المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بما ذكره المصنف بقوله ولا خيارا إلا لإعسار أو تأجيل - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: بما ذكره المصنف بقوله ولا خيارا إلا لإعسار أو تأجيل

بما ذكره المصنف بقوله ولا خيارا إلا لإعسار أو تأجيل أو تغلب جهلها حالها ووجه الرجوع عليه عند حصول هذه الأمور ظاهر لأن المحيل إذا أحال على معسر أو على من يعتل بالتأجيل أو يتغلب عن التسليم مع جهل المحال لهذه الأمور فقد غره بالحوالة وهو لم يرض بنقل دينه إلى ذمة المحال عليه إلا مع عدم المانع فلا حكم لذلك الرضا الواقع مع وجود المانع لأنه غرر وتدليس.

[فصل

ومن رد مشترى برؤية أو حكم أو رضا على بائع قد أحال بالثمن وقبض لم يرجع به إلا عليه وكذا لو استحق أو أنكر البيع بعدهما ولا يبرأ ولا يرجع محتال عليه فعلها أو امتثل تبرعا والقول للأصل في أن القابض وكيل لا محتال إن أنكر الدين وإلا فللقابض مع لفظها] .

قوله: "فصل: ومن رد مشتري" الخ.

أقول: وجه هذا ظاهر لأن البائع هو القابض للثمن فالطريق عليه ولا فرق بين الرد بالحكم أو بالتراضي وكذا الاستحقاق وأما إنكار البيع من أصله فلا بد أن يتقوى ما يدعيه المشتري من البيع قبل أن يرجع عليه بالثمن لأن لزومه فرع ثبوت التبايع.

وأما قوله: "ولا يبرأ ولا يرجع محتال عليه فعلها أو امتثل تبرعا" فوجه عدم الرجوع في الفعل تبرعا عدم وجود المناط الموجب للضمان وأما الامتثال تبرعا فإن لم يبلغه أمر المحيل له بالتسليم فهو كالصورة الأولى وإن بلغه وسلم امتثالا لأمره فمجرد الأمر يوجب له الرجوع وإن لم يكن في ذمته دين لأن الأمر يكفي في ذلك ويخرج به عن التبرع كما قدمنا من عدم اشتراط استقرار دين في ذمة المحال عليه.

وأما قوله: "والقول للأصل في أن القابض وكيل لا محال" فوجهه ظاهر لأن الأصل عدم ثبوت الدين وأما إذا أقر بالدين فقد صار الظاهر مع من أقر له بالدين أنه محال لا رسول ولا وكيل.

ص: 801

‌باب التفليس

[والمعسر من لا يملك شيئا غير ما استثني له والمفلس من لا يفي ماله بدينه ويقبل قول من ظهرا من حاله ويحلف كلما ادعي إيساره وأمكن ويحال بينه وبين

ص: 801

الغرماء ولا يؤجر الحر ولا يلزمه قبول الهبة ولا أخذ أرش العمد ولا المرأة التزوج ولا بمهر المثل فإن لم يظهر بين وحلف وإنما تسمعان بعد حبسه حتى غلب الظن بإفلاسه وله تحليف خصمه ما يعلمه]

قوله: "باب: التفليس والمعسر من لا يملك شيئا غير ما استثني" الخ.

أقول: هذا الفرق بين المعسر والمفلس وجعل كل واحد منهما له مفهوم مستقل لا يرجع إلى شرع ولا لغة فإن كان المصنف بصدد بيان عرف له ولأهل عصره فلا يخاطب أحد بعرف غيره على أنه لا فائدة في بيان الأعراف ها هنا لأن المراد الحكم على من صدق عليه الإعسار والإفلاس بحكم الشرع ولا شك أن معنى المعسر لغة هو من يتعسر عليه قضاء دينه والمفلس هو من أفلس عن قضاء دينه فهما من هذه الحيثية متحدان وليس المراد من هذا الباب إلا بيان ما يجب عليهما للغير لا بيان أنهما في أنفسهما متصفان بإعسار أو إفلاس فإن ذلك لا فائدة فيه ولا جدوى له قال في الصحاح أعسر الرجل أضاق وقال من القاموس أعسر افتقر وقال في الصحاح أفلس الرجل صار مفلسا كأنما صارت دراهمه فلوسه وزيوفا قال ويجوز أن يراد به أنه صار إلى حال يقال فيها ليس معه فلس وهكذا في القاموس.

فالحاصل أن معناهما يرجع إلى شيء واحد وسيأتي الكلام على ما يستثنى لهما.

قوله: "ويقبل قول من ظهرا من حاله".

أقول: وجه ذلك أنه قد صار بظهورهما من حاله معه أظهر الأمرين فيكون القول قوله مع يمينه وغريمه معه أخفى الأمرين فكان عليه البينة.

وأما قوله: "ويحلف كلما ادعى إيساره وأمكن" فوجهه أن لصاحب الدين أن يطالب بدينه في الوقت الذي يمكن فيه أن يحول حال من عليه الدين من الإعسار إلى اليسار ولا مانع من ذلك.

وأما قوله: "ويحال بينه وبين الغرماء" فوجهه ظاهر لأن مطالبته مع ظهور الإعسار ظلم يخالف ما حكم الله به من قوله سبحانه: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] .

وأما قوله: "ولا يؤجر الحر" فوجهه ظاهر لأن الخطاب عليه بالقضاء إنما هو متوجه إلى ما يجده من المال ولا يكلف غير ذلك ومن لا مال له قد صدق عليه وصف العسرة فوجب إنظاره إلى ميسرة.

وأما قوله: "ولا يلزم قبول الهبة" فلا وجه له لأنه قد تعلق بذمته حق لمسلم فعليه أن يقبل الهبة التي جاءت بغير طلب ولا سؤال والتعليل بالمنة عليل وهكذا أخذ أرش العمد فليس له أن يسقط على من هو عليه لأن هذا باب من المكارمة واصطناع المعروف وهو مخاطب بما هو أقدم من ذلك وهو تخليص ذمته من الدين وأما ولا المرأة التزوج فالكلام فيه كما قدمنا من قوله: "ولا يؤجر الحر".

قوله: "فإن لم يظهرا بين".

ص: 802

أقول: هذا صحيح ووجهه ظاهر لأنه يدعي إسقاط حق عليه وأنه متصف بصفة الإعسار والأصل عدم ذلك فعليه بيان ما هو خلاف الأصل والبينة وإن كانت على نفي الغناء الشرعي فهي لا تقصر عن إثبات الظاهر كما قدمنا من قوله: "ولا تصح على نفي".

وأما الجمع له بين البينة واليمين فخلاف ما تقرر من الشريعة المطهرة فخصمه يخير بين طلبه بالبينة أو القنوع بيمينه كما قال صلى الله عليه وسلم: "شاهداك أو يمينه"، ويمكن توجيه كلام المصنف بأن غاية ما تقتضيه البينة هو أن يكون الظاهر من حالة الإعسار فصار بهذه البينة القول قوله مع يمينه كما تقدم في الدعاوي.

قوله: "وإنما يسمعان بعد حبسه متى غلب الظن بإفلاسه".

أقول: هذا من أعجب ما يقرع الأسماع كيف يحبس رجل يعرض البينة على إعساره ويعرض عن بينته ويمينه ويجمع على نفسه بين المدركين الشرعيين والمستندين المرضيين ثم يقال له لا يقبل هذا منك حتى نعزرك بالحبس وينزل بك من الهوان ما ننزله باللصوص والقطاع للطريق والمنتهكين لمحارم الله فليت شعري أي شرع هذا بل أي طاغوت يسوغه ثم قوله: "حتى غلب الظن بإفلاسه" كلام ساقط وأن غاية ما يحصل ببنيته أو يمينه أو كليهما هو غلبة الظن بإفلاسه فكأن المصنف قال لا يسمع ما يفيد غلبة الظن بإفلاسه إلا بعد غلبة الظن بإفلاسه نعم إذا كان الذي عليه الدين غنيا متبين الغنى ظاهر الحال فصمم على المطل فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عمرو بن الشريد أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته"، [البخاري "5/62"، أحمد "4/222، 388، 389"، أبو داود "3628"، النسائي "7/316"، ابن ماجة 2427"] ، ولكن أين حال هذا من حال من يعرض البينة واليمين على فقره وينادي بذلك بأعلى صوت!

وأما قوله: "وله تحليف خصمه ما يعلمه معسرا" فوجهه ظاهر لأنه يندفع عند ذلك معرة البينية واليمين بل معرة التعزير بالحبس إذا وقف بين يدي قاض لا يدري بالمدارك الشرعية ولا يفهم حجج الله سبحانه.

[فصل

والبائع أولى بما تعذر ثمنه من مبيع لم يرهنه المشتري ولا استولده ولا أخرجه عن ملكه وببعض بقي منه أو تعذر ثمنه لإفلاس تجدد أو جهل حال البيع ولا أرش لما تعيب ولا لما غرم فيه للبقاء لا للنماء فيغرم وللمشتري كل الفوائد ولو متصلة وقيمة ما لا حد له وإبقاء ماله حد بلا أجرة وكل تصرف قبل الحجر ولايفرق بين ذوي الرحم وما قد شفع فيه استحق البائع ثمنه وما لم يطلبه فأسوة الغرماء] .

ص: 803

قوله: فصل: "والبائع أولى بما تعذر ثمنه".

أقول: هذا الحكم ثبت بما صح في السنة من طريق جماعة من الصحابة ومن ذلك ما في الصحيحين [البخاري "2402"، مسلم "1559"] ، وغيرهما [أبو داود "3519"، 3522"، الترمذي "1262"، النسائي "4676، 4677"، ابن ماجة "2358، 2359"، أحمد "2/228، 525"]، من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره".

وأما قوله: "من مبيع لم يرهنه المشترى" فلا وجه له لأن المال باق بعينة في يد المفلس فكان صاحبه أحق به لأنه قد أدرك ماله بعينه كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرتهن يرجع على المفلس ويكون من جملة غرمائه في قضاء وأسوة.

وأما قوله: "ولا استولده" فوجهه أنه قد تعلق للمستولدة حق باستيلادها فهو شبيه بإخراج العبد عن الملك.

وأما قوله ولا أخرجه عن ملكه فوجهه ظاهر لأنه قد صار في ملك مالك آخر دخل في ملكه قبل وجود المانع وهو الإفلاس وكما يكون أحق به فهو أحق ببعض بقي منه لأنه قد وجد عين ماله وإن نقص بعضها فإن هذا لا يخرج الباقي عن كونه عين مال مالكها ويقوم مقام إخراجه عن ملكه تفريقه فلا يكون صاحب المال أحق به بعد تفريق المفلس له قبل ظهور الإفلاس كما في صحيح مسلم والنسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يعدم: "إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه أنه لصاحبه الذي باعه".

وأما قوله: "أو تعذر ثمنه" أي هو أحق بالبعض الذي تعذر ثمنه فيرده ما في حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينة فهو أحق به"، أخرجه مالك في الموطأ وأبو داود "3520"، مرسلا ووصله أبو داود "3522"، عن أبي بكر المذكور عن أبي هريرة وضعفت هذه الطريق بأن في إسنادها إسماعيل بن عياش ولا وجه لهذا التضعيف فإن إسماعيل بن عياش إنما يضعف في الحجازيين لا في الشاميين وهو هنا روى عن الحارث الزبيدي وهو شامي ووصله أيضا عبد الرزاق في مصنفه وهكذا وصله ابن حبان والدارقطني من طريق أبي هريرة ولكن بلفظ حديث أبي هريرة المتقدم في الصحيحين وغيرهما.

وأما قوله: "ولا أرش لما تعيب" فالظاهر أنه لا وجه لإهدار هذا الأرش اللازم بحكم الشرع فيأخذ العين ويكون في الأرش من جملة الغرماء.

وأما قوله: "ولا لما غرم فيه للبقاء لا للنماء فيغرم" فوجهه أن الغرامة للبقاء واجبة على المالك ولم يحصل بها زيادة في المبيع فأما الغرامة للنماء فإن ظهر أثرها في المبيع كان له الرجوع بزيادة القيمة وإلا فلا لأن البائع وجد مبيعه ولا زيادة فيه.

وأما قوله: "وللمشتري كل الفوائد ولو متصلة" فوجه ذلك أنها فوائد ملكه الذي استحقه

ص: 804

بعقد البيع فيستحق منها ما حدث بعد البيع إلى وقت الإفلاس ووجه قوله وقيمة مالا حد له وإبقاء ماله حد بالأجرة أن المشتري فعل ذلك في ملكه فوجب له ذلك.

وأما قوله: "وكل تصرف قبل الحجر" فوجهه أنه مالك يتصرف في ملكه كيف شاء ما لم يحجر عن التصرف بظهور الإفلاس وهكذا لا يجوز التفريق بين ذوي الأرحام المحارم لورود النهي عن ذلك للمالك الواحد وهكذا إذا اختلف المالكون لحدوث حادث مثل هذا.

وأما قوله: "وما قد شفع فيه استحق البائع ثمنه" فلا يخفاك أنه قد انتقل بالشفعة إلى ملك مالك آخر حال ثبوت ملك المشتري له فالبائع لم يجده بعينه عند المفلس بعد إفلاسه فلا وجه لكونه أولى بثمنه وهذا كله مع وقوع الطلب من البائع للسلعة وأما إذا لم يطلب ردها إليه فليس له إلا أسوة الغرماء كما قال المصنف وفيه نظر فإنه وجوده بعينة بعد ظهور الإفلاس يعود به إلى ملك بائعه والأصل عدم خروجه عن ملكه بعد عوده بحكم شرع ومن ادعى خلاف هذا فعليه الدليل وغاية ما هناك أن يوقف ما هو باق بعينه حتى يطلب البائع ويعرض عليه أنه الأحق به فإن رغب عنه بعد علمه أنه أولى به كان الرغوب مبطلا لأحقيته به.

[فصل

ويحجر الحاكم على مديون بحال إن طلبه خصومة ولو قبل التثبيت بثلاث أو أحدهم فيكون لكلهم ولو غيبا ويتناول الزائد والمستقبل ويدخله التعميم والتخصيص فلا ينفذ منه فيما تناوله تصرف ولا إقرار إلا بإجازة الحاكم أو الغرماء أو بعد الفك ولا يدخل دين لزم بعده ولو بجناية على وديعة معه من قبله لا قبله فيدخل ويسترد له إن انكشف بعد التخصيص ولا يكفر بالصوم] .

قوله: "فصل: ويحجر الحاكم على مديون بحال".

أقول: لما كان الدين ثابتا بذمة معلومة معينة وصاحب الدين مطالب به والغريم مماطل له مع تمكنه من القضاء من ماله كان مستحقا لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: "لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته"، وعلى حكام الشرع القادرين على رفع الظلامات والأخذ على أيدي الظلمة أن يأخذوا لصاحب الدين دينه من ظالمه قسرا وقهرا وإذا لم يطلب من له الدين إلا مجرد الحجر على من عليه الدين كان هذا أقل ما يجب على حكام الشريعة وهذا الذي ذكرنا معلوم بكليات الأدلة وجزئياتها ومن ذلك أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ للمظلوم من الظالم وهي كثيرة جدا في الكتاب والسنة وهو يغني عن الاستدلال بحديث كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه أخرجه الدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه وبحديث عبد الرحمن بن كعب قال: كان معاذ بن جبل شابا سخيا وكان لا يمسك

ص: 805

شيئا فلم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوه لأحد لتركوا لمعاذ لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ماله حتى قام معاذ بغير شيء"، رواه سعيد بن منصور في سننه هكذا مرسلا وأخرجه أيضا أبو داود وعبد الرزاق قال عبد الحق المرسل أصح وقال ابن الطلاع في الأحكام هو حديث ثابت انتهى.

ويدل على أنه يجوز حجر جميع مال المفلس وتفريقه كله بين أهل الدين ما ثبت في صحيح مسلم "18/1556"، وغيره أبو داود [3469"، الترمذي "655"، النسائي "4530"، ابن ماجة "2356"]،من حديث أبي سعيد أن رجلا ابتاع ثمارا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابتها جانحة فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تصدقوا عليه"، فتصدق الناس فلم يبلغ وفاء دينيه فقال:"خذوا ما وجدتم ليس لكم إلا ذلك" ومعلوم أنه إذا جاز تفريق مال المفلس جميعه بين أهل الدين كان جواز حجره حتى يفرق بين أهل الدين ثابتا بفحوى الخطاب وأما اشتراط أن يكون الدين حالا فوجهه أنه لا يتضيق عليه القضاء المسوغ لحبس ماله وحجره عنه إلا عند حلول الأجل.

وأما قوله: "أن طلبه خصومه" فوجهه ظاهر لأنهم لو تركوا طلبه لكان ذلك موسعا من خناقه ومنفسا عنه.

وأما قوله: "ولو قبل التثبيت بثلاث" فإذا رأى الحاكم في ذلك صلاحا من غير تقييد بالثلاث وذلك عند قيام القرائن الدالة على صدق المدعي أو على أن المدعى عليه سيتصرف في ماله ويخرجه عن ملكه وأما كون الحجر لواحد من الغرماء يكون حجرا لجميع الغرماء فغير مسلم لأن حجرجزء من المال بقدر دين الطالب يكفي وينتظر طلب الآخرين إلا أن يرى الحاكم في ذلك صلاحا لوجه من الوجوه فلا بأس بالحجر لجميع المال عن جميع الغرماء وإذا ساغ حجر جميع المال لطلب جميع الغرماء أو لطلب بعضهم ورأى الحاكم في جميع الحجر مصلحة تناول الحجر ما زاد من المال على قدر الدين وما دخل في ملكه في المستقبل بعد الحجر لأن المفروض أنه حجر الجميع والزائد والمستقبل من جملة ما يصدق عليه أنه من مال من عليه الدين فإن أمكن تعليق الحجر بما يفي الدين أهل الدين من غير تعميم إذا كان في ماله زيادة على قدر ما عليه من الدين فهذا هو الوجه العدل وإن لم يمكن إلا بحجر الكل كان ذلك سائغا لأنه لا يمكن حفظ مال الذي عليه الدين ليقضى منه غرماؤه إلا بذلك وهو معنى قول المصنف ويدخله التعميم والتخصيص.

وأما قوله: "فلا ينفذ فيما تناوله تصرف" فهذا صحيح لأن معنى الحجر هو المنع للمالك من التصرفات به فلو نفذ له تصرف فيه لم يحصل ما هو المطلوب به ولتسارع الماطلون إلى إخراج أموالهم بأنواع الإقرارات والإنشاءات وأما إذا أجاز ذلك الغرماء فهم أهل الحق ولهم أن يأذنوا لما شاءوا وأما الحاكم فليس له أن يجيز إلا إذا عرف رضاء الغرماء بذلك لأنه لا حق له إنما هو قائم في مقام التعريف بأحكام الله عزوجل فليس له أن يفك الحجر من جهة نفسه لغير سبب يقتضي ذلك.

وأما قوله: "أو بعد الفك" فلا بد من تقييده بكونه إما بقضاء الدين الذي كان الحجر لأجله

ص: 806

أو بإذن الغرماء بفك الحجر وأما الفك بلا سبب يقتضيه فلا حكم له وليس للحاكم أن يفعله.

وأما قوله: "ولا يدخل دين لزم بعده" فوجهه أنه لما صار ماله محجورا وكان هذا الدين يعود على الغرماء الأولين بالنقص كان في حكم التصرف بجزء من المال المحجور الذي تناوله الحجر وهو لا يصح فهكذا لا يصح ما يؤول من التصرفات إلا إذهاب جزء من المال المحجور على تقدير بدخوله في جملة الديون التي وقع الحجر لأجلها وهكذا الوجه في قوله ولو بجنايته على وديعة معه من قبلهالخ.

وأما قوله: "ويسترد له إن انكشف بعد التخصيص" فوجهه أنه من جملة أهل الدين السابق للحجر فلو لم يكن كأحدهم لكان ذلك ظلم له.

وأما قوله: "ولا يكفر بالصوم" فوجهه أنه تعلق الدين به وحجر ماله لأجل قد لا يستغرق القضاء للغرماء جميعا وقد يقع الإبراء من بعضهم فلا يصدق عليه في حال الحجر أنه لم يجد ما يجب تقديمه على الصوم حتى يجزئه الصوم.

[فصل

ويبيع عليه بعد تمرده ويبقى لغير الكسوب والمتفضل ثوبه ومنزله وخادمه إلا زيادة النفيس وقوت يوم له ولطفله ولزوجته وخادمه وأبويه العاجزين وللمتفضل كفايته وعوله إلى الدخل إلا منزلا أو خادما يجد غيرهما بالأجرة وينجم عليه بلا إجحاف ولا يلزمه الإيصال ومن أسبابه الصغر والرق والمرض والجنون والرهن ولا يحل به المؤجل] .

قوله: "فصل ويبيع عليه بعد تمرده".

أقول: وجه هذا ما قدمنا من الأدلة في الفصل الذي قبل هذا وأما قوله: "ويبقى لغير الكسوب والمتفضل ثوبه" الخ فوجه هذا أن ما تدعو إليه الحاجة الضرورية من ملبوس ومسكن وما يحتاج إليه لوقاية البرد والحر في حكم المستثنى مما يجب فيها القضاء من ماله ولهذا لم ينقل إلينا أنه صلى الله عليه وسلم أخرج معاذا من مسكنه أو عراه من ثيابه وأخرج ما يحتاج إليه من متاع المنزل الذي لا بد منه وأما استثناء الخادم فلا يتم إلا إذا كان المفلس لا يقدر على خدمة نفسه وأهله وأما استثناء زيادة النفيس فوجهه ظاهر لأنه قد تعلق به حق لآدمي وأقدم على إتلافه فصاحب الدين أحق بالزيادة التي في ذلك النفيس وليس لمن عليه الدين إلا ما لا غنى له عنه وله غنى عن الشيء النفيس بالعدول عنه إلى ما دونه مما يقوم مقامه وإن كان خاليا عن صفة النفاسة وأما كون هذه الأشياء هي المستثناة لغير الكسوب والمتفضل وهو عند المصنف من يعود عليه غلات وقف أو نحوها فلا أرى لذلك وجها بل هذه الأمور مستثناة لكل أحد واستثناؤها لغير الكسوب والمتفضل وإن كان أولى لكونه أحوج منهما لكن معلوم أن مثل معاذ وأضرابه قد ترك

ص: 807

لهم ما تدعوا إليه الحاجة مع كونهم كاسبين بسيوفهم وأعمالهم وهكذا ينبغي أن يترك للمفلس على كل تقدير ما تدعو إليه حاجته من الطعام والإدام إلى وقت الدخل وهكذا يترك للمجاهد والمحتاج إلى المدافعة عن نفسه أو ماله سلاحه وللعالم ما يحتاج إليه من كتب التدريس والإفتاء والتصنيف وهكذا يترك لمن كان معاشه بالحرث مايحتاج إليه من الحرث من دابة وآلة حرث وهكذا يترك لمن كان كسبه بدابته بتأجيرها ونحو ذلك تلك الدابة.

والوجه في استثناء هذه أن الحاجة إليها كالحاجة إلى تلك الأمور التي استثناها المصنف ولا شك أن الرجل الكسوب الساعي في وجوه الرزق وأبواب الدخل هو في حكم المستغنى عن استثناء القوت والإدام إذا كان يتحصل له من الكسب ما يقوم بذلك وإن كان كسبه يقصر عن الوفاء بما يحتاج إليه كان له حكم غيره في الحكم الذي تدعو الحاجة إليه.

والحاصل أن تفويض مثل هذه الأمور إلى أنظار حكام العدل العارفين بالحكم بما أنزل الله هو الذي لا ينبغي غيره لاختلاف الأحوال والأشخاص والأمكنة والأزمنة.

وأما قوله: "وينجم عليه بلا إجحاف" فالذي ينبغي اعتماده هو ما فضل عن الكفاية المعتبرة إن وجد ذلك وإلا كان الحكم هو قول الله عزوجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] .

وأما قوله: "ولا يلزمه الإيصال" فيرده حديث علي على اليد ما أخذت حتى تؤديه وقد تقدم الكلام على هذا الحديث.

قوله: "ومن أسبابه الصغر والرق والمرض والجنون والرهن".

أقول: أما سببية الصغر للحجر والرق والجنون فالأمر في ذلك كذلك لأن لصغير لا يتصرف عنه وليه كما تقدم والعبد لا يملك شيئا ولا يتصرف في شيء إلا بإذن مولاه والمجنون يتصرف عنه وليه لأنه لا يعقل ما فيه النفع والضرر وقلم التكليف لم يجر عليه مادام مجنونا فجعل المصنف عدم صحة تصرف هؤلاء شرعا حجرا عليهم من جهة الشرع وأما المرض فلا وجه لجعله حجرا لأن تصرفاته نافذة شرعا ما دام ثابت العقل وسيأتي الفرق بين المرض المخوف وغيره وأما الرهن فوجه كونه بمنزلة الحجر ما دام رهنا ظاهر لأن الحق قد تعلق به للمرتهن فلا يخرج عن الرهنية إلا بما تقدم في كتاب الرهن.

وأعلم أن من جملة أسباب الحجر السفه وسوء التصرف وعدم إدراك ما فيه مصلحة من مفسدة وما فيه ربح من خسر وقد قامت على ذلك الأدلة وقد استوفينا البحث في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه.

وأما قوله: "ولا يحل به المؤجل" فوجهه أن التأجيل قد صار حقا للمديون ولم يحصل بالحجر عليه ما يقتضي سقوط الحق الثابت له.

ص: 808