المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هذا القدر من التعجيل وهو يستفاد من حديث: "من أداها - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: هذا القدر من التعجيل وهو يستفاد من حديث: "من أداها

هذا القدر من التعجيل وهو يستفاد من حديث: "من أداها قبل الصلاة فهي صدقة مقبولة" فإن المراد القبلية القريبة لا القبلية البعيدة التي تنافي حديث: "إنها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين". [أبو دأود "1609"، ابن ماجة "1827".

وأما قوله: "وتسقط عن المكاتب" فصحيح لانه قد صار متصفا بصفة هي متوسطة بين الحر والعبد فلم يكن حرا خالصا ولا عبدا خالصا ولم يرد النص الا في فطرة العبد كما تقدم.

وأما قوله: "والمنفق عليه من بيت المال" فلا وجه للسقوط بل هو كغيره من المسلمين إن وجد زيادة على كفاية يومه أخرجها وان لم يجد الزيادة فلا فطرة عليه ولا تأثير لكونه منفقا عليه من بيت المال.

وأما ما ذكره من سقوطها عن الزوجة باخراجها عن نفسها وبنشوزها فقد عرفت ان فطرتها واجبة عليها لاعلى زوجها.

وأما قوله: "والعزل حيث لا مستحق" فذلك غاية ما يقدر عليه مع عدم المصرف.

قوله: "وندب التبكير"

أقول: ان أراد بالتبكير انها تجزئ قبل الخروج إلي الصلاة فذلك واجب ولا تكون فطرة الا إذا أخرجها في ذلك الوقت كما تقدم وان أراد الزيادة في التبكير حتى يكون إخراجها مثلا بعد فجر يوم الفطر فلا دليل على ذلك.

قوله: "وندب الترتيب بين الافطار والاخراج والصلاة".

أقول: الوارد عنه صلى الله عليه وسلم أخراج الفطرة قبل الخروج إلي الصلاة وتنأول شيء يفطر به قبل الخروج إلي الصلاة فإذا فعل ذلك فعل المشروع سواء قدم الافطار على اخراج الفطرة أو اخره عليه.

ص: 269

‌كتاب الخمس

[فصل

يجب على كل غانم في ثلاثة الأول صيد البر والبحر وما استخرج منهما أو اخذ من ظاهرهما كمعدن وكنز ليس لقطة ودرة وعنبر ومسك ونحل وحطب وحشيش لم يغرسا ولو من ملكه أو ملك الغير وعسل مباح.

ص: 269

الثاني: ما يغنم في الحرب ولو غير منقول ان قسم الا مأكولا له ولدابته لم يقبض منه ولا تعدى كفايتهما أيام الحرب.

الثالث: الخراج والمعاملة وما يؤخذ من أهل الذمة] .

قوله: "كتاب الخمس يجب على كل غانم في ثلاثة الأول صيد البر والبحر".

أقول: اعلم ان هذه الشريعة المطهرة وردت بعصمة اموال العباد وانه لايحل شيء منها الا بطيبة من انفسهم وان خلاف ذلك من أكل اموال الناس بالباطل وقد ثبت في الكتاب والسنة ان الله سبحانه احل لعباده صيد البر والبحر فما صادوه منهما فهو حلال لهم داخل في املاكهم كسائر ما احل الله لهم فمن زعم ان عليهم في هذا الصيد الحلال خمسة أو اقل أو اكثر لم يقبل منه ذلك الا بدليل يصلح لتخصيص الادلة القاضية بعصمة اموال الناس وينقل عن الاصل المعلوم بالضرورة الشرعية ولم يكن ها هنا دليل قط بل ايجاب ذلك سببه توهم دخول الصيد تحت عموم قوله تعالي: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] ، وهو توهم فاسد وتخيل مختل.

قوله: "وما استخرج منهما أو اخذ من ظاهرهما كمعدن".

أقول: قد ثبت حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العجماء جرحها جبار والبئر جبار وفي الركاز الخمس" وهو يدل على وجوب الخمس في الركاز ولكنه اختلف في تفسير الركاز فقال مالك والشافعي انه دفن الجأهلية وقال أبو حنيفة والثوري وغيرهما ان المعدن ركاز وخصص الشافعي الركاز بالذهب والفضة وقال الجمهور لا يختص الركاز بهما واختاره ابن المنذر وهذا مبحث لغوي يرجع فيه إلي تفسيره عند أهل اللغة لانه لم تثبت فيه حقيقة شرعية فقال في الصحاح والركاز دفن الجأهلية كأنه ركز في الارض ركزا انتهى فهذا يقتضي انه خاص بدفن الجأهلية وأما صاحب القاموس فقال في الركاز ما ركزه الله تعالي في المعادن أي احدثه ودفين أهل الجأهلية وقطع الفضة والذهب من المعدن انتهى.

وظاهر هذا ان ما خلقه الله في المعادن فهو ركاز وان كان من غير الذهب والفضة وان ما يوجد في معادن الذهب والفضة من قطع الذهب والفضة ركاز.

وقال صاحب النهاية ان الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجأهلية المدفونة في الارض وعند أهل العراق المعادن والقولان تحتملهما اللغة لان كلا منهما مركوز في الارض أي ثابت ثم قال والحديث إنما جاء في التفسير الأول وهو الكنز الجأهلي انتهى.

فهذا تصريح منه بأن الحديث إنما ورد في الكنز الجأهلي وقد اتفق عليه أهل اللغة ويقصر عليه لانه مدلول الحديث ببقين وما عداه فهو محتمل فلا يحمل الحديث عليه وان كان له مدخل في الاشتقاق فلا يجب الخمس الا في دفين الجأهلية ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو دأود والنسائي والحاكم والبيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل في كنز وجده في خربة: "إن وجدته في خربة جأهلية أو قرية

ص: 270

غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس وان وجدته في قرية مسكونة أو طريق ميتاء فعرفه".

وإذا تقرر لك هذا الحديث عرفت انه لا وجه لايجاب الخمس فيما استخرج من البحر من الجواهر ونحوها ولا فيما استخرج من الارض من المعادن ونحوها بل في الكنز الذي هو من كنز الجأهلية فقط وعلى تقدير ان الركاز يتنأول زيادة على دفين الجأهلية وسلمنا الاحتجاج بالمحتمل فلا يشمل زيادة على معدن الذهب والفضة.

وبهذا يتضح لك انه لا خمس فيما ذكره المصنف من الدرة والعنبر والمسك والنحل والحطب والحشيش والعسل.

قوله: "والثاني ما يغنم في الحرب".

أقول: هذا أمر متفق عليه كما حكاه القرطبي قال اتفقوا على ان المراد بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] . مال الكفار إذا ظفر بهم المسلمون وقد حكى هذا الاجماع غيره من أهل العلم والادلة من الكتاب والسنة فيه أوضح من كل واضح واجلى من كل جلي وأما حرب بغاة السملمين فقد وردت الادلة الصحيحة بعصمة اموالهم بكلمة الإسلام والقيام بأركانه فلا يحل من اموالهم الا ما دل الدليل الناقل عن تلك العصمة عليه فمن جاء به صافيا عن شوب الكدر فبها ونعمت ومن عجز عن ذلك وقف حيث أوقفه الله وكف يده ولسانه وقلمه عن الكلام فيما ليس من شأنه ولا اذن الله له به.

ولا فرق في المغنوم من الكفار بين الاراضي وغيرها وأما استثناء المأكول فلا بد فيه من دليل يصلح لاخراجه من عموم الغنائم ولا يصلح لذلك ما روى انهم كانوا يأكلون ما يكفيهم من طعام ونحوه لاحتمال ان يكون ذلك بعدالقسمة أو انه محسوب عليهم من نصيبهم من الغنيمة وفي حديث الجراب الشحم المغنوم في خيبر ما يرشد إلي ما ذكرناه وهو ثابت في الصحيح [البخاري "7/481"، مسلم "72/1772"] .

قوله: "الثالث الخراج والمعاملة وما يؤخذ من أهل الذمة".

أقول: أما الخراج والمعاملة فأرضهما هي من الارض المغنومة من الكفار وفيها الخمس لانها المغنومة وأما ما يؤخذ منها من خراج أو معاملة فأمر وراء الغنيمة لان تلك الارض بعد تخميسها أما ان تقسم على السملمين ولكل واحد منهم ان يدعها في يد أهلها على خراج يؤدونه أو معاملة وذلك هو فائدة ارضه التي دخلت في ملكه كما يدخل في ملكه بالشراء والميراث وله ان يدعها في يد أهلها ويتصرف بها بما شاء من بيع أو غيره.

وأما إذا لم تقسم تلك الارض ورضى الغانمون بأن يشتركوا فيما حصل من غلتها فليس عليهم في ذلك خمس لان الخمس قد وجب في أصل الارض.

وأما الجزية وسائر ما يؤخذ من أهل الذمة فعدم الخمس فيها معلوم لانها موضوعة على أهل الذمة إلي مقابل تأمينهم وعصمة اموالهم ودمائهم وليست من الغنيمة التي تغنم في الحرب.

والحاصل ان ايجاب الخمس في هذه الثلاثة الأنواع لم يكن لدليل ولا لرأي مستقيم.

ص: 271

وإذا تقرر لك هذا عرفت انه لا يجب الخمس الا في الغنيمة من الكفار وفي الركاز وما عدا ذلك فليس الا مجرد دعأوى لا برهان عليها من معقول ولا منقول.

[فصل

ومصرفه من في الآية فسهم الله للمصالح وسهم الرسول للامام ان كان والا فمع سهم الله وأولو القربى هم الهاشميون المحقون وهم فيه بالسوية ذكرا وانثى غنيا وفقيرا ويخصص ان انحصروا والا ففي الجنس وبقية الاصناف منهم ثم من المهاجرين ثم من الانصار ثم من سائر المسلمين وتجب النية ومن العين الا لمانع وفي غير المنفق] .

قوله: "فصل ومصرفه من في الآية فسهم الله للمصالح وسهم الرسول للامام".

أقول: قد ذكرت في تفسيري الذي سميته فتح القدير في هذا ستة مذاهب للسلف واحسن الاقوال واقربها إلي الصواب ان سهم الله سبحانه موكول إلي نظر الامام فيصرفه في الامور التي هي شعائر الدين ومصالح المسلمين.

وأما سهم الرسول فلا شك انه للإمام لورود الادلة الدالة على ان ما جعله الله لرسوله فهو لمن يلي امور المسلمين بعده وعليه ان يضع ذلك في مواضعه ولهذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لي مما أفاء الله عليكم الا الخمس والخمس مردود عليكم"، وإذا لم يوجد الامام كان لمن صلح من الملمين ان يضعه في مواضعه.

قوله: "أولو القربى هم الهاشميون المحقون".

أقول: قداختلف السلف في ذلك فقيل هم قريش كلها وقيل هم بنو هاشم وبنو المطلب وقيل هم بنو هاشم خاصة والحق ان بني المطلب لهم نصيب من الخمس فقد ثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطاهم منه معللا ذلك بقوله: "إنما نحن وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه" فدل ذلك على ان لهم في سهم ذوى القربى كما لبني هاشم في ذلك.

وأما كونه يستوى في ذلك الذكر والأنثى والغني والفقير فينبغي تفويض ذلك إلي نظر الامام العادل الذي يقسم بالسوية ويعمل بما ثبت في الشرع ويؤثره على غيره.

قوله: "وبقية الاصناف منهم".

أقول: هذه دعوى مجردة وتقييدالقرآن الكريم بمجرد الرأي الذي لا دليل عليه والحق ان لليتامى على العموم سهم من الخمس وكذلك للمساكين وابناء السبيل فالقول بأن هذه الثلاثة الاسهم تصرف في سهم ذوي القربى بعيد من الحق بعدا شديدا ومخالف للنصوص القرآنية مخالفة بينة.

ص: 272

وأما قوله: "ثم من المهاجرين ثم من الانصار ثم من سائر المسلمين" فليس لهذا الترتيب وجه بل يستحق يتامى المهاجرين والانصار وابناء سبيلهم من هذه الثلاثة السهوم نصيبهم ولا تكون مرتبتهم مسقطة لمن كان من أهل هذه الثلاثة السهوم من غيرهم فهذا شيء قد تولى الله سبحانه قسمته في كتابه فليس لنا ان نقول بالرأي وتقييد كلامه سبحانه بمجرد الخيال ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا شيء حتى يقال انه مقيد للكتاب أو مخصص له.

قوله: "وتجب النية".

أقول: قد قدمنا غير مرة ان الاحاديث المصرحة بأن "الاعمال بالنيات" وبأنه "لا عمل إلا بنية" تدل على وجوب النية في كل عمل وقول ولا سيما الاقوال والافعال التي هي قرب فلا يحتاج إلي الاستدلال على ذلك في كل باب من الابواب والامر أوضح من ان يحتاج إلي تطويل الاستدلال.

وأما كون الخمس يجب من العين فذلك ظاهر لقوله سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] ، فأوجب الخمس في المغنوم وذلك ينصرف إلي عينه فلا يجزئ غيرها الا بدليل.

وأما كون الصرف يكون في غير المنفق فقد تقدم في الزكاة ما يفيد في مصرف الخمس فارجع اليه.

[فصل

والخراج ما ضرب على ارض افتتحها الامام وتركها في يد أهلها على تأديته والمعاملة على نصيب من غلتها ولهم في الارض كل تصرف ولا يزد الامام على ما وضعه السلف وله النقص فإن التبس فالأقل مما على مثلها في ناحيتها فإن لم يكن فما شاء وهو بالخيار فيما لا يحول بين الوجوه الاربعة] .

قوله: فصل: "والخراج" الخ.

أقول: هذا البيان لماهية الخراج والمعاملة صحيح.

وأما قوله: "ولهم في الأرض كل تصرف" فلا يدرى ما سببه ولا ما هو الامر الذي يقتضيه فإنها قد خرجت عن ملكيتهم باغتنام المسلمين لها فلا يقتضي ابقاؤهم عليها خراجا أو معاملة عودها إلي ملكهم اصلا فكيف يصح لهم فيها كل تصرف ومن اين جاز لهم ذلك فإن هذا لا تقتضيه القواعدالفقهية مع كون الادلة ترده فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل خيبر بعد أن صالحهم على أن لهم الشطر من ثمارها: "نقركم على ذلك ما شئنا"، وهو في الصحيحين [البخاري "5/21"، مسلم "6/1551"] ، وغيرهما [أبو دأود "3008"] .

ص: 273

قوله: "ولا يزد الامام على ما وضعه السلف".

أقول: الامام العادل الناظر في مصالح المسلمين له ان يفعل ما فيه مصلحة لهم على وجه لا يضر بالعاملين في الارض ولا يكون وضع من قبله ما نعاله من الزيادة التي تقتضيها المصلحة كما انه لا يكون ما نعاله له من النقصان الذي تقتضيه المصلحة فله رأيه ونظره المطابق لمراد الله سبحانه وإذا اقتضى نظره نزع الارض من ايديهم نزعها وإذا اقتضى نظره وضعها في يد قوم آخرين فعل فقول المصنف ولا يزد الامام على ما وضعه السلف لا وجه له ولا دليل عليه الا مجرد ايجاب تقليدالاخر للأول وإهمال النظر في المصالح والمفاسد التي تختلف باختلاف الزمان والمكان والاشخاص.

وهذا هو في الاراضي المنتزعة من ايدي الكفار بالجهاد الذي أوجبه الله على المسلمين وأما ما صار يتمسك به بعض المقصرين المروجين للشبه المرخصين في الاموال المعصومة من ان حكم الارض المنتزعة من ايدي البغاة مثل حكم الارض المغنومة من الكفار فهذا كلام ليس من الشرع في شيء بل من التشهي والحكم بالهوى والتلاعب بالدين.

وأما ما صارت الطوائف الإسلامية تترامى به من تكفير التأويل فتلك فاقرة من فواقر الدين لا ترجع إلي أصل ولا تنبنى على عقل ولا نقل لا يغتر بمثلها الا جأهل ومتعصب وكلاهما لا يستحق الكلام معه وسيأتي لهذا مزيد تحقيق عند الكلام على قوله وكل ارض اسلم أهلها.

قوله: "وهو بالخيار فيما لا يحول بين الوجوه الاربعة".

أقول: قد قدمنا ان له ان يعمل بما فيه مصلحة عائدة على المسلمين جارية على منهج لدين فإذا رأى المصلحة في وجه غير الوجوه الاربعة وذلك كأن يقتضي نظره ان يبيعها من أهللها أو من غيرهم عندالظفر بها ويقسم الغنيمة على الغانمين فعل ذلك وهكذا إذا اقتضى نظره تخريب الدور وتغيير رسوم الاموال وقطع الاشجار وتغوير الانهار فعل ذلك لانه ربما يغلب على الظن ان أهلها يغلبون عليها وينتزعونها من ايدي المسلمين كما يقع مثل ذلك كثيرا بين المسلمين والكفار تارة يغلب هؤلاء وتارة يغلب هؤلاء وهكذا إذا اقتضى نظره ان يخص بها بعض الغانمين دون بعض فعل إذا كان في ذلك مصلحة وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في ارض بني النضير فإنه خص بها المهاجرين لما لم تكن لهم اموال يعيشون بها.

[فصل

ولا يؤخذ خراج ارض حتى تدرك غلتها ويسلم الغالب ولا يسقطه الموت والفوت وبيعها إلي مسلم واسلام من هي في يده وان عشرا ولا يترك الزرع تفريطا] .

قوله: فصل: "ولا يؤخذ خراج ارض حتى يدرك غلتها".

ص: 274

أقول: وجه هذه انه لو اخذ الخراج قبل ذلك وذهبت غلة الارض بجائحة كان في الاخذ ظلم على العاملين في الارض الا ان يكون بينهم وبين من إليه الخراج مواطأة على ان ذلك الخراج يسلم في كل عام أو في وقت حصول الغلة سواء زرعت الارض ام لا ادركت غلتها ام لا فإن ذلك يصير كالاجارة لنفس الارض وقدا ختاروا لأنفسهم ذلك ورضوا به والا فقد ثبت الامر بوضع الخراج وهو عام.

وأما قوله: "ولا يسقط بالموت والفوت" فالأمر كذلك لأن الارض باقية والوضع عليها لا على الاشخاص.

وهكذا بيعها إلي مسلم واسلام من هي في يده.

وأما قوله: "ويترك الزرع تفريطا" فمبنى على ما قدمنا من التراضي وأما مع عدم ذلك فاخذ الخراج من ارض لم تزرع ظلم لا يحل للإمام والمسلمين فعله.

وحكم المعاملة حكم الخراج وإنما ترك المصنف ذكر ذلك لكون المعاملة هي على نصيب من الغلة كما سبق فإذا لم تدرك الغلة وذهبت بجائحة لم يجز للامام ولا لغيره من المسلمين ان يأخذوا منهم الا بقدر ما سلم فقط.

[فصل

والثالث أنواع:

الأول الجزية وهي ما يؤخذ من رءوس أهل الذمة وهو من الفقير اثنا عشرة قفلة ومن الغني وهو من يملك الف دينار وثلاثة آلاف دينار عروضا ويركب الخيل ويتختم الذهب ثمان واربعون ومن المتوسط اربع وعشرين وإنما تؤخذ ممن يجوز قتله وقبل تمام الحول.

الثاني: نصف عشر ما يتجرون به نصابا منتقلين بأماننا بريدا.

الثالث: الصلح ومنه ما يؤخذ من بني تغلب وهو ضعف ما على المسلمين من النصاب.

الرابع: ما يؤخذ من تاجر حربي آمناه وإنما يأخذ إن اخذوا من تجارنا وحسب ما يأخذون فإن التبس أولا تبلغهم تجارنا فالعشر ويسقط الأول بالموت والفوت وكلها بالإسلام] .

قوله: فصل: "والثالث أنواع الأول الجزية" الخ.

ص: 275

أقول: قد قدمنا انه لا خمس في خراج ولا معاملة ولا ما يؤخذ من أهل الذمة وأما الفرق بين الغني والفقير والمتوسط وتفسير كل واحد منهم بهذه التفاسير فليس لذلك أصل يرجع اليه ولاله دليل يعتمد عليه وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم للناس ما نزل اليهم من قوله عز وجل: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29] ، فامر معاذ بن جبل ان يأخذ من كل حالم دينارا.

أخرجه أحمد ["5/230"] وابو دأود ["1576"، "1577"، "1578"] والترمذي ["623"] والنسائي ["5/26"] وابن حبان والحاكم وصححاه وإذا نظر الامام لمصلحة راجعة إلي الدين وأهله ان يزيد شيئا من غير ظلم أو ينقص شيئا فعل.

وأخرج البخاري ["6/257"] عن ابن أبي نجيح قال قلت لمجاهد ما شان أهل الشام عليهم اربعة دنانير وأهل اليمن عليهم دينار قال جعل ذلك من قبيل اليسار.

وأما كونها لا تؤخذ الا ممن يجوز قتله فلأمره صلى الله عليه وسلم لمعاذ ان يأخذها من كل حالم.

قوله: "الثاني نصف عشر ما يتجرون به" الخ.

أقول: لم يات في الكتاب العزيز الا الجزية ولا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه ضرب على اموال أهل الذمة شيئا ولا وجه للاستدلال بما وقع من بعض الصحابة فإن ذلك لا تقوم به الحجة لا سيما في مثل اموال المعاهدين الذين وردت السنة المطهرة بأن ظالمهم "لا يرح رائحة الجنة"[أحمد "5/46، 5/50"، أبو دأود "2760"، النسائي "8/24"] .

فالحاصل انه لا يجب عليهم شيء سوى الجزية وهي مأخوذة لحقن الدماء وليس في أموالهم شيء فإن الله سبحانه إنما فرض الزكاة والفطرة في أموال المسلمين تطهرة لهم كما قال سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، ولا تطهرة للكفار فهذه المسألة مبنية على غير أساس لم يدل عليها كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس.

قوله: "الثالث الصلح ومنه ما يؤخذ من بني تغلب".

أقول: ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من مصالحة أهل البحرين وكانوا مجوسا كما ثبت في الصحيحين [البخاري "6/257-258"، مسلم "6/2961"] وكذلك مصالحته لأكيدر دومة [أبو داود "3037"] وكذلك مصالحته لأهل نجران وكل ذلك جزية صالحهم على مقدارها بما روى عنه في ذلك وليس ذلك مالا آخر غير الجزية وفي ذلك دليل على ان للإمام ان يصالح عن الجزية بما فيه مصلحة.

قوله: "الرابع ما يؤخذ من تاجر حربي امناه".

أقول: هذا الذي يؤخذ من تجار أهل الحرب هو أيضا جزية لانه مأخوذ في مقابلة تأمينهم في بلاد السملمين وحقن دمائهم وليس ذلك شيئا آخر غير الجزية وللإمام ان يأذن لتجار أهل الحرب ان يدخلوا بتجارتهم إلي ارض المسلمين إذا كان في ذلك مصلحة.

وأما كونه يؤخذ منهم بقدر ما ياخذون من تجارنا إن اخذوا وإلا فلا فهذا أيضا مما لنظر الائمة فيه مدخلا لأن الاخذ منهم مع كون أهل الحرب لا يأخذون من تجار المسلمين يؤدى إلي إنزال الضرر بتجار المسلمين.

ص: 276

والحاصل ان الامام المتبصر العارف بموارد هذه الشريعة ومصادرها لا يخفى عليه ما فيه المصلحة أو المفسدة فله نظره المطابق للصواب العائد على المسلمين بجلب المصالح ودفع المفاسد.

قوله: "ويسقط الأول بالموت والفوت".

أقول: لا وجه لهذا السقوط لانه دين قد ثبت للمسلمين بذمة الذمي الذي مات أو فات فلا يسقطه الا مسقط شرعي وقد وفى المسلمون له بالامان فاستحقوا ما جعلوه عليه في مقابلته لا شك في ذلك.

وأما سقوط الجميع بالإسلام فذلك أمر ظاهر لا يحتاج إلي ذكره لان ذلك المأخوذ إنما كان لكونهم كفارا وقد صاروا مسلمين فلم يبق الموجب للأخذ والإسلام يجب ما قبله.

[فصل

وولاية جميع ذلك إلي الامام وتؤخذ هذه مع عدمه ومصرف الثلاثة المصالح ولو غنيا وعلويا وبلديا وكل ارض اسلم أهلها طوعا أو احياها مسلم فعشرية ويسقط بأن يملكها ذمي أو يستأجرها ويكرهان وينعقدان في الاصح وما اجلى عنها أهلها بلا إيجاف فملك للإمام وتورث عنه] .

قوله: فصل: "وولاية جميع ذلك إلي الامام".

أقول: قد كان أمر هذه الامور إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صار إلي الخلفاء الراشدين من بعده فأفاد ذلك ان امرها إلي الائمة ولا يحتاج إلي الاستدلال بزيادة على هذا.

وأما كونها تؤخذ مع عدمه فذلك أمر واضح لانها واجبات شرعية يجب على المسلمين صرفها في مصارفها فإن لم يوجد الامام كان امرها إلي من له نهضة بالقيام بأمور المسلمين كائنا من كان.

وأما قوله: "ومصرف الثلاثة المصالح" الخ فلا يخفى انها كانت معروفة في زمن النبوة وفي أيام الخلفاء الراشدين إلي مصارف معروفة فينبغي للإمام ان يتحرى ذلك ويضعها في مثل تلك المصارف بحسب ما يبلغ اليه إجتهادة ويدخل تحت قدرته وطالب الحق لا يخفي عليه وجهه وقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الواضحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا جاحد هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه ثم قال عقيبه: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الهادين عضوا عليها بالنواجذ"، [أحمد "4/126/127"، الترمذي "2676"، ابن ماجة "43، 44"] .

قوله: "وكل ارض اسلم أهلها أو احياها مسلم فعشرية".

أقول: هذا هو من الوضوح بمكان يستغنى عن تدوينه فإن اراضي أهل الإسلام معصومة

ص: 277

بعصمة الإسلام لا يجب فيها الا ما أوجبه الله من الزكاة ومن زعم في ارض منها انها قد صارت إلي صفة غير هذه الصفة فقد خالف ما هو معلوم من الضرورة الدينية ولا يكون الا أحد رجلين أما جأهل لا يدري ما يقول أو متلاعب بالدين لأغراض نفسانية ومقاصد دنيوية كما قدمنا قريبا.

واحق ارض الله سبحانه بإجراء الأحكام الإسلامية عليها ارض اليمن لما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: "الايمان يمان" وقد صح انهم اسلموا طوعا بغير قتال عند بلوغ البعثة النبوية اليهم فهم احق العالم بما ذكرناه وارضهم احق الارض بذلك.

وأما ما تجدد من الدعأوي الفاسدة والشبه الداحضة من تكفير بعض طوائف الإسلام لبعض فذلك لا يرجع إلي دليل من عقل ولا نقل بل مجرد شهوة شيطانية اثارتها العصبية الجأهلية فإياك ان تغتر بشيء منها فإنها حديث خرافة وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الخراج جزية كما في حديث أبي الدرداء عند أبي دأود مرفوعا: "من اخذ أرضا بجزيتها فقد استقال هجرته" فهذا الوعيد ورد فيمن استأجر ارض الخراج وهو مسلم فكيف يحل لملسلم ان يحكم على السملمين بأن أرضهم خراجية وانهم يسلمون الخراج الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم جزية وهل يجترئ على ما دون هذا من يؤمن بالله واليوم الاخر.

وأخرج أبو دأود من حديث حرب بن عبيد الله: "إنما الخراج على اليهود والنصارى وليس على المسلم خراج".

وأخرج أبو دأود والترمذي من حديث ابن عباس مرفوعا: "ليس على مسلم جزية" أي خراج.

قوله: "ويسقط بأن يملكها ذمي أو يستاجرها"

أقول: هذا أيضا أوضح من شمس النهار ولا يحتاج إلي تدوينه في كتب الفقه فإن الزكاة إنما فرضها الله سبحانه على المسلمين لا على الكافرين ومن عجائب الزمن انه قد وقع في زمننا هذا المطالبة لليهود بزكاة ما يملكونه من الارض من كثير من المغفلين الذين لا يعرفون الشرائع فما كان المصنف رحمه الله الا كشف له عما يأتي به الزمان من الغرائب فنص على هذا الامر الواضح الجلي في كتابه هذا.

وأما القول بالكراهة لتملك الذمي للأرض العشرية واستئجاره لها فراجع إلي الخلاف في ان أهل الذمة هل يجوز لهم ان يتملكوا شيئا من الاراضي الإسلامية ام لا فمن منع من ذلك لم يجعله مكروها فقط بل يجزم بمنعه وعدم تقرير أهل الذمة عليه ومن جوزه فلا وجه لجعله مكروها.

قوله: "وما اجلى عنها أهلها بلا إيجاف فملك للإمام وتورث عنه".

أقول: هذا مخالف لما في كتاب الله عز وجل قال الله سبحانه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أهل الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [الحشر: 7]، إلي قوله:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8]، ثم عطف عليه {وَالَّذِينَ تَبَوَّأوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ} [الحشر: 9] ، ثم قال {وَالَّذِينَ جَاءُوا

ص: 278