الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزكاة الحصاد ولا يخفاك ان ذلك الحب الذي كان للتجارة ان بذر به الارض بعد ان حال عليه الحول فقد وجبت الزكاة بحول الحول فإذا بذر به في الارض لم يبق للتجارة ولا وجبت زكاة الحصاد فيه بل في الخارج من الارض بعد ان صار ذلك الحب مستهلكا لا وجود له فزكاة التجارة وجبت في مال وزكاة الحصاد وجبت في مال آخر ولم تجب في مال واحد فهذه المسألة من اصلها مبنية على غير الصواب.
[باب في نصاب الذهب والفضة
وفي نصاب الذهب والفضة ربع العشر وهو عشرون مثقالا ومائتا درهم كملا كيف كانا غيرمغشوشين ولو رديئين المثقال ستون شعيرة معتادة في الناحية والدرهم اثنتنان واربعون لافيما دونه وان قوم بنصاب الاخر الا على الصيرفي] .
قوله: باب: "وفي نصاب الذهب والفضة ربع العشر".
أقول: أما وجوب ربع العشر في نصاب الذهب الفضة المضروبين فقد دلت على ذلك الادلة الصحيحة وهو مجمع عليه وأما كون نصاب الفضة مائتي درهم فيدل على ذلك حديث أبي سعيد عند الشيخين [البخاري "1447"، مسلم "979"] ، وغيرهما [أبو دأود "1558"، أحمد "3/86"، 3/6"]، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة"، وأخرجه أيضا مسلم ["980"، النسائي "5/36"] ، من حديث جابر.
قالوا ومقدار الأوقية في هذا الحديث اربعون درهما فهو موافق لما أخرجه أحمد ["1572"، وأبو دأود "8/238"، والترمذي "620"، من حديث على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهما وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم".
وأما كون نصاب الذهب عشرين مثقالا فالدليل على ذلك ما أخرجه أبو دأود من حديث علي عنه صلى الله عليه وسلم قال: "ليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى تكون لك عشرون دينارا فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار".
وقد قيل ان المثقال هو قدر الدينار ولهذا جعل المصنف نصاب الذهب عشرين مثقالا.
قوله: "كيف كانا".
أقول: يريد انه لا فرق بين ما كان مضروبا من الذهب والفضة وما كان غير مضروب كالحلية وقداختلف في وجوب الزكاة في الحلية واستدل الموجبون لها فيها بما أخرجه أبو دأود ["1563"، والترمذي "637" والنسائي "5/38"] ، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده ان امرأتين اتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ايديهما سواران من ذهب فقال لهما: "أتعطيان زكاة هذا؟ " قالا: لا، قال:"أيسركما أن يسوركما الله تعالي بهما يوم القيامة سوارين من نار" لكنه قال الترمذي لا يصح في الباب شيء.
وأخرجه الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: "ليس في أقل من خمس ذود صدقة ولا في أقل من عشرين مثقالا شيء ولا في اقل من مائتي درهم شيء" وإسناده ضعيف.
ولفظ المثقال يطلق على المضروب من الذهب وعلى غير المضروب.
وأخرج أبو دأود ["1564"، والحاكم عن ام سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال: "ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكى فليس بكنز" فهذا فيه إشارة إلي تزكية الحلية من الذهب.
وأخرج أحمد ["6/460"]، عن اسماء بنت يزيد قالت دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أسأور من ذهب فقال لنا:"أتعطيان زكاته؟ " فقلنا: لا قال: "أما تخافان أن يسوركما الله بسوار من نار أديا زكاته".
وأخرج البيهقي والحاكم عن عائشة انها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدها فتخات من ورق فقال: "ما هذا يا عائشة؟ " فقالت: صغتهن أتزين لك بهن يا سول الله فقال: "أتؤدين زكاتهن" قالت: لا قال: "هن حسبك من النار" قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين.
ولا يصح استدلال من استدل على وجوب الزكاة في الحلية بما ورد من ذكر الزكاة في الورق والزكاة في الرقة في الاحاديث لانه قد ثبت في كتب اللغة الصحاح والقاموس وغيرهما ان الورق والرقة اسم للدراهم المضروبة فلا يصح الاستدلال بهذين اللفظين على وجوب الزكاة في الحلية بل هما يدلان بمفهومهما على عدم وجوب الزكاة في الحلية بما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد مرفوعا بلفظ: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" وأخرجه مسلم أيضا من حديث جابر ووجه عدم صحة الاستدلال بهذا انه قد بينه بقوله من الورق والورق هي الدراهم المضروبة كما عرفت فلا تدخل في ذلك الحلية بل مفهوم الحديثين يدل على عدم وجوبها في الحلية.
وإذا عرفت هذا فقد قدمنا ان حديث السوارين قد قال الترمذي فيه أنه لم يصح في الباب شيء والحديث الذي بعده عن عمرو بن شعيب ضعيف كما تقدم فلم يبق في الباب ما يصلح للاحتجاج به ولا سيما مع ما ورد من انه صلى الله عليه وسلم لما بعث معإذا إلي اليمن امره بأن ياخذ من كل أربعين دينارا دينارا وقد كان للصحابة وأهاليهم من الحلية ما هو معروف ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالزكاة في ذلك بل كان معاذ يعظ النساء ويرشدهن إلي الصدقة أي صدقة النفل فيلقين في
ثوب بلال من حليهن كما هو ثابت في الصحيح [اليخاري "964"، "1431"، "1431"، مسلم ط884"، أحمد "1/280"، أبو دأود "1141"، "1143"، "1144"، ابن ماجة "1273"، ولو كان عليهن في ذلك زكاة لأخبرهن لأنه فعل ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وكان أمرهن بما هو واجب عليهن أقدم من أمرهن بما ليس بواجب عليهن وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار" [البخاري "304، 1462"، 1951"، 2658"، مسلم "80"، النسائي "3/187"، ابن ماجة "1288"] .
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال لا نعلم أحدا من الخلق قال في الحلى زكاة وأخرج مالك أيضا في الموطأ عن ابن عمر انه كان يحلى بناته وجواريه بالذهب فلا يخرج منه الزكاة.
وأخرج مالك أيضا في الموطأ والشافعي عن عائشة أنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلى فلا تخرج منه الزكاة.
وروى البيهقي والدارقطني عن جابر قال ليس في الحلى زكاة وأخرج الدارقطني والبيهقي أيضا عن أنس واسماء بنت أبي بكر نحوه.
وأما ما روى عن ابن عباس من إيجاب الزكاة في الحلى فقال الشافعي لا أدري أثبت عنه أم لا.
وأما قوله: "غير مغشوشين" فصحيح لان غش الذهب والفضة بما ليس بذهب ولا فضة لا تتعلق به الزكاة ولا يجب فيها فيسقط قدر الغش ويزكى الخالص من الذهب والفضة سواء كان جنس الذهب والفضة جيدين أو رديئين لصدق اسم الذهب على الذهب الرديء وصدق اسم الفضة على الفضة الرديئة.
قوله: "المثقال ستون شعيرة" الخ.
أقول: اعلم انه إن ثبت في المثقال والدينار والدرهم ونحوها حقيقة شرعية كان الواجب الرجوع اليها والتفسير بها وان لم يثبت وجب الرجوع في تقدير هذه الاشياء إلي ما ذكره أهل اللغة ولا يصح تفسيرها بالاصطلاح الحادث لا سيما مع اضطرابها واختلافها وفي حديث: "الميزان ميزان أهل مكة والمكيال مكيال أهل المدينة" ما يرشد إلي الرجوع اليهما في هذين الامرين والاعتبار بما كان الميزان عليه عند أهل مكة وما كان المكيال عليه عند أهل المدينة في وقت النبوة وقد أخرج هذا الحديث أبو دأود ["3340"] والنسائي ["4594"] والبزار من رواية طأووس عن ابن عمر وصححه ابن حبان والدارقطني والنووي وابن دقيق العيد.
فالاعتبار في الوزن الذي يتلعق به الزكاة بوزن أهل مكة وكذلك الاعتبار في الكيل الذي يتعلق به الزكاة بكيل أهل المدينة عملا بهذا الحديث وهو مقدم علىما في كتب اللغة وغيرها وقد أوضح أهل العلم مقدار الكيل والوزن في مكة والمدينة في ذلك الوقت فلا نطول بذكره.
وأما قوله: "لا فيما دونه وان قوم بنصاب الاخر" فهو صواب لان الزكاة متعلقة بكل
جنس عينا فلا بد ان تبلغ النصاب الذي تجب فيه الزكاة ولااعتبار بكون دون النصاب منه يبلغ نصابا من الجنس الاخر ولا فرق في هذين بين الصيرفي وغيره فلا وجه للاستثناء به.
[فصل
ويجب تكميل الجنس بالاخر ولو مصنوعا وبالمقوم غير المعشر والضم بالتقويم بالانفع ولا يخرج رديء عن جيد من جنسه ولوبا لصنعة ويجوز العكس ما لم يقتض الربا وإخراج جنس عن جنس تقويما ومن استوفى ينا مرجوا أو أبرئ زكاه لما مضى ولو عوض مالا يزكى الا عوض حب ونحوه ليس للتجارة] .
قوله: فصل: "ويجب تكميل الجنس بالاخر"
أقول: ليس على هذا اثارة من علم قط ولم يوجب الشارع فيهما الزكاة الا بشرط ان يكون كل واحد منهما نصابا حال عليه الحول والاتفاق كائن انهما جنسان مختلفان ولهذا لم يحرم التفاضل في بيع احدهما بالاخر ولو كانا جنسا واحدا لكان التفاضل حراما.
وأما استدلال من استدل بحديث: "في الرقة ربع العشر"[البخاري "1454" أبز دأود"1567"، النسائي "2447"] ، زاعما انها تصدق على الذهب والفضة فقد جاء بما ليس في عرف الشرع ولالغة العرب ولا في اصطلاح أهل الاصطلاح وقد قدمنا بيان ذلك.
وإذا تقرر لك عدم صحة هذا التكميل عرفت به عدم صحة قوله ولو مصنوعا وبالمقوم غير المعشروالضم بالتقويم بالانفع.
قوله: "ولا يجزئ رديء عن جيد من جنسه"
أقول: هذا صواب لتعلق الزكاة بالعين ولما ورد من النهي عن نحو هذا بقوله تعالي: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] ، والاعتبار بعموم اللفظ.
وأما العكس وهو اخراج الجيد عن الرديء فقد فعل المزكي خيرا وتيمم الطيب فأخرجه عن الخبيث وليس هذا من الربا في شيء.
وأما قوله: "ويجوز إخراج جنس عن جنس تقويما" فهو مبني على جواز اخراج القيمة في الزكاة وقد قدمنا الكلام على هذا.
قوله: "ومن استوفى دينا مرجوا أو ابرئ زكاة لما مضى"
أقول: قد قدمنا ان الدين المرجو الذي يتمكن صاحبه منه متى شاء في حكم الموجود عنده إذا كان نصابا على انفراده أو مع غيره مما يملكه المزكي من جنسه وحال عليه الحول.
وأما قوله: "ولو عوض مالا يزكى" فغير مسلم الا ان يحصل التراضي على المعأوضة
حتى كان الثابت في الذمة هو النقد من الذهب والفضة فإنه عند ذلك يكون له حكم ما تراضيا عليه من النقد ويبتدئ التحويل له من وقت التراضي من غير فرق بين ان يكون المعوض حبا أو غيره لتجارة أو لغير تجارة.
[فصل
وما قيمته ذلك من الجواهر وأموال التجارة والمستغلات طرفي الحول ففيهن ما فيه من العين أو القيمة حال الصرف ويجب التقويم بما تجب معه والانفع] .
قوله: فصل: "وما قيمته ذلك من الجواهر"
أقول: ليس على وجوب الزكاة في الجواهر كاللؤلؤ والياقوت والزمرد وكل حجر نفيس اثارة من علم قط وأما الاستدلال بمثل قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] ، فالمراد على تسليم تنأوله للزكاة الاخذ من الأشياء التي وردا الشرع بأن فيها زكاة والا لزم ان يأخذ من كل مال ولو غير زكوى واللازم باطل والملزوم مثله.
ثم لا يخفاك ان الآية في سياق توبة التائبين عن التخلف في غزوة تبوك وليس المأخوذ منهم الا صدقة النففل لا الزكاة بلا خلاف.
قوله: "واموال التجارة".
أقول: اشف ما استدل به القائل بوجوب الزكاة فيها حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي البز صدقته" بالزاي أخرجه الدارقطني عنه من طريقين.
قال ابن حجر وإسناده غير صحيح مداره على موسى بن عبيدة الربذي وله عنده طريق ثالث من رواية ابن جريج عن عمران بن أبي انيس عن مالك بن أوس عن أبي ذر وهو معلول لان ابن جريج رواه عن عمران انه بلغه عنه ورواه الترمذي في العلل من هذا الوجه وقال سألت البخاري عنه فقال لم يسمعه ابن جريج من عمران وله طريق رابعة رواها الدارقطني أيضا والحاكم من طريق سعيد بن سلمة بن أبي الحسام عن عمران قال وهذا إسناد لابأس به انتهى.
ولا يخفاك انها لا تقوم الحجة بمثل هذا الحديث وان زعم من زعم ان الحاكم صححه فليس ذلك بمتوجه على ان محل الحجة هو قوله: "وفي البز صدقته" وقد حكى ابن حجر عن ابن دقيق العيد انه قال الذي رأيته في نسخة من المستدرك في هذا الحديث البر بضم الباء الموحدة وبالراء المهملة قال ابن حجر والداراقطني رواه بالزاي لكن طريقه ضعيفة.
وقد روى البيهقي في سننه حديث أبي ذر هذا وفيه المقال المتقدم وأخرجه من حديث
سمرة بن جندب بلفظ: "أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بأن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع" وفي إسناده مجاهيل.
والحاصل انه ليس في المقام ما تقوم به الحجة وان كان مذهب الجمهور كما حكاه البيهقي في سننه فإنه قال إنه قول عامة أهل العلم والدين.
قوله: "والمستغلات".
أقول: هذه مسألة لم تطن على اذن الزمن ولا سمع بها أهل القرن الأول الذين هم خير القرون ولا القرن الذي يليه ثم الذي يليه وإنما هي من الحوادث اليمنية والمسائل التي لم يسمع بها أهل المذاهب الإسلامية على اختلاف اقوالهم وتباعد اقطارهم ولا توجد عليها اثارة من علم لا من كتاب ولا سنة ولا قياس وقد عرفناك ان اموال المسلمين معصومة بعصمة الإسلام لا يحل اخذها الا بحقها والا كان ذلك من أكل اموال الناس بالباطل وهذا المقدار يكفيك في هذه المسألة.
[فصل
وإنما يصير المال للتجارة بنيتها عندابتداء ملكه بالاختيار وللاستغلال أو الاكراء بالنية ولو مقيدة الانتهاء فيهما فتحول منه ويخرج بالاضراب غير مقيد ولا شيء في مؤنهما وما جعل خياره حولا فعلى من استقر له الملك وما رد برؤية أو حكم مطلقا أو عيب أو فساد قبل القبض فعلى البائع] .
قوله: فصل: "وتصير للتجارة بنيتها" الخ.
أقول: هذا الفصل متفرع عن وجوب الزكاة في أموال التجارة والمستغلات وقد عرفناك ما هو الحق في هذه المسائل فلا تشتغل بفرع لم يصح اصله.
وأما قوله: "وما جعل خياره حولا فعلى من استقر له الملك"، فلا يخفاك ان ما جعل فيه الخيار إذا كان مما تجب فيه الزكاة فلا حكم لما مضى قبل الاستقرار للملك لانه ملك متزلزل غير مستقر فإذا استقر كان ابتداء التحويل من وقت الاستقرار وما ما رد برؤية أو عيب قبل القبض للمبيع فهو لم يخرج عن ملك البائع خروجا صحيحا لعدم القبض مع تعقب الرد بموجب للرد ولا فرق بين ان يكون الرد بحكم أو بغير حكم فلا يستأنف البائع التحويل وأما إذا كان بعدالقبض فهو تجدد ملك للبائع فيستأنف التحويل سواء كان الرد بحكم أو بغير حكم.
هذا هو الاقرب إلي موافقة القواعد الشرعية.