الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المستحاضة) . أسلمت قديما وهاجرت مع زوجها أبي حذيفة بن عتبة إلى الحبشة وولدت فيها ابنهما محمدا.
ودعوة الآخرين إلى الإسلام وهدايتهم هو هدفهم، بعد ما هداهم الله تعالى له الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ [الأعراف: 43] .
لكنهم حين أصروا على مقاتلتهم واجهوهم.
فإذا ما أخذنا الصور الفردية، فمع كل فرد من الصحابة الكرام صورة في هذا وموقف وشاهد، مثلما في كل الأمور الآخرى، تجدهم دائما عندها.
لأنها جميعا تصدر من هذا البناء، البناء الذي هو الأساس في قيام هذا المجتمع المثال بهذا المنهج الرباني الكريم. وهو لا يأتي إلا بالخير في أي حال ووضع وموقف أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم: 24- 25] .
ونأتي الآن لتقديم بعض الأمثلة المعبرة عن هذا المعنى، واجعلها للجميع أفرادا وجماعات ومجتمعات ودولة، سلما وحربا وفي كل حال، ومهما كانت تفوّت من منافع أو تقدّم لهم من مغريات أو إغراآت الآخرين لهم أو تغريرهم بهم.
*
أسلموا وأهلهم أعداء:
فكم من المسلمين- نساء ورجالا- أسلموا، ولهم من أسرتهم- ربما آباؤهم وإخوانهم- من أكبر أعداء الإسلام ومحاربيه، ويقودون ذلك ضد كل من أسلم. ونال هؤلاء الذين أسلموا منهم أشد أنواع النكال والتعذيب والحرمان. وكان هؤلاء المسلمون- فوق ذلك كله- يدعون أهليهم إلى دين الله تعالى. من أمثال: حنظلة الغسيل (غسيل الملائكة وشهيد أحد) بن أبي
عامر الفاسق. فكان أبوه هذا الفاسق يوم أحد مع المشركين «1» وابنه حنظلة يقاتل المشركين- ومعهم والده- ناصرا دعوة الله تعالى، حتى استشهد فيها، ومن أوائلهم.
وعبد الله (الابن) بن عبد الله بن أبيّ بن سلول الخزرجي، كان أبوه رأس النفاق في المدينة المنورة، وبه عرف. أما ابنه (عبد الله الابن) فكان من سادة الصحابة وأخيارهم، وكان اسمه الحباب، وبه كان أبوه يكنى، فغيّره النبي صلى الله عليه وسلم وسماه عبد الله. واستمر هذا يجاهد مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، واستشهد يوم اليمامة «2» ، في قتال مسيلمة الكذاب. ومن مواقفه (الابن) أنه وقف ضد أبيه حين عاد المسلمون من غزوة بني المصطلق، وهي غزوة المريسيع، التي حدثت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة «3» .
كذلك أخته رملة بنت عبد الله بن أبي بن سلول الأنصارية وأبوها رأس المنافقين، أسلمت وبايعت الرسول الكريم «4» صلى الله عليه وسلم. وكذلك أختها جميلة بنت أبي بن سلول، وكانت زوج حنظلة الغسيل «5» .
(1) كان هذا الفاسق يسمى في الجاهلية الراهب، وقد حسد- مع ابن سلول- رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما منّ الله به عليه. وأما حنظلة فهو من سادات المسلمين وفضلائهم. وسار للجهاد إلى أحد صباح ليلة عرسه فاستشهد فيها فغسلته الملائكة، فأصبح هذا اسما عرف به ويدل عليه. أسد الغابة، (2/ 66- 67) .
(2)
سير أعلام النبلاء، (1/ 321) . ولعبد الله الابن مواقف كثيرة رائعة رائقة. انظر: أسد الغابة، (3/ 296- 268) .
(3)
هناك نقاش في تحديد تاريخ هذه الغزوة، والذي يبدو أن التاريخ المذكور يكون هو الصحيح الذي اعتمده العديد، وأن معركة الخندق كانت بعدها، حيث جرت في شوال السنة الخامسة للهجرة. سبل الهدى، (4/ 502- 503) . زاد المعاد، (3/ 256- 269) . قارن: سيرة ابن هشام، (3/ 214، 289) . الذي جعل المريسيع في شعبان السنة السادسة للهجرة واتفق على تاريخ الخندق شوال السنة الخامسة للهجرة.
(4)
أسد الغابة، (7/ 117) . والأمثلة في هذا كثيرة ووفيرة جدا، من الرجال والنساء.
(5)
أسد الغابة، (7/ 51) .
وأبو جندل من المسلمين الأوائل. وأبو سهيل بن عمرو، الذي كان خطيب قريش وفصيحهم ومن أشرافهم، أسلم فيما بعد، يوم فتح مكة (8 هـ)«1» ، واستشهد يوم اليرموك (15 هـ)«2» . وكان رئيس وفد مفاوضي قريش في صلح الحديبية، في ذي قعدة السنة السادسة للهجرة «3» . وسهلة- كما سبق ذكره- أخت أبي جندل بنت سهيل بن عمرو كذلك، وهي زوجة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة «4» ، وأخوها عبد الله بن سهيل بن عمرو، من فضلاء الصحابة، أسلم قديما في مكة وهاجر إلى الحبشة واضطرّ أن يكتم إسلامه، وخرج إلى بدر مع المشركين، فانحاز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم «5» .
وهذه الظاهرة- إسلام أفراد من أسرة عرفت بعداوتها للإسلام- تشمل النساء كذلك، رغم صعوبة ذلك على المرأة. فأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط التي أسلمت بمكة قديما، وقد صلّت القبلتين وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم «6» . وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، وسارت من مكة إلى المدينة ماشية (نحو 500 كم) ، فسار أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة خلفها ليردّاها، فمنعها الله تعالى منهما. وكانت كل أسرتها تحارب الإسلام أقسى الحرب، ولا سيما أبوها كان من أكبر أعداء الإسلام طوال العهد المكي، فاذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الإيذاء، وخرج في بدر مع المشركين يحارب الله ويحارب رسوله وقتل فيها في (17) رمضان السنة الثانية للهجرة الشريفة «7» .
وهذه أم حبيبة، رملة بنت أبي سفيان، أم المؤمنين، المهاجرة إلى الحبشة، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها، أسلمت قديما بمكة
(1) أسد الغابة، (6/ 54) .
(2)
سير أعلام النبلاء، (1/ 194) .
(3)
زاد المعاد، (3/ 286- 315) . سيرة ابن هشام، (3/ 308) وبعدها.
(4)
سبل الهدى، (5/ 57) وبعدها، (148) .
(5)
أسد الغابة، (1/ 271) . سير أعلام النبلاء، (2/ 276) .
(6)
أسد الغابة، (7/ 386) . سير أعلام النبلاء، (2/ 276) .
(7)
سيرة ابن هشام، (1/ 708) .
وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها، الذي توفي هناك، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. عقد صلى الله عليه وسلم عليها سنة ست بعد الحديبية وهي بالحبشة. أسلمت وكانت أسرتها تحارب الإسلام، حتى أبوها، وإلى أن أسلم في فتح مكة، في شهر رمضان السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة.
وانظر موقفها من أبيها يوم جاء إلى المدينة بعد صلح الحديبية ليؤكده، لنقض قريش العهد جهارا نهارا «1» . ورفض المسلمون جميعا التحدث معه، حينما لا حظوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عنه. وذهب إليها يستنجد بها، فلم تستقبله يومها فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، طوته دونه. فقال:
يا بنية، أرغبت بهذا الفراش عني، أم بي عنه؟ قالت: بل فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» .
وفي معركة أحد (منتصف شوال السنة الثالثة للهجرة الشريفة) كان الذي يحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير، وهو من بني عبد الدار «3» .
والمشركون يحمل رايتهم بنو عبد الدار «4» ، وفيهم من إخوة مصعب.
واستشهد مصعب في أحد «5» .
كان مصعب أترف (أرق) وأنعم وأعطر غلام في مكة يضرب به المثل في لبسه ودلاله، حتى في الذي كان يستعمله «6» ، فكان فتى مكة جمالا
(1) سيرة ابن هشام، (2/ 395) .
(2)
سير أعلام النبلاء، (2/ 222- 223) . سيرة ابن هشام، (2/ 396) .
(3)
أسد الغابة، (5/ 182، 184) . سيرة ابن هشام، (3/ 73) . جمهرة أنساب العرب، (126) . الاستيعاب، (4/ 1475) . وكان مع مصعب أخوه أبو الروم، قديم الإسلام ومن مهاجرة الحبشة واستشهد في اليرموك (15 هـ) .
(4)
سيرة ابن هشام، (3/ 98) . مغازي الواقدي، (1/ 291) .
(5)
سيرة ابن هشام، (3/ 98) . مغازي الواقدي، (1/ 291) .
(6)
الاستيعاب، (4/ 1474) . أسد الغابة، (5/ 182) . سير أعلام النبلاء، (6/ 147) .
وتيها «1» . وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ وقف عليه حين رآه في ميدان المعركة يوم أحد، وهو منجعف (مصروع) على وجهه شهيدا «2» ، بعد أن استشهد، وكان لا يملك غير بردة (نمرة) لا تكفيه غطاء، إذا غطّي رأسه خرجت رجلاه وإذا غطيت رجلاه خرج رأسه «3» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك:«لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرقّ حلّة ولا أحسن لمة منك، ثم أنت (اليوم) شعث الرأس في بردة» «4» .
دقق في حياته، أسلم بعد ذلك الترف كله، الذي كان يتمناه الآخرون، إعجابا بجماله ومكانته وغناه، حرم وسجن ثم هاجر إلى الحبشة الهجرتين وعاد إلى مكة متابعا جهاده. «كان من فضلاء الصحابة وخيارهم، ومن السابقين إلى الإسلام. أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه، وكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا، فبصر به عثمان بن طلحة العبدري يصلي، فأعلم أهله وأمه، فأخذوه وحبسوه، فلم يزل محبوسا إلى أن هاجر إلى أرض الحبشة، وعاد من الحبشة إلى مكة، ثم
(1) نفسه.
(2)
أسد الغابة، (5/ 183- 184) . طبقات ابن سعد، (3/ 121) .
(3)
أخرجه البخاري (رقم 1217، ورقم 3854) عن خباب بن الأرت، قال:(هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله، فوجب (فوقع) أجرنا على الله، فمنا من مضى أو ذهب، لم يأكل من أجره شيئا كان منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة (بردة- ثوبا) ، كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطيّ بها رجلاه خرج رأسه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر» . أو قال: «ألقوا على رجليه الإذخر» . ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها) . البردة: كساء صغير مربع، وقد يكون مخطط، يلتحف به. جمعها: برد وبرد (أما البريد، فجمعها: برد) . النمرة: كساء فيه خطوط بيض وسود، جمعها: نمار. يهدبها: يجتنيها ويقطفها. انظر: الاستيعاب، (4/ 1475) . مغازي الواقدي، (1/ 310) . أسد الغابة، (5/ 183) . سير أعلام النبلاء، (1/ 164- 148) . سيرة ابن هشام، (3/ 64، 98، 164) . طبقات ابن سعد، (3/ 121) .
(4)
مغازي الواقدي، (1/ 311) . قارن: طبقات ابن سعد، (3/ 117) .
هاجر إلى المدينة بعد العقبة الأولى ليعلّم الناس القرآن، ويصلي بهم» «1» .
وكان مصعب خلال ذلك كله مثالا في الصبر والاحتمال والتضحية والإقدام والإقبال والأخلاق وقلة الخلاف «2» .
كان أول المهاجرين إلى المدينة، بعد بيعة العقبة الأولى (الصغرى) وعودة الأنصار الاثني عشر المبايعين إلى المدينة في ذي الحجة السنة الحادية عشرة للبعثة الشريفة. وقد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إليهم (أو معهم) وإلى المدينة، حيث «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير مع النفر الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى، يفقّه أهلها ويقرئهم القرآن (ويعلّمهم الإسلام) ، ويفقههم في الدين» «3» . فكان منزله على أسعد بن زرارة «4» . وكان مصعب إنما يسمى بالمدينة المقرئ. يقال: «إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة.
وأسلم على يده العديد، منهم ثلاثة من أئمة الأنصار وسادتهم وأعلامهم، كلهم من بني عبد الأشهل الأوسيين «5» ، وهم عبّاد بن بشر «6» ، وأسيد بن حضير «7» ، وسعد بن معاذ «8» . وكفى بذلك فخرا وأثرا في الإسلام» «9» .
وعاد مصعب إلى مكة مع السبعين الذين وافوا يومها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية (الكبرى) في ذي حجة السنة الثانية عشرة للبعثة الشريفة.
وكان مصعب أول من زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أهله، فما كان ليبدأ بأحد قبل
(1) أسد الغابة، (5/ 181) . الاستيعاب (4/ 1474) . طبقات ابن سعد، (3/ 116) .
(2)
انظر: طبقات ابن سعد، (3/ 116) .
(3)
سيرة ابن هشام، (1/ 434) .
(4)
عن أسعد بن زرارة، انظر: سير أعلام النبلاء، (1/ 299) .
(5)
سير أعلام النبلاء، (1/ 337) .
(6)
نفسه.
(7)
سير أعلام النبلاء، (1/ 340) .
(8)
سير أعلام النبلاء، (1/ 279) . انظر: أدناه، ص 221 وبعدها.
(9)
أسد الغابة، (5/ 181) . سيرة ابن هشام، (1/ 434) .