الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعقلا وإذا كان الحد يدرأ لمجرد الشبهة المحتلة فكيف بمثل هذا وأما كونه لا شيء على الإمام إذا أقام قبل العلم بأنها عذراء فوجهه ظاهر لأنه عمل بمستند شرعي لكن إذا كان هذا المستند هو شهادة الشهود فيضمنون كما تقدم لأنهم تساهلوا في الشهادة.
قوله: "وبخرسه".
أقول: الأخرس وإن كان النطق متعذرا منه فهو يمكنه أن يشير إلى الشبهة بعد أن يبينوا له بالإشارة أنه قد وجب عليه الحد بالمستند الشرعي نعم إذا بلغ خرسه إلى حد لا يفهم معه الإشارة ولا يتمكن منها وذلك بأن يكون من خرسه أعمى فإن هذا وإن كان الأصل عدم وجود الشبهة لكن احتمالها كائن وبمجرد هذا الاحتمال لا يكون حده على بصيرة ولم يكمل المقتضى الشرعي وإن كان الرجوع إلى الأصل كافيا في غير هذا الموضع لكن هذا موطن يقول فيه الشارع ادرأوا الحدود بالشبهات.
وأما سقوط الحد عنه بإسلامه فهو ظاهر لأن الإسلام يجب ما قبله من الأمور التي لا تدرأ بالشبهات فكيف بما يدرأ بها.
قوله: "وعلى الإمام استفصال كل المسقطات".
أقول: وجه هذا ما وقع منه صلى الله عليه وسلم من مثل قوله: "ما إخالك سرقت؟ "، وقوله:"لعلك غمزت لعلك قبلت"، وقوله:"أبك جنون؟ " وإرجاعه لماعز مرة بعد مرة وسؤال قومه عنه مع ماورد عنه من درء الحدود بالشبهات فإذا قصر فقد أخل بواجب عليه وأقدم على إتلاف نفس أو الإضرار بها قبل أن يوجب ذلك الشرع فإذا ظهر بعد ذلك مسقط شرعي كان الضمان من ماله إن تعمد وإلا فمن بيت المال لأن تعمده محمول عليه وأما خطؤه فإن كان لا يجد في ماله ما يقوم بذلك كان من جملة الغارمين في صرف نصيب إليه من الزكاة ومن جملة المصالح التي يصرف إليها بيت مال المسلمين.
باب حد القذف
[فصل
ومتى ثبت بشهادة عدلين أو إقراره ولو مرة قذف حر مسلم غير أخرس عفيف في الظاهر من الزنا بزنا في حال يوجب الحد مصرحا أو كانيا مطلقا أو معرضا أقر بقصده ولم تكمل البينة عددا وحلف المقذوف إن طلب جلد القاذف المكلف غالبا ولو والدا الحر ثمانين وينصف للعبد ويحصص للمكاتب كما مر ويطلب للحي نفسه ولا يورث
وللميت الأقرب فالأقرب المسلم المكلف الذكر الحر قيل ثم العبد من عصبته إلا الولد أباه والعبد سيده ثم الإمام والحاكم ويتعدد بتعدد المقذوف كيا ابن الزواني ومنه النفي عن الأب ولو لمنفي بلعان إن لم يعن بالحكم كلست لفلان لا من العرب والنسية إلى غيره معينا كيا ابن الأعمى لابن السليم إلا إلى الجد والعم والخال وزوج الأم ولا يسقطه إلا العفو قبل الرفع أو شاهدان بالإقرار ويلزم من رجع من شهود الزنا قبل التنفيذ لا بعده إلا الأرش والقصاص] .
قوله: "باب: حد القذف ومتى ثبت بشهادة عدلين" الخ.
أقول: حد القذف ثابت بكتاب الله سبحانه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإجماع المسلمين والاكتفاء فيه بشهادة العدلين صحيح ويكتفى فيه أيضا بشهادة رجل وامرأتين وبشهادة واحد مع يمين المدعى لما عرفناك سابقا مع عدم وجود دليل ناهض يدل على اشتراط أن يكون الشهود رجالا وأنه لا يثبت هذا الحد إلا بشهادة رجلين فإنه حكم من أحكام الشرع وقد ثبت في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة أن مستندات أحكام الشرع أوسع من هذا ولم يخص من ذلك إلا شهادة الزنا فيبقى ما عداه داخلا في مطلقات الأدلة.
وأما اشتراط أن يكون المقذوف حرا فلا وجه له لأن العبد والأمة قد صارا بدخولهما في الإسلام معصومي الدم والمال والعرض بما عصم به الأحرار فانتهاك الحرمة منهما بالرمي بالزنا كانتهاك الحرمة من الأحرار.
وأما اشتراط الإسلام فوجهه واضح لعدم وجود العصمة.
وأما اشتراط كونه غير أخرس فلا وجه له لأنه يمكنه أن يعبر عن مراده بالإشارة على فرض أنه لم يحضر ذلك من يعبر عنه ويقوم بحجته وليس من مسالك الرأي أن يجعل امتحان الله سبحانه له بالخرس موجبا لحلول محنة أخرى به وهي عدم احترام عرضه بإقامة حد الله على قاذفه.
وأما اشتراط العفة فمبني على أن المحصنات في قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النور: 23] ، هن العفيفات وهو غير مسلم فإن من معاني الإحصان الحرية والإسلام والتزوج ثم هذا الذي ليس بعفيف داخل في العصمة الإسلامية لا يخرج عنها بمجرد ارتكابه لبعض معاصي الله سبحانه وأي دليل يدل على أنه يستحل منه ما حرمه الله بمجرد عدم عفته فإن الله سبحانه قد حرم الغيبة وشدد في أمرها وهي أن يذكر الغائب بما فيه ولم يجعل كونه مسوغا لذكره به فكيف بالقذف وقد أقام عمر بن الخطاب حد القذف على من شهد على المغيرة بالزنا مع اشتهار عدم عفته وكان ذلك بمحضر من الصحابة.
وأما قوله: "بزنا" فظاهر أنه المراد بقوله: {الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} .
وأما قوله: "في حال يوجب الحد" فلا أرى لهذا الاشتراط وجه لأنه قد انتهك الحرمة بالرمي بالزنا وإن اندفع عنه حد الزنا لشبهة من الشبه.
وأما قوله: "مصرحا مطلقا" فوجهه أن التصريح لا يقبل معه دعوى قصد غيره ولا يلتفت إلى ذلك.
وأما الكناية فلكونه يحصل بها من هتك العرض المعصوم ما يحصل بالتصريح إذا كان المراد منها مفهوم للسامع والاعتبار بالمعاني لا بالألفاظ وهكذا التعريض لأنه يحصل به ما يحصل بالتصريح وأما تقييد ذلك بقوله أقر بقصد فلا يشترط هذا الإقرار إلا إذا كان التعريض يحتمل عند السامع القذف وغيره أما إذا كان لا يحتمل إلا القذف فلا يشترط الإقرر.
قوله: "ولم تكمل البينة عددا".
أقول: لا وجه لاعتبار مجرد العدد بل لا بد من قيام البينة عددا وصفة فإن اختلفت الصفة مع كمال العدد فوجودها كعدمها ويؤيد هذا حد الشهود على المغيرة مع كمال عددهم ونقص صفة شهادة الرابع وهو زياد بن أبيه فإنه لما لم يصرح بأنه شاهد الإيلاج بل قال رأيت استا ينبو ونفسا يعلو ورجلين من ورائه كأنهما رجلا حمار ولا أدري ما وراء ذلك أقيم الحد على الثلاثة الشهود الذين شهدوا قبله وهم إخوته نفيع ونافع وشبل.
قوله: "جلد القاذف ولو والدا" الخ.
أقول: هذا الحد بهذا العدد قد نطق به القرآن الكريم وأجمع عليه المسلمون أولهم وآخرهم ولم يفرقوا بين قذف الرجل والمرأة وأن قاذف الرجل يحد كما يحد قاذف المرأة ولم يسمع عن فرد من أفراد المسلمين أنه قال لا حد على قاذف الرجل إلا ما وقع من الجلال في شرحه لهذا الكتاب في هذا الموضع وقد كتبنا على بحثه رسالة مستقلة وتكلمنا على كل ما جاء به في هذا البحث ودفعناه بما لا يبقى بعده ريب لمرتاب وإن كان فساده أوضح من أن يحتاج إلى البيان لكنه ربما تشوش به ذهن من في عرفانه قصور وفي إدراكه بعض فتور.
وأما عدم سقوط الحد على الوالد إذا قذف ولده فلدخوله في عموم الأدلة وعدم ورود الدليل باستثنائه ولم يبح له الشرع استحلال ما حرمه الله من ولده.
وأما التنصيف للعبد والتخصيص للمكاتب فوجهه ما تقدم في حد الزنا.
قوله: "ويطلب للحي نفسه ولا يورث".
أقول: لا وجه لجعل الموت مسقطا للحد الذي قد ثبت على قاذف من مات بعد قذفه وقبل إقامة الحد عليه فإن كانت العلة في ذلك تجويز أن يعفو لو عاش فهكذا قذف الأموات فإنه يجوز أن يعفو الميت لو كان حيا وإن كانت العلة هي ما يلحق الحي بقذف الميت فهكذا ينبغي أن يقال في وارث من مات بعد القذف إذا لحقه غضاضة بالقذف ولا وجه للفرق بينهما.
وأما ترتيب المطالبين من قرابة الميت على هذا الترتيب الذي ذكرناه فإن كان وجهه أن الغضاضة تلحق الأقرب لحوقا زائدا على لحوقها ممن هو أبعد منه مع تسليم لحوق مطلق الغضاضة فلا وجه لهذا الترتيت بل إذا وقع الطلب من فرد من أفراد من يلحقه الغضاضة فإن كانت يسيرة وكان بعيدا عن الميت كان ذلك سائغا لأن دفع الغضاضة مطلقا مسوغ للطلب وإن كان سبب هذا