المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب شركة الأملاك - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: ‌باب شركة الأملاك

كل واحد منهم عروضا وقد عرف مقدار قيمة كل نوع من أنواع هذه العروض التي أخرجها كل واحد منهم وتراضوا على الاشتراك فيما حصل في المجموع من الأرباح والأغرام كانت هذه شركة صحيحة وهكذا لو حصل التراضي بين اثنين أو أكثر أن يتطلبوا أسباب الرزق وما حصل من مجموع ما رزقهما الله سبحانه كان بينهما على كذا فإن هذه شركة صحيحة ولو اتجر بعضهم في مشارق الأرض وبعضهم في مغاربها.

وقد اشترك ابن مسعود وعمار بن ياسر وسعد ابن أبي وقاص فيما يصيبونه من المغانم في يوم بدر كما أخرجه ذلك أبو داود والنسائي وابن ماجه ومعلوم أن مثل هذه الشركة في مثل هذا اليوم مع قلة الصحابة لا يخفي على النبي صلى الله عليه وسلم بل ورد ما يدل على أنه كان يقع ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كما أخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن رويفع بن ثابت قال إن كان أحدنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ نضو أخيه على أن له النصف مما يغنم ولنا النصف وإن كان أحدنا ليصير له النصل والريش وللآخر القدح وهذا الحديث وإن كان في بعض طرقه مجهول فقد أخرجه النسائي من غير طريقة بإسناد رجاله كلهم ثقات.

وإذا تقرر لك هذا أغناك عن هذا الكلام المدون في هذا الكتاب في شرك المكاسب وبه تعرف صواب ما ذكروه من الشروط والقيود من خطئه والحاصل أن التراضي على الاشتراك سواء تعلق بالنقود أو العروض أو الآبدان هو كله شركة شرعية ولا يعتبر إلا مجرد التراضي مع العلم بمقدرا حصة كل واحد من الربح والخسر فإن كان الربح والخسر باعتبار مقادير مال الشركة أو مقادير قيمة العروض فلا بد من معرفة المقدار لترتيب الربح عليه فإن حصل التراضي على الاستواء في الربح مع اختلاف مقادير الأموال كان ذلك جائزا سائغا ولو كان مال أحدهم يسيرا ومال غيره كثيرا وليس في مثل هذا بأس في الشريعة فإنه تجارة عن تراض ومسامحة بطيبة نفس وأما كون كل واحدة من هذه الشركة تنفسخ بما ذكره من الفسخ فذلك معلوم لأن كل واحد من المشتركين له فسخ الشركة متى شاء وأما الجحد فإذا لم يمكن دفعه بوجه كان رافعا للشركة وأما الردة فهو مبني على ما قدمه من أنها لا تصح بين المسلم والكافر ولا وجه لذلك وأما الانفساخ بالموت فظاهر لأن المال قد ينتقل من مالك إلى مالك وأما دخول التعليق والتوقيت فيها فصحيح لعدم المانع.

ص: 603

‌باب شركة الأملاك

[فصل

يجبر رب السفل الموسر على إصلاحه غالبا لينتفع رب العلو فإن غاب أو أعسر

ص: 603

أو تمرد فهو ويحبسه أو يكريه أو يستعمله بغرمه ولكل أن يفعل في ملكه ما لا يضر بالآخر من تعلية وبيع وغيرهما ويضمن ما أمكنه دفعه من إضرار نصيبة وإذا تداعيا السقف فبينهما والفرس للراكب ثم لذي السرج والثوب للابس والعرم للأعلى] .

قوله: "فصل: ويجبر رب السفلى الموسر على اصلاحه".

أقول: وجه هذا الأجبار أنه قد ثبت لرب العلو حق في السفل وهو استقرار بنائه عليه فإذا اختل السفل وترك مالكه إصلاحه كان ذلك سببا لذهاب هذا الحق ولكن لا يخفاك أن إجبار المالك على إصلاح ملكه لينتفع به من له حق متعلق به يحتاج إلى دليل فإن هذا مخالف لا جرت عليه القواعد الشرعية من وجهين الوجه الأول أن المالك إذا رغب عن ملكه كان ذلك له فكيف يجبر على إصلاحه الثاني أن مال رب السفل معصوم بعصمة الإسلام فال يحل إلا بشرع يخصص هذه العصمة الثابتة بأدلة الكتاب والسنة ولا سيما وهذا الإجبار واستهلاك المال لغرض يعود على الغير ونفع لا ينتفع به المالك أما إذا علم أن رب السفل راغب في إصلاح ملكه ولكنه كان معسرا أو غائبا بنيابة رب العلو عنه في الإصلاح وله أن يطالبه بما غرم فإن سلم له ذلك فذاك وإن لم يسلم له كان له حبسه أو تأجيره من الغير أو استعماله بقدر ما غرم وأما إذا تمرد ورغب عن إصلاح ملكه فالكلام فيه كما قدمنا.

قوله: "ولكل أن يفعل في ملكه ما لا يضر بالآخر" الخ.

أقول: هذا صحيح لأن موجب الملك يقتضي أن يفعل فيه ما يريده وموجب الأدلة الدالة على عدم المضارة لا سيما للجار يمنع من أن يفعل ما يضر بشريكه وكلام المصنف هنا أولى مما سيأتي له من قوله فلكل أن يفعل في ملكه ما شاء وإن قصر الجار وأما تعرض شيوخ الفروع للفرق بين الموضعين فمن الهذيان الذي لا وجه له وهكذا قوله ويضمن ما أمكن دفعه من إضرار نصيبه لأنه فرط بترك الدفع فكان ذلك منه جناية على ملك شريكه.

قوله: "وإذا تداعيا السقف فبينهما".

أقول: السقف إنما يجعل في الغالب لتغطية ما هو موضوع فوقه وأيضا لا يكمل ما تحته منزلا حتى يوضع عليه السقف وهذا يفيد أنه مع التدعي للأسفل فيكون القول قوله مع يمينه لأن الظاهر معه وعلى رب العلو البينة أن ذلك السقف له ببيع أو استثناء أو قسمة لأنه يدعي خلاف الظاهر وأما كون الفرس للراكب فوجهه أن الراكب في الغالب هوالمالك والراجل خارج السرج الذي يقودها الغالب أن يكون خادما للراكب وهكذا يد الراكب على السرج أقوى من يد الراكب خارج السرج لأن الغالب أن المالك هو الذي يثبت على السرج ويردف غيره ممن أراد إردافه خلفه وهكذا الثوب للابس لأنه لا يلبس الثوب في الغالب إلا مالكه وهكذا العرم للأعلى لأنه يوضع لحفظ الماء في العلو وليس لصاحب الأسفل تعلق به وأما إذا لم يكن ثم علو وسفل بل كان العرم منصوبا بين الملكين فهو لهما ولا يكون أحدهما أحق به من الآخر لأنه لنفع كل واحد من الملكين.

ص: 604

[فصل

ولا يجبر الممتنع عن إحداث حائط بين الملكين أو عن قسمته غالبا بل على إصلاحه ولا يفعل أيهما فيه غير ما وضع له من سترة وتحريز وحمل ولا يستبد به إلا بإذن الآخر فإن فعل أزال ولا يثبت حق بيد وإذا تداعيا فلمن بين ثم لمن اتصل ببنائه ثم لذي الجذوع ثم لمن ليس إليه توجيه البناء ثم لذي التزيين والتخصيص أو القمط في بيت الخص ثم بينهما وإن زادت جذوع أحدهما] .

قوله: "فصل: ولا يجبر الممتنع عن إحداث حائط بين الملكين".

أقول: وجه هذا ظاهر لأن إحداث الحائط بين الملكين يستغرق جزءا من كل واحد من الملكين أما إذا كان لا يندفع الضرر بين الشريكين إلا به أجبر الممتنع للأدلة الواردة في عدم جواز المضارة والأخذ على يد من أرادها وأما كونه لا يجبر على قسمته فذلك يستقيم إذا كان لا يمكن قسمته أو تضره القسمة أما إذا كانت ممكنة بحيث ينتفع كل واحد بنصيبه أو طلبها المنتفع أجبر شريكه على ذلك ولا سيما إذا كان يندفع بها ضرار بينهما.

وأما قوله: "بل على إصلاحه" فإن كان الإصلاح لدفع ضرار مجوز فذلك وجه صحيح وإن كان لأجل أن ينتفع به الشريك مع رغوب الآخر عن إصلاح ملكه فالكلام فيه كما تقدم في شركة العلو والسفل وأما كونه لا يفعل أحدهما فيه غير ما وضع له فوجهه ظاهر إذا كان وضعه لنفع خاص تواطآ عليه لا إذا كان وضعه لمطلق النفع من غير تقييد وهكذا ليس لأحدها أن يستبد به لأن في ذلك افتيات على شريكه واستغراق لحقه الثابت وأما مع الإذن فظاهر أنه يجوز للمأذون أن يفعل غير ما وضع له وأن يستبدله.

قوله: "ولا يثبت حق بيد".

أقول: ثبوت اليد على ما هو من الحقوق التابعة للأملاك يفيد الثابت ظهورا يكون به القول قوله مع يمينه والبينة على غريمه لأنه يدعي خلاف الظاهر فهذه الكلية التي جاء بها المصنف لا يعرف لها وجه فإنه صار يجعل القول قول من شهد له الظاهر في كل باب فما باله ها هنا خالف عادته بل سيأتي له في الدعاوى أن المدعي من معه خفي الأمرين ولا شك أن ثابت اليد على الحق معه ظاهر الأمرين ومع من لم يكن ثابت اليد عليه أخفى الأمرين وأما تعليل هذا النفي بأنه قد يتسامح في الحقوق فلا يفيد شيئا لأنه قد يتسامح في بعض الأملاك كما يتسامح في بعض الحقوق على أن هذا التسامح لا ينافي الظهور الذي هو المطلوب من تأثير ثبوت اليد على الحق.

وأما قوله: "وإذا تداعيا الجدار" الخ فوجهه أن هذه قرائن يستفاد بها الظهور والقول قول من معه الظاهر فإذا لم يكن ثم قرينة يفيد ذلك اشتركا فيه إذا لم يبق سبيل إلى ما يصلح مستندا للحكم به لأحدهما.

ص: 605

[فصل

ولا يضيق قرار السكك النافذة ولا هواؤها بشيء وإن اتسعت إلا بما لا ضرر فيه لمصلحة عامة بإذن الإمام أو خاصة فيما شرعوه كالميزاب والساباط والروشن والدكة والمسيل والبالوعة ولا المسندة إلا بإذن الشركاء ويجوز الطاقات والأبواب والتحويل إلا إلى داخل المنسدة بغير إذن أهله وفي جعل بيت فيها مسجدا أو نحوه نظر] .

قوله: "فصل: لا يضيق قرار السكك النافذة".

أقول: الوجه في هذا أنه قد صار الحق للمارة ففي تضييقها إبطال لبعض ما هو حق لهم وقد يفضي ذلك إلى الإضرار بهم بالازدحام إذا كثر المارون بها وهذا في المسيلة ظاهر وأما المشروعة بين الأملاك الخاصة فالحق لهم إذا تراضوا على تضييقها كان لهم ذلك.

وأما قوله: "إلا بما لا ضرر فيه" فغير ظاهر لأن المفروض أنها قد صارت حقا عاما لمن يمر بها فكيف يجوز تضييقها للمصحلة العامة بإذن الإمام فإن مجرد التضييق يحصل به مفسدة على المارة ولو في بعض الأحوال ودفع المفاسد مقدم على جلب المصالح بالاتفاق ثم نفي الضرر لا يستلزم نفي ما هو دونه من التأذي بالتضييق فإن أراد به نفي الضرر وما هو دونه على كل حال وفي كل وقت فلا بأس لعدم وجود المفسدة حينئذ.

وأما قوله: "أو خاصة فيما شرعوه" فلا بد من تقييده بوقوع الإذن من جميع المالكين الشارعين بها بين أملاكهم ولا فرق بينها وبين المنسدة في الاحتياج إلى الإذن من المالكين في كل واحد منهما ولا مدخل لإذن الإمام في ذلك لوجود من له الملك أو الحق.

وأما قوله: "ويجوز فتح الطاقات" الخ فوجهه أنه لا يحصل لذلك ضرر على المارة وأما استثناء داخل المنسدة فوجهه أن الحق فيها مشترك بين أهلها فلا يجوز إحداث شيء فيها إلا بإذنهم.

وأما قوله: "وفي جعل بيت فيها مسجدا أو نحوه نظر" فلا وجه لهذا النظر لأنه إن حصل الإذن من جميع أهل المسندة جاز جعل بيت فيها اصطبلا فاضلا عن مسجد وإن لم يإذنوا لم يجز لأنه يؤدي إلى كثرة استطراق تلك المنسدة إليه ولا سيما وهو لا يكون مسجدا إلا إذا فتح بابه إلى ما الناس فيه على سواء كما سيأتي في الوقف.

[فصل

وإذا التبس عرض الطريق بين الأملاك بقي لما تجتازه العماريات اثنا عشر ذراعا ولدونه سبعة وفي المسندة مثل أعرض باب فيها ولا يغير ما علم قدره وإن اتسع وتهدم

ص: 606

الصوامع المحدثة المعورة لا تعلية الملك وإن أعورت فلكل أن يفعل في ملكه ما شاء وإن ضر الجار إلا عن قسمة] .

قوله: "فصل: وإذا التبس عرض الطريق بين الأملاك" الخ.

أقول: ينبغي أن يقال هنا ترك ما لا يضر بمن يعتاد المرور فيها فإن مآرة الطريق تختلف فقد لا يمر فيها شيء من الدواب لا محملة ولا غير محملة فيترك حينئذ ما لا يضر بمن يمر فيها فإن كانت معتادة لمرور الدواب فيها ترك ما لا يضر بها عند مرورها ولا وجه لما ذكره المصنف من المقادير فقد يحتاج المارة فيها إلى زيادة على ما ذكره كالطرق المعتادة لمرور الجيوش فيها خيلا ورجلا وقد يكفي ما هو دون ما ذكره كالطرق التي لا يمر فيها إلا بنو آدم وصغار الدواب فإنه يكفي فيها دون السبعة الأذرع وهكذا لا وجه لتقييد المنسدة بأعرض باب فيها فقد يعتاد أهلها دخول الدواب إليها بأحمالها ولكنه قد ثبت في الصحيحين [البخاري "2473"، مسلم "1613"، وغيرهما [أحمد "2/228"، أبو داود "3633"، الترمذي "1355"، من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع"، وهو ما يدل على الرجوع إلى هذا المقدار في كل طريق وقد ورد تقييد هذا المطلق بما أخرجه عبد الرزاق من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ:"إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع"، وكذا في حديث عبادة عند الطبراني وحديث أنس عند ابن عدي وفي إسناد كل واحد منها مقال.

وأما قوله: "ولا بغير ما علم قدره" الخ فتكرار لما تقدم من قوله ولا يضيق قرار السكك.

قوله: "وتهدم الصوامع المحدثة" الخ.

أقول: إن كان إحداثها في موضع يختص بمحصورين فلا بد من إذنهم لأن لكل واحد منهم حقا في ذلك الموضع الخاص بهم وإن كان إحداثها في مكان لا يختص بمحصورين ولا تضييق فيها على المارة ولا على أهل الحق العام وليس إلا كونها مرتفعة على البيوت ويمكن أن يكون المؤذن غير عدل في الباطن فهذه مفسدة يمكن دفعها بما يتعذر معه النظر منها إلى المحلات التي يقع الاطلاع عليها مع رعاية المصلحة العامة لهم بسماع الأذان إذا كانوا في مكان بعيد عن الأمكنة التي يؤذن فيها فإن هذه مصلحة خالصة بعد دفع تلك المفسدة فلا ينبغي إطلاق هدمها كما فعل المصنف بل لا بد من التقييد بما ذكرنا.

وأما قوله: "لا تعلية الملك وإن أعورت" فمبني على ما عقبه به من قوله فلكل واحد أن يفعل في ملكه ما شاء وإن ضر الجار وهذه الكلية الشاملة لما في السياق وغيره تقشعر لها الجلود وترجف عندها الأفئدة فإن التوصية بالجار كتابا وسنة والأوامر النبوية بالإحسان إليه ودفع ما يضره حتى قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه"، [البخاري "6016"، مسلم "46"، أحمد "2/288"]، لو تعرض متعرض لجمعها لجاءت في مصنف مستقل وناهيك بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره"، كما في الصحيحين البخاري

ص: 607

"5/110"، مسلم "136/1609"، وغيرهما [أبو داود "3634"، الترمذي "1353"، ابن ماجة "2335"]، من حديث أبي هريرة ولا يقال إن في منعه من أن يفعل في ملكه ما شاء إضرار به لأنا نقول هو لم يمنع من أن يفعل في ملكه ما شاء بل ممنوع من أن يضر جاره كما أن جاره ممنوع من أن يضر به فما يقتضيه الملك من جواز الانتفاع به كيف يريد مالكه مقيد بعدم الضرار وقد ثبت له على جاره مثلما ثبت له عليه ولم يجعل التقييد خاصا بأحدهما وقد حرم القرآن الكريم الضرار في عدة آيات مع اختلاف الموارد فكيف لا يثبت مثله في حق الجار مع قوله سبحانه:{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [البقرة: 83]، إلى قوله:{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36] ، وأما استثناء المصنف من هذه الكلية قوله إلا عن قسمة فما أبرد هذا الاستثناء فإنه لم يرد دليل يدل على مزيد اختصاص المجاورة عن قسمة بحكم زائد على المجاورة لا عن قسمة ولكن تفريع أحكام الشرع إذا كان غير منظور فيها إلى ما ورد به الشرع بل إلى ما دونه الراجعون إلى محض الرأي كان على هذه الصفة.

[فصل

وإذا اشترك في أصل النهر أو مجاري الماء قسم على الحصص فإن تميزت وإلا مسحت الأرض وأجرة القسام على الحصص ولذي الصبابة ما فضل عن كفاية الأعلى فلا تصرف عنه ومن في ملكه حق مسيل أو إساحة لم يمنع المعتاد وإن ضر وعليه إصلاحه ويمنع المحبي لحريم العين والبئر والمسيل والدار إلا المالك لا من جر ما في ملك غيره من ملك نصيبه أو سقى بنصيبه غير ذات الحق إلا لإضرار] .

قوله: "فصل: وإذا اشترك في أصل النهر" الخ.

أقول: القسمة لما يتعلق به ملك أو حق ثابتة لأن ذلك يحصل العدل بين الشركاء ويصل كل ذي حق بحقه من غير تظالم فلا وجه للاعتراض على المصنف سواء أراد قسمة المجاري والقرار أو قسمة الماء الذي هو الغرض المقصود وذلك بأن يكون لبعض الشركاء هذا المجرى وللآخر هذا أو يكون لأحدهم الماء النابع من النهر في يوم وللآخر كذلك وإذا لم يمكن الوقوف على قدر الحصص مع ثبوت أصل الاشتراك فالقسمة تكون على قدر الأموال التي ثبت استحقاقها للسقي من ذلك النهر وهذا كلام ظاهر واضح لا غبار عليه.

قوله: "ولذي الصبابة ما فضل عن كفاية الأعلى".

أقول: وجه هذا ما أخرجه ابن ماجة وعبد الله بن أحمد والبيهقي والطبراني من عنادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في شرب النخل من السيل إلا الأعلى يشرب قبل الأسفل ويترك الماء إلى الكعبين ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه ثم كذلك حتى تنقضي الحوائط أو

ص: 608

يفنى الماء وفي هذا الحديث انقطاع ولكنه يقر به ما أخرجه أبو داود وابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل قال ابن حجر في الفتح إن إسناده حسن وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك وصححه من حديث عائشة وأخرجه أيضا أبو داود وابن ماجة من حديث ثعلبة بن أبي مالك وأخرجه أيضا عبد الرزاق في مصنفه عن أبي حاتم القرظي عن أبيه عن جده ومجموع هذه الأحاديث تقوم به الحجة فيكون امساك الأعلى للماء إلى أن يبلغ الكعبين ثم يرسله وقد ثبت في الصحيحين [البخاري"5/34، 5/38، 5/39، 5/309، 8/254"، مسلم "129/2357"] ، وغيرهما [أبو داود "3637"، أحمد "4/4 – 5"، الترمذي 1363"، النسائي "8/245"، ابن ماجة "15"]، من حديث عبد الله بن الزبير عن أبيه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير:"أسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك"، فغضب الأنصاري ثم قال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للزبير: "اسق يا زبير ثم احبس حتى يرجع الماء إلى الجدر"، زاد البخاري في رواية فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ للزبير حقه وكان قبل ذلك قد أشار على الزبير برأي فيه سعة له وللأنصاري فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى في صريح الحكم وفي رواية للبخاري قال ابن شهاب فقدرت الأنصار والناس قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر"، فكان ذلك إلى الكعبين فكان هذا الحديث الصحيح موافقا للأحاديث المتقدمة فثبت أن الأعلى يمسكه حتى يبلغ الكعبين ثم يرسله وأن الأحق بالسقي الأعلى فالأعلى.

قوله: "ومن ملكه حق مسيل" الخ.

أقول: وجه هذا أن الحق لما تعلق بملكه كان عليه البقاء على ما يوجبه الحق الثابت المستمر فليس له أن يمنع المعتاد ولا لصاحب الحق أن يطلب زيادة عليه وأما كون إصلاحه على من هو في ملكه فهذا مبني على أنه قد تقدم ما يوجب ذلك عليه من التراضي بينهما فإن لم يتقدم بينهما شيء فصاحب الحق هو الذي يصلح ما توصل به إلى استيفاء حقه وليس على صاحب الملك إلا بذل ملكه لإمرار الماء المعتاد فقط.

قوله: "ويمنع المحيي تحريم العين" الخ.

أقول: وجه هذا سبق الحق مع جري العادات بين الناس لذلك فكان المالك للعين والبئر والمسيل والدار مستحقا لما يجاورها مما يتركه الناس في أعرافهم لمن هو مالك لأحد هذه الأمور ويكون الرجوع في المقدار إلى الأعراف الغالبة إذ ليس في المقام ما يصلح للاحتجاج به والاستناد إليه وأما استثناء المصنف للمالك فليس فية كثير فائدة لأنه إنما يمنع غير صاحب الحق لا صاحبه فله أن يصنع به ما شاء.

قوله: "لا من جر ماء في ملك غيره من ملك نفسه".

ص: 609

أقول: وجه هذا أنه حفر في ملكه فانسياق الماء إليه فضل من الله عزوجل فليس لمن كان الماء في ملكه أن يخاصمه لأنه لا يجد عليه سبيلا يقتضي الخصومة وهكذا من سقى بنصيبه غير ذات الحق فإنه لما كان مستحقا للسقي جاز له أن يصرفه حيث شاء ويسقي به من أراد من أملاكه حيث لا مجاوزة للمقدار المستحق وإلا كان ممنوعا من الزيادة التي زادها في السقي لغير ذات الحق ولهذا استثنى المصنف بقوله إلا الإضرار فهذا الاستثناء صواب.

[فصل

ويملك الماء بالنقل والإحراز أو ما في حكمهما فتتبعه أحكام الملك وهو مثلي في الأصح وما سوى ذلك فحق لمن سبق إليه قدر كفايته ولو مستخرجا من ملك في الأصح لكن يأثم الداخل إلا بإذن والأخذ على وجه يضر] .

قوله: "فصل: ويملك الماء بالنقل والإحراز".

أقول: قد قدمنا في باب الإحياء الأدلة الدالة على اشتراك الناس في تلك الأشياء التي من جملتها الماء ويقدم ما فيه التصريح بأنه من الأشياء التي لا يحل منعها فاقتضت هذه الأدلة أنه مشترك بين العباد ليس بعضهم أولى به من بعض فهذا هو النوع الأول من الأدلة الواردة في الماء.

النوع الثاني من الأدلة: النهي عن منع فضل الماء كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ"، وفي لفظ لمسلم:"لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ"، وفي لفظ للبخاري:"لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلإ" وفي الباب أحاديث المجموع منها يدل على المنع من بيع فضل الماء ليتوصل بمنعه إلى المنع من الكلأ وظاهرها أنه يجوز منع غير الفضل يوجوز منع الفضل لغير منع الكلأ.

النوع الثالث: ما قدمناه قريبا من أنه يجوز للأعلى أن يمسك الماء في أرضه إلى الكعبين ثم يرسله إلى من تحته فحصل من مجموع الأدلة الواردة في الماء بعد تقييد بعضها ببعض أنه يجوز للسابق إلى الماء المتقدم حقه فيه أن يمنع ما تدعو حاجته إليه ويرسل ما فضل لمن ينتفع به إما لسقي أرض أو لسقي دوابه أو للشرب منه أو للتطهر به ويزداد الإثم إذا منعه لغرض منع الكلاء فإنه قد جمع بين المنع لشيئين قد أثبت الشرع الاشتراك فيهما بين الناس وهما الماء والكلاء فالحاصل أن كل ماء موجود على ظهر الأرض فالأصل فيه الشركة بين العباد إلا قدر ما يحتاجه السابق الأحق فإن ذلك قد استثناه له الشرع وسوغه له وأما ما زاد على قدر الحاجة فليس له منعه ولا يملكه بإحراز ولا غيره بل هو متعد

ص: 610