المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله: "فصل والنفاس كالحيض" الخ. أقول: هذا صحيح وأما اشتراك أن - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

[الشوكاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌[مقدمة لا يسع المقلد جهلها

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب النجاسات

- ‌[باب المياه

- ‌[باب ندب لقاضي الحاجة التواري

- ‌[باب الوضوء

- ‌[باب الغسل

- ‌[باب التيمم

- ‌[باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌[باب الأوقات

- ‌[باب الإذان والإقامة

- ‌[باب صفة الصلاة

- ‌[باب والجماعة سنة مؤكدة

- ‌[باب سجود السهو

- ‌[باب والقضاء

- ‌[باب صلاة الجمعة

- ‌[باب ويجب قصر الرباعي

- ‌[باب وشرط جماعة الخوف

- ‌[باب وفي وجوب صلاة العيدين خلاف

- ‌[باب ويسن للكسوفين حالهما ركعتان

- ‌[كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌[باب في نصاب الذهب والفضة

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌[باب ولا شيء فيما دون ثلاثين من البقر

- ‌[باب ولا شيء فيما دون أربعين من الغنم

- ‌[باب " ما أخرجت الارض في نصاب فصاعدا ضم احصاده الحول

- ‌[باب " ومصرفها من تضمنته الآية

- ‌[باب والفطرة تجب من فجر أول شوال إلي الغروب

- ‌كتاب الخمس

- ‌كتاب الصيام

- ‌مدخل

- ‌[باب وشروط النذر بالصوم

- ‌[باب الاعتكاف وشروطه

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌باب العمرة

- ‌باب المتمتع

- ‌باب القارن

- ‌كتاب النكاح

- ‌مدخل

- ‌باب على واهب الأمة وبائعها استبراء غير الحامل

- ‌[باب الفراش

- ‌كتاب الطلاق

- ‌[باب إنما يصح من زوج مختار مكلف

- ‌[باب الخلع

- ‌[باب العدة

- ‌[باب الظهار

- ‌[باب الايلاء

- ‌[باب اللعان

- ‌[باب الحضانة

- ‌[باب النفقات

- ‌[باب الرضاع

- ‌كتاب البيع

- ‌مدخل

- ‌باب الشروط المقارنة للعقد

- ‌باب الربويات

- ‌[باب الخيارات

- ‌باب ما يدخل في المبيع

- ‌باب البيع غير الصحيح

- ‌باب المأذون

- ‌باب المرابحة

- ‌[باب الإقالة

- ‌[باب القرض

- ‌[باب الصرف

- ‌[باب السلم

- ‌كتاب الشفعة

- ‌كتاب الإجارة

- ‌مدخل

- ‌باب وإجارة الآدميين

- ‌باب المزارعة

- ‌باب الإحياء والتحجر

- ‌باب المضاربة

- ‌كتاب الشركة

- ‌مدخل

- ‌باب شركة الأملاك

- ‌باب القسمة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب العارية

- ‌كتاب الهبة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الوديعة

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌مدخل

- ‌[باب والتدبير

- ‌باب الكتابة

- ‌[باب الولاء

- ‌كتاب الأيمان

- ‌مدخل

- ‌[باب الكفارة

- ‌باب النذر

- ‌باب الضالة واللقطة واللقيط

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الأضحية

- ‌باب الأطعمة والأشربة

- ‌باب اللباس

- ‌كتاب الدعاوى

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كتاب الشهادات

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌باب التفليس

- ‌باب الصلح

- ‌باب الإبراء

- ‌باب الإكراه

- ‌باب القضاء

- ‌كتاب الحدود

- ‌مدخل

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد السارق

- ‌كتاب الجنايات

- ‌مدخل

- ‌باب الديات

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصايا

- ‌كتاب السير

الفصل: قوله: "فصل والنفاس كالحيض" الخ. أقول: هذا صحيح وأما اشتراك أن

قوله: "فصل والنفاس كالحيض" الخ.

أقول: هذا صحيح وأما اشتراك أن يكون متخلقا عقيبه دم فإن كان النفاس معنى شرعي يفيد هذا الاشتراط فذاك وإن لم يكن له معنى شرعي فالمرجع لغة العرب فإن ثبت فيها ما يدل على ذلك كان لهذا الاشتراط وجه وإلا فلا.

قوله: "وأكثره أربعون يوما"

أقول: قد تعاضدت الأحاديث الواردة بالأربعين وفي بعضها "أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت للنساء في نفاسهن أربعين يوما" أخرجه الحاكم وصححه وأخرجه البيهقي من طريق أخرى.

وقد ذكرنا في شرح المنتقى ما ورد في الباب وأما تضعيف من ضعف حديث أم سلمة بمسة الأزدية والقول بأنها مجهولة فلا نسلم جهالة عينها فقد روي عنها كثير بن زياد والحكم بن عتيبة وزيد بن علي بن الحسين بن علي وغيرهم وقد أثنى على حديثها البخاري وصحح الحاكم إسناده فالقول بأن أكثر أيام النفاس أربعون يوما هو أعدل الأقوال وأحسنها فإذا رأت الطهر قبل ذلك طهرت وإن لم تره فهي نفساء حتى تنقضي الأربعون ثم لا حكم لما خرج من الدم بعد ذلك.

ص: 95

‌كتاب الصلاة

‌مدخل

كتاب الصلاة

[فصل

يشرط في وجوبها عقل وإسلام وبلوغ باحتلام أو إنبات أو مضي خمس عشرة سنة أو حبل أو حيض والحكم لأولهما.

ويجبر الرق وابن العشر عليها ولو بالضرب كالتأديب] .

قوله: فصل: "يشترط في وجوبها عقل".

أقول: للإجماع على أن الصلاة وغيرها من الحكام التكليفية لا تجب على المجنون وحديث "رفع القلم عن ثلاث"[أبو دأود "4398"، النسائي "3432"، ابن ماجة "2041"] ، قد روى من طرق يقوى بعضها بعضا ويشهد بعضها لبعض فمن لا يكون عاقلا لا يتوجه إليه خطاب الشرع ما دام غير عاقل فلا يجب عليه الصلاة فجعل العقل شرطا للوجوب صحيح وهو مطابق لما ذكره أهل الأصول في حقيقة الشرط أنه ما يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجوده لأن الصلاة لا توجد بوجود نفس العقل وإن وجد مجرد طلبها منه وإيجابها عليه وهي تنتفي

ص: 95

بانتفاء العقل أعني الصلاة الشرعية فلا تجب على غير عاقل ولا تطلب منه.

وأما جعله للإسلام شرطا للوجوب فمخالف لما هو متقرر عنده وعنده من يقول بخطاب الكفار بالشرعيات وقد حكى بعض أهل الأصول أن ذلك إجماع أعني كونها واجبة عليهم وأنهم يعاقبون على تركها في الآخرة.

وأما جعله البلوغ شرطا للوجوب فحق للأدلة الدالة على رفع قلم التكليف عن الصبيان وللإجماع على ذلك وكونه يحصل باحد الأسباب التي ذكرها صواب أيضا.

واعلم أن الجلال رحمه الله قد جاء في شرحه في هذه الشروط والعلامات بمناقشات للمصنف خرجت به إلي خلاف الإجماع في غير موضع بل إلي خلاف ما هو معلوم بضرورة الشرع فلا نطيل الكلام معه في ذلك فإن بطلان ما ذكره لا يخفى على عارف وقد اعترضه الأمير رحمه الله في حاشيته بما يكشف بعض قناع ما لفقه من الهذيان الذي لم يجر على شرع ولا عقل.

قوله: "ويجبر الرق وابن العشر عليها ولو بالضرب كالتأديب".

أقول: أما الرق المحكوم له بالإسلام فإجباره على فعل الصلاة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيده أخص الناس بإجباره على ذلك وقد ورد الشرع بأنه يحده سيده إذا ارتكب ما يوجب حدا فهكذا يجبره سيده إذا ترك واجبا من غير فرق بين الصلاة وغيرها.

وأما ابن العشر فقد ورد النص بذلك وأما الاستشكال بانه كيف يضرب وهو غير مكلف فنقول المكلف بذلك وليه والشرع قد أباح ضربه لذلك كما يباح ضربه إذا أراد الإقدام على قتل من لا يجوز قتله أو أخذ ماله.

وأما قوله: "وكالتأديب" فإن أراد أن التأديب أصل وإجباره على الصلاة فرع فباطل وإن أراد تنظير أحد الأمرين بالآخر فلم يرد ما يدل على كون هذا التأديب مندوبا فضلا عن كونه واجبا.

[فصل

"وفي صحتها ستة: الأول: الوقت وطهارة البدن من حدث ونجس ممكني الإزالة من غير ضرر. الثاني: ستر جميع العورة في جميعها حتى لا ترى إلا بتكلف وبما لا يصف ولا تنفذه الشعرة بنفسها.

وهي من الرجل ومن لم ينفذ عتقه الركبة إلي تحت السرة ومن الحرة غير الوجه والكفين وندب للظهر والهبرية والمنكب.

الثالث: طهارة كل محمولة وملبوسة وإباحة ملبوسة وخيطه وثمنه المعين وفي

ص: 96

الحرير الخلاف فإن تعذر فعاريا قاعدا موميا أدناه فإن خشي ضررا أو تعذر الإحتراز صحت بالنجس لا الغصب إلا لخشية تلف وإذا التبس الطاهر بغيره صلاها فيهما وكذا ماءان مستعمل أو نحوه فإن ضاقت تحرى وتكره في كثير الدرن وفي المشبع صفرة وحمرة وفي السرأويل والفرو وحده وفي جلد الخز.

الرابع: إباحة ما يقل مساجده ويستعمله فلا يجزىء قبر وسابله عامره ومنزل غصب إلا لملجىء أحدهما ولا ارض هو غاصبها وتجوز فيما ظن إذن مالكه وتكره على تمثال حيوان كامل إلا تحت القدم أو فوق القامة وبين المقابر ومزاحمة نجس لا يتحرك بتحركه وفي الحمامات وعلى اللبود ونحوها.

الخامس: طهارة ما يباشره أو شيئا من محموله حاملا لا مزاحما وما يتحرك بتحركه مطلقا وإلا أومأ لسجوده

السادس تيقن استقبال عين الكعبة أو جزء منها وإن طلب إلي آخر الوقت وهو على المعاين ومن في حكمه وعلى غيره في غير محراب الرسول صلى الله عليه وسلم الباقي التحري لجهتها ثم تقليد الحي ثم المحراب ثم حيث يشاء آخر الوقت.

ويعفى لمتنفل راكب في غير المحمل ويكفي مقدم التحري على التكبيرة إن شك بعدها أن يتحرى أمامه وينحرف ويبني ولا يعيد المتحري المخطىء إلا في الوقت إن تيقن الخطأ كمخالفة جهة إمامه جأهلا.

ويكره استقبال نائم ومحدث ومتحدث وفاسق وسراج ونجس في القامة ولو منخفضة.

وندب لمن في الفضاء اتخاذ سترة ثم عود ثم خط"] .

قوله: "وفي صحتها ستة الأول الوقت".

أقول: اعلم أن الأسباب والشروط والموانع من أحكام الوضع والمرجع في حقائقها إلي ما دونه أئمة الأصول لأن البحث أصولي وقد ذكر أهل الأصول في ذلك ما اصطلحوا عليه فقالوا الشرط ما يؤثر عدمه في عدم المشروط ولا يؤثر وجوده في وجوه كالوضوء فإنه شرط للصلاة يؤثر عدمه في عدمها فلا تصح بغير وضوء ولا يؤثر وجوده في وجودها فإنه لا يؤثر مجرد فعل الوضوء في وجود الصلاة.

وأما السبب فهو ما يؤثر وجوده في وجود المسبب وعدمه في عدمه.

وإذا عرفت هذا علمت أن الوقت سبب لا شرط لأنه يؤثر وجوده في وجود المسبب وهو إيجاب فعل الصلاة ويؤثر عدمه في عدمه فإنها لا تجب الصلاة قبل دخول وقتها.

ص: 97

وذكر بعض أهل الأصول في حقيقة السبب أنه ما يؤثر وجوده في وجود المسبب ولا يؤثر عدمه في عدمه.

قوله: "وطهارة البدن من حدث ونجس ممكن الإزالة".

أقول: قد عرفناك ان الشرط هو ما يؤثر عدمه في عدم المشروط ولا يؤثر وجوده في وجوده فلا يثبت إلا بدليل يدل على أن المشروط يعدم بعدمه وذلك أما بعبارة مفيدة لنفي الذات والصحة مثل أن تقول لا صلاة لمن لا يفعل كذا أو لمن فعل كذا أو تقول لا تقبل صلاة من فعل كذا أو من لا يفعل كذا ولا تصلح صلاة من فعل كذا أو من لم يفعل كذا وأما مجرد الأوامر فغاية ما يدل عليه الوجوب والواجب ما يستحق فاعله الثواب بفعله والعقاب بتركه وذلك لا يستلزم أن يكون ذلك الواجب شرطا بل يكون التارك له آثما وأما أنه يلزم من عدمه العدم فلا.

وهكذا يصح الاستدلال على الشرطية بالنهي الذي يدل على الفساد المرادف للبطلان إذا كان النهي عن ذلك الشيء لذاته أو لجزئه لا لأمر خارج عنه.

إذا عرفت هذا علمت أن طهارة البدن من الحدثين شرط الصلاة لوجود الدليل المفيد للشرطية وأما طهارته من النجس فإن وجد دليل يدل على أنه لا صلاة لمن صلى وفي بدنه نجاسة أو لا تقبل صلاة من صلى وفي بدنه نجاسة أو وجد نهى لمن في بدنه نجاسة أن يقرب الصلاة وكان ذلك النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان صح الاستدلال بذلك على كون طهارة البدن عن النجاسة شرطا لصحة الصلاة وإلا فلا وليس في المقام ما يدل على ذلك فإن حديث الأمر بالإستنزاه من البول وأن عامة عذاب القبر منه ليس فيه إلا الدلالة على وجوب الاستنزاه فيكون المصلي مع وجود النجاسة في بدنه آثما ولا تبطل صلاته.

قوله: "الثاني ستر جميع العورة".

أقول: الأدلة الصحيحة قد دلت على وجوب ستر العورة في الصلاة وفي غيرها ولكن هذا الدليل الدال على الوجوب لا يدل على الشرطية كما عرفناك وأما ما ورد من "أن الله لا يقبل صلاة حائض إلا بخمار"[أبو دأود "641"، الترمذي "377"، أحمد "6/150، 218، 259"، ابن ماجة"655"] ، ونحوه قد عورض بما ورد من نفي قبول صلاة شارب الخمر وصلاة الآبق مع أنها تصح صلاتهما ولا وجه لهذه المعارضة لأن نفي القبول يستلزم نفي الصحة فإن ورد دليل يدل على صحة صلاة من ورد الدليل بأن الله لا يقبل صلاته كان ذلك مخصصا له فيكون نفي القبول في حقه مجازا عن عدم توفير الثواب.

قوله: "وهي من الرجل ومن لم ينفذ عتقه الركبة إلي تحت السرة".

أقول: العورة ينبغي الرجوع في تحقيقها وتقديرها إلي ما ورد في الشرع فإن ثبت ذلك في الشرع وجب تقديمه والرجوع إليه لأن الحقيقة الشرعية مقدمة على غيرها.

وإن لم تثبت في ذلك حقيقة شرعية وجب الرجوع إلي معناها وتقديرها عند أهل اللغة

ص: 98

لوجوب حمل كلام الشارع على اللغة إذا لم يتقرر في ذلك عرف شرعي.

وقد اتفق الشرع واللغة على أن القبل والدبر عورة من الرجل وزاد الشرع على الفخد فأخرج أبو دأود وابن ماجة والحاكم والبزاز من حديث علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلي فخذ حي ولا ميت" وفي إسناده ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت ولم يسمع منه قال أبو حاتم في العلل إن الواسطة بينهما الحسن بن ذكوان وفيه علة أخرى وهي أن حبيبا رواه عن عاصم ولم يسمع منه.

وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه عن محمد بن جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفخذ عورة" ورجاله رجال الصحيح غير أبي كثير وقد روي عنه جماعة وأخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه تعليقا.

وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفخذ عورة"[الترمذي "2796"] ، وفي إسناده يحيى القتات وفيه ضعيف.

وأخرج أحمد وأبو دأود والترمذي عن جرهد الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "غط فخذك فإن الفخذ عورة"[أحمد "3/478"، أبو دأود "4014"، الترمذي "2798"] ، وصححه ابن حبان وعلقه البخاري في صحيحه.

فهذه الأحاديث قد دلت على أن الفخذ عورة وإليه ذهب الجمهور وذهب أحمد ومالك في رواية عنه أهل الظاهر وابن جرير والإصطخري إلي أن العورة القبل والدبر وتمسكوا بأحاديث فيها دلالة على أن الفخذ ليس بعورة وذلك كما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كشف فخذه في خيبر وحديث أنه كان كاشفا لفخذه ثم لما دخل عثمان غطاها ولا يصلح مثل ذلك لمعارضة هذه الأحاديث.

أما الأول فقد اختلفت فيه الروايات هل هو الذي حسر الثوب عن فخذه أو انحسر الثوب بنفسه وأيضا تلك الحالة حالة حرب يغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها.

وأما الحديث الثاني فيمكن أنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد كشفه ولهذا غطاه وليس بعد التصريح منه صلى الله عليه وسلم بأن الفخذ عورة شيء.

ولم يثبت ما يدل على أن الركبة عورة بل ورد ما يدل على انها ليست بعورة كما في حديث "إذا زوج أحدكم خادمته عبده أو أجيره فلا ينظرن إلي ما دون السرة وفوق الركبة"[أبو دأود "4113 و 4114"] ، أخرجه أبو دأود وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

قوله: "ومن الحرة غير الوجه والكفين".

أقول: قد دل الدليل على أن هذا يجب عليها ستره من الرجال ولا يجوز لهم النظر إليه وأما كون صلاتها لا تصح إذا كانت خالية أو مع النساء أو مع زوجها أو محارمها فغير مسلم وغاية ما ورد في ذلك حديث "إن الله لا يقبل صلاة حائض إلا بخمار" كما أخرجه أبو دأود والترمذي وابن ماجة وأحمد من حديث عائشة فقد أعل بالوقف قال الدارقطني الوقف أشبه

ص: 99

وأعل أيضا بالإرسال كما قال الحاكم وغايته أنها لا تصح صلاتها إلا بستر رأسها لأن الخمار هو ما يستر به الرأس وليس فيه زيادة على ذلك.

وأما حديث أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصل المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار فقال: "إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها"[أبو دأود "640"] ، أخرجه أبو دأود والحاكم وقد أعل بالوقف قال ابن حجر وهو الصواب قال أبو دأود روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر وابن أبي ذئب وابن إسحق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة ولم يذكر واحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم يروونه عن أم سلمة انتهى.

فهذا الحديث لا تقوم به حجة لكونه من قول أم سلمة ولو سلمنا أن العمل على رواية من رفعه كما يقوله أهل الأصول فلا أقل من ان يكون هذا التفرد علة تمنع من انتهاضه للحجية.

قوله: "وندب للظهر والهبربة والمنكب".

أقول: لا دليل على ذلك فإن الندب حكم شرعي لا يجوز إثباته إلا بدليل وقد استدل على ندب ستر الظهر والمنكب بحديث أبي هريرة مرفوعا: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء"[البخاري "359"، مسلم "516"، أبودأود "626"، النسائي 770"] . وهو في الصحيحين وغيرهما والعاتق هو ما بين المنكبين إلي أصل العنق فليس فيه دليل على ستر الظهر وأيضا ليس المقصود من الحديث ستر المنكبين بل المراد منه أن يأمن من استرخاء الثوب وسقوطه وقد ثبت ما يفيد هذا المعنى من حديث أبي هريرة عند البخاري وغيره قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى في ثوب واحد فليخالف بطرفيه"[البخاري "360"، أبو دأود "628"] ، فليس المراد بالمخالفة إلا ما ذكرنا لا الستر للمنكب.

وأيضا قد ثبت من حديث جابر في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صليت في ثوب واحد فإن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به"[البخاري "1/472"، مسلم "3010"، أب دأود "634"] .

ويالله العجب من جعل ستر الهبريتين مندوبا فإنه لم يكن ذلك من رأي مستقيم فضلا عن أن يكون عن دليل.

قوله: "الثالث طهارة محموله وملبوسه"

أقول: قد قدمنا لك أن الشرطية التي يستلزم انتفاؤها انتفاء المشروط لا تثبت إلا بدليل خاص وهو ما قدمنا في طهارة البدن ولم يأت في طهارة الثياب حال الصلاة إلا ما غايته الأمر بالطهارة وذلك لا يستلزم الشرطية أصلا فجعل طهارة المحمول والملبوس شرطا من شروط الصحة ليس كما ينبغي.

وأشف ما استدلوا به حديث "أنه صلى الله عليه وسلم خلع نعله في الصلاة لما أخبره جبريل بأن فيها قذرا"[أحمد 3/20، 90"، أبو دأود "650"] ، ولا يخفاك أن هذا مجرد فعل يقصر عن الدلالة على الوجوب فضلا عن الدلالة على الشرطية.

ص: 100

ثم القائل بأن طهارة الثياب ليست بشرط هو أحق بالإستدلال بهذا الحديث لأنه يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعله وبنى على ما قد فعله من الصلاة قبل خلعه فلو كان وجود النجاسة والملبوس والمحمول يوجب بطلان الصلاة لما بنى صلى الله عليه وسلم على ما قد كان صلى.

قوله: "وإباحة ملبوسه وخيطه وثمنه المعين"

أقول: تخصيص الملبوس باشتراط الحل والإباحة دون المحمول مبني على اصطلاح وقع للمشتغلين بالفقه في هذه الديار وهو خطأ وقد بني عليه الخطأ.

ولا بد من ان يكون ما دخل به المصلى في صلاته مما يجعله على بدنه كائنا ما كان حلالا فإن كان مغصوبا أو بعضه فعليه إثم الغصب وأما أنها لا تصح الصلاة فيه فمبني على ورود دليل يدل على ذلك نعم قد انضم إلي إثم النصب إثم دخوله في الصلاة بما هو مأمور بخلافه وإذا صح حديث ابن عمر الذي أخرجه أحمد بلفظ "من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفيه درهم حرام لم يقبل الله عز وجل له صلاته ما دام عليه"[أحمد "98"] ، ثم أدخل إصبعه في أذنيه وقال صمتا إن لم أكن سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم كان دليلا على عدم صحة صلاة من كان عليه شيء غير حلال وأما ما قيل إن ذلك تشديد كسائر ما ورد فيه الوعيد بنفي القبول من العاصي فمردود بل الواجب علينا تفسير نفي القبول بالمعنى الظاهر العربي.

وإذا ورد ما يدل على صحة صلاة من ورد النص بنفي قبولها منه كان ذلك مخصصا له من العموم كما تقدم.

قول: "وفي الحرير خلافة".

أقول: من قال بتحريم لبسه مطلقا كان لبسه في حال الصلاة أحق بالتحريم لأنه دخل في عبادة الرب سبحانه لابسا ما حرمه وتوعد على لبسه فعليه إثم فاعل المحرم وعقوبته وأما أن صلاته تبطل فهذا يحتاج إلي دليل يدل على ذلك ولا يدل على ذلك إلا ما كان مفيدا لنفي صحة صلاة من صلى لابسا للحرير كما قدمنا بيان ذلك في أول هذا الفصل.

قوله: "فإن تعذر فعاريا قاعدا موميا أدناه".

أقول: قد جعل الله في الأمر سعة وفي الشريعة الواردة باليسر ما يخفف الخطب على هذا الذي لم يجد ما يستر به عورته إلا ما كان متنجسا فيدخل في الصلاة على تلك الهيئة المنكرة كاشفا سوءته ثم يترك بعض أركانها ولا شك أن الصلاة بالثوب المتنجس أهون من ذلك فتكون الصلاة في هذه الحالة في الثوب المتنجس عفوا للضرورة وللوقوع فيما هو أشد مما فر منه وقد جاز أكل الميتة عند عدم وجود ما يسد الرمق والشريعة مهيمنة على رعاية المصالح ودفع المفاسد والمعأدلة بين المفاسد إذا كان ولا بد من الوقوع في واحد منها.

وهكذا تجوز الصلاة في الثوب المغصوب إذا كان لا يجد غيره من ثياب ولا شجر يستر عورته وقد اجاز الله مال الغير لسد الرمق وهذا مع عدم خشية الضرر فأما مع خشية التلف فالأمر أوضح ولا وجه للتقيد بخشية التلف وهكذا.

ص: 101

ولا وجه لقوله: "وإذا التبس الطاهر بغيره صلى فيهما"

بل يكون اللبس مع عدم وجود غيرهما مسوغا للصلاة بأحدهما للضرورة وأما الصلاة فيهما فذلك يستلزم مفسدة عظيمة ورد النهي عنها وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلي صلاة في يوم مرتين"[أحمد "2/19 و 41"، النسائي "2/114"، أبو دأود "579"]، وقوله:"لا ظهران في يوم" والحديثان صحيحان.

وأما التباس الماء الطاهر بالمتنجس فيعدل إلي التيمم لأن عدم تميز الطاهر كعدمه فهو غير واجد لماء يرفع به الحدث.

قوله: "وفي المشبع صفرة وحمرة".

أقول: هذا المقام من المعارك والحق أنه يتوجه النهي عن المعصفر إلي نوع خاص من الأحمر وهو المصبوغ بالعصفر لأن العصفر يصبغ صباغا أحمر فما كان من الأحمر مصبوغا بالعصفر فالنهي متوجه إليه وما كان من الأحيمر غير مصبوغ بالعصفر فليس جائزا وعليه يحمل ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من أنه لبس الحلة الحمراء وقد أطلنا الكلام في شرحنا للمنتفى على هذا البحث وذكرنا الأحاديث المختلفة والكلام عليها والجمع بينها فليرجع إليه.

وأما المشبع صفرة فلا يستدل على المنع عن لبسه بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن لبس المعصفر لما قدمنا لك من أن المصبوغ بالعصفر يكون أحمر لا أصفر وهذا معلوم لا شك فيه ولم يرد ما يدل على تحريم الأصفر دلالة يجب المصير إليها ولا سيما وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صبغ بالصفرة ووقع التصريح في بعض الروايات بأنه صبغ بها لحيته وثيابه وكان ابن عمر يفعل ذلك اقتداء به صلى الله عليه وسلم.

قوله: "وفي السرأويل والفرو وحده"

أقول: أما السرأويل فقد أخرج أحمد والطبراني بسند رجاله ثقات من حديث أبي أمامة قال: قلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يتزرون فقال رسول الله: "تسرولوا واتزروا وخالفوا أهل الكتاب"[أحمد (5/264) ] وفي هذا الأذن بلبس السرأويل وهو يستر العورة سترا فوق ستر المئزر وقد وقع الخلاف هل لبسه النبي صلى الله عليه وسلم أم لا مع ثبوت أنه اشتراه وقد ذكرت ما ورد في ذلك في شرحي للمنتقى وقد استدلوا على الكراهة في الصلاة فيه وحده بما رواه أبو دأود عن بريدة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي في لحاف يتوشح به وأن يصلي في سرأويل ليس عليه رداء" [أبو دأود "636"، وفي إسناده أبو نميلة يحيى بن واضح الأنصاري المروزي وأبو المسيب عبيد الله بن عبد الله العتكي المروزي وفيهما مقال خفيف جدا وقد وثقا وأخرجه أيضا الحاكم ورمز السيوطي لصحته فكان هذا الحديث صالحا للاحتجاج به على الكراهة في السرأويل وحده.

وأما الكراهة في الفرو وحده فاستدلوا على ذلك بأنه مظنة لانكشاف العورة ولكن هذه المظنة ترتفع بأن يربطه بخيط أو يزره بشوكة ولعلهم لا يخالفون في زوال الكراهة بهذا.

ص: 102

قوله: "وفي جلد الخز"

أقول: قد أنكر بعض المتكلمين على هذا الكتاب وجود دابة تسمى الخز وقال إنه بحث في القاموس وغيره من كتب اللغة وبحث حياة الحيوان فلم يجد ذلك وفيه نظر فإنه قال في المصباح ما لفظه الخز اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها وقال الشيخ دأود في التذكرة في الطب ما لفظه الخز ليس هو الحرير كما ذكره ما لا يسع بل هو دابة بحرية ذات قوائم أربع في حجم السنانير ولونها إلي الخضرة يعمل من جلدها ملابس نفيسة يتدأوى بها ملوك الصين حارة يابسة في الشاتيه ينفع من النقرس والفالج وضعف الباءة والأمراض البلغمية ووبرها يبرىء الجراح ويقطع الدم وضعا ويسد الفتوق أكلا ولبسها يبرىء الجذام والحكة انتهى.

فعرفت بهذا اندفاع الاعتراض على المصنف ولكن لا وجه للقول بالكراهة لأن الأصل الحل على ما هو الحق ولا سيما إذا كان هذا الحيوان بحريا لما ورد في خصوص حيوانات البحر من كون ميتها حلالا.

قوله: "الرابع إباحة ما يقل مساجده ويستعمله"

أقول: لا شك أن من صلى في مكان مغصوب أو استعمل شيئا مغصوبا فقد فعل محرما ولزمه إثم الحرام وأما كون ذلك يمنع من صحة الصلاة فلا بد فيه من دليل خاص كما قدمنا تحقيقه وما قيل من انه عصي بنفس ما به أطاع فغير مسلم ولو سلم لم يكن دليلا على عدم صحة الصلاة المفعولة في المكان الغصب.

قوله: "فلا يجزىء قبر وسابلة".

أقول: استدلوا على هذا بحديث ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي أعطان الإبل وفوق ظهر بيت الله" رواه عبد بن حميد في مسنده والترمذي ["346"] ، وابن ماجة ["746"] قال الترمذي وإسناده ليس بذاك القوي وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظة وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقال حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أشبه وأصح من حديث الليث بن سعد والعمري ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه انتهى كلام الترمذي.

قال البخاري وابن معين زيد بن جبيرة متروك وقال أبو حاتم لا يكتب حديثه وقال النسائي ليس بثقة وصحح الحديث ابن السكن وإمام الحرمين.

فأما إمام الحرمين فليس من أهل هذا الشأن وأما ابن السكن فكيف يصحح ما كان في إسناده متروك.

ولكنه قد ورد في القبر ما تقوم به الحجة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما [مسلم "98/972"، أبو دأود "3229"، الترمذي "1050"]، من حديث أبي مرثد الغنوي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تصلوا إلي القبور ولا تجلسوا عليها" وأخرج أحمد ["3/183" و96"] ، وأبو

ص: 103

دأود ["492"] ، والترمذي ["317"] ، وابن ماجة ["745"]، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" وأخرج مسلم ["23/532"]، وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" وورد في الحمام غير حديث ابن عمر المشتمل على السبعة المواطن وهو حديث أبي سعيد المذكور قبل هذا.

وورد في أعطان الإبل ما أخرجه أحمد ["2/491"] ، والترمذي ["348"]، وصححه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل".

وكان على المصنف ومن تابعه أن يذكروا مع القبر والطريق بقية تلك المواطن السبعة.

قوله: "ومنزل غصب إلا لملجىء ولا أرض هو غاصبها".

أقول: قد أغنى عن هذا قوله: "وإباحة ما يقل مساجده" فإنه يفيد المنع من الصلاة في المنزل الغصب وفي الأرض الغصب ولا وجه لتقييد أرض الغصب بكون المصلي هو غاصبها فلا فرق أن يغصبها هو أو يغصبها غيره لأن جميع ذلك غير مباح للمصلي ولا حلال له.

وأما جواز الصلاة في الأرض التي يظن إذن مالكها فليس بصحيح لأن الظن لا يحلل مال الغير ولا يجوز به استعماله.

قوله: "وتكره على تمثال حيوان كامل".

أقول: قد وردت الأدلة الصحيحة القاضية بتحريم التصوير والنهي عنه وشدة الوعيد عليه وورد ما يدل على تغييره وعدم تركه في البيوت ومن ترك ذلك فقد ترك ما عليه من إنكار المنكر ولزمه من الإثم ما يلزم تارك المنكر وأما الصلاة عليه أو في المكان الذي هو فيه فلم يأتنا الشارع في ذلك بشيء ولعله وجه استثناء ما تحت القدم ما أخرجه أبو دأود والترمذي من حديث أبي هريرة "أن جبريل عليه السلام أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل من القرام الذي في بيت عائشة وسادتين توطآن"[أحمد "2/305" و 478"،أبو دأود "4158"، الترمذي "2807"] .

قوله: "وبين المقابر"

أقول: قد قدمنا الأدلة الصحيحة القاضية بالنهي عن الصلاة إلي القبر والنهي عن الصلاة في المقبرة وهي طية بين المقابر ولا وجه للفرق بين الصلاة على القبر والصلاة بين المقابر وجعل الأول مما لا يجزىء الصلاة وجعل الثاني مكروها فقط بل الكل منهي عنه ممنوع منه وإن كان في الصلاة على نفس القبر زيادة على الصلاة إليه والصلاة بين المقابر ولكن هذه الزيادة لم يعتبرها الشارع بل نهى عن الصلاة في المقبرة وذلك أعم من أن تكون الصلاة على نفس القبر أو بينه وبين قبر آخر أو إلي قبر إذ يصدق على الجميع أنه فعل الصلاة في المقبرة.

وإذا عرفت هذا علمت أنه كان يغني المصنف أن يقول: "ولا يجزىء في مقبرة" ويحذف ذكر بين المقابر.

ص: 104

قوله: "ومزاحمة نجس لا يتحرك بتحركه"

أقول: لا وجه للحكم بكراهة ذلك حيث لم يكن مما يتحرك بتحرك المصلي فإنه منفصل عنه فلا تحريم ولا كراهة وإن كان متصلا به أو يتحرك بتحركه فلا وجه لجعله مكروها فقط على مذهب المصنف بل هو محرم ولا تجزىء الصلاة معه فعرفت بهذا أنه لا وجه لذكر هذا ولا حاجة إليه على كل تقدير.

قوله: "وفي الحمام".

أقول: قد تقدم أن الحمام أحد السبعة المواطن التي ورد النهي عن الصلاة فيها وورد أيضا ذكر الحمام في حديث آخر كما سلف فلا وجه لجعل الصلاة على القبر وفي الطريق مما لا تجزىء الصلاة فيه وجعل الحمام مما تكره الصلاة فيه فقط فإن هذا تلاعب بالأدلة على غير صواب ولم يرد ما يصرف النهي عن الصلاة في الحمام إلي مجرد الكراهة حتى يكون ذلك وجها لكلام المصنف.

وينبغي النظر فيما يصدق عليه مسمى الحمام فالظاهر أنه الذي يغتسل فيه ويوقد عليه فلا يدخل في ذلك الصلاة في مكان منفرد عنه كالمكان الذي يسميه الناس المخلع.

قوله: "وعلى اللبود ونحوها".

أقول: ليس على هذا أثارة من علم أصلا ولا يحتاج إلي التبرع بالأدلة الدالة على خلافه فإن ذلك إنما يكوى عند أن يكون في المسألة اشتباه وأما هذه فليست بهذه المنزلة وما هذه بأولة مسألة لم يدل عليها دليل ومن غرائب الأكابر من أهل العلم أنه روى ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين أنهما قالا الصلاة على الطنفسة وهي البساط الذي تحته خمل محدثة وعن جابر بن زيد أنه كان يكره الصلاة على كل شيء من الحيوان ويستحب الصلاة على كل شيء من نبات الأرض وعن عروة بن الزبير أنه كان يكره أن يسجد على شيء دون الأرض وهذه المقالة من هؤلاء لا مستند لها إلا مجرد الوسوسة والشكوك الخالية عن الدليل.

وأما الإمامية وإن كانوا ليسوا بأهل للكلام معهم فمنعوا من صحة الصلاة على ما لم يكن أصله من الأرض

قوله: "الخامس طهارة ما يباشره". الخ.

أقول: جعل المصنف رحمه الله طهارة ملبوس المصلي ومحموله شرطا مستقلا كما سبق وجعل طهارة المكان الذي يصلي فيه شرطا آخر كما هنا وجعل طهارة البدن شرطا مستقلا كما تقدم وهذا تطويل وتكثير وشغلة للحيز فإنه جعل شروط الصحة ستة ثم جعل طهارة البدن والملبوس والمكان ثلاثة منها وكان يغنيه عن هذا كله أن يقول طهارة بدن المصلى وثيابه ومكانه ويجعل ذلك شرطا واحدا.

وإذا عرفت هذا فاعلم أن الكلام هنا كالكلام على طهارة البدن والثياب فإنهم لم يستدلوا

ص: 105

على طهارة المكان إلا بمثل قوله تعالي: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: 26] الآية وبقوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5] وقد عرفناك أن الشرط لا يثبت إلا بدليل خاص وأن دليل الوجوب لا يثبت به الشرطية وفيما أسلفناه كفاية فارجع إليه.

قوله: "السادس: تيقن استقبال عين الكعبة أو جزء منها".

أقول: قال الله تعالي: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] ، وشطره سواء كان جهته أو نحوه أو تلقاءه أو قبله على اختلاف تفاسير السلف للشطر يدل على أن استقبال الجهة يكفي من الحاضر والغائب إلا إذا كان حال قيامه إلي الصلاة معاينا للبيت لم يحل بينه وبينه حائل إلا إذا كان في بعض بيوت مكة أو شعابها أو فيما يقرب منها وكان بينه وبين البيت حائل حال القيام إلي الصلاة فإنه لا يجب عليه أن يصعد إلي مكان آخر يشاهد منه البيت بل عليه أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام وليس عليه غير ذلك ولم يأت دليل يدل على غير هذا.

وأما ما أخرجه البيهقي في سننه عن ابن عباس مرفوعا "البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي" فمع كونه ضعيف الا ينتهض للاحتجاج به هو أيضا دليل على ما ذكرنا لأن من كان في المسجد فهو معاين المبيت ولا حائل بينه وبينه وقد جعل البيت قبلة لأهل الحرم وذلك يدل على أنه لا يجب على أهل الحرم إلا استقبال الجهة وأما غيرهم فذلك ظاهر. والمراد ما بين المشرق والمغرب فإذا توجه إلى جهة التي بينهما فقد فعل ما عليه لحديث "ما بين المشرق والمغرب قبلة" أخرجه الترمذي [342،343] وابن ماجه [1011] من حديث أبي هريرة وأخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث ابن عمر ولا يحتاج المصلي أن يرجع في أمر القبلة إلي تقليد أحد من الأحياء ولا إلي المحاريب المنصوبة في المساجد فمحرابه ما بين المشرق والمغرب. وكل عاقل يعرف جهة المشرق والمغرب ولا يخفى ذلك إلا على مجنون أو طفل.

قوله: "ويعفى لمتنفل راكب"

أقول: قد دلت على هذا الأدلة الصحيحة الثابتة في الصححيحين وغيرهما إلا أن قوله: "في غير المحمل" إن كان وقوفا مع النص وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الاستقبال لراكب الدابة إذا أراد أن يتنفل فلا شك أن الأمر كذلك فإنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر من كان راكبا في محمل وإن كان يصدق عليه أنه راكب للدابة وإن كان لكون من في المحمل يمكنهم الاستقبال فهذا مسلم وغيره مثله فإنه إذا تمكن الراكب من الاستقبال استقبل سواء كان في محمل أو في غير محمل وإن كان لا يتمكن من الاستقبال كان له أن يتنفل إلي غير القبلة سواء كان في محمل أو في غيره فلا وجه لهذا الاستثناء.

قوله: "ولا يعيد المتحري المخطىء إلا في الوقت".

أقول: حديث السرية يرد ذلك وهو ما أخرجه أبو دأود الطيالسي وعبد بن حميد

ص: 106

والترمذي وضعفه ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم والعقيلي وضعفه أيضا الدارقطني وابو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن عامر بن ربيعة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلا فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا فيصلي فيه فلما اصبحنا إذا نحن قد صلينا إلي غير القبلة فقلنا يا رسول الله صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة فأنزل الله سبحانه {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، فقال:"مضت صلاتكم".

وأخرج الدارقطني وابن مردويه والبيهقي عن جابر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم تعرف القبلة فقالت طائفة منا القبلة ها هنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطا وقال بعضنا القبلة ها هنا من الجنوب فصلوا وخطوا خطوطا فلما اصبحوا وطلعت االشمس اصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما قفلنا من سفرنا سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت فأنزل الله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة: 115] الآية.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس بسند ضعيف نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عطاء نحوه

فهذه الأحاديث تدل على عدم وجوب الإعادة على المخطىء لا في الوقت ولا بعده وحديث أهل قباء المتفق عليه [البخاري "403 و 4491 و 4494 و 7151"، النسائي "2/61"، أحمد "2/16، 26، 105"، الترمذي "341"] ، أنهم كانوا في حال الصلاة مستقبلين بيت المقدس فلما سمعوا خبر المخبر لهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد استقبل الكعبة استداروا إلي الكعبة وقررهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يأمرهم بالإعادة مع أنهم قد صلوا بعض الصلاة إلي غير القبلة.

قوله: "ويكره استقبال نائم ومحدث ومتحدث".

أقول: استدلوا على ذلك بما رواه في جامع الأصول عن كتاب رزين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا خلف النيام ولا المتحلقين ولا المتحدثين"، وقد عرفناك أن ما تفرد به رزين لا يجوز العمل به ولا يصلح للاحتجاج لأنه جعل كتابه لجمع ما في الست الأمهات ثم ذكر أحاديث ليست فيها ولا يعرف من خرجها من غيرهم وقد زعم بعضهم أن هذا الحديث أخرجه أبو دأود في سننه ["694"]، ولم يوجد في السنن فينظر ولكنه أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نهيت أن أصلي خلف المتحدثين والنيام" وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة وفيه مقال وهو ثقة من رجال الصحيح.

وأخرج ابن عدي من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة خلف النائم قال ابن حجر في فتح الباري وإسناده واه.

وأخرج البزار من حديث على بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي إلي رجل فأمره أن يعيد الصلاة وفي إسناده عبد الأعلى التغلبي وهو ضعيف.

هذا حاصل ما في الباب والعلة في الكراهة اشتغال قلب المصلي إذا كان أمامه شيء مما

ص: 107

في الحديث وفي النائم قد يخرج منه شيء يؤذي المصلي وقد عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأنبجانية التي بعث بها إلي بعض الصحابة "إنها ألهته في صلاته""البخاري "373"، مسلم "61، 36/556"] ، وهو حديث صحيح وقال في قرام عائشة "أميطي عني قرامك هذا فإنه لا تزال تصأويره تعرض لي في صلاتي" وهو في الصحيح [البخاري "1/374" [، ولا جامع بين هذا وبين الأحاديث الواردة فيما يقطع الصلاة كالكلب والمرأة الحائض فإن هذا الذي نحن بصدده في كراهة استقبال الشيء المستقر في قبلة المصلي وأحاديث القطع في الشيء الذي يمر بين يديه.

ويعارض ما ورد في المنع من استقبال النائم ما ثبت في الصحيح [البخاري "382"، مسلم "512" أحمد "6/126"، أبو دأود "712، 714"، النسائي "1/101 – 102"، ابن ماجة "956"] ،من أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعائشة معترضة في قبلته والظاهر من كونها معترضة أنها كانت نائمة. ولهذا أورد في لفظ في الصحيحين [البخاري "512"، مسلم "268/512"] : "فإذا أراد أن يوتر أيقظني".

ولا شك أن اشتغال قلب المصلي باستقبال المرأة أكثر من اشتغاله باستقبال الرجل وأما توسيع دائرة الكلام إلي كراهة استقبال الفاسق والسراج والنجس فليس كما ينبغي ولو قال المصنف رحمه الله ويكره استقبال ما يلهي لكان ذلك أخصر وأشمل وأوفق بالأدلة.

قوله: "وندب لمن في الفضاء اتخاذ سترة" الخ.

أقول: هذه السنة ثابتة بالأحاديث الصحيحة الكثيرة ولا وجه لتخصيص مشروعيتها بالقضاء فالأدلة أعم من ذلك والكلام على مقدار السترة ومقدار ما يكون بينها وبين المصلي مستوفى في كتب الحديث وشرحه وأكثر الأحاديث مشتملة على الأمر بها وظاهر الأمر الوجوب فإن وجد ما يصرف هذه الأوامر عن الوجوب إلي الندب فذاك ولا يصلح للصرف قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه لا يضره ما مر بين يديه"[أحمد "2/249"، ابن ماجة "943"] ، لأن تجنب المصلي لما يضره في صلاته ويذهب بعض أجرها واجب عليه.

[فصل

وأفضل أمكنتها المساجد وافضلها المسجد الحرام ثم مسجد رسول الله ثم مسجد بيت المقدس ثم الكوفة ثم الجوامع ثم ما شرف عامره.

ولا يجوز في المساجد إلا الطاعات غالبا ويحرم البصق فيها وفي هوائها واستعماله ما علا.

وندب توقي مظان الرياء إلا من أمنه وبه يقتدى] .

قوله: فصل: "وأفضل أمكنتها المساجد" الخ.

ص: 108

أقول: أما المساجد الثلاثة فقد ورد النص على أن الصلاة فيها أفضل من غيرها مع تفاضلها في أنفسها فأخرج أحمد ["4/5"]، من حديث ابن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فصلاة فيه أفضل من مائة صلاة في هذا".

وأخرج أيضا ابن حبان بلفظ "وصلاة في ذلك أفضل من مائة صلاة في مسجد المدينة" قال ابن عبد البر اختلفوا على ابن الزبير في رفعه ووقفه ومن رفعه أحفظ وأثبت ومثله لا يقال بالرأي.

وأخرج ابن ماجه ["1406"]،من حديث جابر مرفوعا صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ورجال إسناده ثقات ورواه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء مرفوعا:"الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة".

قال البزار إسناده حسن.

وفي الصحيحين [البخاري"1132"، مسلم "506/94"] من حديث أبي هريرة "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة".

والظاهر أن الصلاة في هذه الثلاثة المساجد تكون أفضل من الصلاة في غيرها بذلك المقدار الذي بينه صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين الفرائض والنوافل كما يدل عليه تنكير الصلاة في هذه الأحاديث فلا يرد ما أورده الجلال في شرحه من البحث الذي بحثه ولم يثبت زيادة وأفضل من ذلك كله صلاة الرجل في بيت مظلم حيث لا يراه أحد إلا الله يطلب بها وجه الله ولكنه ثبت في الصحيحين [البخاري"731، 6113، 7290"، مسلم "213/781"] وغيرهما [الترمذي "450"، أبو دأود "1044"، النسائي "3/197 – 198"، أحمد "5/182 و 184 و 186"]، من حديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" قال الترمذي وفي الباب عن عمر وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وابن عمر وعائشة وعبد الله بن سعد وزيد ابن خالد وأما سائر المساجد فقد ورد ما يدل على فضل الصلاة فيها في الجملة كحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ الرجل فأحسن الوضوء ثم خرج إلي الصلاة لا يخرجه" أو قال "لا ينهزه إلا إياها لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة" أخرجه الترمذي ["103"] ، وقال حسن صحيح.

وأخرج مسلم ["41/251" [، وغيره ["الترمذي "51"، النسائي "1/89"، ابن ماجة "428"]، من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ " قالوا: بلى يا رسول الله قال: "إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلي المساجد وانتظار الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط".

ص: 109

وأخرج أبو دأود ["561"]،والترمذي ["223"] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بشر المشائين في الظلم إلي المساجد بالنور التام يوم القيامة".

وورد أيضا "من حافظ على هذه الصلوات حيث ينادى لها"[مسلم "257/654"، أبو دأود "550"، النسائي "2/108"، ابن ماجة "777"] ، الحديث.

وورد أيضا "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد".

وورد أيضا "أن منتظر الصلاة في المساجد في صلاة"[البخاري "659، 3229"، مسلم "5/166 – 167"، أبو دأود "470"] .

وورد أيضا عدم الترخيص لمن سمع النداء في حضور المسجد الذي ينادى للصلاة فيه وثبت الحث على بناء المساجد والترغيب في ذلك.

وحديث "أحب البلاد إلي الله مساجدها"[مسلم "671"] .

وهذه أحاديث معروفة مشهورة وهي تدل على مزيد خصوصية في الفضيلة للمساجد التي يجتمع الناس إليها وينادى للصلاة فيها وهي أخص من كون كل بقاع الأرض مسجدا لحديث "جعلت لي الأرض مسجدا" فهذا هو الوجه لقول المصنف رحمه: "وأفضل أمكنتها المساجد".

وأما جعل مسجد الكوفة في الشرف بعد الثلاثة المساجد فلم يثبت ذلك بدليل ولا كان للكوفة مسجد في أيام النبوة وكان الأولى أن يجعل مكان مسجد الكوفة مسجد قباء ومسجد عبد القيس بعد أن يذكر شرف البقاع التي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها.

وأما شرف الجوامع فإن كان لكثرة الجماعات فيها فليس ذلك بمختص بالمساجد بل صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ثم صلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل ثم كذلك كلما كثر الجمع في الجماعة كانت أزكى كما وردت السنة بذلك.

وأما قوله: "ثم ما شرف عامره" فليس ذلك بمزية توجب كون المسجد أفضل من غيره فضلا عن كون الصلاة فيه أفضل منها في غيره وما اسمج ما قال الجلال رحمه الله ها هنا من أن الأرض قد جعلها الله مسجدا على السواء وهو أعظم من كل عظيم فترجيح وضع العبد على وضع الرب مما لا ينبغي أن ينسب إلي ذي فهم انتهى.

ولا يخفاك أن المساجد التي جعلها العباد هي أحد بقاع الأرض التي جعلها الله مسجدا وليست غيرها ولا خارجة عنها حتى يتم ما قاله وكان ينبغي للمصنف رحمه الله أن يجعل مكان ما شرف عامره الصلاة في فلاة من الأرض فإنه قد ورد أنها بخمسين صلاة وقد ذكرنا في شرح المنتقي عند ذكر مصنفه لهذا الحديث ما ينبغي الرجوع إليه لما اشتمل عليه من الفائدة.

قوله: "ولا يجوز في المساجد إلا الطاعات".

أقول: هي التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنما هي لذكر الله والصلاة"[البخاري"6025"، مسلم "100/284"، الترمذي "147"، النسائي "1/175"، ابن ماجة "528"، أحمد "3/110 – 111"] وفي

ص: 110

لفظ: "إنما بنيت لذكر الله والصلاة" والحديث في الصحيح فإن هذا الحصر يدل أنه لا يجوز غير الصلاة والذكر في المسجد إلا بدليل كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أنزل وفد ثقيف في مسجده قبل إسلامهم وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أنزل وفد الحبشة في مسجده ولعبوا فيه بحرابهم وهو ينظر إليهم وفي كلا الفعلين مصلحة ظاهرة عائدة إلي الإسلام أما إنزال وفد ثقيف فلأجل يشاهدون عبادة المسلمين وتواضعهم لله وكثرة ذكرهم له فتلين قلوبهم وأما إنزال وفد الحبشة فلو لم يكن من ذلك إلا المكافأة لملكهم الصالح الذي هاجر إليه المسلمون فأحسن جوارهم وفعل بهم تلك الأفعال الحسنة وقد ثبت أنهم كانوا يتناشدون فيه الأشعار ولهذا قال حسان لعمر قد كنت أنشد وفيه يعني المسجد من هو خير منك.

وكان غالب ما يتناشدونه ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومد الإسلام وأهله وذم الكفر وأهله وفي ذلك مصلحة ظاهرة وبهذه الخصوصية يمتنع إلحاق غيره من الأشعار به.

ومما يدل على جواز تعلم العلم في المساجد وتعليمه ما أخرجه أحمد ["2/350، 418، 527"]، وأبوا دأود وإسناد رجاله ثقات عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيرا أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله ومن دخل لغير ذلك كان كالناظر إلي ما ليس له".

ومما ورد المنع منه في المساجد الحد والقصاص لما أخرجه أحمد ["3/343"] ، وأبو دأود ["4490"]، والدارقطني والحاكم وابن السكن والبيهقي من حديث حكيم بن حزام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تقام الحدود في المساجد ولا يستفاد فيها" وإسناده لا بأس به.

ومما ورد النهي عنه في المساجد ما في حديث أبي هريرة عند الترمذي وحسنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم من يبيع أن يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد الضالة فقولوا لا رد الله عليك".

والنهي عن إنشاء الضالة ثابت في الصحيح ومن ذلك حديث واثلة الذي أخرجه ابن ماجه مرفوعا: "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر" وإسناده ضعيف ولكن له شاهد عند الطبراني وغيره بسند فيه العلاء بن كثير الشامي وهو ضعيف من حديث مكحول عن أبي الورد وأبي أمامة وواثلة من حديث مكحول عن معاذ وهو منقطع ولابن عدي من حديث أبي هريرة وفيه عبد الله بن محرر وهو ضعيف.

وأخرج ابن ماجة ["748"]، من حديث ابن عمر مرفوعا قال:"خصال لا ينبغين في المسجد لا يتخذ طريقا ولا يشهر فيه سلاح ولا يقيض فيه بقوس ولا ينثر فيه نبل ولا يمر فيه بلحم نيء ولا يضرب فيه حد ولا يقتص فيه من أحد ولا يتخذ سوقا" وفي إسناده زيد ابن جبير الأنصاري وهو متروك.

ومن جملة ما ثبت المنع منه في المساجد البصق فيها كحديث "البصاق في المسجد

ص: 111