المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

يوافق ما هو متقرر في الشريعة الإسلامية لا في اجتهادات المجتهدين من أهلها إن كان الاجتهاد مخالفا للدليل فإن مثل ذلك لا يصلح للرد اليه ولا للتعويل عليه.

وأما قوله: "عقد بأربع" فلا وجه له بل يكفيه ان يختار منهن اربعا بغير عقد فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما امره بذلك وفي رواية أنه قال: "أمسك منهن أربعا" وقال في حديث الضحاك المذكور: "اختر أيتهما شئت".

وإذا تقرر لديك أنه لا وجه لتجديد العقد عرفت عدم الحاجة إلي الكلام على ما جعله المصنف متفرعا على ذلك إلي آخر البحث.

ص: 400

‌كتاب الطلاق

‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

غالبا قصد اللفظ في الصريح وهو مالا يحتمل غيره إنشاء أو إقرارا أو نداء أو خبرا ولو هازلا أو ظانها غير زوجته أو بعجمي عرفة واللفظ والمعنى في الكتابة وهو ما يحتمله وغيره كالكتابة المرتسمة وإشارة الاخرس المفهمة وعلى أو يلزمني الطلاق وتقنعي وانت حرة وانا منك حرام لا طالق.

وسنيه واحدة فقط في طهر ولا وطء منه في جمعيه ولا طلاق ولا في حيضته المتقدمة وفي حق غير الحائض المفرد فقط وندب تقديم الكف شهرا ويفرق الثلاث من أرادها على الاطهار أو الشهور وجوبا ويخلل الرجعة بلا وطء ويكفي في نحو انت طالق ثلاثا للسنة تخليل الرجعة فقط.

وبدعيه ما خالفه فيأثم ويقع ونفي احدالنقيضين إثبات للاخر وإن نفاه كلا لسنة ولا لبدعة.

ورجعيه ما كان بعد وطء على غير عوض مال وليس ثالثا وبائنه ما خالفه مطلقه يقع في الحال ومشروطه يترتب على الشرط نفيا واثباتا ولو مستحيلا أو مشيئة الله تعالي.

وآلاته إن وإذا ومتى وكلما ولا يقتضى التكرار الا كلما م ومتى غالبا ولا الفور الا ان في التمليك غير إن وإذا مع لم ومتى

ص: 400

تعدد لا بعطف فالحكم للأول وإن تأخر وقوعه إن تقدم الجزاء فإن تأخر أو عطف المتعدد بأو أو بالوأو مع إن فلواحد.

وينحل وبالوأو لمجموعه] .

قوله: "كتاب الطلاق إنما يصح من زوج".

أقول: الايات القرآنية والاحاديث النبوية الواردة في الطلاق هي كلها مصرحة بأن الطلاق هو الواقع من الازواج ولم يرد غير هذا حتى يحتاج إلي الكلام عليه فمن ادعى أنه يصح طلاق من غير زوج فعليه البرهان فإن نهض به والا كانت دعواه ردا عليه.

وأما ما ورد في التخيير والتوكيل فهو كائن من جهة الزوج فأنه إذا خير زوجته فقد جعل الامر الذي هو اليه اليها وهكذا إذا وكل وكيلا يطلق زوجته.

وإذا تقرر لك هذا عرفت أنه لا حاجة إلي الاستدلال على كون الطلاق إنما يصح من الزوج بالاحاديث التي لا تقوم بها حجة كحديث: "الطلاق لمن أمسك بالساق""ابن ماجة 2081".

نعم يجب على الزوج إذا امره ابوه ان يطلق امرأته ان يطيعه ويطلقها لما أخرجه أحمد وابو دأود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن صحيح من حديث ابن عمر قال كان تحتي امراة احبها وكان أبي يكرهها فأمرني ان اطلقها فأبيت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك"، فهذا الحديث فيه أنه يجب على الزوج ان يطلق امرأته إذا امره ابوه بذلك وفيه أيضا دليل على أنه لا يصح الطلاق الا من الزوج فإنه لو كان يصح من غيره لكان الاب احق بذلك فإذا لم يصح من الاب لم يصح من غيره بفحوى الخطاب.

وأما ما روى عن ابن عباس أنه يقع طلاق السيد على عبده فهو قول صحأبي لا تقوم به حجة مع أنه قد روى هو نفسه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالف قوله هذا في حديث العبد الذي قال يا رسول الله سيدي زوجني امته وهو يريد ان يفرق بيني وبينها فقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ بالساق"، أخرجه ابن ماجه والدارقطني والطبراني وابن عدي وفي إسناده ابن لهيعة.

قوله: "مختار".

أقول: الأقوال والأفعال الصادرة على وجه الاكراه قد دلت ادلة الشرع الكلية والجزئية على أنه لا يترتب عليها شيء من الأحكام فإن الله سبحانه لم يجعل من كفر مكرها كافرا فقال: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل: 106]، وإذا كان الاكراه مبطلا للكفر بالله والاشراك فما ظنك بغيره وقال الله سبحانه:{رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما دعاه عباده بهذه الدعوات قال:"قد فعلت".

فالمكره لو كلف بما أكره به ويثبت عليه أحكامه لكان قد حمل مالا طاقة له به ومن هذا

ص: 401

القبيل حديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" فإن له طرقا يشهد بعضها لبعض ولذلك حسنه من حسنه.

والمراد بالرفع رفع الخطإ بذلك وترتب أحكامه عليه وهذا المقدار يكفي في الاستدلال على عدم صحة طلاق المكره على تقدير عدم وجوب ما يدل عليه بخصوصه فكيف وقد دل عليه خصوصا حديث: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" فإن ابن قتيبة والخطأبي وابن السيد حكوا عن ائمة اللغة أنهم فسروه بالاكراه ولا ينافي ذلك تفسير بعضهم له بالغضب وبعضهم له بالتضييق على ما في هذين التفسيرين من الضعف البين والمخالفة لما هو الظاهر.

قوله: "مكلف".

أقول: للانفاق على ان الصبي والمجنون غير مكلفين بالأحكام الشرعية ولكون ما صدر منهما لم يكن صادرا عن قصد أما المجنون فظاهر اذ لا قصد له صحيح اصلا وأما الصبي فلأن قصده كلا قصد لنقصان إدراكه.

ومما يدل على عدم الوقوع حديث: "رفع القلم عن ثلاثة"، [أحمد "6/100، 101 144"، أبو داود "4398"، النسائي "6/156" ابن ماجة "2041"] ، ولا وجه لاستثناء السكران بقوله غالبا لأنه إذا ذهب إدراكه كان لاحقا بالمجانين وله حكمهم.

وأما قول من قال إنه يقع طلاقه عقوبة له فقد ورد الشرع بأن عقوبته الحد وليس لنا ان تجعل له عقوبة من جهة انفسنا ونرتب عليها أحكاما لم يأذن الله بها وقد سكر حمزة رضي الله عنه قبل تحريم الخمر وقال للنبي صلى الله عليه وسلم ولعلي رضي الله عنه لما دخلا عليه وهو سكران: هل أنتم الا عبيد لأبي، فلو كان لكلام السكران حكم لكان هذا الكلام كفرا.

وقد أطلنا الكلام على طلاق السكران في شرحنا للمنتقي فليرجع اليه ففيه مالا يحتاج الناظر فيه إلي غيره.

قوله: "قصد اللفظ في الصريح".

أقول: هذا من غرائب الاجتهاد وعجائب الراي وكيف يؤاخذ من قصد التكلم باللفظ غير مريد لمعناه بما هو مدلول ذلك اللفظ مع أنه غير مقصود ولا مراد واي تكليف ورد بمثل هذا واي شرع أو لغة أو عرف دل عليه فإن الالفاظ إنما هي قوالب المعاني ولا تراد لذاتها اصلا لا عند أهل اللغة ولا عند أهل الشرع فالمتكلم بلفظ الطلاق الصريح في معناه إذا لم يرد المعنى الذي وضع له ذلك اللفظ وهو فراق زوجته فهو كالهاذي الذي يأتي في هذيانه بألفاظ لا يريد معانيها ولا يقصد مدلولاتها.

فالحاصل ان من لم يقصد معنى اللفظ لم يؤاخذ به وإن تكلم به الف مرة ومن زعم غير هذا فقد جاء لما لم يعقل ولا يطابق شرعا ولا عقلا ولا رايا قويا نعم إذا جاء في لفظه بما هو طلاق صريح وقال إنه لم يقصد معناه ولا أراد مدلوله كان مدعيا لخلاف الظاهر لأنه ادعى ما لا

ص: 402

يفعله العقلاء في غالب الاحوال ولكن لما كان القصد لا يعرف الا من جهته كان القول قوله مع يمينه إن خاصمته في ذلك امرأته أو احتسب عليه محتسب.

وأما قوله: "إنشاء كان أو إقرارا أو نداء أو خبرا" فكل هذه إذا وقعت من الزوج قاصدا بها معانيها كان ذلك طلاقا بلا شك ولا شبهة لا إذا لم يقصدها كما عرفناك.

قوله: "ولو هازلا".

أقول: الهازل هو الذي تكلم باللفظ قاصدا لمعناه المراد منه ولكن أوقعه على طريقة الهزل ولم يوقعه على طريقة الجد أما لو لم يقصد به المعنى بكل تكلم باللفظ من غير قصد قط فإن هذا لا يصدق عليه أنه هازل وهذا ظاهر مكشوف ووجه وقوع الطلاق من الهازل ورود الشرع بذلك وهو ما أخرجه أحمد وأبو دأود وابن ماجه والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وأخرجه أيضا الدارقطني عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة".

وما قيل من أن في إسناده عبدا لرحمن بن حبيب بن اردك وقد قال النسائي إنه منكر الحديث فهو مدفوع بأنه قد وثقه غيره قال ابن حجر فهو على هذا حسن.

وأخرج الطبراني من حديث فضالة بن عبيد بلفظ: "ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق" وفي إسناده ابن لهيعة.

وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن عبادة بن الصامت بلفظ: "لا يجوز اللعب فيهن الطلاق والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن" وإسناده منقطع.

وأخرج عبد الرزاق عن أبي ذر "من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز" وفي إسناده انقطاع أيضا.

وأخرج عبد الرزاق نحوه عن علي وعمر موقوفين.

فالحديث المتقدم وما في معناه قد دل على وقوع هذه الثلاثة من الهازل ولولا ورود ذلك لم يقع بها شيء لأنه لم يخرجها مخرج القصد الصحيح والعزم المعتبر كما قال عز وجل: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] .

قوله: "أو ظانها غير زوجته".

أقول: هذا بناء على ان مجرداللفظ يكفي كما سلف وقد عرفت أنه لا بد ان يقصد باللفظ أي لفظ كان فراق زوجته فالقاصد لغيرها فانكشف انها هي هو غير قاصد لفراق زوجته فلا يقع طلاقه عليها فإنه لم يوقعه عليها بل أوقعه على غيرها.

وأما قوله: "أو بعجمي عرفه" فصحيح إذا كان عارفا بمعناه وقصد به فرقتها فليس الطلاق مختصا بألفاظ العرب.

وأما قوله: "واللفظ والمعنى في كناية" فقد عرفت أنه لا فرق بين اللفظ الصريح والكناية لأنه إذا لم يكن قاصدا لمعناه لم يقع به الطلاق ولا فرق بين ان تكون الكناية بلفظ أو إشارة أو

ص: 403

كتابة إذا ليس المراد الا الافهام وهو يقع بجميع ذلك ولم يصب من قال إنه لا يقع الطلاق بالكناية.

والحاصل أنه يقع الطلاق لكل لفظ أو نحوه يدل على الفرقة كائنا ما كان حيث كان مريدا للفرقة به فلا فائدة في تعداد الالفاظ.

قوله: "وسنيه واحدة فقط في طهر".

أقول: أما اشتراط كونها واحدة فليس في الاحاديث الصحيحية ما يدل عليه وأما ما روى من حديث ابن عمر عند الدارقطني بلفظ في كل قرء طلقة فلم يثبت ولا تقوم بمثله الحجة وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر لما طلق ابنه عبد الله امرأته وهي حائض: "مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا"، فقوله:"ثم ليطلقها" يدل على جواز الطلاق منه في تلك الحال كيف شاء واحدة أو أكثر. وهكذا سائر روايات الصحيحين فإنها مصرحة بلفظ الطلاق وهو لا يختص بالواحدة فله ان يطلقها في ذلك الطهر ثم يراجعها ثم يطلقها اخرى.

وثبت في حديثه في الصحيحين [البخاري "5332" مسلم "1471"، وغيرهما [أبو داود "2179"، الترمذي "1175"، النسائي "6/137، 141"]، أنه قال له:"مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها"، فدل على أنه إذا وقع الطلاق في الحيض فلا بد في طلاق السنة من ان تطهر في هذه الحيضة ثم ينقضى هذا الطهر والحيض بعده ويطلقها في الطهر الثاني فإن طلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلقها فيها لم يكن سنيا كما قال المصنف وفي طهر لا وطء فيه ولا طلاق ولا في حيضته المتقدمة الا ان اشتراط ان لا يكون وطؤها في هذا الحيض ليس في الادلة ما يدل عليه فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما عرف بان لا يطلقها في الطهر الذي وقع بعدالحيضة التي طلقها فيها.

وأما قوله: "في حق غير الحائض المفرد فقط" فوجهه ان الذي انكره النبي صلى الله عليه وسلم هو ايقاع الطلاق في الحيض وهذه ليست بحائض ولم يدل دليل على كيفية الطلاق السني في حقها فكان ايقاع الطلاق عليها في أي وقت كان موافقا للسنة.

وأما اشتراط ان تكون واحدة فقد قدمنا أنه لا يدل دليل على ذلك في الحائض ولا ورد ما يدل على اشتراطه في طلاق السنة في غير الحائض.

ولا وجه لقوله: "وندب تقديم الكف شهرا" لأن الندب حكم شرعي فلا يثبت الا بدليل.

وأما قوله: "ويفرق الثلاث" الخ فمبني على ان الطلاق لا يكون على السنة الا إذا كان مفردا وليس على ذلك دليل.

وأما قوله: "وتخلل الرجعة". وقوله: "ويكفي في نحو انت طالق ثلاثا للسنة تخليل الرجعة" فمبني على ان الطلاق لا يتبع الطلاق وسيأتي البحث عنه إن شاء الله.

قوله: "ويدعيه ما خالفه فياثم ثم يقع".

ص: 404

أقول: الذي دل على هذا الطلاق المسمى بطلاق السنة هو حديث ابن عمر الذي قدمنا ذكر بعض طرقه وقد ورد فيه في رواية في الصحيحين [البخاري "4908، 7160"، مسلم "4/1471"] ، وغيرهما [أحمد "2/26، 58، 81، 130"، الترمذي "1176"] : وكان عبد الله طلق تطليقة فحسبت من طلاقها.

وفي رواية لمسلم وأحمد والنسائي أن ابن عمر كان إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم أما إن طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم امرني بهذا وإن كنت قد طلقت ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت الله عز وجل فيما امرك به من طلاق امرأتك.

وفي لفظ في الصحيحين وغيرهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مره فليراجعها".

وفي لفظ للبخاري عن ابن عمر أنه قال: "حسبت علي بتطليقه".

فهذه الروايات تدل على وقوع البدعي وقد ذهب إلي ذلك الجمهور واستدل القائلون بعدم وقوعه بما أخرجه أحمد وأبو دأود والنسائي عن ابن عمر بلفظ فردها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرها شيئا ورجال هذا الحديث رجال الصحيح قال ابن حجر وإسناده هذه الزيادة على شرط الصحيح وقال ابن القيم إن هذا الحديث صحيح قال الخطابي قال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير انكر من هذا الحديث وقد يحتمل ان يكون معناه ولم يرها شيئا يحرم معه المراجعة ولم يرها شيئا جائزا في السنة ماضيا في الاختيار.

وقال ابن عبد البر قوله لم يرها شيئا منكر لم يقله غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف إذا خالفه من هو أوثق منه ولو صح فمعناه عندي والله أعلم ولم يرها شيئا مستقيما لكونها لم تكن على السنة.

وقال أبو دأود بعد إخراجه لهذه الزيادة روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة واحاديثهم على خلاف ما قال أبو الزبير.

وبهذا تعرف ان القول بوقوع البدعي ارجح ويؤيد هذا أنه أخرج ابن وهب في مسنده عن ابن أبي ذئب أنه قال في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وهي واحدة"، وقال ابن أبي ذئب وحدثني حنظلة بن أبي سفيان سمع سالما يحدث عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأخرجه الدارقطني عن يزيد بن هرون عن بن أبي ذئب وأبي اسحق جميعا عن نافع عن أبي عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم:"هي واحدة".

وأخرج الدارقطني أيضا من رواية سعيد عن أنس بن سيرين عن ابن عمر في القصة فقال عمر: يا رسول الله أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: "نعم".

وقد حررت هذا البحث في رسالة مستقلة.

قوله: "ونقى أحد النقيضين إثبات للآخر".

أقول: يعني حيث نفاهما معا فإن نفى الأول يكون اثباتا للآخر فإذا قال هي طالق لا

ص: 405

لبدعة ولا للسنة طلقت للسن والعكس للبدعة وانت خبير بأن هذا إن كان رجوعا إلي مدلول ما تكلم به فقد تكلم بما يفيد عدم وقوع الطلاق على كل حال لأنه قال لا كذا ولا كذا ومعنى هذا عدم الوقوع في كلا الحالتين وعلى كلا الوصفين المتقابلين وإن كان رجوعا إلي شيء آخر غير مدلول الكلام الذي تكلم به فما هو وللرجل ان ينفي الطلاق عن نفسه بأي عبارة أراد فكيف يكون نفيه البالغ المتضمن لرفع النقيضين أو الضدين موجبا لوقوع الطلاق.

قوله: "ورجعيه ما كان بعد وطء على غير عوض مال وليس ثالثا".

أقول: هذا الرسم للرجعي صحيح الا اشتراط الوطء ففيه ما فيه فإن الخلوة توجب العدة وكونه لا يثبت لزوجها عليها الرجعة فيها محتاج إلي دليل.

وأما المختلعة فهي افتدت نفسها فلو كان له مراجعتها من جهة نفسه بدون اختيارها لكان ذلك خلاف ما هو مقصوده من الافتداء.

وأما المثلثة فبنص القرآن وهكذا قوله وبائنه ما خالفه فإن الكلام فيه هكذا.

قوله: "ومطلقه يقع في الحال وشروطه يترتب على الشرط".

أقول: أما وقوع المطلق في الحال فظاهر لا يحتاج إلي ذكره لان تجرد اللفظ عن التقييدات يوجب ان يكون زمانه زمان التكلم به اذ هو مقتضى اللفظ ولا صارف يصرف عنه.

وأما كون مشروطه يترتب على الشرط فظاهر ومن شكك في وقوع الطلاق المشروط فهو لم يأت في تشكيكه بطائل فإن التقييد بالشروط في الكتاب والسنة لا يحيط به الحصر فضلا عن كلام العرب وليس هذا التشكيك مختصا بالطلاق بل يجري في جميع الابواب وفي كل شرط مستقبل في اللغة العربية باسرها وهذا دفع للشرع بالصدر فضلا عن كونه ردا للغة العرب.

قوله: "أو مشيئة الله".

أقول: قد جاءت السنة الصحيحة بأن التقييد بالمشيئة يوجب عدم وقوع ما علق بها كمن حلف ليفعلن كذا إن شاء الله فإنه لا يلزمه حكم اليمين في هذا أو غيره فالمعلق للطلاق بالمشيئة إن أراد هذا المعنى لم يقع منه الطلاق وان أرادا لطلاق إن كان الله سبحانه يشاؤه في تلك الحال فإن كان ممسكا بها بالمعروف وهي مطيعة له فالله سبحانه لا يشاء طلاقها.

وإن كان غير ممسك بالمعروف فقد أراد الله سبحانه منه في تلك الحالة ان يسرحها بإحسان كما قال في كتابه العزيز فمراده هو ما في كتابه من التخيير بين الامساك بالمعروف والتسريح بالاحسان.

وإن أراد ما يريده غالب الناس من لفظ التقييد بالمشيئة فإنهم يريدون تأكيد وقوع ما قيدوه بها في الاثبات وتأكيد عدم وقوع ما قيدوه بها في النفي وقع الطلاق المقيد بالمشيئة لأنه قد أراد الفرقة بعبارة مؤكدة.

وأما قوله: "وآلاته" الخ فالمصنف رحمه الله إنما اقتصر على هذه لكونها أمهات الات الشرط كما صرح هو بذلك.

ص: 406

قوله: "ولا يقتضي التكرار الا كلما".

أقول: لهذا صحيح لانها تقتضيه لذاتها بخلاف عيرها فا متى لا تدل على تكرار كما يعلم من قول القائل متى جئتني اكرمتك فإنه لا يراد بهذا أنه يكرمه في كل وقت من أوقات مجيئه وأما كلما فإنها دالة على التكرار دلالة بينة واضحة ولا ترد لغيره الا لقرينة تصرفها عما هو اصلها وأما تكرر المعلق على علة بتكررها فهذا بحث آخر ليس المصنف بصدد بيانه.

قوله: "ولا يقضتي الفور الا إن في التمليك".

أقول: إن كان هذا الاقتضاء من هذا الحرف فهو محتاج إلي نقل عن أهل اللغة وإن كان ذلك بخصوص كونها في التمليك فلا شك أنه لم يرد ما يدل على الفور في مثل قول الرجل لامرأته طلقي نفسك إن شئت فإن المشيئة منها كما يصح اعتبارها في الحال يصح اعتبارها في الاستقبال وكذا قوله وغير ان وإذا مع لم فإنه لم يرد ما يدل على هذه الدعوى من شرع ولا لغة وان كان هذا الاقتضاء هو مجرد اصطلاح للمصنف وأهل محله فلا مشاحة في الاصطلاحات.

قوله: "ومتى تعدد لا بعطف فالحكم للأول" الخ.

أقول: ايقاع القيود بعدالكلام يوجب ان يكون كلها قيودا له فيقول القائل انت طالق إن أكلت إن شربت هو كقوله انت طالق إن أكلت انت طالق إن شربت فيقع الطلاق بواحد منهما فإن أكلت طلقت وإن شربت طلقت ولا فرق بين المتقدم في كلامه والمتأخر بل الاعتبار بما تقدم وقوعه من المرأة هكذا ينبغي ان يكون الكلام في هذا المقام.

وأما مع العطف فيما اقتضاه العاطف من جمع أو ترتيب كان العمل عليه وهو ظاهر فالقائل انت طالق إن أكلت وشربت لا يقع طلاقه الا بمجموع الأكل والشرب وإن قال إن أكلت ثم شربت فلا يقع طلاقه الا بوقوع الأكل أولا ثم الشرب ثانيا وهكذا في التخيير تطلق بواحد منهما.

[فصل

ويصح التعليق بالنكاح والطلاق نفيا وإثباتا لواحدة أو اكثر وبالوطء فيقع بالتقاء الختانين والتتمة رجعة في الرجعي وبالحبل قيل ويكف بعد الانزال حتى يتبين وبالولادة فيقع بوضع متخلق لا وضع الحمل فبمجموعه وبالحيض فيقع برؤية الدم إن تم حيضا قوله فصل ويصح التعليق بالنكاح والطلاق] الخ.

أقول: لا حاجة لذكر هذا الفصل فإنه يغني عنه ما تقدم من تجويز الطلاق المشروط ووقوعه عنه وقوع شرطه وهذه الصورة المذكورة في هذا الفصل هي داخلة تحت ذلك العموم فإن قول

ص: 407

الزوج إن نكحت فلانة أو طلقتها فأنت طالق وكذا قوله إن وطئتها وكذا قوله إن ولدت فأنت طالق وإن حضت فأنت طالق هي طلاقات مشروطة فهي داخلة فيما تقدم ولعله أراد ان يبين ما ذكره من ان التتمة رجعة في الرجعى وان الولادة تكون بوضع مولود متخلق ووضع الحمل لا يكون وضعا الا بوضع المجموع ولكن لا يخفاك ان بيان مثل هذه الامور لا يلجىء إلي هذا التكرار الطويل مع وضوح الامر في هذه الاشياء وعدم خفائها حتى يقتضي ذلك بيانها.

[فصل

وما علق بمضي حين ونحوه قيل وقع بالموت ومنه إلي حين ويقع بأول المعين وأول الأول إن تعدد كاليوم غدا ولو بتخيير أو جمع غالبا ويوم يقدم ونحوه لوقته عرفا وأول آخر اليوم وعكسه لنصفه أمس لا يقع وإذا مضى يوم في النهار لمجيء مثل وقته وفي الليل لغروب شمس تاليه والقمر لرابع الشهر إلي سبع وعشرين والبدر لرابع عشر فقط والعيد وربيع وجمادي وموت زيد وعمرو لأول الأول وقبل كذا للحال وبشهر لقبله به وقبل كذا وكذا بشهر لقبل أخرهما به ويدخله الدور ولا يصح التحبيس وهو متى وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ومهما لم يغلب وقوع الشرط لم يقع المشروط وما أوقع على غير معين كإحداكن أو التبس بعد تعينه أو ما وقع شرطه أوجب اعتزال الجميع فلا خيرجن الا بطلاق فيجبر الممتنع فإن تمرد فالفسخ ولا يصح منه التعيين ويصح رفع اللبس برجعة أو طلاق] .

قوله: فصل: "وما علق بمضى حين ونحوه" الخ.

أقول: إن كان الحين مشتركا بي ما يطلق عليه من الحصص الزمانية فلا بد ان يريد واحدة منها ولا تطلق بمجرد وقوع اللحظة اليسيرة لانها أحد معاني الحين فهي كغيرها لا مرجع لها على ما هومن جملة معاني الحين حقيقة وإن كان لاحين حقيقة في واحد منها مجازا فيما عداه لم تطلق الا بالحين الحقيقي الا ان يكون مريدا للمجاز فله أرادته.

وإن كان الحين مطلقا في أفراده يتنأولها على جهة البدل كرجل فإن أراد واحدا منها كان الطلاق واقعا بمضية وان لم يرد وقع الطلاق بما يصدق عليه ذلك المطلق وأول ما يصدق عليه اللحظة من الزمان.

وأما قول المصنف: "ومنه إلي حين" فليس مراده ما يدل عليه لفظ إلي من كون الطلاق مغيا بغاية هي مضي الحين فإن هذه الأرادة لا تصدر من متشرع فضلا عن عالم فليس مراده الا ان إلي هنا بمعنى مع فكأنه قال انت طالق مع مضي حين فإذا مضى طلقت.

ص: 408

وأما قوله: "ويقع بأول المعين" فصحيح لان ذلك الوقت قد صار زمانا لوقوع الطلاق وليس بعضه أولى من بعض فتطلق لدخول ذلك الوقت المعين حيث لم يكن متعددا وبأول وقت يدخل من المتعدد وإن كان الظاهر أنه قد جعل المتعدد وقتا للطلاق فيرجع إلي أرادته إن كان له أرادة كان العمل عليها وإن كان لا أرادة له فكما قدمنا أنه في حكم الواحد فيقع بدخول جزء من الوقت.

وأما التخيير فالظاهر أنه لا جزم بوقوع الطلاق في احدهما فإذا قال: أنت طالق اليوم أو غدا فإن كان له أرادة كان العمل عليها وإن لم تكن له أرادة فلا يقع بمضي اليوم طلاق بل لا يقع الا بدخول جزء من الغد لعدم استقرار الكلام مع حرف التخيير فإنه إنما يكون للشك أو التشكيك.

وما الجمع نحو ان يقول انت طالق اليوم وغدا فإنه قد صار الجمع كالوقت الواحد لما يقتضيه حرف الجمع ويقع بدخول جزء من اجزاء الأول.

وأما قوله: "ويوم يقدم ونحوه لوقته عرفا" فهذا صحيح إن كان ثم عرف وإلا فالظاهر انها تطلق بأول جزء من اليوم الذي قدم فيه ويكون قدومه كاشفا عن وقوع الطلاق في أول اليوم.

وأما قوله: "وأول آخر اليوم وعكسه لنصفه" فالظاهر أن آخر اليوم وهو آخر اجزائه فتطلق في أول هذا الجزء ولا يتحقق وقوع هذا الطلاق الا بانقضاء اليوم كله وتطلق في العكس عند مضى جزء من أول اليوم. لانه يصدق بمضي ذلك الجزء أنه آخر أول اليوم.

وأما كون امس لا يقع فظاهر لأنه قد انقضى فلم يبق منه ما يكون وقتا لوقوع الطلاق.

وأما قوله: "وإذا مضى يوم في النهار فلمجيء مثل وقته" فالظاهر أنه لا بد من مضي يوم مستقل من غير اعتبار الكسر لان هذا هو المعنى الحقيقي فلا تطلق الا بمضي اليوم المستقبل كله كما لو قال ذلك وهو في الليل.

وأما قوله: "والقمر لرابع الشهر" الخ فإن كان هذا مدلوله اللغوي فلا باس به وإلا فالظاهر أن يقال له قبل الكمال هلال وهكذا اختصاص البدر بليلة رابع عشر إن كان ذلك مدلولا لغويا فلا بأس والا فالظاهر أنه يقال له بدر ما بقي كاملا:

توفي البدور النقص وهي أهلة

ويدركها النقصان وهي كوامل

وأما قوله: "والعيد وربيع وجمادي" الخ فليس لذكر هذا فائدة يعتد بها بعد قوله ويقع بأول المعين وأول الأول.

وأما قوله: "وقبل كذا للحال" فصحيح لأن وقت التكلم هو أول الأوقات القبلية وليس المراد القبلية المطلقة والا لزم ان لا يقع الطلاق بل يكون كقوله انت طالق امس ووجهه أن هذه القبلية لذلك الامر الذي سماه كائنة قبل التكلم.

وأما قوله: "وقيل كذا وكذا بشهر لقبل آخرهما به" فالظاهر ان القبلية المنسوبة إلي الشيئين

ص: 409

المذكورين تكون قبل أولهما ولا وجه لجعلها مختصة بقبلية الاخر فإذا دخل أولهما وقد مضى من وقت التكلم شهر فصاعدا كشف عن وقوع الطلاق قبله الشهر وأما إذا دخل أولهما قبل مضى شهر فالظاهر عدم وقوع الطلاق كما لو قال انت طالق امس.

قوله: "ويدخله الدور".

أقول: الدور هو عدم تناهي التوقفات في أمور متناهية كأن يتوقف كل واحد من الامرين على الاخر مثلا فلا ينجز واحد منهما لأنه متوقف على الاخر والاخر متوقف عليه فهذا المطلق الذي جاء في طلاقه بما يقتضي الدور لم يرد ايقاع الطلاق فلا يقع طلاقه لعدم أرادته ولعدم اقتضاء ما جاء به من الدور للوقوع فمن قال إنه يقع الطلاق المشتمل على الدور فهو لم يصب لأنه إن أراد وقوعه من حيث الصيغة فهي متمانعة كما هو شأن الدور وإن أراد وقوعه من حيث الأرادة فهو بحث آخر.

وأما قوله: "ولا يصح التحبيس" فهو راجع على ما قدره من أنه يدخله الدور بالنقض لأنه صادق على التحبيس معنى الدور فإن قوله في مثاله وهو تى وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا قد جعل هذا الطلاق متوقفا على وقوع الثلاث ووقوع الثلاث متوقفا على وقوع الطلاق وهذا هو الدور لصدق حقيقته التي قدمنا ذكرها عليه فلا عذر لمن قال بأنه يدخل الطلاق احدهما ان يقول بعدم دخول الاخر.

ومن قال بعدم دخول الطلاق احدهما ان يقول بدخول الاخر والحاصل ان الطلاق الذي وقع على هذه الصفة ينبغي الرجوع إلي مدلول لفظه وقد وجدنا اللفظ الذي جاء به متمانعا لا يقع بعضه الا بوقوع البعض الاخر فلا يجوز لنا ان نحكم بالوقوع لأنه حكم على الزوج بغير ما تكلم به وتفويت لزوجته وإخراج لها من عقد نكاحه بغير صدور ما يدل على ذلك منه فالحكم بالوقوع فيه ظلم له من هذه الحيثية.

وأما استدلال من ابطل الدور والتحبيس بأن ذلك بدعة وأنه على غير ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يلزم منه ان يمتنع منه إيقاع الطلاق عليها دائما وهو مأذون به فهو استدلال لشيء آخر وقد عرفت ان الله سبحانه جعل الطلاق بيد الازواج فلهم ان يطلقوا متى شاءوا ولهم ان لا يطلقوا ابدا وهذا الذي جاء بالدور قد أراد ان لا يطلق أبدا فما المانع من هذا؟

قوله: "ومهما لم يغلب وقوع الشرط لم يقع المشروط".

أقول: الاصل عدم الوقوع فلا يقع الطلاق الا إذا تيقن وقوع الشرط ولا يكفي مجرد الظن وإنما اعتبره المصنف هنا لما سيأتي من أنه يكفي الظن الغالب في النكاح تحريما ولكن الذي ينبغي ها هنا ان لا ينتقل عن الاصل الذي هو عدم وقوع الشرط الا بعلم لا بظن.

قوله: "وما أوقع على غير معين" الخ.

أقول: هذه الصور ينبغي تحقيق الكلام فيها بما يظهر به الصواب إن شاء الله.

أما الصورة الأولى أعني قوله: "وما أوقع على غير معين فإحداكن" فالمتكلم بهذا اللفظ مخاطبا به زوجاته قد أراد ايقاع الطلاق على واحدة منهن غير معينة ولم يجعل لنفسه في الامر

ص: 410

سعة فلا وسع الله عليه قد صارت احداهن طالقا بيقين وكل واحدة يحتمل ان تكون هي المرادة وان تكن غير المرادة فلا تحل له واحدة منهن الا بعد رجعة في الطلاق الرجعى لكل واحدة وللواحدة التي ابهمها ولكن تحسب هذه طلقة على كل واحد ولا وجه ها هنا للرجوع إلي البراءة فقد وقع منه طلاق واحدة بيقين وعدم تعينها لا يستلزم عدم وقوع ذلك الطلاق لا عقلا ولا شرعا ولا لغة ولا عرفا.

وهكذا الكلام في الصورة الثانية أعني قوله: "أو التبس بعد تعيينه" بل الوقو في هذه الصورة اظهر من الوقوع في الصورة التي قبلها لانها قد طلقت واحدة منهم معينة بيقين.

وأما الصورة الثالثة اعني قوله: "وما وقع شرطه" فإن كان ذلك الشرط دائرا بين نقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان وهي القضية المانعة للجمع والخلو معا نحو ان يقول لشبح رآه إن كان هذا حيوانا فزينب طالق وإن كان غير حيوان ففاطمة طالق والتبس بعد ذلك ما هو فمعلوم أنه قد وقع الطلاق على إحداهما وتكون هذه الصورة مثل الصورتين الأوليين.

وأما إذا كان ذلك الشرط دائرا بين شيئين غير متناقضين كأن يقول إن كان هذا الطائر غرابا فزينب طالق وإن كان حدأة ففاطمة طالق فلا يقع الطلاق ولا يجب عليه الاعتزال لأنه يجوز ان يكون ذلك الطائر غير الغراب وغير الحدأة.

ولعل المصنف لا يريد الا المثال الأول في هذه الصورة لا المثال الثاني فعرفت بهذا صحة ما ذكره من وجوب الاعتزال وصحة قوله فلا يخرجن الا بطلاق وهكذا لا يرجعن إلي نكاحه الا برجعة لمن وقع عليها الطلاق أو لكل واحدة إذا كان الطلاق رجعيا أو بعقد على المبهمة أو على كل واحدة إذا كان الطلاق بائنا.

وأما قوله: "فيجبر الممتنع فإن تمرد فالفسخ" فصواب لانهن قد صرن معلقات عن النكاح مع حصول الاضرار بهن بالاعتزال فإذا لم يطلق كان الفسخ من الحاكم هو الواجب عليه دفعا لما صرن فيه من الضرار مع حبسهن عن الازواج.

وأما قوله: "ولا يصح منه التعيين" فإن كان هذا التعيين لامر اقتضى ارتفاع اللبس فكيف لا يقبل منه التعيين عند حصول مقتضيه وزوال مانعه هـ وإن كان التعيين منه لا لارتفاع سبب اللبس بل مجرد التشهي فلا وجه له ولا يصح بحال.

وأما قوله: "ويصح رفع اللبس برجعة أو طلاق" فظاهر.

[فصل

ولا يجوز التحليف به مطلقا ومن حلف مختارا أو مكرها ونواه حنث المطلق ليفعلن بموت أحدهما قبل الفعل والمؤقت بخروج آخره متمكنا من الحنث والبر

ص: 411

ولم يفعل ويتقيد بالاستثناء متصلا غير مستغرق ولو بمشيئة الله تعالي أو غيره فيعتبر المجلس وغير وسوى للنفي والا له مع الاثبات وقيل الا ان للفور] .

قوله: فصل: "ولا يجوز التحليف به مطلقا".

أقول: لا يجوز التحليف به ولا بغيره والحلف إنما هو بالله عز وجل وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله وأمر بالحلف به والاحاديث في هذا الباب كثيرة.

وأما قوله: "ومن حلف مختارا أو مكرها ونواه حنث" فاعلم ان إيقاع الطلاق على الزوجة قد يكون بإنشاء لفظ يدل عليه أو بالاخبار عن وقوع طلاق منه متقدم أو بالشرط نحو إن دخلت الدار فأنت طالق.

وأما قول القائل: عليه الطلاق أو يلزمه الطلاق ونحو ذلك فليس من ذلك في شيء ولم يجعله الله على رجل طلاقا ولا ألزمه احدا من عباده به ولا يصح من العبد ان يجعل على نفسه غير ما جعله الله عليه ويلزمها غير ما الزمه الله به وهو لم يكن مريدا بالحلف بالطلاق فراق زوجته وإخراجها من حباله حتى يكون هذا اللفظ بمنزلة كنايات الطلاق بل هو لم يرد الا تأكيد وقوع ما حلف على وقوعه أو تأكيد نفي ما حلف على نفيه فمن قال عليه الطلاق ليفعلن كذا أو عليه الطلاق ما فعل كذا أو يلزمه الطلاق ليفعلن أو ما فعل فليس المراد له والمقصود منه عند التكلم بهذا الكلام الا وقوع ذلك الامر أو عدم وقوعه ولكنه أراد ان يشعر السامع بحرصه وتكالبه على الوقوع أو عدمه.

وإذا تقرر لك هذا علمت ان وقوع الطلاق بمجرد الحلف به في حيز الاشكال لأنه إلزام نفسه بما لا يلزمها لا من جهة الشرع ولا من جهة الشخص نفسه ولم يكن في لفظه ما يدل على الفرقة ولا ظهر منه حال الحلف أنه مريد للطلاق بهذا اللفظ الذي جاء به حال التكلم به ولا أنه مريد له في المستقبل لأنه بصدد الاخبار بحرصه على وقوع ما حلف عليه بالطلاق أو عدم وقوعه.

وبالجملة فليس في الشرع ما يدل على وقوع هذا الطلاق ولا في اللفظ ولا في القصد فتدبر هذا.

قوله: "ويتقيد بالاستثناء".

أقول: هذا صحيح ولا يحتاج إلي التنصيص عليه فكل كلام إذا قيد بقيد كان ذلك القيد معتبرا من غير فرق بين الاستثناء وغيره ولا بد ان يكون الاستثناء متصلا غير مستغرق كما قال.

وأما قوله: "ولو بمشيئة الله تعالي" فقد قدمنا الكلام على ذلك وهكذا التعليق بمشيئة غير الله سبحانه فإن الاعتبار بما يختاره حال التكلم بهذا الكلام والتشكيك في مثل هذا هذيان لا يلتفت اليه.

وأما قوله: "وغير وسوى للنفي" فمسلم ان أراد الدلالة المنطوقية لا إذا أراد مطلق الدلالة

ص: 412

فإنهما يدلان بمفهومها على إثبات المقدار الذي توجها إلي نفي ما عداه وإن كانت دلالة الا أوضح من دلالتهما على ذلك.

وأما قوله: "قيل: وإلا للفور" فغير مسلم لان الصيغة لا دلالة لها على ذلك وأما مجرد الأرادة والاعراف فباب آخر.

[فصل

ويصح توليته أما بتمليك وصريحه ان يملكه مصرحا بلفظه أو يأمر به مع إن شئت ونحوه والا فكنابة كأمرك أو امرها اليك أو اختاريني أو نفسك فيقع واحدة بالطلاق أو الاختيار في المجلس قبل الاعراض الا المشروط بغير إن ففيه وبعده ولا رجوع فيهما ولا تكرار الا بكلما وأما بتوكيل منه ان يأمر به لا مع إن شئت ونحوه فلا يعتبر رالمجلس ويصح الرجوع قبل الفعل ما لم يحبس الا بمثله ومطلقه لواحدة على غير عوض ويصح تقييده وتوقيته والقول بعد الوقت للأصل في نفي الفعل لا حاله فللوكيل] .

قوله: فصل: "ويصح توليته" الخ.

أقول: الطلاق لما كان إلي الزوج كان له ان يجعله بيد غيره ولا مانع من ذلك لا من شرع ولا من عقل ولا من لغة فله ان يأمر من يطلق عنه بأي لفظ كان ومن ذلك ان يقول لزوجته امرك اليك أو يقول لغيرها امرها اليك أو يقول للمرأة اختاريني أو نفسك وقد ثبت أصل التخيير في كتاب الله سبحانه فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 28،29] ، ثم لما نزلت هذه الآية خير النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته وخاطب كل واحدة منهن بذلك كما في الصحيحين [البخاري "9/367"، مسلم "27/1477"] ، وغيرهما [أبو داود "2203"، الترمذي "1179"، النسائي "6/161"، ابن ماجة "2052"] . وأما كونه لا يقع واحدة بالطلاق ممن جعل الزوج الامر اليه أو بالاختيار من الزوجة فظاهر لأن المطلق ينصرف إلي ذلك ويصدق بالواحدة الرجعية.

وأما اشتراط ان يكون ذلك في المجلس فلا دليل يدل عليه بل الظاهر أنه يصح وإن طال الوقت ما لم يحصل الاضراب المشعر بعدم القبول.

وأما كونه لا يصح الرجوع من الزوج فلكونه قد صرف عن نفسه امرا هو اليه فصار الغير مسلطا عليه ويمكن ان يقال إنه إذا رجع قبل الفعل فالرجوع صحيح إلا أن يمنع عنه مانع شرعي أو عقلي ولا مانع هنا ولم يكن قد وقع الفعل فكان الرجوع في محله.

ص: 413