الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقال إن القول قول الوارث للوديع في ردها كما كان القول قول الوديع في ذلك وهكذا يكون القول قوله في تلفها ويرجع بعد ذلك إلى طلب البينة من المالك أو اليمين من الوارث.
وأما قوله: "وما أجمله فدين" فهذا مبني على عدم وجود الوديعة في تركته بمجرد هذا الإجمال وهذا غير مسلم بل يرجع فيما بين المالك الورثة إلى البينة أو اليمين وقد قدمنا في المضاربة نحوا من هذا وأما كون ما عينه يرد فورا فظاهر لكن ترتيب الضمان على عدم الرد فورا غير مسلم بل لا يتضيق الرد على وارث الوديع إلا بطلب المالك فإن لم يرد بعد الطلب ضمن وأما ما يلقيه طائر أو ريح في ملك فليس على من ألقياه في ملكه إلا إعلام المالك بذلك وليس عليه الرد لا على الفور ولا التراخي لا من رواية ولا من دراية.
وأما قوله: "وإذا التبس من هي له" فوجهه ظاهر
وهكذا قوله: "ويعطى الطالب الطالب حصته" الخ
قوله: "والقول للوديع في ردها".
أقول: وجه ذلك أنه أمين مقبول القول مع يمينه وإن كان الأصل عدم الرد لكن هذه اليد الأمينة تقتضي عدم ثبوت الضمانة المتسببة عن عدم قبول قوله وهكذا الكلام في التغيير والتلف وكون التالف هو الوديعة عملا لما تقتضيه اليد الأمينة ولا وجه لقوله إلا بعد أخذته وديعة لأن هذا القول إنما يدل على ثبوت الإيداع على كون اليد يد غصب أو نحوه.
وأما قوله: "وللمالك في ذلك إن جحد" الخ فوجهه أن اليد الأمينة قد ارتفعت بالجحد وصارت اليد يد غصب والقول مع الغصب في تلك الأمور للمالك.
وأما قوله: "وفي نفي الغلط" فوجهه الأصل عدم الغلط ولكن الأولى أن يكون القول قول الوديع لأن اليد الأمينة لم ترتفع بهذا الغلط وهكذا دعوى الإذن بإعطاء الأجنبي لأنه وإن كان الأصل عدم الإذن لكن حكم اليد الأمينة باق.
كتاب الغصب
[هو الاستيلاء على مال الغير عدوانا وإن لم ينو] .
قوله: "هو الاستيلاء على مال الغير عدوانا وإن لم ينو".
أقول: اليد العدوانية لا يمكن أن تكون عدوانية على الحقيقة إلا بالنية لأنها المدار الذي تدور عليه أحكام العدوان والخطأ فلا وجه لقوله وإن لم ينو ومعلوم أن إثبات اليد بغير إذن الشرع قد يكون بعد العلم بأن بغير إذن الشرع وليس العدوان إلا ذلك وهذا العلم هو النية التي
هي قصد الثبوت على مال الغير بغير إذن الشرع وقد يكون قبل العلم بأنه بغير إذن الشرع وحينئذ فلا عدوان لفقدان النية التي تتأثر عنها الغصبية فإن قلت إذا صار ما هو مغصوب إلى يد من لا يعلم بغصبه بشراء أو نحوه ثم تبين له بعد ذلك أنه غصب ماذا يجب عليه قلت يجب عليه إرجاعه إلى مالكه فإن لم يفعل بعد العلم كان له حكم الغاصب لأنه حينئذ قد صار مستوليا على مال الغير عدوانا لارتفاع الشبهة التي كانت معه وحصول اليقين الماحي لها.
[فصل
فلا يضمن من غير المنقول إلا ما تلف تحت يده وإن أثم وسمي غاصبا ومن المنقول إلا ما انتقل بفعله ولا ينقل ذي اليد نقلا ظاهرا أو في حكمه بغير إذن الشرع م ما ثبتت يده عليه كذلك وما نقل لإباحة عرف أو خوف منه أو عليه أم من نحو طريق فأمانة غالبا غصب] .
قوله: "فصل: ولا يضمن من غير المنقول إلا ما تلف تحت يده" الخ.
أقول: الشارع قد سماه غاصبا في حديث: "من غصب شبرا من الأرض" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث جماعة وقد اعترف المصنف بأنه يسمى غاصبا وموجب هذا أن تثبت عليه أحكام الغصب فيضمن ما تلف بعد الغصب وإن لم يتلف تحت يده ولا وجه للفرق بين المنقول وغيره فالاستيلاء على الشيء عدوانا وإثبات اليد عليه بغير أمر الشرع موجب للضمان في الجميع وأما اشتراط النقل الذي ذكره المصنف فلم يرد دليل ولا يتوقف عليه مفهوم الغصب لا شرعا ولا لغة.
وأما قوله: "وما نقل لإباحة عرف" الخ فهذا ليس من الغصب في شيء لأنها قد جرت عادة الناس بذلك وهكذا جرت عاداتهم بنقل ما هو ملك للغير لأجل الخوف منه أو عليه وذلك معدود من الإحسان عندهم وهكذا نقل ما اعترض في طريق المسلمين فإن الشرع والعرف قاضيان بجواز ذلك وليس لذكر مثل هذا في كتاب الغصب كثير فائدة ولكنه لما اشترط النقل بمجرد الرأي احتاج إلى إخراج هذه الصور من النقل وأما ما ذكره من التعثر فإن كان فاعله مأذونا له بالدخول من طريق الشرع أو من طريق العرف فليس بغصب ولا يلزمه ضمانه وإن لم يكن مأذونا فهو بمجرد دخوله ملك للغير غاصب فيضمن ما تلف بتعثره.
[فصل
ويجب رد عينه ما لم تستهلك ويستفدي غير النقدين بما لا يجحف إلى يد المالك إلا
صبيا ونحوه محجورا فيها أو إلى من أخذ منه إلا غاصبا مكرها أو في حكمه ونحو راع ليلا ويبرأ بمصيرها إلى المالك بأي وجه وإن جهل وبالتخلية الصحيحة وإن لم يقبض إلا لخوف ظالم ونحوه ويجب الرد إلى موضع الغصب وإن بعد أو الطلب إن كانت فيه فيهدم ويكسر ويذبح لرد ما هي فيه حيث له ذلك وإلا فقيمة الحيلولة على الأصح كعبد أبق أو أي شيء تتوسخ فتعذر رده] .
قوله: فصل: "ويجب رد عينه ما لم تستهلك".
أقول: هذا معلوم لأن الخطاب برد نفس المغصوب ثابت بقطعيات الشرع فليس للغاصب أن يعدل إلى قيمته ولا أباح له الشرع ذلك إلا برضا المالك ثم الاستفداء واجب وإن أجحف به كل الإجحاف لأنه قد وقع في معصية الغصب باختياره عدوانا ومخالفة للشرع ووجب عليه التخلص من هذه المظلمة بردها ما دامت موجودة ووجد إليها سبيلا وعلينا الأخذ على يد الظالم حتى يرد مظلمته للمطلوب ولا تأخذ به رأفة فاستثناء الإجحاف من غرائب المقالات ويكون الرد كما ذكر المصنف إلى يد المالك أو يد ولي غير المكلف وهذا معلوم وهكذا الرد إلى يد من أخذ ذلك الشيء منه إذا كان غير غاصب لحديث على اليد ما أخذت حتى تؤديه أما إذا كان غاصبا فالرد إليه غصب على غصب وظلم فوق ظلم.
وأما قوله: "ونحو راع ليلا" فالتعرض لذكره هذه الصورة النادرة لعل وجهه ثبوت عرف بين أهل قرية علم به المصنف أو من نقل هذا عنه ولكن بعد ثبوت معنى الغصب لا وجه لتخصيص بعض الصور إلا لمخصص مسوغ للرجوع إليه في صفة الرد وغيرها.
قوله: "ويبرأ بمصيرها إلى المالك بأي وجه".
أقول: الذي أوجبه الشرع على الغاصب أن يرد ما غصبه إلى مالكه ردا ظاهرا بحيث يعلم المغصوب عليه أن هذه العين هي التي غصبها عليه الغاصب وأنه قد تحلل من مظلمته له بردها إليه وأما جعل الرد بأي وجه محللا للغاصب من المظلمة مسقطا للضمان عنه وإن جهل المالك مجمود غير مرضي وخروج عن طريق الصواب.
قوله: "ويجب إلى موضع الغصب وإن بعد".
أقول: وجهه ظاهر ولا سيما إذا كان موضع الغصب هو الموضع المعتاد لاستقرار تلك العين المغصوبة فيه أو كان يلزم المالك مؤنة بردها إليه أو كان الرد إليه بعد الطلب من المالك فلا شك أن ذلك واجب على الغاصب وهكذا إذا طلب المالك ردها إليه إلى غير موضع الغصب وجب على الغاصب ذلك لأن التحلل من المظلمة لا يكون إلا على الوجه الذي يرضى به المالك وإن لم تكن تلك العين في الموضع الذي طلب المالك ردها إليه فلا وجه للتقييد بقوله إن كانت فيه.
قوله: "ويهدم ويكسر ويذبح حيث له ذلك".
أقول: وجه هذا ظاهر لأن رد المظلمة واجب على الظالم وإن تلف عليه ما تلف وغرم بسبب الرد ما غرم ولو أجحف به كما قدمنا وأما إذا كانت العين المغصوبة قد صارت في شيء مملوك لغير الغاصب بغير اختياره كأن يزد رد الحيوان الجوهرة المغصوبة ولا يمكن خروجها منه إلا بذبحه أو يدخل في شيء مملوك للغير ولا يخرج إلا بكسره فها هنا لا وجه لإتلاف ملك غير الغاصب لرد العين المغصوبة بل الوجه المطابق لقواعد الشرع أن يضمن الغاصب لصاحب العين المغصوبة ولمالك العين الأخرى قيمتها إن رضي بذلك ويأخذها الغاصب أو يشتري أحد المالكين العين التي للمالك الآخر وإذا لم يمكن الفصل إلا بنقص فيهما أو في أحدهما كان مضمونا على الغاصب وأما دفع قيمة الحيلولة فلا بد من تقييد ذلك بحصول الرضا من المالك فإن لم يرضى واختار تعجيل القيمة ورضي بمصير العين للغاصب وإذا رجعت فله ذلك وإن اختار الانتظار حتى تخلص تلك العين مما وقعت فيه بوجه فله أن يطالب الغاصب بأجرة مثل تلك العين حتى تعود إليه إن كان لمثلها أجرة فهذه الوجوه الخيار فيما للمالك يختار منها ما شاء ولا حجر عليه وهكذا الكلام في العبد الذي أبق والشيء الذي تنوسخ.
[فصل
وإذا غيرها إلى غرض خير بينها وبين القيمة ولا أرش إلا في نحو الخصي وإن زادت به وإلى غير غرض ضمن أرش اليسير وخير في الكثير بين فيمتها صحيحة وعينها مع الأرش وفوائدها الأصلية أمانة فلا يضمن إلا ما نقله لنفسه أو جنى عليه أو لم يرد مع الإمكان] .
قوله: "وإذا غيرها المالك إلى غرض" الخ.
أقول: الحق أن المالك مخير بعد تغيير العين من غير فرق بين أن يكون التغيير إلى غرض أو إلى غير غرض فإن شاء اختار رجوع العين إليه مع أرش النقص وإن شاء تركها للغاصب وأخذ قيمتها ولا وجه للفرق بين الكثير واليسير كما أنه لا وجه للفرق بين التغيير إلى غرض وإلى غير غرض وليس بيد المصنف ولا بيد غيره ما يخالف ما ذكرنا إلا مجرد الرجوع إلى قواعد لهم ليس عليه أثارة من علم.
قوله: "وفوائدها".
أقول: فوائد العين المغصوبة تابعة لها فكما يجب رد العين المغصوبة إلى المالك كذلك يجب رد فوائدها إليه ومن خالف في هذا فليس بيده رواية ولا دراية وأما الاستدلال بحديث الخراج بالضمان فلا يخفاك أنه وارد في غير مقبوضة بإذن الشرع فكيف يصح الحاق العين المغصوبة بها ومعلوم أن الغاصب ضامن على كل حال فكيف يستحق عوضا وهو الخراج في
مقابلة ضمانه وبالجملة فهذا من وضع الدليل في غير موضعه وليس عمومه إلا بالنسبة إلى ما ورد فيه لا بالنسبة إلى ما هو ضد لذلك ولا فرق بين الفوائد الأصلية والفرعية بل الكل غصب بيد الغاصب حتى يرده إلى مالك العين التي هو نماء لها ودعوى الفرق بينهما لم يبن إلا على مجرد الخيال فيضمن الغاصب ما تلف منها ولو لم يجن عليها ولا نقلها لنفسه أو لم يتمكن من ردها ودعوى أن الأصلية أمانة دعوى مردودة فيالله العجب من مثل هذه المقالات التي يمجها السمع ويردها العقل والشرع.
[فصل
ولا يرجع بما غرم فيها وإن زادت به وله فصل ما ينفصل بغير ضرر وإلا خير المالك وعليه قلع الزرع وإن لم يحصد وأجره المثل وإن لم ينتفع فإن أجرا ونحوه فموقوف وأرش ما نقص ولو بمجرد زيادة من فعله كأن حفر بئرا ثم طمها إلا السعر قيل والهزال ونحوهما في الباقي] .
قوله: "فصل: ولا يرجع بما غرم فيها وإن زادت به".
أقول: لأن يده عدوان وما فعله في العين مما يوجب زيادتها عدوان على عدوان ولا يتخلص من مظلمته ويبرأ من غصبه إلا بارجاع تلك العين إلى مالكها وإن زادت لما فعله فيها أضعاف أضعاف قيمتها وما للغاصب وللمطالبة بذلك بل هو مطالب مع رد العين المغصوبة برد أجرة مثلها في مدة الغصب لأنه فوت على المالك هذه المنفعة تعديا وعدوانا وجرأة على الشرع وعلى أموال العباد المعصومة وأما كون له فصل ما ينفصل بغير ضرر فإن لم يكن ذلك من نماء العين كأن يضع عليها حلية لا ضرر في فصلها فله أن يأخذ ما وضعه وأما مع الضرر فيأخذها المالك بزيادتها ولا حرج عليه ومن استبعد هذا فليتهم عقله وقصوره عن إذراك المدارك الشرعية.
قوله: "وقطع الزرع وإن لم يحصد".
أقول: حديث: "ليس لعرق ظالم حق" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وحسنه من حديث سعيد ابن زيد وقد روى من طرق قدمنا الكلام عليها في باب الإحياء وروى عن عروة بن الزبير مرفوعا أخرجه مالك في الموطأ وأبو داود "3074"، والدارقطني وحسن ابن حجر في بلوغ المرام إسناده ومجموع طرقه تقوم بها الحجة وهو يدل على أن ما غرسه الغاصب أو زرعه في الأرض المغصوبة فهو لمالكها وليس للغاصب من ذلك شيء وقد روى ابن رشد الإجماع على هذا فقال في النهاية وأجمع العلماء على أن من غرس نخلا أو ثمرا وبالجملة نباتا في غير أرضه أنه يؤمر بالقطع انتهى وهذا أعنى عدم ثبوت الحق للغاصب بوجه هو المطابق لمعنى
كون يده غاصبة فإن اليد الغاصبة لا تستحق شيئا وما فعلته في الغصب فلا حق لها فيه وأما ما أخرجه أحمد "وأبو داود "3403"،والترمذي "1366"، وابن ماجه "2466"، من حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته"، وقد روى الترمذي "3/648"، عن البخاري تحسينه ونقل عن البخاري تضعيفه وضعفه أيضا البيهقي وهو من طريق عطاء بن أبي رباح عن رافع بن خديج قال أبو زرعة لم يسمع عطاء من رافع وكان موسى بن هارون يضعف هذا الحديث ويقول لم يروه عن شريك ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق فهو مع كونه مخالفا لما هو أصل الغصب من عدم رجوع الغاصب الظالم على المغصوب عليه المظلوم بما أنفقه على ما تعدى به من إيقاع الرزع غصبا وعدوانا بغير إذن الشرع يمكن الجواب عنه من وجوه:
الأول: ما ذكرناه فيه من المقال الذي لا ينتهض معه للاستدلال.
الثاني: بما حكاه ابن المنذر عن أحمد بن حنبل أنه قال إن أبا إسحق زاد في هذا الحديث لفظ: "بغير إذنهم" وليس غيره بذكر هذا الحرف انتهى وإذا كان هذا اللفظ مزيدا لم يكن في الحديث دلالة على أن هذا الحكم يثبت للغاصب بل هو ثابت لمن زرع أرض قوم على غير وجه التعدي والعدوان فلا يبقى في الحديث إشكال ويؤيد هذا ما أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زرعا في أرض ظهير فأعجبه فقال: "ما أحسن زرع ظهير" فقالوا: إنه ليس لظهير لكنه لفلان، قال:"فخذوا زرعكم وردوا عليه نفقته" فدل على أن الزرع تابع للأرض فهذا قاله صلى الله عليه وسلم في أرض غير مغصوبة كما يدل عليه قولهم ولكنه لفلان ولو زرع تلك الأرض غصبا لم يقولوا إن الزرع له وإذا كان هذا حكم من زرع غير غاصبا ولا ظالم فحكم من زرع غاضبا ظالما مثل هذا الحكم.
الوجه الثالث: بما أخرجه أبو داود والدارقطني من حديث عروة بن الزبير عن بعض الصحابة أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخلة منها قال: "فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس وإنها لنخل عم" وإذا كان هذا هو حكم الشرع في النخل الذي تعظم المؤنة عليه وتكثر الغرامة فيه فأمر النبي الغاصب بالقلع وإخراج نخله مع كونه قد صار نخلا عما فكيف لا يكون الزرع مثله مع حقارة المؤونة عليه وقصر المدة فيه وليس في كون البذر من الغاصب زيادة على كون أصول الغرس منه فلا يصح أن يكون أحدهما سببا لاستحقاق الغاصب للنفقة دون الآخر فما ذكره المصنف رحمه الله من قلع الزرع وإن لم يحصد ولزوم أجرة الأرض للغاصب وإن لم ينتفع صواب وهكذا قوله إن عليه أرش ما نقص.
وأما قوله: "فإن أجر أو نحوه فموقوف" فالمعتبر إجارة المالك فإن أجاز كانت هذه الإجازة هي التي صح بها التأجير ونحوه وإن لم يجز كان ما فعله الغاصب وجوده كعدمه وأما قوله: "إلا نقصان السعر" فوجهه أن ذلك النقصان ليس من فعل الغاصب حتى يضمنه ولا يخفاك أن ارتفاع السعر يزيد قيمة ذلك المغصوب فوق ما كانت عليه حال الغصب ومن الجائز
أن يبيعها المالك وقت حصول زيادة السعر فكان في الغصب من هذه الحيثية تفويت لمنفعة للمالك متعلقة بالعين فيضمنها كما يضمن أرش النقص وصاحب اليد الظالمة الغاصب حقيق بالتشديد عليه لأنه اختار لنفسه التعدي ومخالفة ما يقتضيه الشرع ويوجبه العدل وهكذا الهزال يضمنه لأنه حصل النقص به والمغصوب في يده ولو كان بغير سبب منه إذ من الجائز أن تلك العين لو كانت باقية بيد مالكها لم تهزل.
[فصل
ويملك ما اشترى بها أو بثمنها نقدين ويتصدق بالربح وما استهلكه بخلطه أو إزالة اسمه ومعظم منافعه ويطيب له بعض المراضاة ويتصدق بما خشى فساده قبلها ويملك مشتريها الجاهل غلتها ويتصدق بما تعدى قيمة الرقبة وعليه الأجرة] .
قوله: "فصل: ويملك ما اشترى بها أو بثمنها نقدين ويتصدق بالربح".
أقول: العين المغصوبة باقية على ملك مالكها بالعصمة الشرعية ولا يخرج عن ملكه بالغصب المحرم بقطعيات الأدلة فالواجب على الغاصب إرجاعها سواء كانت عينا أو نقدا وأما الاعتلال بأن النقد لا يتعين فما أهون هذه المقالة في صدور علماء الشريعة العارفين بقواعدها فإن هذا ليس إلا مجرد رأي ليس عليه إثارة من علم فالواجب الشرعي على الغاصب أن يرد العين المغصوبة فإن تلفت أو تعذر استدراكها كما لو اختلف النقد بمثله من النقود فعلى الغاصب إرجاع قيمة العين موفرة وإرجاع مثل النقد من أعلى جنس من أجناسه ولا يطيب له ما شراه من عين أو بثمنها ولا يصير ملكا له ولم يأذن الشرع بذلك ولا سوغه وهكذا لا يطيب له الربح بل يجب عليه إرجاعله لمالكه كما قدمنا هكذا ينبغي أن يقال في مثل هذا البحث عملا لا تقتضيه القواعد الشرعية وللإمام أن يتصدق بما يخشى فساده من العين المغصوبة أو مما اشترى بثمنها أو من الربح عقوبة للغاصب والضمان عليه باق بحاله وعلى هذا يحمل ما أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني عن عاصم بن كليب أن رجلا من الأنصار أخبره قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما رجعنا استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم أيديهم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال: "أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها" فقالت المرأة: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل بها إلي بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطعميه الأسارى"، وعاصم بن كليب المذكور في الإسناد قال علي بن المديني لا يحتج به إذا انفرد وقال الإمام أحمد لا بأس به وقال أبو
حاتم الرازي صالح وقد أخرج له مسلم وأما جهالة الصحابي فغير قادحة ولكن لا يخفاك أن هذا الحديث ليس هو كالغصب في كل وجه فإن هذه المرأة لا تقصد الإستيلاء على مال الغير عدوانا بل وقع في ظنها أن إذن امرأة الرجل كإذنه ولما كان إذن المالك أمر لا بد منه صرفها صلى الله عليه وسلم في مصرفها.
قوله: "وما أستهلكه بخلطه وإزالة معظم منافعه".
أقول: أما الخلط فقد تعذر إرجاع العين معه فيجب على الغاصب إرجاع مثلها من أعلى جنس من أجناسها كما قدمنا لأن انتصاف المظلوم من ظالمه وإرجاع حقه إليه على طريقة العدل لا يكون إلا بذلك ولا وجه لجعل ذلك موجبا لملك الغاصب لما غصبه ولا دل على ذلك شرع ولا عقل وأما إذا فعل في العين المغصوبة ما أزال اسمها ومعظم منافعها فهذا أيضا لا يوجب أن تصير تلك العين بعد تغييرها ملكا للغاصب بل المالك بالخيار إن شاء رجعت له وأخذ أرش النقص وإن شاء تركها وأخذ قيمتها موفرة ولا تطيب للغاصب بعد تسليم الأرش أو القيمة بحال من الأحوال لأنه أخذها لا بإذن الشرع ولا بإذن المالك فإن طابت نفس المالك بأن تصير للغاصب بعد تسليم القيمة أو الأرش كان ذلك هو المسوغ لا مجرد الضمان.
قوله: "ويملك مشتريها الجاهل غلتها" الخ.
أقول: قد عرفناك غير مرة أن العين باقية على مالك مالكها وأن اليد الظالمة الغاصبة لا يثبت بها حق للغاصب ولا لغيره من غير فرق بين العالم والجاهل فما حصل من الغلة في يد مشتريها الجاهل كان لرب العين وهو المالك وهذا المشتري الجاهل يرجع بما غرمه للمالك على الغاصب لأنه غرم لحقه بسببه فهذا ما تقتضيه القواعد الشرعية القاضية بعصمة أملاك العباد وعدم خروجها عنهم إلا بالرضا كما يدل عليه قوله عزوجل: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وقوله صلى الله عليه وأله وسلم:"لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيبة من نفسه"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام"، فمن زعم أن الغصب يقتضي خروج فوائد العين عن ملك مالكها إذا باعها الغاصب من جاهل لغصبها فعليه الدليل ولا دليل وما ذكره من التصدق بما تعدى قيمة الرقبة فمبني على هذا الخيال الفاسد وأما لزوم الأجرة له فإذا اختار المالك عدم أخذ فوائد العين من المشتري الجاهل وطالب بأجرة الأرض كان له ويرجع به المشتري الجاهل على الغاصب كما قدمنا وسيأتي للمصنف مثل هذا قريبا ولكنها تكررت عليه بعض المباحث في هذا الفصل والفصل الذي قبله والفصل الذي سيأتي بعده ووقع التخالف في بعضها وقد أوضحنا ما هو الحق في الجميع.
[فصل
وللمالك قلع الزرع وأجرته ولو مستقلا ولا يفسد إن تمكن بدونه والرجوع بالعين
والأجرة على كل ممن قبض والمغرور يغرم الغار ولو جاهلا كل ما غرم فيها أو بنى عليها إلا ما اعتاض منه والقرار على الآخر إن علم مطلقا أو جنى غالبا ويبرؤن ببرائته لا غيره وإذا صالح غيره المالك فبمعنى الإبراء يرجع بقدر ما دفع ويبرأ من الباقي لا هم وبمعنى البيع يملك فيرجع بالعين إن بقيت وإلا فالبدل] .
قوله: "فصل: وللمالك قلع الزرع وأجرته".
أقول: هذا صواب وقد قدمنا وجهه والدليل عليه ومعلوم أن هذا الزرع وقع في ملك الغير باليد العدوانية فلا حق للغاصب فيه وللمالك تفريغ أرضه عما فعلته فيها اليد العدوانية وإذا احتاج القلع إلى أجره رجع بها على الغاصب لأنه غرم لحقه بسببه وإذا لم يمكن القلع إلا بإفساد الزرع كان له ذلك وبعد هذا يأخذ العين المغصوبة ويأخذ أجرتها من الغاصب أو مما صيرها إليه الغاصب وقرار الضمان على الغاصب ولا فرق بين العالم والجاهل والمغرور يغرم الغار كما قال المصنف هنا وهو الحق.
وأما قوله: "والقرار على الآخر إن علم مطلقا أو جنى غالبا" فوجهه أنه مع العلم يصير كالغاصب الأول وقد صارت العين في يده فيكون قرار الضمان عليه وهكذا مع الجناية قد صار ضامنا للعين المغصوبة بالجناية سواء حكم عليه بأنه غاصب أو لم يحكم عليه بالغصب وأما إذا لم يعلم ولا جنى فهو مغرور من جهة الغاصب فيرجع عليه.
قوله: "ويبرؤن ببراءته لا غيره".
أقول: إن أبرأ المالك من ضمان العين المغصوبة إبراء مطلقا برئوا جميعا وهكذا إذا أبرأ من قرار الضمان عليه لأنه هو الذي تعلق به الضمان للمالك في آخر الأمر فكأنه في هذه الصورة أبرأ من ضمان العين مطلقا لأن الخطاب على الغاصبين الآخرين فالضمان إنما هو من جهة من كان قرار الضمان عليه لا من جهة المالك فإنه لا يطلب إلا ضمان ما غصب عليه وقد أبرأ منه وعلى تقدير أن له يطالب غير من قرار الضمان عليه من الغاصبين فتلك المطالبة تنتهي آخر الأمر إلى من عليه القرار وأما ما ذكره من المصالحة بمعنى الإبراء بمعنى البيع فهذا آمر وقع برضاء المالك وهذا الرضا هو المناط المحلل لانتقال الأموال من مالك إلى مالك فيسقط الزائد من القيمة عنه وتصير العين ملكا له وأما كونه يبرأ من باقي القيمة وحده دون سائر الغاصبين فمبني على أن الرضا الواقع من المالك مقيد بهذا الغاصب وحده فكأنه خصه بذلك مع عزمه على طلب الباقين بما أسقطه لهذا وإلا فلا وجه لرجوع المالك عليهم.
[فصل
وفي تالف المثلي مثله إن وجد في ناحيته وإلا فقيمته يوم الطلب وصح للغاصب
تملكه وإلا فقيمته يوم الغصب ولم يصر بعد أو مع أحدهما قيميا وإلا اختار وفي القيمي قيمته يوم الغصب وإن تلف مع زيادة غير مضمونة وفي المضمونة يخير بين قيمته يوم الغصب ومكانه ويوم التلف ومكانه ويتعين الأخير لغير الغاصب وإن قل وما لا يتقوم وحده فمع أصله ويجب رد عين ما لا قيمة له لا عوض تالفه إلا مثليا لا يتسامح به أو إن تلف بعد تقومه والقول للغاصب في القيمة والعين وبينة المالك أولى] .
قوله: "فصل: وفي تالف المثلي مثله" الخ.
أقول: إطلاقهم على الشيء الذي تساوت أجزاؤه أنه مثلي وعلى ما اختلفت أجزاؤه أنه قيمي هو مجرد اصطلاح لهم ثم وقوع القطع والبيت منهم بأن المثلي يضمن بمثله والقيمي بقيمته هو أيضا مجرد رأي عملوا عليه وإلا فقد ثبت عن الشارع أنه يضمن المثلي بقيمته كما في قوله في حديث المصراة: "ردها وصاعا من تمر" وهو في الصحيح كما تقدم وثبت عنه صلى الله عليه وسلم تضمين القيمي بمثله كما ثبت في الصحيح البخاري "2225"، وغيره من حديث أنس قال: أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه طعاما في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "طعام بطعام وإناء بإناء"، وهذا اللفظ للترمذي "1359"، وللبخاري "2481"، في هذا الحديث ألفاظ منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها الطعام وقال:"كلوا" ودفع القصعة الصحيحة للرسول وحبس المكسورة وأخرج نحو هذا الحديث أحمد "6/148"، وأبو داود "3568"، والنسائي "3957"، من حديث عائشة أنها قالت ما رأيت صانعة طعام مثل صفية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إناء من طعام فما ملكت نفسي أن كسرته فقلت يا رسول الله ما كفارته فقال:"إناء كإناء وطعام كطعام"، وفي إسناده أفلت بن خليفة قال أحمد ما أرى به بأسا وحسن ابن جحر في الفتح إسناده.
إذا عرفت هذا فأعلم أن الواجب رد العين المغصوبة مثلية كانت أو قيمية فإن تلفت كان المالك مخيرا بين أخذ مثلها أو قيمتها على وجه يرضى به من غير فرق بين مثلي وقيمي ولكن إرجاع المثلى من أعلى أنواع الجنس وقيمة القيمي على هذا الاصطلاح أقرب إلى دفع التشاجر وأقطع لمادة النزاع.
وأما قوله: "فقيمته يوم الغصب" فوجهه أنه الوقت الذي تعلق فيه الضمان بالغاصب وقيل يوم التلف لأنه وقت وجوب الضمان والأولى أن يكون مضمونا بأوفر القيم من وقت الغصب إلى وقت التلف لأن هذه مظلمة فإذا زادت قيمة ذلك الشيء في بعض الأوقات فمن الجائز أنه لو كان باقيا بيد المالك لباعه بهذه الزيادة وقد قدمنا الكلام في هذا والعجب من المصنف ومن قال بمثل قوله حيث قالوا إن الرهن المقبوض بإذن مالكه مضمون على المرتهن بأوفر قيمة من القبض إلى التلف والغصب الذي هو ظلم بحت واستيلاء على جهة العدوان بغير إذن الشرع مضمون بقيمته وقت الغصب وقد أطال المصنف الكلام في هذا الفصل على القيمي والمثلي وقد عرفناك ها هنا
بما يتضح لك به الصواب في جميع هذه الأطراف التي ذكرها المصنف وقد قدمنا أن الزيادة مضمونة على كل حال فلا يتم ما ذكره من التخيير وأما الجزم بأنه يتعين الأخير لغير الغاصب الأول للغاصب فليس لهذه الدعوى وجه ولا عليها أثارة من علم.
قوله: "والقول للغاصب في قدر القيمة".
أقول: القول قول نافي الزيادة والبينة على مدعيها.
وأما قوله: "والعين" فالصواب أن البينة على من سبق إلى التعيين والقول قول المنكر مع يمينه وأما كون بينة المالك أولى فوجهه أن يد الغاصب عدوانية فكانت بينته ضعيفة لضعف يده ولكن هذه العلة تقتضي أن لا يكون القول قوله في القيمة والعين كما ذكره المصنف لأن اليد العدوانية موجودة في الجميع وإذا اضعفت البينة أضعفت كون القول قوله.
[فصل
ويسقط عوض التالف حيث لا قيمة لحصصه لو قسم وتصير للمصالح تركة صارت لنقصانها كذلك وكذلك هو أو العين باليأس عن معرفة المالك أو انحصاره وحينئذ تعدد القيمة بتعدد المتصرف وإن بقيت العين وولاية الصرف إلى الغاصب ولا يصرف فيمن تلزمه نفقته إلا العين وفي نفسه خلاف ولا نجزيء القيمة عن العين ولا العرض عن النقد وتفتقر القيمة إلى النية لا العين وإذا غاب مالكها بقيت حتى اليأس ثم للوارث ثم للفقراء أو المصالح فإن عاد غرم التالف الدافع العوض إلى الفقراء لا إلى الإمام أو الحاكم فبيت المال وإن التبس منحصرا قسمت كما مر ولا يسقط بالإسلام بعد الردة ما يجامع الكفر ولا يضمن ما منع عنه مالكه بالزجر ما لم تثبت اليد ويضمن آمر الضعيف قويا فقط والقرار على المأمور] .
قوله: "فصل: ويسقط عوض التالف" الخ.
أقول: هذا كلام في غاية السقوط فإن الضمان قد وجب بالغصب وجوبا ثبت بيقين فكون مجرد قسمته بين الشركاء يصير بها نصيب كل واحد لا قيمة له يقتضي سقوط هذا الضمان المعلوم لا سقوط المالكين المتيقن بل يجب على الغاصب تسليم ذلك الشيء إليهم ويصنعون به ما أرادوا وإن بلغ في الحقارة إلى الغاية وتسامح الناس في المحقرات هي التي لا تكون مأخوذة على وجه الغصب أما المأخوذة على جهة الغصب فالتسامح بها أقل قليل وهكذا قوله وتصير للمصالح تركة صارت لنقصانها كذلك فإن هذا الحكم مجازفة عظيمة وجرأة على إخراج أموال العباد عن أملاكهم بغير برهان بل بمجرد وسوسة ناشئة عن خيالات مختلة.
وأما قوله: "وكذلك هو أو العين باليأس عن معرفة المالك أو انحصاره" فوجهه أنه إذا عرض هذا اليأس وتقرر تقررا صحيحا صار ذلك المال لا مالك له وإذا صار كذلك كان للمسلمين فيصرف في مصالحهم الذي يرجع الصرف إليها الإمام أو الحاكم.
وأما قوله: "وحينئذ تعدد القيمة بتعدد المصرف وإن بقيت العين" فلا وجه له ولا سبب يقتضيه وقد عرفناك فيما سبق ما يكشف لك عن الصواب مع تعدد الغاصبين.
قوله: "وولاية الصرف على الغاصب".
أقول: هذا من غرائب المسائل وعجائب أهل الرأي فإن الغاصب ثبت على المغصوب بغير إذن الشرع بل عنادا له وتمردا ابتداء وانتهاء فمن أين يكون له ولاية الصرف بل واجب عليه عند التوبة وعدم وجود المالك أو عدم انحصاره أن يحمل تلك المظلمة إلى الإمام بعد أن يصرح له بالتوبة ويبين له أنه قد تعذر عليه التدارك وانسدت عليه أبواب التخلص وعلى الإمام أن يصرف ذلك فيما يراه من مصالح المسلمين وأما فرق المصنف بين العين وغيرها في الصرف فيمن يلزمه نفقته فهو أعجب وأغرب وليت شعري كيف صارت هذه الخرافات معدودة من أحكام الشرع وهكذا قوله وفي نفسه خلاف فالقائل بالجواز قد جاء بما يشبه المقامرة فجعل الولاية لليد الظالمة في الصرف ثم أقر المغصوب على اليد العدوانية زاعما أن هذا شرع الله فيالله وللمسلمين وأما عدم إجزاء القيمة عن العين فوجهه أن المظلمة متعينة فليس لمن إليه الصرف كما ذكرنا لا كما ذكره المصنف أن يصرف عنها القيمة إلا أن يرى في ذلك صلاحا وهكذا الكلام في صرف العرض على النقد ولا وجه الفرق بين القيمة والعين في النية ولكن ذلك من جملة هذه المسائل التي يضحك منها تارة ويبكي منها أخرى وأما إيجاب تسليم العين إلى الوارث مع اليأس عن رجوع المالك فذلك صواب لأن ذلك غاية ما يجب من الرجوع إلى ما يوجبه الشرع ويقتضيه العدل ومع عدم الوارث ولاية الصرف إلى الإمام يصرفها فيما يرجحه من مصالح المسلمين كما قدمنا.
وأما قوله: "فإن عاد غرم التالف الدافع العوض إلى الفقراء" فوجهه أنه انكشف أن ذلك الصرف لخيال كاذب وأما إذا كان الصارف هو الإمام والحاكم فإن كان ذلك لتغرير عليهما من الغاصب بحصول اليأس الذي انكشف خلافة فالضمان على الغاصب وإلا كان الضمان عليهما من بيت المال مع عدم التغرير لأنهما أوقعا الصرف لخيال كاذب ولا يبعد أن يكون الضمان عليهما من أموالهما لم يتثبتا في الأمر كما ينبغي.
وأما قوله: "وإن التبس منحصرا قسمت كما مر" فمبني على أن كل واحد من هؤلاء المنحصرين يدعى ملكها أو بعضها ما لو لم يكن الأمر كذلك فلا وجه لقسمتها بين من لا يطالب بها وتصير لمصالح المسلمين كما قدمنا.
قوله: "ولا تسقط بالإسلام بعد الردة ما يجامع وجوبه الكفر".
أقول: إن قام الدليل المقتضي لتخصيص ما ثبت من أن الإسلام يجب ما قبله كان المصير