الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والراجح حديث جابر فإنه حكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ما روي عن ابن مسعود فإنه موقوف عليه فيكون ما ذكره المصنف رحمه الله هنا موافقا لما هو الراجح.
[باب الإذان والإقامة
على الرجال في الخمس فقط وجوبا في الأداء ندبا في القضاء ويكفي السامع ومن في البلد إذان في الوقت مكلف ذكر معرب عدل طاهر من الجنابة ولو قاضيا أو قاعدا أو غير مستقبل.
ويقلد البصير في الوقت وفي الصحو]
قوله: "على الرجال"
أقول: هذه العبادة من أعظم شعائر الإسلام وأشهر معالم الدين فإنها وقعت المواظبة عليها منذ شرعها الله سبحانه إلي أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليل ونهار وسفر وحضر ولم يسمع أنه وقع الإخلال بها أو الترخيص في تركها وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر أمراء الأجناد في الغزو أنهم إذا سمعوا الإذان كفوا وإن لم يسمعوه قاتلوا وناهيك بهذا الحديث يجعله صلى الله عليه وسلم علامة للإسلام ودلالة على التمسك به والدخول فيه ومع هذه الملازمة العظيمة الدائمة المستمرة فقد أمر به صلى الله عليه وسلم غير مرة ومن ذلك حديث مالك بن حويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم" وهو في الصحيحين [البخاري "628"، مسلم "674"] ، وغيرهما [أحمد "5/53"، أبو دأود "589"، الترمذي "205"، النسائي "634"، ابن ماجة "979"] . وفي لفظ البخاري ["630"] : "فأذنا وأقيما"، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان ابن أبي العاص:"اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا" عند أحمد ["4/21، 217"] ، وأهل السنن [أبو دأود "531"، الترمذي "1013"، النسائي "2/23"، ابن ماجة "714"] ، وهو حديث صحيح.
ومنها أمره صلى الله عليه وسلم لبلال: "أن يشفع الإذان ويوتر الإقامة" وهو في الصحيحين [البخاري "605"، مسلم "2/378"، وغيرهما [أبو دأود "508"، الترمذي "1013"، ابن ماجة "730"، أحمد "3/103"] .
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد "إنها لرؤيا حق إن شاء الله" ثم أمر بالتأذين وهو حديث صحيح صححه الترمذي ["1/359"] ، وغيره.
ومنها حديث أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان" أخرجه أحمد ["5/196" و "6/446"] ، وأبو دأود ["547"، والنسائي ["2/106 – 107"] ، وابن حبان وقال صحيح الإسناد.
والحاصل أنه ما ينبغي في مثل هذه العبادة العظيمة أن يتردد متردد في وجوبها فإنها أشهر
من نار على علم وأدلتها هي الشمس المنيرة وما اسمج ما شكك به الجلال على الوجوب فقال ولو كان وجوبه للصلاة لزم كونه شرطا أو ركنا الخ.
وأقول: يا لله العجب أي قائل قد قال إن جميع ما وجب للصلاة لا يكون إلا شرطا أو ركنا فإن الصلاة لها شروط وأركان وفروض لا شروط ولا أركان.
وهذا مما لا ينبغي أن يقع في مثله خلاف وهو قائل به وتصرفه في كتابه هذا مناد بذلك بأعلى صوت.
ثم هذا الشعار لا يختص بصلاة الجماعة بل لكل مصل عليه أن يؤذن ويقيم لكن من كان في جماعة كفاه إذان المؤذن لها وإقامته.
ثم الظاهر أن النساء كالرجال لأنهن شقائق الرجال والأمر لهم أمر لهن ولم يرد ما ينتهض للحجة في عدم الوجوب عليهن فإن الوارد في ذلك في أسانيده متروكون لا يحل الاحتجاج بهم فإن ورد دليل يصلح لإخراجهن فذاك وإلا فهن كالرجال.
قوله: "ويكفي السامع ومن في البلد".
أقول: يمكن الاستدلال لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم: "فليؤذن لكم أحدكم" فإن هذا يدل على أنه يكفي إذان واحد من الجماعة وأما كونه يكتفي به من في البلد فيدل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ المؤذن كما في حديث "واتخذ مؤذنا لا يأخذ على إذانه أجرا" والظاهر أنه يؤذن في البلدة التي هو فيها وأيضا عدم أمره لمن لم يسمع إذان مؤذنيه في المدينة بأن يؤذن دليل على عدم وجوبه على سامعه وإنما يشرع له المتابعة فقط.
قوله: "في الوقت".
أقول: الإذان هو دعاء إلي الصلاة ولهذا اشتمل على ألفاظ الدعاء التي منها: "حي على الصلاة حي على الفلاح" فلا يفعل في غير الوقت بل ذلك بدعة ظاهر وأما إذان بلال في ذلك الوقت الخاص فقد وضحت فيه العلة بقوله صلى الله عليه وسلم: "ليوقظ نائمكم ويراجع قائمكم". كما ثبت في الصحيح فلم يبق ما يستدل به على جواز الإذان لنفس الصلاة قبل دخول وقتها وليس هنا ما يقتضي التعارض والترجيح.
قوله: "من مكلف".
أقول: هذا هو الظاهر لأن الإذان عبادة شرعية لا تجزىء إلا من مكلف بها وقد استدل الجلال في شرحه لهذا الكتاب على جواز إذان الصبي بإذان أبي محذورة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم قال وهو صبي ولا شيء في الروايات أنه كان صبيا بل الذي في الروايات أنه كان صيتا أو قوي الصوت فلعله تصحف على الجلال الصيت بالصبي فجزم بأنه كان صبيا.
وقد وقع في بعض روايات هذا الحديث أنه كان غلأما ولفظ الغلام يطلق على الكبير والصغير قالت ليلى الأخيلية في مدح الحجاج:
شفاها من الذى العضال الذب بها
…
غلام إذا هز القناة سقاها
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أنا الغلام القرشي المؤتمن
…
أبو حسين فاعلمن والحسن
وقال الأزهري سمعت العرب يقولون للمولود غلام وسمعتهم يقولون للكهل غلام.
ومما يدل على أنه كان رجلا ما وقع في رواية النسائي ["633"]، قال أبو محذورة خرجت عاشر عشرة من مكة فسمعناهم يؤذنون بالصلاة فقمنا نؤذن نستهزىء بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت" فأرسل إلينا فأذنا رجلا رجلا وكنت آخرهم الحديث.
فقوله رجلا يدل على أنه كان رجلا وقال السهيلي إنه كان أبو محذورة في أول إذانه في ست عشرة سنة.
قوله: "ذكر".
أقول: الإذان إعلام بدخول الوقت ودعاء إلي الصلاة فلا يكون إلا برفع الصوت والمرأة مأمورة بالستر ولم يسمع في ايام النبوة ولا في الصحابة ولا فيمن بعدهم من التابعين وتابعيهم أنه وقع التأذين المشروع الذي هو إعلام بدخول الوقت ودعاء إلي الصلاة من امرأة قط.
وأما إذان المرأة لنفسها أو لمن يحضر عندها من النساء مع عدم رفع الصوت رفعا بالغا فلا مانع من ذلك بل الظاهر أن النساء ممن يدخل في الخطاب بالإذان كما قدمنا ذلك.
قوله: "معرب".
أقول: الإذان عبادة شرعية فينبغي أن يكون على الصفة الواردة عن الشارع ومعلوم أنه كان يؤدى معربا على ما تقتضيه لغة العرب فمن جاء به على غير تلك الصفة فهو لم يفعل ما أمر به كسائر الأذكار الواردة عن الشارع.
قوله: "عدل"
أقول: قد عرفت أن الإذان إعلام بدخول الوقت للصلاة ودعاء إليها ومن كان غير عدل ولا يؤمن على الوقات ولا يقبل إذا أخبر بدخولها فيفوت المقصود من جعله مؤذنا.
ويؤيد هذا ما أخرجه أبو دأود ["590"] ، وابن ماجه ["726"]، من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليؤذن لكم خياركم"، وفي إسناده الحسين بن عيسى الحنفي الكوفي وفيه مقال لا يوجب عدم الاحتجاج بحديثه.
وأخرج أحمد وابو دأود وابن حبان وابن خزيمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين".
وروى أيضا من حديث عائشة قال أبو زرعة حديث أبي هريرة أصح من حديث عائشة وصحح الحديثين جميعا ابن حبان.
وقد أطلت الكلام على الحديثين في شرحي للمنتقي فليرجع إليه.
ووصفه صلى الله عليه وسلم للمؤذن بأنه مؤتمن يدل على أنه لا بد أن يكون عدلا لأن من ليس بعدل ليس بمؤتمن.
قوله: "طاهر من الجنابة".
أقول: لم يأت ما تقوم به الحجة لا في كون المؤذن طاهرا من الحدث الأكبر ولا من الحدث الأصغر لأن ما هو مرفوع في ذلك لم يصح وما هو موقوف على صحأبي أو تابعي لا تقوم به الحجة وإن كان التطهر للمؤذن من الحدثين هو الأولى والأحسن فقد كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد السلام وهو محدث حدثا اصغر حتى توضأ كما في رواية وتيمم كما في أخرى والإذان أولى بذلك من مجرد رد السلام.
قوله: "ولو قاضيا أو قاعدا أو غير مستقبل".
أقول: لا شك أن الإذان من المذكورين يجزىء ولكنه في القاعد وغير المستقبل مخالف للهيئة المشروعة الثابتة
قوله: "ويقلد البصير في الوقت في الصحو".
أقول: ليس هذا من التقليد في شيء بل هو من باب قبول الرواية لأن المؤذن العدل العارف بمداخل الأوقات ومخارجها إذا أذن فهو بإذانه مخبر بدخول الوقت ولا سيما إذا كان في محل مرتفع كالمنارة وأما مع الغيم فهو مانع من صحة الرواية لأنه يحول بين المؤذن وبين العلامات التي يستدل بها على دخول الأوقاف فلم يكن لروايته بالإذان صحة يتعين عندها القبول.
[فصل
"ولا يقيم إلا هو متطهرا فتكفي من صلى في ذلك المسجد تلك الصلاة ولا يضر إحداثه بعدها وتصح النيابة والبناء للعذر والإذن"] .
قوله: فصل: "ولا يقيم إلا هو متطهرا".
أقول: حديث: "من أذن فهو يقيم"[الترمذي "199"] ، لم يتكلم عليه إلا بأن في إسناده عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم الإفريقي وقد وثقه جماعة ولم يقدح فيه بما يوجب عدم الاحتجاج بحديثه لكنه قد أخرج أحمد ["4/42"]، وأبو دأود ["512"] عن عبد الله بن زيد صاحب رؤيا الإذان أنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم برؤياه قال:"القه على بلال" فألقاه عليه فأذن بلال فقال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده قال له صلى الله عليه وسلم: "فأقم أنت" وفي إسناد هذا الحديث ومتنه خلاف.
والحديث الأول متأخر لأن هذا كان عند رؤيا عبد الله بن زيد للإذان وقيل إن هذا الحديث يدل على أن تولي المؤذن للإقامة إنما هو على طريق الندب فقط.
وأما كون المقيم متطهرا فلم يرد ما يدل على أن ذلك حتم وغايته ان تكون الإقامة مثل الإذان وقد تقدم الكلام فيه.
قوله: "فيكفي من صلى في ذلك المسجد تلك الصلاة".
أقول: مشروعية الإقامة لم تختص بشخص دون شخص ولم يرد فيها ما ورد في الإذان مما يدل على أنه يكفي إذان الواحد في البلد أو في المسجد كما قدمنا فإن ورد دليل يدل على أن إقامة الواحد تكفي غيره وتسقط بها المشروعية على كل من صلى في ذلك المسجد فلا بأس وإلا فالظاهر أن مشروعية الإقامة ثابتة على كل شخص سواء كان وحده أو في جماعة وسواء أقام غيره أو لم يقم.
وأما كونه لا يضر إحداثه بعدها فظاهر لأنه قد أقام وهو متطهر بل لا يضر إحداثه حالها لعدم ورود ما يدل على أن الطهارة واجبة على المقيم.
وأما كون غير المؤذن ينوب عنه في الإقامة فالظاهر أنها تجوز النيابة إذا قد حصل الرضا من المؤذن لأن تخصيصه بالإقامة إنما هو لكونه الأولى بذلك فإذا وقع الإذن جاز للغير أن يقيم سواء كان له عذر أو لا وأما البناء فإنما يكون للعذر لأن وقع الإقامة من اثنين مع عدم العذر بدعة فلو قال المصنف وتصح النيابة للإذن والبناء للعذر لكان صوابا.
[فصل
وهما مثنى إلا التهليل ومنهما حي على خير العمل والتثويب بدعة وتجب نيتهها ويفسدان بالنقص والتعكيس لا بترك الجهر ولا الصلاة بنسيانهما.
ويكره الكلام حالهما وبعدهما والنفل في المغرب بينهما] .
قوله: فصل: "وهما مثنى إلا التهليل".
أقول: قد ثبت تشفيع الإذان وإيثار الإقامة إلا لفظ الإقامة في الصحيحين [البخاري "605"، مسلم "2/378"] ، وغيرهما [أبو دأود "508"، الترمذي "193"، ابن ماجة "730"، أحمد "3/103"] . وثبت تربيع التكبير في أول الإذان من طرق حسنها البعض وصححها البعض وثبت التربيع في الشهادتين في صحيح مسلم ["6/379"، وغيره [أبو دأود "502"، الترمذي "193"،ابن ماجة "709"، النسائي "2/4"، أحمد "3/409"] . وروي من وجه صحيح تشفيع جميع ألفاظ الإقامة.
وورد في الإقامة من وجه صحيح ما يدل على إيتارها إلا التكبير في أولها وآخرها و"قد قامت الصلاة" فإن ذلك يكون مثنى مثنى.
وروي أيضا التثويب في صلاة الصبح من وجه صححه بعض الحفاظ وتكلم فيه آخرون فإن عملنا بأصح ما ورد فهو تشفيع الإذان مع الترجيع في الشهادتين وإيتار الإقامة إلا لفظ قد قامت الصلاة والتكبير في أولها وآخرها.
وإن سلكنا طريقة الجمع فيتعين العمل بالزيادة الخارجة من مخرج صحيح فيكون التكبير في أول الإذان أربعا وتكون الشهادتان مع الترجيح ثمانيا وسائر الألفاظ في الإذان مرتين مرتين إلا قول المؤذن "لا إله إلا الله" في آخره فإنه مرة واحدة ويزاد في صلاة الصبح لفظ التثويب وهو أن يقول المؤذن "الصلاة خير من النوم".
وتكون الإقامة مثنى مثنى إلا قول المقيم لا إله إلا الله في آخرها فإنها مرة واحدة فهذا حاصل ما ورد في الإذان والإقامة وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلي أن الكل سنة وأيها فعله المؤذن والمقيم فقد فعل ما هو حق وسنة قال أبو عمر بن عبد البر ذهب أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه ودأود بن علي ومحمد بن جرير الطبري إلي إجازة القول بكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير قالوا كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع ذلك وعمل به أصحابه فمن شاء قال: "الله أكبر" في أول الأذان أربعا ومن شاء ثنى ومن شاء ثنى الإقامة ومن شاء أفردها إلا قوله: "قد قامت الصلاة" فإن ذلك مرتان على كل حال انتهى.
وهذا الذي قالوه صواب كما قيل في التشهدات والتوجهات ولكن ذلك لا ينافي أن يختار الإنسان لنفسه أصح ما ورد أو يأخذ بالزائد فالزائد قال ابن القيم في الهدي ذاهبا إلي ما ذهب إليه أولئك الأئمة ومشيرا إلي ما اشرنا إليه ما لفظه أنه سن التأذين بترجيع وغير ترجيع وشرع الإقامة مثنى وفرادى لكن صح عنه تثنيه كلمة الإقامة قد قامت الصلاة ولم يصح عنه أفرادها ألبتة وكذلك صح عنه تكرر لفظ التكبير في أول الإذان ولم يصح عنه الاقتصار على مرتين وأما حديث أمر بلال أن يشفع الإذان ويوتر الإقامة فلا ينافي الشفع بأربع وقد صح التربيع صريحا في حديث عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب وأبي محذورة.
وأما أفراد الإقامة فقد صح عن ابن عمر استثناء كلمة الإقامة فقال إنما كان الإذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة.
وفي البخاري عن أنس أمر بلال أن يشفع الإذان ويوتر الإقامة وصح في حديث عبد الله بن زيد وعمر في الإقامة "قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة".
وصح في حديث أبي محذورة تثنية كلمة الإقامة مع سائر كلمات الإذان.
وكل هذه الوجوه جائزة مجزئة لا كراهة فيها وإن كان بعضها أفضل من بعض انتهى.
وبما أوضحناه لك في هذا البحث ترتفع عنك الإشكالات في هذه المسألة فقد طالت ذيولها وتشعبت طرائقها.
قوله: "ومنهما حي على خير العمل".
أقول: هذا اللفظ قد صار من المراكز العظيمة عند غالب الشيعة ولكن الحكم بين المختلفين من العباد هو كتاب الله وسنة رسول فما جاءنا فيهما فسمعا وطاعة وما لم يكن فيهما فإن وضح فيه وجه قياس بمسلك من المسالك المقبولة التي لا ترفع ولا تنقض كالنص على العلة أو دلالة الدليل على ثبوت الحكم في المسكوت عنه بفحوى الخطاب كان للمتمسك بذلك أن يقول به على ما فيه من خلاف.
وهكذا إذا صح الإجماع على حكم ولكن دون تصحيح الإجماع مفأوز متلوية وطرائق متشعبة وعقاب شامخة كما أوضحنا ذلك في إرشاد الفحول إلي تحقيق الحق من علم الأصول.
وإذا كان اختلاف المختلفين في حكم ثابت من السنة فالمرجع دوأوينها التي وضعها علماء الرواية وهي الأمهات وما يلتحق بها من المسانيد ونحوها ولم يثبت رفع هذا اللفظ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من كتب الحديث على اختلاف أنواعها وغاية ما يروى في ذلك ما أخرجه الطبراني والبيهقي عن بلال أنه كان يؤذن للصبح فيقول حي على خير العمل فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل مكانها "الصلاة خير من النوم" وترك "حي على خير العمل" وفي إسناده عبد الرحمن بن عمار بن سعد وهو ضعيف وقد قال البيهقي بعد إخراجه هذا اللفظ لم يثبت فيما علم النبي صلى الله عليه وسلم بلالا وأبا محذورة ونحن نكره الزيادة فيه انتهى.
ومع هذا ففي هذا التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يترك ذلك فلو قدرنا ثبوته لكان منسوخا.
قوله: "والتثويب بدعة".
أقول: قد رويت فيه أحاديث منها ما هو صحيح ومنها حسن ومنها ما هو ضعيف فلا وجه للقول بأنه بدعة وهو مختص بصلاة الفجر وذلك بأن يقول المؤذن بعد قوله: "حي على الفلاح""الصلاة خير من النوم".
ولقد وقع للجلال في شرح هذا الكتاب في هذا البحث وفي بحث "حي على خير العمل" من التكلف والتعسف والخروج عن طريق الحق ما يعجب الناظر فيه من قائله خصوصا إذا كان ممن يدعي الإنصاف في مسائل الخلاف وتأثير الأدلة على القيل والقال ولله الأمر من قبل ومن بعد.
قوله: "وتجب نيتهما"
أقول: لحديث: "إنما الأعمال بالنيات" وما ورد في معناه وقوله عز وجل: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29، يونس: 22، العنكبوت: 65، لقمان: 32، غافر: 14، 65، البينة: 5] . فوجه مشروعيته النية في الإذان والإقامة هو هذا لأن الأعمال المذكورة في الحديث تشمل الأقوال والأفعال.
وأما ما ذكره الجلال في شرحه لهذا الكتاب من أن النية تجب لما كان يقع على وجوه كثيرة
لا ما كان يقع على وجه واحد فليس ذلك إلا مجرد رأي محض والدليل قد دل على مشروعية النية على العموم لأنه وقع التعبد بها في كل عمل كما نطق به الدليل فينوي المؤذن والمقيم أن هذا القول الذي قصد له هو ما تعبده الله به وشرعه له وبهذه النية يخلص من كل وجه من الوجوه التي لم يقصدها الشارع ولا شرع الفعل لها.
وأما ما ذكره المصنف من أن الإذان والإقامة يفسدان بالنقص فوجهه أن الذي نقص بعض ألفاظ الإذان والإقامة لم يأت بالمشروع منهما فهو كمن لم يعقل ذلك وهكذا من عكس ألفاظهما.
وأما ما ذكره من أنهما لا يفسدان بترك الجهر فهذا إذا أذن لنفسه أوله ولمن هو حاضر لديه يسمع إسراره وأما إذا كان المؤذن داعيا إلي الصلاة معلما بدخول وقتها فهو لم يفعل ما هو المقصود من نصبه للتأذين وإن كان قد فعل المشروع له بخصوصه من الإذان لنفسه.
وأما عدم فساد الصلاة بنسيانهما فهو واضح لأنهما عبادة خارجة عن الصلاة التي تحريمها التكبير وتحليلها التسليم لا شرط من شروط كالوضوء فلا تفسد الصلاة يتركهما عمدا فضلا عن نسيانهما ولكن التارك لهما عمدا قد أخل بواجبين عليه كما قدمنا من أن الأدلة قد دلت على وجوبهما.
وأما كراهة الكلام حالهما فواضح لأنه اشتغال حال العبادة بما ليس منها وكذا الكلام بعدها لأن الإقامة للصلاة دعاء إليها بعد الدعاء بالإذان فالاشتغال بعد ذلك بغير الصلاة مما لا جدوى فيه من الكلام يخالف ما هو مدلول لفظ الإقامة لا سيما قول المقيم قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فإن ذلك متضمن للإخبار بقيامها ففعل شيء بعدها من كلام أو غيره يخالف هذا الإخبار وينافيه.
وأما ما ثبت في الصحيح ["624، 643"، أحمد "3/182، 205، 232"] ، من حديث أنس قال أقيمت صلاة العشاء فقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم لي حاجة فقام إليه يناجيه فهذا هو من قضاء حوائج المسلمين لا من الاشتغال بما لا يغني من الكلام الذي ذكر المصنف كراهته وقد تكون هذه الحاجة التي طلب ذلك الرجل من النبي صلى الله عليه وسلم قضاءها مما لا ينبغي تأخيره ولو بمجرد ظنه صلى الله عليه وسلم كذلك عند قول القائل لي حاجة وقد يكون هذا الرجل من المؤلفين الذين لم يرسخ الإيمان في قلوبهم فأراد صلى الله عليه وسلم أن يتألفه بقضاء حاجته في ذلك الوقت.
قوله: "والنفل بينهما".
أقول: هذا دفع في وجه الأدلة الصحيحة ورد للسنة التي هي أظهر من شمس النهار فإنه قد ثبت مشروعية النفل بين الإذان والإقامة في جميع الصلوات كحديث: "بين كل إذانين صلاة" ثم ثبت مزيد لخصوصية النفل بين إذان المغرب وإقامته فورد بلفظ: "بين إذاني المغرب صلاة" وورد بلفظ: "صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين" وكرر ذلك ثلاثا وقال في الثلاثة "لمن شاء" وهو في الصحيحين [البخاري "1183، 7368"، مسلم "838"] ، وغيرهما. وقال الرأوي معللا