الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب وإجارة الآدميين
[فصل
إذا ذكرت المدة وحدها أو متقدمة على العمل فالأجير خاص له الأجرة بمضيها إلا أن يمتنع أو يعمل للغير والأجرة له ولا يضمن إلا لتفريط أو تأجير على الحفظ ويفسخ معيبه ولا يبدل وتصح للخدمة ويعمل المعتاد والعرف لا بالكسوة والنفقة للجهالة والظئر كالخاص فلا تشرك في العمل واللبن وإذا تغيبت فسخت إلا أنها تضمن ما ضمنت] .
قوله: "فصل: إذا ذكرت المدة وحدها".
أقول: إذا ذكرت المدة وحدها صار الأجير فيما مستحق المنافع للمستأجر فليس له أن يعمل للغير.
وأما قوله: "وله الأجرة بمضيها" فلا وجه له لأنه خلاف مقصود المستأجر إنما أراد استئجاره على عمل في تلك المدة المعينة لا مجرد كونه أجيرا له بغير عمل فيها فإذا لم يعمل لم يستحق شيئا وإن عمل وفرط في العمل فلم يعمل إلا بعض ما يقدر عليه من العمل في العادة فليس له إلا قدر أجرة عمله وأما إذا ذكر العمل مع المدة فذكره معها قريبة دالة على أن المراد عمل ذلك العمل المسمى فإذا فرغ منه في بعض اليوم فقد انقضت الإجارة وسواء تقدم ذكر العمل أو تأخر وإذا تلفت العين التي استؤجر على فيها فلا ضمان عليه إلا لجناية أو تفريط على ما قررناه قبل هذا الباب.
وأعلم أن الفرق بين تقديم العمل أو تأخيره كما في هذا الفصل والفصل الذي بعده وجعل ذلك مقتضيا لتسميته أجيرا خاصا أو أجيرا مشتركا هو كله ظلمات بعضها فوق بعض وتلاعب بأحكام الشرع بلا سبب لا من شرع ولا من لغة ولا من عقل ولا من رأي صحيح وحاصل ما ينبغي الاعتماد عليه في هذا أن استئجار الأجير على عمل يقتضي استحقاقه للأجرة المسماة بفراغه منه إلا أن يشترط عليه التمام للعمل في مدة معينة وإلا فلا أجرة فإن رضي لنفسه لذلك لزمه حكم ما رضي به وإن لم يرض استحق الأجرة بتمام العمل سواء طالت المدة أو قصرت وإذا عرفت هذا هان عليك ما ذكره المصنف وغيره من هذه التفاصيل والتفاريع التي لا يفوح منها رائحة من روائح العلم ولا يلوح عليها نور من أنوار الشرع فأضرب بما ذكره من الفرق بين تقديم العمل على المدة وتأخيره عليها ومن الفرق بين الخاص والمشترك ومن الفرق بين تعريف العمل وتنكيره وبين الأربعة ومن عداهم وجه من جاءك محتجا به معتقدا أنه من هذه الشريعة الواضحة التي ليلها كنهارها وقل له من استأجر أجيرا على عمل كان عليه أجرته وعلى الأجير
عمل ما استؤجر عليه على الوجه الذي وقع التراضي به والتواطؤ عليه وما ذكره الأجير أو المستأجر فيما فيه زيادة على ذلك من تعيين مدة أو اشتراط كون العمل على صفة معروفة أو نحو ذلك كان ما تراضيا عليه لازما لهما لا يجوز لهما المخالفة له ولا الخروج عما يقتضيه وقد قدمنا لك أنه لا يضمن إلا لجناية أو تفريط أو شرط عليه ورضا به وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استأجر على عمل واستؤجر عليه كما قدمنا ومن استئجاره صلى الله عليه وسلم على عمل ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر فأتينا مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه ثم رجل يزن بالأجر فقال له: "زن وأرجح" وصححه الترمذي وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه أيضا من حديث أبي صفوان بن عمير.
[فصل
فإن قدم العمل فمشترك ويفسد إن نكر مطلقا أو عرف إلا في الأربعة وتصح إن أفرد معرفا إلا فيها فيذكران معا وهو فيهما يضمن ما قبضه ولو جاهلا إلا من الغالب أو بسبب من المالك كإناء مكسور أو شحن فاحشا وله الأجرة بالعمل وحبس العين لها والضمان بحالة ولا تسقط إن ضمنه مصنوعا أو محمولا وعليه أرش يسير نقص بصنعته وفي الكثير يخير المالك بينه وبين القيمة ولا أرش للسراية عن المعتاد من بصير والذاهب في الحمام بحسب العرف [
[فصل
وللأجير الاستنابة فيما لا يختلف بالأشخاص إلا لشرط أو عرف ويضمنان معا والفسخ إن عتق أو بلغ ولو لعقد الأب في رقبته لا ملكه وإذا شرط على الشريك الحفظ ضمن كالمشترك] .
قوله: "وللأجير الاستنابة فيما لا يختلف بالأشخاص".
أقول: إن عرف من مقصد المستأجر أنه لا يريد إلا تحصيل ذلك العمل على صفة يستوي في تحصيلها الأجير وغيره كان للأجير الاستنابة من هذه الحيثية وأما إذا كان الأجير أحسن صناعة من غيره ولا يلحق غيره به فيها فاستئجار على ذلك العمل قرينة تدل على أن المراد تولى العمل بنفسه وجعله على الصفة التى لا يحسنها غيره وهكذا إذا كان بمكان من الدين رفيع
فاستأجره المستأجر على شيء من الأمور الدينية فإنه لا يجوز الاستنابة لغيره لأن استئجاره على ذلك العمل قرينة كما تقدم وهذا مع عدم الشرط أما إذا شرط عليه أنه لا يستنيب فلا يجوز له الاستنابة ولو استناب من هو أحسن منه صناعة أو أكثر دينا وأتم عدالة.
هكذا العرف إذا جرى في المحل فإنه محكم لأنه مقصود لهما كما تقدم في غير موضع.
وأما قوله: "ويضمنان معا" فقد عرفت أنه لا يضمن إلا لجناية أو تفريط كما قدمنا لأنه إنما استؤجر على العمل في الشئ ولم يستأجر على حفظه وأما كون لمن عتق أو بلغ الفسخ فظاهر لان العبد قد ملك نفسه فلا يلزمه ما ألزم به وهو في الرق والصبي قد انتقل الحكم إليه بعد بلوغه فلا يلزمه ما وقع بالولاية عليه لأن المانع قد زال والمقتضى قد حصل إلا ما كان من تصرف الأولياء في ماله فإنه يلزم بموجب الولاية التى لهم مع المصلحة ولا وجه لتخصيص ذلك بالأب.
قوله: "وإذا شرط على الشريك الحفظ" الخ.
أقول: ذكر في هذا الباب غير مناسب ومحله - كتاب الشركة لأنه كلام في شرط الضمان من أحد الشريكين على الآخر وبالوجه أنه إذا قبل الشرط لزمه الحفظ ولزمه الضمان وأما قوله كالمشترك فلا وجه لما عرفت في الأجير المشترك من أنه أجير على العمل لا على الحفظ.
[فصل
والأجرة في الصحيحة تملك بالعقد فيتبعها أحكام الملك وتستقر بمضي المدة وتستحق بالتعجيل أو شرطه أو تسليم العمل أو استيفاء المنافع أو التمكن منها بلا مانع والحاكم فيها يجبر الممتنع ويصح بعض المحمول ونحوه بعد الحمل قيل لا المعمول بعد العمل وفي الفاسدة لا يجبر ولا تستحق وهي أجرة المثل إلا باستيفاء المنافع في الأعيان وتسليم العمل في المشترك]
قوله: "فصل: والأجرة في الصحيحة تملك بالعقد".
أقول: ليس على هذا أثارة من علم والأجير المتسأجر على عمل لا يستحق أجره إلا بالعمل الذى استؤجر عليه هذا معلوم بالعقل ولم يرد في الشرع ما يخالفه بل ورد ما يقويه ويعضده فأخرج البخاري وغيره من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته: رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره"، فقوله: فاستوفى منه يدل على أن الأجرة إنما تستحق باستيفاء العمل
فيما استؤجر عليه وأخرج أحمد والبزار من حديث أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه يغفر لأمته في آخر ليلة من رمضان"، قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر قال: "لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله"، فقوله:"إنما يوفى أجره إذا قضي عمله" دليل على ما ذكرناه فلا وجه لقوله فتتبعها أحكام الملك وما بعده لأنه تفريع على أصل منهار.
وأما قوله: "أو تسليم العمل واستيفاء المنافع" فصحيح وهكذا قوله أو التمكن منها بلا مانع لأن المؤجر لها قد فعل ما يجب عليه فإذا أفرط المستأجر فقد أتى من قبل نفسه إلا أن يكون تركه رغوبا عن الدخول في الإجارة ولم يكن قد حصل على المؤجر نقص ولا استغراق مدة فله ذلك.
وأما قوله: "والحاكم فيها يجبر الممتنع" فقد عرفناك أن الأجير والمؤجر إنما يستحقان الأجرة إذا فرغ الأجير من عمله وفرغ المستأجر من استيفاء المنفعة التي أستأجر العين لأجلها فإذا ترك فلا أجره ولا إجبار.
قوله: "ويصح بعض المحمول ونحوه بعد الحمل".
أقول: الحكم بصحة هذا ظاهر لعدم المانع من ذلك لا شرعا ولا عقلا.
وأما قوله قيل لا المعمول بعد العمل فقد استدل على ذلك بما أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي سعيد قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان قال ابن تيمية في المنتقى وقد فسر قوم قفيز الطحان بطحن الطعام بجزء منه مطحونا لما فيه من استحقاق طحن قدر الأجرة لكل واحد منهما على الآخر وذلك متناقض وقيل لا بأس به مع العلم بقدره وإنما المنهى عنه طحن الصبرة لا يعلم كيلها بقفيز منها وإن شرط حدا لأن ما عداه مجهول فهو كبيعها إلا قفيزا منها، انتهى.
والتفسير الأول أقرب وعليه اقتصر صاحب النهاية ولكن الحديث في إسناده هشام أبو كليب قال ابن القطان لا يعرف وكذا قال الذهبي وزاد وحديثه منكر وقال ابن تيمية حفيد مصنف المنتقى إنه حديث ضعيف بل باطل فإن المدينة لم يكن فيها طحان ولا خباز لعدم حاجتهم إلى ذلك انتهى ولكنه قال مغلطاي إن هشاما المذكور ثقة وأورده ابن حبان في الثقات فليس الحديث بعد هذا يضعف فضلا عن أن يكون باطلا والرجوع إلى العمل به أولى من ظلمات الرأي وتخبطات الاجتهاد ويقاس المحمول على المعمول لأن العلة كائنة في المحمول كما في المعمول ولا عذر لمن عمل بمثل هذا القياس وبما هو أضعف منه من العمل به ها هنا.
وأما قوله: "وفي الفاسد...." الخ فقد عرفناك غير مرة أن تخصيص ما يسمونه فاسدا بأحكام مخصوصة هو من باب ترتيب الباطل على الباطل وتفريع ما لا أصل له على ما لا أصل له وقد أوضحنا هذا في مواضع من هذا الكتاب.
[فصل
ولا تسقط بجحد المعمول فيه في الصحيحة مطلقا وفي الفاسدة إن عمل قبله وتسقط في الصحيحة بترك المقصود وإن فعل المقدمات وبعضها بترك البعض ومن خالف في صفة للعمل بلا استهلاك أو في المدة لتهوين أو عكسه فله الأقل أجيرا وعليه الأكثر مستأجرا] .
قوله: "فصل: ولا يسقط بجحد المعمول فيه" الخ.
أقول: هذا مبني على ما تقدم له من أن الأجرة تستحق بالعقد وقد عرفناك أنها لا تستحق إلا بالعمل وهو الذي دل عليه الدليل وأما الفرق بين الصحيحة والفاسدة فمن الأمور التي لم تدل عليها رواية ولا رأي.
وأما قوله: "ويسقط في الصحيحة بترك المقصود" فوجهه أن المستأجر لم يقصد بالاستئجار ودفع الأجرة إلا ذلك فإن فات لم يبق مقيض لاستحقاق الأجرة ولا فرق بين الصحيحة والفاسدة فلا وجه لقوله في الصحيحة وأما المقدمات فليس من العدل أن يهمل عمل الأجير فيها لأنه عمل بأمر المستأجر ولا سيما إذا كانت تلك المقدمات لا يمكن الوصول إلى المقصود إلا بها فللأجير أجرة ما فعله بحسب ما يقدره من له خبرة بذلك العمل وليس ها هنا ما يدل على سقوط الأجرة عليها فوجب الرجوع إلى كونها مفعولة بأمر المستأجر فكان عليه الأجرة وإلا كان ذلك من إتعاب الغير واستغراق منافعه بلا شيء وذلك ظلم وأما استحقاق بعض الأجرة بفعل البعض من المقصود وسقوط بعضها بترك البعض فظاهر.
قوله: "ومن خالف في صفة للعمل".
أقول: الأجير إذا خالف ففعل غير ما أمره به المستأجر فلا يستحق أجره في عمله لأنه لم يفعل ما أمره به وإذا حصل في العين بسبب المخالفة نقص كان على الأجير الأرش إن حصل بالمخالفة زيادة لم يكن على المستأجر شيء بل يأخذ العين بزيادتها إذا لم يمكن فصلها لتعديه ومخالفته وأما المخالفة من المستأجر للعين بأنه يلزمه أجرة الزيادة في المسافة أو الحمل أو نحوهما هكذا ينبغي أن يقال لا كما قال المصنف.
[فصل
ولكل منهما فسخ الفاسدة المجمع على فسادها بلا حاكم والصحيحة بأربعة للرواية والعيب وبطلان المنفعة والعذر الزائل معه الغرض بعقدها ومنه مرض من لا يقوم به إلا الأجير والحاجة إلى ثمنه ونكاح من يمنعها الزوج ولا تنفسخ بموت أيهما
غالبا ولا بحاجة المالك إلى العين ولا بجهل قدر مسافة جهة وكتاب ذكر لقبهما للبريد والناسخ.
قوله: فصل: "ولكل منهما فسخ الفاسدة" الخ.
أقول: إذا حصل التراضي على مدة معلومة بأجرة معلومة فهذه هي الإجارة الصحيحة وهي من هذه الحيثية داخلة تحت قوله سبحانه: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، وإذا لم يحصل هذا التراضي فلا إجارة من الأصل وإذا عرفت أن حاصل هذا التراضي هو جعل الأجرة في مقابل تلك المنفعة في تلك المدة مع كون العين ومنافعها باقية في ملك المالك فإذا قال المالك بعد أن وقع الاستغراق لبعض المنافع قد رغبت عن هذه الأجارة أو قال مستأجر العين أو المؤجر لنفسه قد رغبت عن ذلك فهل من دليل يدل على إلزام من رغب بالوفاء فإن الرغوب إن كان من جهة المالك فقد رضي بترك الأجرة المقابلة لما بقي من الأجرة ولا يصح قياس الإجارة على البيع فإن المتراضي في البيع قد خرج به المبيع عن إلى ملك مشتريه بالثمن المتواطئ عليه وها هنا لا خروج بل المنفعة باقية في ملك مالك العين واستحقاق الأجرة إنما هو بحسب ما قد استغرقه من المنافع في وقت بعد وقت فإذا لم يدل دليل على لزوم الاستمرار من الجهتين جاز لكل واحد تركها متى شاء وقد أخذ صاحب العين ما يقابل منفعته من الأجرة وأخذ من عليه الأجرة ما يقابل الأجرة اللازمة له من منفعة العين وإن كان ثم دليل على لزوم الاستمرار فما هو وإذا عرفت هذا هان عليك الخطب وسهل عليك التخلص من هذه التفريعات المبنية على شفا جرف هار المؤسسة على السراب المسندة إلى الهباء ومما يؤيد هذا البحث ويشد من عضده ما قدمنا لك من أن الأجرة إنما تستحق بالعمل في كل إجارة وإذا جاز التتارك بلا سبب في الإجارة الصحيحة فجواز الترك لرؤية أو عيب أو بطلان منفعة أو زوال غرض أو عروض عذر أو موت أو حاجة المالك إلى العين أولى وأحرى.
وأما قوله: "ولا بجهل قدره مسافة جهة" الخ فمن غرائب الاجتهاد فإن ذكر اللقب لا يرفع الجهالة للمقدار فكيف لا يجوز لأجير أن يترك الإجارة لهذا الجهل الذي يسوغ به ما هو أشد لزوما من الإجارة كما قدمنا في الخيارات.
[فصل
وتنفذ مع الغبن الفاحش من رأس المال في الصحة وإلا فالغبن من الثلث ولا يستحقها المتبرع ولا الأجير حيث عمل غيره لا عنه أو بطل عمله قبل التسليم كمقصور ألقته الريح في صبغ أو أمر بالتسويد فحمر ويلزم من ربى في غصب مميزا أو حبس فيه
بالتخويف ومستعمل الصغير في غير المعتاد ولو أبا ويقع عنها إنفاق الولي فقد بنيتها م ولو لم تقارن إن تقدمت ومستعمل الكبير مكرها والعبد كالصغير ويضمن المكره مطلقا ومحجور انتقل راضيا] .
قوله: فصل: "وينفذ مع الغبن الفاحش" الخ.
أقول: هذا وقد لاحظ المصنف فيه ما يأتي في الوصايا من الفرق بين تصرف المالك حال صحته وحال مرضه والذي ينبغي اعتماده هنا أن الرضا بالزيادة المسماة غبنا قد صيرها بمنزلة الدين في تركه الميت وموته راضيا بها يؤكد كونها دينا وأما الفرق بين تصرف وتصرف وجعل التصرف في المرض المخوف موجبا لخروج ذلك من الثلث فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله وأما كونه لا يستحق الأجرة المتبرع ومن عمل غيره لا عنه فظاهر لأنه لم يوجب السبب الذي يستحق به الأجرة وهكذا إذا بطل عمل الأجير فإنه صار بذلك وجوده كعدمه وهكذا من فعل غير ما أمر به.
وأما قوله: "وتلزم من ربي في غصب مميزا" فوجهه أنه مع التمييز صار هو الغاصب وقبل التمييز يكون الرجوع على من رباه ولكن كون هذا الحكم يلزم من لم يبلغ التكليف يحتاج إلى دليل وإذا كان الغصب كالجناية لزمت المميز وغير المميز.
وأما قوله: "أو حبس فيه بالتخويف" فذلك مبني على أنه لا يخاف من ذلك التخويف تلفا ولا ضررا ولا خرج به عن حد الاختيار وإلا كان الضمان على الحابس.
وأما قوله: "ومستعمل الصغير في غير المعتاد" فظاهر لأنه فعل باستعماله في غير ما يعتاده ما لا يبيحه الشرع فلزمته أجرته والظاهر أنه تلزم في المعتاد لأنه لم يأذن الشرع بذلك إلا إذا كان أبا وفعل ذلك على طريقة التدريب للصبي وتعليمه ما يعود عليه نفعه فلا أجرة عليه لأنه مأذون له من جهة الشرع وبه جرت عادة أهل الإسلام قرنا بعد قرن وأما كونه يقع عنها إنفاق الولي فذلك لمكان الولاية الشرعية.
وأما قوله: "ومستعمل الكبير مكرها" فوجهه ظاهر.
وأما قوله: "والعبد كالصغير" فالأولى أن يكون له حكم الدابة إذا استعملها غير مالكها بغير إذنه فإنها تلزم الأجرة.
وأما قوله: "ويضمن المكره مطلقا" فوجهه أنه صار غاصبا لمنافع من أكرهه.
وأما قوله: "ومحجورا انتقل ولو راضيا" فينبغي أن يقال إن مستعمل العبد يضمن ما يقابل ذلك العمل من الأجرة سواء كان راضيا أم لا انتقل أو لم ينتقل لأنه أقدم على ملك الغير بغير إذنه وأي فائدة تتعلق برضا العبد أو انتقاله وهو ملك لغيره وهكذا لا فرق بين أن يكون محجورا أو غير محجور ولكن هذه التفاصيل سببها الرجوع إلى قواعد هي عن القيام بالحجة قواعد.
[فصل
ويكره على العمل المكروه وتحرم على واجب أو محظور مشروط أو مضمر تقدم أو تأخر غالبا فتصير كالغصب إلا في الأربعة إن عقدا ولو على مباح حيلة وإلا لزم التصدق بها ويعمل في ذلك بالظن فإن التبس قبل قول المعطي ولو بعد قوله على المحظور] .
قوله: " فصل: ويكره على العمل المكروه".
أقول: قد جعل بعض أهل العلم من العمل المكروه أجرة الحجام فإنه نهى عنها صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة عند أحمد "2/299، 332، 247، 415، 500"، بإسناد رجاله رجال الصحيح وسماه النبي صلى الله عليه وسلم:"خبيثا" كما في حديث رافع بن خديج عند أحمد "3/464، 465"، وأبي داود "3421"، والترمذي "1275"، وصححه وسماه صلى الله عليه وسلم:"شر المكاسب" كما في رواية للنسائي من حديث رافع هذا وزجر صلى الله عليه وسلم سيد العبد الحجام عن كسبه ورخص له أن يعلفه ناضحه كما في حديث محيصة بن مسعود عند أحمد "5/435، 436"، برجال الصحيح وأخرجه أيضا أبو داود "3422"، والترمذي "1277"، وقال حسن وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه حجمه أو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس وثبت أيضا في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم حجمه عبد لبني بياضة وأعطاه أجره وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته فيجمع بين هذه الأحاديث بأن الأجرة على الحجامة مكروه ولكنه يبعد منه صلى الله عليه وسلم أن يفعل المكروه أو يقرر صاحبه عليه وأما كونها تحرم على واجب أو محظور فقد تقدم دليله عند قول المصنف غير واجبة عليه ولا محظورة وأما تقييد ذلك بالشرط أو الإضمار فلا يظهر له وجه صحيح وأما كون الأجرة تصير كالغصب فوجهه أنه حرام فلا يحل لمن صار إليه أن ينتفع به بوجه من الوجوه.
وأما قوله: "إلا في الأربعة" فهي التي تقدمت في البيع حيث قال المصنف لكنه يطيب ربحه وتبرئ من رد إليه والأجرة إن لم يستعمل ولا يتضيق الرد إلا بالطلب وقد قدمنا الكلام عليها هنا لك.
وأما قوله: "إن عقد" فلا وجه له لأن الحرام على كل حال.
وأما قوله: "وإلا لزم التصدق بها" فلا وجه له بل يجب الرد لمالكه فإن امتنع من قبوله وجب عليه أن يخلي بينه وبينه فإن شاء قبضه وإن شاء تركه لأن التصدق بمال الغير بغير إذنه لا يجوز وأما كونه يعمل بالظن عند اللبس فظاهر ولكن عروض اللبس في مثل هذا قليل الوقوع لأن المقاصد لا تخفي فإن كان في الذي دفع إليه المال ما يحتمل أن يكون دفعه إليه لوجه جائز ولوجه غير جائز فالمؤمنون وقافون عند الشبهات.
وأما قوله: "ولو بعد قوله عن المحظور" فليس بعد هذا القول شيء في الدلالة على مقصد المعطي فكيف يجوز الرجوع إلى الظن بعد أن وضح الأمر وأسفر الصبح لذي عينيين.
[فصل
والبينة على مدعي أطول المدتين ومضي المتفق عليها وعلى المعين للمعمول فيه وعلى المشترك في قدر الأجرة ورد ما صنع وأن المتلف غالب إن أمكن البينة عليه وعلى المالك في الإجارة والمخالفة غالبا وقيمة التالف والجناية كالمعالج وعلى المدعي إباق العبد بعض المدة إن قد رجع والقول للمستأجر في الرد والعين وقدر الأجرة قيل فيما تسلمه ومنافعه وإلا فللمالك ولمدعي المعتاد من العمل بها ومجانا وإلا فللمجان] .
قوله: " فصل: والبينة على مدعي أطول المدتين".
أقول: وجهه أنه يدعي خلاف الظاهر لأن الأصل عدم الزيادة وهكذا مدعي مضى المتفق عليها لأنه الأصل عدم المضي وهكذا المعين للعموم فيه لأنه صار بالتعيين مدعيا.
وأما قوله: "وعلى المشترك في قدر الأجرة" فلا فرق بينه وبين الخاص في أيجاب البينة وقد عرفناك فيما سبق ما هو الحق الذي ينبغي اعتماده في تقسيم الأجير إلى خاص ومشترك فلا نعيده وهكذا البينة على مدعي أن المتلف غالب لكونه ادعى ما يخالف الظاهر والأولى أن يقال إن الأصل عدم الضمان كما قدمنا فالبينة على مدعي ما يوجب الضمان من جناية أو تفريط وأما كون البينة على الممالك في الإجارة والمخالفة وقيمة التالف والجناية ومدعي إباق من قد رجع فظاهر لأن المدعي لذلك كله يدعي خلاف ما هو الظاهر.
وأما قوله: "والقول للمستأجر في الرد والعين وقدر الأجرة" فخلاف الصواب لأنه يدعي خلاف ما هو الأصل والظاهر فالبينة عليه والاستدلال على ذلك بكونه أمينا تركيب دعوى على دعوى وأما كون القول لمدعي المعتاد من العمل بأجرة أو بغير أجرة فصحيح لأن المادة مقصودة للمتعاملين بها فمن أدعى خلافها فعليه البينة.
وأما قوله: "وإلا فللمجان" فوجهه أنه إذا لم تكن عادة تعين الرجوع إلى الأصل وهو عدم الأجرة.
[فصل
ولا يضمن المستأجر والمستعير والمستلم مطلقا والمشترك الغالب إن لم يضمنوا
ويضمن المشترك غير الغالب والمتعاطي والبائع قبل التسليم والمرتهن والغاصب وإن لم يضمنوا وعكسهم الخاص ومستأجر الآلة ضمن أثر الاستعمال والمضارب والوديع والوصي والوكيل والملتقط وإذا أبريء البصير من الخطأ والغاصب والمشترك مطلقا برئوا لا المتعاطي والبائع قبل التسليم والمتبريء من العيوب جملة والمرتهن صحيحا] .
قوله: " فصل: ولا يضمن المستأجر" الخ.
أقول: قد عرفناك فيما سبق أن الأصل المعلوم بالشرع عصمة أموال العباد وأنها لا تحل إلا بوجه أوضح من شمس النهار فالحكم بالضمان على من لم يحكم عليه الشرع وهو من أكل أموال الناس بالباطل ومن الأمر بالمنكر ومن عكس ما جاءت به كليات الشريعة وجزئياتها وليس في المقام إلا مثل حديث: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" وحديث: "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" وقد قدمنا تخريجهما والكلام عيهما والتأدية واجبة في كل مأخوذ فإن فعل بريء وإن لم يفعل ضمن إن تسبب سبب يوجب الضمان من جناية أو تفريط لا إذا كان التلف بغير هذين الوجهين فإنه لم يرد ما يدل على تضييق إيجاب التأدية على أن يقال إنه قد تعدى بالتراخي أو فرط بعدم الرد فورا بل التفريط أن يترك الدابة مثلا في مكان تدخله السباع أو ينتابه اللصوص مع وجود موضع يحفظها فيه وما يشابه ذلك من الأمور التي يتحقق فيها التفريط.
وأما قوله: "إن لم يضمنوا" فصحيح لأنهم إذا رضوا بذلك وقبلوه فمن أنفسهم أتوا وفي سوء اختيارهم وقعوا وأما المتعاطي فهو جر إلى نفسه الضمان بسبب تعاطيه لأنه كان في غنى عن ذلك وإقدامه على ما لا بصر له فيه جناية وخيانة وأما البائع قبل التسليم فقد تقدم الكلام عليه وأما المرتهن فسياتي الكلام عليه إن شاء الله وأما الغاصب فظاهر وسيأتي أيضا.
وأما قوله: "وإن لن يضمنوا" فلكون الضمان إذا قد ثبت بالشرع لم يحتج إلى التضمين.
وأما قوله: "وعكسهم الخاص" الخ فهؤلاء لا فرق بينهم وبين من تقدم في أول الفصل أنها تجب عليهم التأدية ولا يضمنون إلا لجناية أو تفريط وإذا ضمنوا ضمنوا لأنه قد اختاروا ذلك لأنفسهم والتراضي هو المناط في تحليل أموال العباد.
وأما قوله: "وإذا بريء البصير من الخطأ" الخ فوجهه ظاهر فإن الإبراء يسقط ضمان المخطيء والغاصب فضلا عن المشترك لأنه قد رضي لنفسه بإسقاط ما يلزم له بالشرع وذلك سبب محلل لماله ومسوغ لغيره أن يتملكه ومبطل لضمان الجناية بخطأ البصير ولكن كون البصير يضمن ما وقع من الخطأ فيه ما فيه لأن بصره يدفع عنه معرة التضمين بما أخطأ فيه فلا يحتاج إلى إبراء.
وأما قوله: "لا المتعاطي والبائع قبل التسليم" فغير ظاهر لأن الإبراء كما قدمنا محلل مخلص لمن عليه الضمان من الضمانة وأما ما عللوا به المنع من إبراء المتعاطي بأنه عامد فإن كان العمل الذي تعاطى فيه مما لا يستباح بالإجابة فلا بأس وأما ما عللوا به عدم صحة إبراء البائع قبل التسليم من الضمان بقولهم إنه لا يصح إسقاط ضمان الأعيان فما أبرد هذا التعليل