الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسيب وربيعة إنه لا يحل الأكل لما توحش إلا بتذكية في حلقه أو لبته والحديث يرد عليهم وأيضا ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "لو طعنت في فخذها لأجزأك".
باب الأضحية
[فصل
والأضحية تسن لكل مكلف بدنة عن عشرة وبقرة عن سبعة وشاة عن ثلاثة وإنما يجزيء الأهلي ومن الضأن الجذع فصاعدا ومن غيره الثني فصاعدا إلا الشرقاء والمثقوبة والمقابلة والمدابرة والعمياء والعجفاء وبينة العور والعرج ومسلوبة القرن والأذن والذنب والألية ويعفى عن اليسير [.
قوله: "باب الأضحية تسن لكل مكلف".
أقول: لا خلاف في مشروعية الأضحية وأنها قربة عظيمة وسنة مؤكدة وقد ذهب الجمهور إلى أنها غير واجبة قال ابن جزم لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عن الجمهور ولا خلاف في كونها من شرائع الدين انتهى وذهب الأقلون إلى وجوبها واستدلوا بما أخرجه أحمد وابن ماجة من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا"، وصححه الحاكم قال ابن حجر في الفتح رجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره.
ووجه الاستدلال به لما نهى من كان ذا سعة قربان المصلي إذا لم يضح دل على أنه قد ترك واجبا فكأنه لا فائدة في التقرب بالصلاة للعبد مع ترك هذا الواجب.
واستدلوا أيضا بما في الصحيحين البخاري "10/20"، مسلم "2/1960"، وغيرهما النسائي "4380"، ابن ماجة "3152"، من حديث جندب بن سفيان البجلي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله"، وبما في صحيح مسلم وغيره من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أنس في الصحيحين البخاري "10/6"، مسلم "10/1962"، وغيرهما النسائي "4408"، ابن ماجة "3151"، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر:"من كان ذبح قبل الصلاة فليعد"، والأوامر ظاهرة في الوجوب لا سيما مع الأمر بالإعادة
وأجاب الجمهور بأنه هذه الأوامر مصروفة عن معناها الحقيقي وهو الوجوب لما ورد في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتضحية ولم تؤمر بها أمته وأنها عليه فريضة ولهم تطوع ولم يصح من الأحاديث شيء وفي أسانيدها من هم في الضعف في أسفل مراتبه وهكذا لا القول بصرف أحاديث الأوامر عن معانيها الحقيقية أنه ضحى عن أمته وفي حديث آخر ضحى عن محمد وآل محمد لأن تضحيته صلى الله عليه وسلم قد قامت مقام التضحية منهم وذلك مزية خصه الله سبحانه بها ومما يؤيد الوجوب حديث مخنف ابن سليم عند أحمد وأبي داود وابن ماجه والترمذي وحسنه أنه صلى الله عليه وسلم قال بعرفات: "يا أيها الناس على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة" ونسخ العتيرة لا يسلتزم نسخ الأضحية ومما يدل على الوجوب قوله عز وجل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] ، إن كان المراد معنى النحر الحقيقي وهو نحر الأضحية لا إن
كان المراد وضع اليد على النحر كما ورد في رواية وبهذا ويعرف أن الحق ما قاله الأقلون من كونها واجبة ولكن هذا الوجوب مقيد بالسعة فمن لا سعة له لا أضحية عليه.
قوله: "بدنة عن عشرة وبقرة عن سبعة".
أقول: الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين مسلم "350/1318"، وغيرهما أبو داود "2809"، الترمذي "1502"، ابن ماجة "3132"، أحمد "3/353، 363"، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نشترك في الهدي في الإبل كل سبعة في بدنة ولكنه يمكن أن تحمل هذه الأدلة على الهدى وتخص الأضحية بما أخرجه أحمد "2484"، والنسائي "7/222"، والترمذي "1501"، وحسنه وابن ماجة "3131"، من حديث ابن عباس قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى فذبحنا البقرة عن سبعة والبعير عن عشرة ويشهد له ما في الصحيحين البخاري "2507"، مسلم "21/1968"، من حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشر من الغنم ببعير.
قوله: "وشاة عن ثلاثة".
أقول: قد ورد إجزاء الجذع من الضأن مطلقا ومقيدا فأما المطلق فكقوله صلى الله عليه وسلم: "نعم الأضحية الجذع من الضأن"، أخرجه أحمد "2/445"،والترمذي "1499"، من حديث أبي هريرة وكقوله صلى الله عليه وسلم:"خير الأضحية الكبش الأقرن"، أخرجه داود "3156"، وابن ماجة 1473"، والحاكم والبيهقي من حديث عبادة بن الصامت وأخرجه الترمذي "1517"، وأخرج ابن ماجة نحوه من حديث أبي أمامة وأخرج أبو داود وابن ماجة "3139"، من حديث أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجوز الجذع من الضأن ضحية"، وثبت في الصحيحين البخاري "10/4"، مسلم "16/1965"، وغيرهما الترمذي "1500"، النسائي "4392"، 4393"، من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالتضحية بالجذع من الضأن وفي الباب أحاديث وأما المقيد فكحديث أبي أيوب الأنصاري أنه سأله عطاء بن يسار كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته الحديث أخرجه في الموطأ وابن ماجة "3147"، والترمذي "1505"، وصححه وكحديث
أبي سريحة قال: حملني أهلي على الجفاء بعدما علمت من السنة كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يبجلنا جيراننا أخرجه ابن ماجة بإسناد صحيح ويدل عليه أحاديث واردة في هذا المعنى وجميع الأحاديث المطلقة والمقيدة تدل على أن أقل ما يجزيء في الأضحية الجذع من الضأن وأنها تجزيء أهل البيت كما تجزيء الواحد وحده وقد حكى الترمذي في سننه أن الشاة تجزيء عن أهل البيت قال والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد واسحاق واحتجا بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش فقال: "هذا عمن لم يضح من أمتي" وقال بعض أهل العلم لا تجزيء الشاة إلا عن نفس واحدة وهو قول عبد الله بن المبارك وغيره من أهل العلم انتهى فعرفت بكلام الترمذي هذا عدم صحة ما زعمه النووي وابن رشد والمهدي في البحر من أن الشاة لا تجزيء إلا عن ثلاثة فالحق أنها تجزيء عن أهل البيت وإن كانوا مائة نفس.
وأما قوله: "وإنما يجزيء الأهلي" فوجهه أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بوحش ولا جوز التضحية به لأمته وهذا يكفي.
وأما قوله: "والجذع من الضأن فصاعدا" فوجهه ما قدمنا من الأدلة وأما ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا فبقى عتود فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ضح به أنت"، والعتود من ولد المعز ما أتى عليه حول فيجاب عنه بأنه أخرج هذا الحديث البيهقي بإسناد صحيح أنه قال له صلى الله عليه وسلم:"ضح به أنت ولا رخصة فيها لأحد بعدك".
وأما قوله: "ومن غيره الثنى فصاعدا" فوجهه ما ثبت في صحيح مسلم "13/1963"، وغيره أ [وداود "2797"، النسائي "7/218"، ابن ماجة "3141"، أحمد "3/312، 327"، من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن"، فقيد إجزاء الجذعة بكونها من الضأن وعليه تدل الأحاديث المتقدمة فلا يجزيء من غيرها إلا المسن وهو الثني.
قوله: "إلا الشرقاء والمثقوبة" الخ.
أقول: وقد ورد عن الشارع ما لا يجزيء فينبغي العمل على ذلك ومن ذلك ما أخرجه أحمد "40/284، 289، 300، 301"، وأهل السنن أبو داود "2802"، الترمذي "1497"، النسائي "7/214، 215"، ابن ماجة " 3144"، وصححه الترمذي "4/86"، والنووي وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والكسيرة التي لا تنقي"، وأخرج أحمد "1/127"، وأهل السنن أبو داود "2805"، الترمذي "1504"، النسائي "7/217، 218"، ابن ماجة "3145"، وصححه الترمذي "4/90"، من حديث علي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضحي بأعضب القرن والأذن وأخرج أحمد "13/78"، وأبو داود "2803"، والبخاري في تاريخه والحاكم من حديث عتبة ابن عبد السلمي قال: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسراء فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله والبخقاء التي تبخق عينها والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفا وضعفا والكسراء التي لا تنقي وأخرج أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وأخرجه أيضا البزار وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث علي قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولاخرقاء.
وأما قوله: "ومسلوبة الذنب والألية" فيرده ما أخرجه أحمد وابن ماجة والبيهقي من حديث أبي سعيد قال: اشتريت كبشا أضحي به فعوى الذئب فأخذ الألية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ضح به"، وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف جدا وفيه أيضا محمد بن قرظة وهو مجهول وعلى هذا فلا تقوم به حجة ولكن قد عرفناك أنه يقتصر في هذه العيوب على ما ورد عن الشارع لأن الأصل إجزاء ما جوز الشارع التضحية به ولا يخرج عن ذلك إلا ما استثناه.
وأما قوله: "ويعفى عن اليسير" فيدل عليه ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: "البين عورها والبين مرضها والبين ظلعها"، وقوله:"التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها"، وقوله:"التي ذهب قرنها من أصله".
[فصل
ووقتها لمن لا تلزمه الصلاة من فجر النحر إلى آخر ثالثه ولمن تلزمه وفعل من عقيبها وإلا فمن الزوال فإن اختلف وقت الشريكين فآخرهما] .
قوله: "فصل: ووقتها لمن لا تلزمه الصلاة" الخ.
أقول: الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين أو أحدهما وفي غيرهما قاضية بأن وقتها من بعد الصلاة وفي بعضها التقييد بصلاة الإمام كما في حديث جندب بن سفيان البجلي في الصحيحين وغيرهما بلفظ: "ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله"، وفي بعضها: أنه صلى الله عليه وسلم أمر من نحر قبل أن ينحر أن يعيد بنحر آخر وهو في صحيح مسلم وغيره فالصلاة مقيدة بكونها صلاة الإمام ومقيدة أيضا بنحر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون النحر إلا بعد صلاة الإمام ونحره.
فمن ذبح قبل الصلاة لم تجزه وعليه الإعادة كما في حديث أنس في الصحيحين وغيرهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر: "من كان ذبح قبل الصلاة فليعد"، وفي لفظ البخاري من هذا
الحديث: "من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين".
ولا فرق في هذه الأحاديث بين من تلزمه الصلاة ومن لا تلزمه فلا ذبح قبل صلاة العيد الجامعة ولا وجه لما قاله المصنف من أن وقتها لمن لا تلزمه الصلاة من فجر النحر.
وأما آخر وقت الذبح فحديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل أيام التشريق ذبح"، أخرجه أحمد "4/82"، وابن حبان في صحيحه والبيهقي وله طرق ويؤيده الحديث الصحيح في النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث [البخاري "10/24"، مسلم "28/1971"، فمن زعم أنه لا يجزئ الذبح إلا يوم النحر أو أنه يجزيء بعد أيام التشريق فهذا الحديث وما يقويه يرد عليه.
ووجه الرد أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أن أيام التشريق كلها ذبح فمن زعم أن غيرها وقت للذبح فعليه الدليل ولا دليل ينتهض للقول به والمراد هنا الذبح الخاص الذي يكون أضحية مجزية فدعوى أنه يجزيء الذبح عن الأضحية في غيرها غير مقبولة وفي هذه المسألة خمسة مذاهب قد استوفيتها واستوفيت ما استدل به عليها في شرح المنتقى.
[فصل
وتصير أضحية بالشراء بنيتها فلا ينتفع قبل النحر بها ولا بفوائدها ويتصدق بما خشي فساده فإن فاتت أو تعيبت بلا تفريط لم يلزمه البدل ولو أوجبها إن عين وإلا غرم قيمتها يوم التلف وإن نقصت عما يجزيء وله البيع لإبدال مثل أو أفضل ويتصدق بفضلة الثمن وما لم يشتره فبالنية حال الذبح وندب تولية وفعله في الجبانة وكونها كبشا موجوءا أقرن أملح وأن ينتفع ويتصدق ويكره البيع] .
قوله: "فصل: وتصير أضحية بالشراء بنيتها".
أقول: ليس في مصير الأضحية أضحية بمجرد الشراء بالنية ولا في ثبوت هذه الأحكام التي ذكرها المصنف من أنه لا ينتفع بها إلى آخر ما ذكره من ذلك دليل تقوم به حجة ويجب المصير إليه والعمل به فإن كان هذا قياسا للأضحية على الهدي إن كان الباب مختلفا فلا بأس بذلك فإنه قد ورد في الهدى أن الهدى إذا خشي عليها موتا فلينحرها ولا يطعمها هو ولا أحد من أهل رفقته كما في صحيح مسلم "378/ 1326"، وغيره ابن ماجة "3105"، أحمد "4/225"، من حديث أبي قبيصة.
وأخرج أحمد "4/334"، وأبو داود "1772"، والترمذي "910"، وابن ماجه "3106"، من حديث ناجية الخزاعي وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت كيف أصنع بما عطب من البدن قال: "انحره واغمس نعله في دمه واضرب صفحته وخل بينه وبين الناس
فليأكلوه"، قال الترمذي: حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم في هدى التطوع إلى آخر كلامه في سننه وأخرج نحوه مالك في الموطأ عن هشام ابن عروة عن أبيه.
وورد في منع بيع الهدى ما أخرجه أحمد وأبو داود والبخاري في التاريخ وابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما عن ابن عمر قال أهدى عمر نجيبا فأعطي بها ثلاثمائة دينار فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أهديت نجيبا فأعطيت بها ثلاثمائة دينار فأبيعها وأشتري بثمنها بدنا؟ قال: "لا انحرها إياها".
فالحاصل أنه إن صح قياس الأضحية على الهدى فذاك وإلا فالأصل عدم ثبوت شيء من هذه الأحكام ومما يدل على اختلاف البابين أنه قال في الضحايا: "كلوا وادخروا واتجروا".
قوله: "فإن فاتت أو تعيبت بلا تفريط لم يلزمه البدل".
أقول: قد قدمنا الأدلة على وجوب الأضحية فهذه التي اشتراها إذا تلفت أو تعيبت بقي الخطاب عليه في الوفاء بما هو واجب عليه إن كان قائلا بالوجوب أو بما هو سنة إن كان يرى أنها سنة فكون مجرد التلف أو التعيب مسقط للأضحية مسوغا لعدم إبدال ما تلف أو تعيب محتاج إلى دليل وكيف يصح هذا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لمن ذبح قبل الصلاة أن يذبح مكانها أخرى ويقول لمن نحر قبل نحره أن يعيد بنحر آخر ويقول: "من كان ذبح قبل الصلاة فليعد"، وهذه الأحاديث قد تقدمت وهي ثابتة في الصحيح فينظر ما وجه كلام المصنف فإن هذا أيضا مع كونه خلاف الدليل بخالف حكم الهدي فيكون قادحا في القياس مع أنه لا وجه لثبوت ما ذكره من أحكام الأضحية إلا مجرد قياس على الهدي كما قدمناه وأيضا مما يقدح في ذلك القياس تجويز المصنف للبيع لإبدال مثل أو أفضل مع ما تقدم في الهدى من نهيه صلى الله عليه وسلم لعمر عن البيع وأمره بأن يذبح النجيبة.
وأما قوله: "وما لم يشتره فبالنية حال الذبح" فالظاهر أنه لا فرق بين ما اشتراه وما لم يشتره إذ أنه إذا ذبحه بنية الأضحية وفى بما عليه وصار فاعلا لما شرعه الله لعباده من الضحايا.
قوله: "وندب توليه بنفسه".
أقول: وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذبح أضحيته بيده الشريفة كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة البخاري "10/18"، مسلم "17/1966"، فمن أراد القيام بحق هذه القربة المتواترة والشريعة الواضحة فليفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مانع من شرع ولا عقل من الاستنابة والمنع من ذلك مجرد قاعدة فقهية لا يعرف لها أصل ولا يحسن.
والاستدلال على المنع بنحره صلى الله عليه وسلم لهديه بيده مرفوع بأن هذا الحديث بخصوصه يدل على جواز الاستنابة فإنه صلى الله عليه وسلم استناب عليا في نحر البعض كما ذلك ظاهر مشهور ثابت في الصحيح فهو حجة على المستدل به لا له.
قوله: "وفعله في الجبانة".
أقول: وجه هذا ما ثبت في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يذبح أضحيته في الجبانة فالاقتداء به
مندوب لأنه لم يرد ما يدل على أن ذلك خاص به ولا ورد ما يدل على أن ذلك عزيمة على الأمة فكان مندوبا وفي الذبح في الجبانة فوائد منها أن يعلم بذلك الفقراء فيقصدونه ويردون عليه ولا سيما في حق الإمام فإن الناس يعلمون بذبحه للأضحية حتى يذبحوا ضحاياهم فتكون ضحايا مجزئة لما قدمنا من أنه صلى الله عليه وسلم أمر من نحر قبل أن ينحر أن يعيد نحره وما ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت للأئمة بعده.
قوله: "وكونها كبشا موجوءا أقرن أملح".
أقول: وجه ذلك ما أخرجه ابن ماجة "3122"، من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد الله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وآل محمد.
وهذا الحديث وإن كان في إسناده عيسى بن عبد الرحمن بن فروة وفيه ضعف فقد روى مثله من حديث عائشة.
وروى أيضا أنه ضحى بكبشين موجوءين أقرنين من حديث عائشة عند أحمد والحاكم والبيهقي وفي إسناده ابن عقيل وفيه مقال خفيف وأخرج نحوه أحمد بإسناد حسن من حديث أبي رافع.
وقوله في الحديث الأول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يضحي يدل على أن ذلك هو الغالب من أحواله كما يفيد لفظ كان وبهذا يثبت حكم الندب ولا ينافيه لمخالفة في بعض الأحوال كما في حديث أبي سعيد: قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل أخرجه أهل السنن أبو داود "2796"، الترمذي "1496"، النسائي "7/321"، ابن ماجة "3128"، وصححه الترمذي 4/85"، وابن حبان وهو على شرط مسلم.
فإن قلت ندبية التضحية بالكبش يدل على أنه أفضل من التضحية بالإبل والبقر مع العلم بأن التضحية بالناقة والبقرة الانتفاع بها لأهل البيت والفقراء أكثر ولهذا عدلت عشرا من الغنم أو سبعا كما تقدم.
قلت: ملازمته صلى الله عليه وسلم للتضحية بالكبش أو الكبشين مع وجوج الإبل في عصره وكثرتها يدل على أفضليتها في الأضحية وإن كانت مفضولة من وجه آخر.
قوله: "وينتفع ويتصدق".
أقول: وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلوا وادخروا وائتجروا" كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ: "كلوا وادخروا وتصدقوا" وذلك ثابت في الصحيحين وغيرهما.
وقد كان صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدخروا ثلاثة أيام ثم يتصدقوا بما بقي ثم نسخ ذلك وبين لهم أنه إنما قصرهم على الثلاث لأجل الدافة التي دفت من محاويج العرب ومعنى قوله: "واتجروا"، أي اطلبوا الآجر بالصدقة كما بينه في الرواية الأخرى بقوله:"وتصدقوا"، وفي الباب أحاديث.
وأما قوله: "ويكره البيع" فوجهه أن البيع ليس بأكل ولا ادخار ولا اتجار وهو أيضا
خلاف ما تفيده الأضحية من معنى التقرب وإذا كان قياس الضحايا على الهدايا صحيحا فقد ثبت عنه النهي عن أن يعطي الجازر من الهدايا شيئا فكيف يجوز بيع ما ألحق بها من الضحايا ولكن في صحة القياس ما قدمنا.
[فصل
والعقيقة ما تذبح في سابع المولود وهي سنة وتوابعها وفي وجوب الختان خلاف] .
قوله: "فصل: والعقيقة ما تذبح في سابع المولود وهي سنة وتوابعها".
أقول: ذهب الجمهور إلى أنها سنة فقط وذهب أهل الظاهر والحسن البصري إلى وجوبها استدل القائلون بالوجوب بما ورد من الأوامر كقوله صلى الله عليه وسلم: "مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى"، أخرجه البخاري "9/590"، وغيره أبو داود "2837"، 2838"، الترمذي "1522"، النسائي "4220"،/ ابن ماجة "3165"، من حديث سلمان بن عامر الضبي ومن أدلة الوجوب أيضا ما أخرجه أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي والحاكم وعبد الحق من حديث سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل غلام رهينة بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه"، فإن قوله: "كلا غلام رهينة يعقيقة" يفيد أنها واجبة عليه وهذا الحديث وإن كان من رواية الحسن عن سمرة ولم يسمع منه فقد ذكر الحفاظ كالبخاري أنه سمع منه هذا الحديث بخصوصه فلا علة فيه وقال الجمهور إن الأحاديث المشتملة على ما يفيد الوجوب مصروفة عن المعنى الحقيقي لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة"، أخرجه أحمد "2/182، 194، أبوأبو داود 2842"، والنسائي "4212"، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديثه لا يخرج عن الحسن وإن كان في روايته عن أبيه عن جده فقال وقد روى عن أبي حنيفة أن العقيقة ليست سنة والأحاديث ترد عليه.
وكراهته صلى الله عليه وسلم للاسم لا يدل على كراهة المسمى كما روى عنه من حديث عمرو بن شعيب هذا أنه قال: "لا أحب العقوق"، لأنهم قالوا له إنما نسألك عن أحدنا يولد له فقال من أحب أن ينسك الحديث وقد زعم محمد بن الحسن أن العقيقة جاهلية نسخها الإسلام وهذا مدفوع بثبوتها في الإسلام بما يقوم به الحجة وفي الأحاديث ما يدل على أن العقيقة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة كما في حديث عمرو بن شعيب المتقدم وكما في حديث عائشة عند أحمد والترمذي وصححه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن الغلام شاثان مكافأتان وعن الجارية شاة"، وأخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي ومثله ما أخرجه أحمد "6/381، 422"ن والنسائي "7/165"، والترمذي "1516"، وابن حبان والحاكم
والدارقطني والبيهقي وصححه الترمذي من حديث أم كرز الكعبية أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: "نعم عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة"، ولا ينافى حديث سلمان بن عامر الضبي المتقدم فإن هذه الأحاديث مشتملة على زيادة يتعين قبولها وهكذا لا ينافي هذه الأحاديث ما رواه أبو داود "2841"، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا لما ذكرنا من أن الزيادة مرجحة على أن في رواية النسائي لحديث ابن عباس هذا بلفظ: "كبشين كبشين".
فالحاصل أن العقيقة سنة من سنن الإسلام ولا يتم الوفاء بهذه السنة إلا بذبح شاتين عن الذكر وشاة عن الأنثى.
وأما توابعها التي أشار إليها المصنف فهي ما وردت به الأدلة فمنها ما تقدم في حديث سلمان بن عامر الضبي من قوله: "أميطوا عنه الأذى"، وكذلك ما تقدم في حديث سمرة من قوله:"تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه"، ومنها ما أخرجه أحمد "5/355، 361"، وأبو داود "2843"، والنسائي "4213"، من حديث بريدة الأسلمي وإسناده صحيح كما قال في التلخيص وفيه نظر فإن في إسناده على بن الحسين بن واقد وفيه مقال ولفظه كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران وفي لفظ من حديث عائشة عند ابن حبان وابن السكن وصححاه بلفظ: فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوة فتوابع العقيقة هي ما اشتملت عليه هذه الأحاديث لا ما وقع في كثير من كتب الفروع من الخرافات التي تستسمجها العقول.
ومن توابع العقيقة التصدق بوزن شعر رأس الصبي من الورق كما في حديث أبي رافع عند أحمد والبيهقي مرفوعا وفي إسناده ابن عقيل وفيه مقال وشهد له حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عند مالك وأبي داود في المراسيل والبيهقي أن فاطمة وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بوزنه فضة.
قوله: "وفي وجوب الختان خلاف".
أقول: ثبوت مشروعية الختان في هذه الملة الإسلامية أوضح من شمس النهار فما سمع السامعون منذ كان الإسلام وإلى هذه الغاية أن مسلما من المسلمين تركه أو ترخص في تركه أو تعلل بما يحصل من مزيد الألم لا سيما للصبيان الذين لم يجر عليهم قلم التكليف ولا كانوا في عداد من يخاطب بالأمور الشرعية وقد صار مثل هذا الشعار علامة للمسلم تميزه عن الكفار إذا اختلط بهم فالقول بوجوبه هو الحق والاشتغال بالكلام على ما ورد فيه والقدح في بعض طرقه اشتغال بما لا يسمن ولا يغني من جوع فثبوته معلوم بالقطع الذي لا شك فيه ولا شبهة وقد كان يؤمر بذلك أهل الإسلام ويؤمر من أسلم بأن يختتن وفي هذا كفاية مستغنية عن المزيد وقد كان يفعله أنبياء الله عليهم السلام كما ثبت في الصحيحين البخاري "3356"، مسلم "2370"، وغيرهما أحمد "2/233"، من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعدما أتت عليه ثمانون سنة"، وقد كان ثابتا في الجاهلية ثبوتا لا ينكره أحد فقرره الإسلام ولا