس والمال، وإنفاق وعمل غير كليل، ودأب دائم وأصيل.
والإسلام وحده الذي يا بني الحياة بدقة وأصالة، ويعطيها بلا بديل، غير ما عند الله تعالى من رضا وقربى وحسنى وأجر وثواب إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً [الإنسان: 9] جعله بعيدا عن أنانية أو نفعية شنشنة بني البشر- يتقدّم للعطاء، ويعمل للبناء. فهو ابن الحياة البارّ، يبنيها بصادق العمل، ويزيّنها بسلوكه الباسم الكريم.