الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبعده عن قواعد الشرع فإن مالك العين إذا طابت نفسه عنها حلت وهي باقية بعنيها فكيف لا يحل الإبراء من ضمانها وسيأتي إن شاء الله في باب الإبراء ما يدفع هذا الخيال ويبدد شمل هذا الإشكال وأما عدم صحة إبراء المتبريء من العيوب جملة فمن غرائب الرأي وساقط الاجتهاد لا سيما إذا كان المبريء ممن يعرف العيوب ويتعلقها فالإبراء من جميعها كالإبراء من كل واحد منها وأعجب من هذا وأغرب عدم صحة إبراء المرتهن فإنه لا يوجد لهذا المنع وجه يقبله من له عقل فضلا عمن له علم والحاصل أن العالم العارف بقواعد الشرع إذا مرت به هذه المسائل المدونة في هذه الفصول وأمثالها لم يسعه إلا تكرير الاسترجاع وربما يقوم في وجهه من يريد تقويم الباطل فيقول له لا إنكار في مسائل الاجتهاد فيقال له ومتى فوض الله من يدعي الاجتهاد على الشريعة التي أنزلها على رسوله وجعله حاكما فيها بما شاء وعلى ما شاء فإن هذه نبوة لا إجتهاد وشريعة حاثه غير الشريعة الأولى ولم يرسل الله سبحانه إلى هذه الأمة إلا رسولا واحدا وأما ما تقدم للمصنف في المقدمة من أن كل مجتهد مصيب فقد قدمنا بيانه وذكرنا مراد القائل به وأما ما سيأتي للمصنف في السير من أنه لا إنكار في مختلف فيه على من هو مذهبه فتلك مقالة تستلزم طي بساط غالب الشريعة وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان بطلانه.
باب المزارعة
[فصل
صحيحها أن يكري بعض الأرض ويستأجر المكتري بذلك الكراء أو غيره على عمل الباقي مرتبا أو نحوه مستكملا لشروط الإجارة وإلا فسدت كالمخابرة الزرع في الفاسدة لرب البذر وعليه أجره الأرض أو العمل ويجوز التراضي بما وقع به العقد وبذر الطعام الغصب استهلاك فيغرم مثله ويملك غلته ويعشرها ويطلب له الباقي كما لو غصب الأرض والبذر له أو غصبهما] .
قوله: "فصل: صحيحها أن يكري بعض الأرض" الخ.
أقول: المزارعة هي تأجير الأرض فالعجب من المصنف رحمه الله حيث جعل صحيحها هذه الصور الخاصة التي لم يرد بها شيء من الأدلة مع كثرة ما ورد في المزارعة فإن منها تأجير الأرض بالذهب والفضة كما في حديث رافع بن خديج في الصحيحين [البخاري "5/15"، مسلم "117/1547"، وغيرهما أبو داود "3392"، النسائي "3932"، قال: كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم
تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما الورق فلم ينهنا، وفي لفظ للبخاري: فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ، وكان الأولى للمصنف أن يتكلم على ما لا يصح منها ثم يقول ويصح ما عدا ذلك وأعلم أن الكلام في تأجير بجزء مما يخرج منها يطول جدا وقد أفردنا ذلك برسالة مستقلة لكثرة الأحاديث واختلافها وذكرنا في شرح المنتقى ما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره بعد إمعان النظر فيه والحاصل أنه قد ثبت في الصحيحين [البخاري "5/13"، مسلم ط5/1551"، وغيرهما أبو داود "3409"، الترمذي "1383"، النسائي "7/53"، ابن ماجة "2467"، أحمد "2/17، 22، 30، 37، 149، 157"، من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع وفي لفظ له فيهما: "ولهم نصف الثمرة" وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم اقسم بيننا وبين إخواننا النخل قال: "لا"، فقالوا" تكفوننا العمل ونشرككم في الثمرة فقالوا سمعنا وأطعنا وفي الباب أحاديث في ثبوت الاستئجار بجزء من الخارج من الأرض ثم ثبت ما يدل على استمرار هذا التأجير بجزء مما يخرج من الأرض حتى قال البخاري قال قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون علىالثلث والربع ثم ثبت بعد هذا النهي عن المخابرة كما في الصحيحين وغيرهما من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة وفسرها جابر بالمثلث والربع وورد أن المنهي عنه إنما هو ما كان فيه جهالة كما أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث رافع بن خديج قال كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك وفي لفظ لمسلم من حديثه إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كرى إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به وفي لفظ للبخاري من حديثه نحوه وفي لفظ للبخاري أيضا من حديثه قال حدثني عماي أنهما كانا يكريان الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبت على الأربعاء وبشيء يستثنيه صاحب الأرض فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فهذا الحديث يدل على أن سبب النهي هو هذا ووجه ذلك الجهالة وتجويز عدم حصول ما ينبت في المكان الذي كان التأجير على ما يخرج منه وعليه يحمل ما ورد من طلق النهي عن المخابرة كما في حديث جابر وفي بعض روايات حديث رافع أو تحمل النهي على الكراهة كما يفيد ذلك حديث ابن عباس عند البخاري وغيره عن عمرو بن دينار قال قلت لطاوس لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها فقال إن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني أن النبي لم ينه عنها وقال: "لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من
أن يأخذ عليها خراجا معلوما" وأخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس أيضا أن النبي صلى الله علي وآله وسلم لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه"، قال صاحب المنتقى بعد ذكره لحديث أبي هريرة هذا وبالإجماع تجوز الإجارة ولا تجب الإعارة فعلم أنه أراد الندب انتهى وبهذا تعرف الكلام على قول المصنف وإلا فسدت كالمخابرة.
وأما قوله: "والزرع في الفاسدة لرب البذر وعليه أجرة الأرض أو العمل" فوجه استحقاق الباذر للزرع إذا كان هو الأجير أنه بذر بإذن المالك ومجرد كون المزارعة فاسدة لا يبطل الإذن الذي ساغ به البذر وصار له لأجله الزرع وأما إذا كان بغير أذن فالزرع لصاحب الأرض كما في حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من زرع أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته"، [أحمد "3/65، 4/141، أبو داود "3403"، ابن ماجة "2466"، وسيأتي هذا الحديث والكلام عليه في الغصب وأما إذا كان الباذر هو مالك الأرض فالظاهر أن الزرع له وعليه أجرة العمل للعامل لأنه عمل بإذنه.
وأما قوله: "ويجوز التراضي بما وقع به العقد" فظاهر لا يحتاج إلى التدوين لأن التراضي يصحح كل معاملة إلا ما كانت محرمة في نفسها وهكذا قوله وبذر الطعام الغصب استهلاك فيغرم مثله ووجهه أنه لا يمكن بعد هذا الاستهلاك إرجاع العين فيعدل إلى المثل إن وجد وإلا فالقية وأما كونه يملك غلته فلا بد أن يكون الغاصب له بذر به في أرض نفسه لا في أرض غيره كما تقدم في حديث رافع بن خديج فلا وجه لتشبيهه بقوله كما لو غصب الأرض والبذر له فإن غاصب الأرض لا يستحق من زرعها شيئا وله قيمة بذره وسيأتي الكلام على هذا في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى.
[فصل
والمغارسة الصحيحة أن يستأجر من يغرس له أشجارا يملكها ويصلح ويحفر مدة بأجرة ولو من الأرض أو الشجر أو الثمر الصالح معلومات وإلا ففاسدة وإن اختلف الحكم وكذلك ما أشبهها إلا ما خصه الإجماع وما وضع بتعد من غرس أو غيره ثم تنوسخ فأجرته وإعناته على الواضع لا المالك في الأصح وإذا انفسخت الفاسدة فلذي الغرس الخياران وفي الزرع الثلاثة] .
قوله: "فصل: والمغارسة الصحيحة" الخ.
أقول: المغراسة نوع من أنواع الإجارات فإذا حصل التراضي على غرس أشجار معلومة
حتى تبلغ إلى حد معلوم صح أن يكون ذلك بأجرة معلومة من غير الأرض أو بجزء من الأرض أو من الشجر وأما جعل الأجرة من الثمر فلا بد أن يكون قد بلغ إلى حد الصلاح لأن علة النهي المتقدمة في البيع حاصلة هنا وأما اشتراط ذكر الإصلاح والحفر فلا حاجة إليه لأن نبات الشجر لا بد أن يكون بحفر وسقي وإصلاح فهو من لازم إطلاق المغارسة ويغني عن ذلك ما قدمنا من ذكر بلوغ الشجر المغروسة إلى حد معلوم فإن لم يذكر هذا لم يكن للغارس إلا ما غرمه في الغرس والإصلاح لأن استحقاق الأجرة المسماة لا يكون إلا على عمل معلوم لا مجهول.
وأما قوله: "إلا ما خصه الإجماع" فهو استثناء من قوله: يملكها أي إلا ما أجمع عليه الناس من عدم اشتراط كون رب الأرض يملك تلك الأعيان ومراده بالإجماع إجماع أهل تلك الناحية التي وقعت فيها المغارسة لا الإجماع الأكبر.
وأما قوله: "وما وضع بتعد" الخ فوجهه ظاهر لأن الغاصب هو الواضع فيده هي اليد العدوانية ولا فعل من مالك المتاع يوجب ضمانه وسواء تنوسخ أو بقي في ملك مالكه الأول.
وأما قوله: "وإذا انفسخت الفاسدة" الخ فهذا مبني على أنه حدث ما يمنع المضي في المغارسة أو اختار الترك وإلا فلا فساد ولا انفساخ بغير أحد الأمرين المذكورين.
[فصل
والمساقاة الصحيحة أن يستأجر لإصلاح الغرس كما مر والقول لرب الأرض في القدر المؤجر ونفي الإذن ولذي اليد عليها في البذر] .
قوله: "فصل: والمساقاة الصحيحة" الخ.
أقول: إذا كان الغارس مالك الأرض ثم أستأجر من يصلح له ذلك الغرس بالسقي إلى أن يبلغ حدا معلوما فهذه الإجارة يسميها أهل الفروع مساقاة.
وأما قوله: "والقول لرب الأرض في القدر" فلا وجه له بل القول قول نافي الزيادة والبينة على مدعيها وأما في بقاء الإذن فالقول قول المالك لأن الأصل بقاؤه وأما إذا أدعاه الأجير فلا يكون القول قوله لأن المالك ينكره في الحال وهو صاحب الإذن وأما إذا ادعاه الأجير في وقت قد مضى فالقول قوله لأن الأصل عدم ارتفاعه قبل الاختلاف.
وأما قوله: "ولذي اليد عليها في البذر" فوجهه أن ثبوت اليد يكون الظاهر مع صاحبه لأن بذرها نوع من من تصرفاته إلى تصرف فيها عند ذلك الثبوت.