الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطيئة وكفارتها دفنها" وهو ثابت في الصحيح ولفظ البخاري ["415"] ، ومسلم ["55/552"] : "البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها" هكذا لفظ حديث أنس فيهما وفي لفظ لمسلم ["56/552": "التفل" مكان "البزاق" وفي لفظ النسائي ["2/51"] : "البصاق".
وأخرج مسلم ["57/553"]، من حديث أبي ذر مرفوعا:"وجدت في مسأوىء أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن".
وأخرج مسلم ["59/552"، عن عبد الله بن الشخير قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته تنخع فدلكها بنعله اليسرى وهكذا إذا كان المسجد غير مفروش فإن كان مفروشا بالحصر أو نحوها فلا يتيسر الدفن الذي هو كفارة البصق فيكون خطيئة غير مكفرة.
وقد وردت أحاديث في منع البصق في قبلة المسجد ووردت أحاديث في أنه يبصق في ثوبه إذا احتاج إلي ذلك فمن دعت حاجته إلي البصق بصق في ثوبه.
قوله: "وندب توقي مظان الرياء".
أقول: الرياء من معاصي الله العظيمة وهو الشرك الأصغر فإذا كان له ذريعة وإليه وسيلة فالواجب قطع تلك الذريعة ودفع تلك الوسيلة فالذريعة إلي الحرام حرام والوسيلة إلي الحرام حرام فتوقي مظان الرياء واجب والوقوع فيها حرام ومدافعة النفس عن مثل هذه المعصية من أوجب الواجبات الشرعية وتجنب الأسباب التي تفضي إليها لازم لكل مسلم فلا وجه لجعل ذلك مندوبا كما قال المصنف رحمه الله.
[باب الأوقات
اختيار الظهر من الزوال وآخره مصير ظل الشيء مثله وهو أول العصر وآخره المثلان والمغرب من رؤية كوكب الليل أو ما في حكمها وآخره ذهاب الشفق الأحمر وهو أول العشاء وآخره ذهاب ثلث الليل.
وللفجر من طلوع المنتشر إلي بقية تسع ركعة كاملة.
واضطرار الظهر من آخر اختياره إلي بقية تسع العصر وللعصر اختيار الظهر إلي ما يسعه عقيب الزوال ومن آخر اختياره حتى لا يبقى ما يسع ركعة وكذلك المغرب والعشاء وللفجر إدراك ركعة ورواتبها في أوقاتها بعد فعلها إلا الفجر غالبا.
وكل وقت يصلح للفرض قضاء وتكره الجنازة والنقل في الثلاثة وأفضل الوقت أوله"] .
قوله: "اختيار الظهر من الزوال" الخ.
أقول: الأحاديث المبينة للأوقات كثيرة جدا اقوالا وأفعالا وتعليما وحاصلها أن أول وقت الظهر الزوال وآخره مصير ظل الشيء مثله سوى فيء الزوال وهو أول وقت العصر وآخره ما دامت الشمس بيضاء نقية وأول وقت المغرب غروب الشمس وغروبها يستلزم إقبال الليل من المشرق وإدبار النهار من المغرب ويستلزم ظهور النجم الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم: "شاهدا" فلا مخالفة بين هذه العلامات لدخول وقت المغرب فإنها متلازمة وآخره ذهاب الشفق الأحمر وهو أول وقت العشاء وآخره نصف الليل ولا وجه لقول المصنف "وآخره ذهاب ثلث الليل" فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم امتداده إلي نصف الليل كما هو ثابت في الصحيحين [البخاري"2/51"، [مسلم "222/640"] ، وهي زيادة يجب قبولها ويتعين المصير إليها.
وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم أنه لولا أن يشق على أمته لأخرها إلي نصف الليل فدل ذلك على أنها في ذلك الوقت أفضل وأنه وقت لها بل ورد ما يدل على أنه وقتها إلي أن يذهب عامة الليل أي أكثره.
وأول وقت الفجر طلوع الفجر وهو يعرفه كل ذي بصر وآخره طلوع الشمس فهذه الأوقات لا ينبغي أن يقع في مثلها خلاف لأن الأدلة عليها أوضح من كل واضح وأظهر من كل ظاهر وقد كرر صلى الله عليه وسلم الأيضاح وعلمهم ما لا يحتاجون بعده إلي شيء وجعل هذه الأوقات منوطة بعلامات حسية يعرفها كل من له بصر صحيح فلا نطيل الكلام في هذا فإن الإطالة لا تأتي بطائل.
قوله: "واضطرار الظهر".
أقول: الشارع قد بين أول وقت كل صلاة من الصلوات الخمس وبين آخره حسب ما عرفناك ثم بين بأقواله الصحيحة ان الوقت لكل صلاة من تلك الصلوات هو ما بين الوقتين فهذه الأوقات هي التي عينها الشارع للصلوات الخمس ولم يأت عنه أن الأوقات منقسمة إلي قسمين وقت اختبار ووقت اضطرار بل غاية ما ورد عنه في بيان حالة الاضطرار أن من أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها فمن كان نائما أو ناسيا أو مغشيا عليه أو نحو ذلك وأدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها أداء لا قضاء وأما من تركها من غير عذر حتى خرج وقتها الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم فهو تارك للصلاة وإن فعلها في وقت صلاة أخرى فكيف إذا تركها حتى خرج وقت الصلاة الأخرى كمن يصلي الظهر وقت اصفرار الشمس فإنه لم يصل أصلا ولا فعل ما فرض الله عليه بل جاء بصلاته في غير وقتها بل في الوقت الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وقت صلاة المنافق.
ولقد ابتلى زمننا هذا من بين الأزمنة وديارنا هذه من بين ديار الأرض بقوم جهلوا الشرع وشاركوا في بعض فروع الفقة فوسعوا دائرة الأوقات وسوغوا للعامة أن يصلوا في غير أوقات الصلاة فظنوا أن فعل الصلاة في غير أوقاتها شعبة من شعب التشيع وخصلة من خصال المحبة لأهل
البيت فضلوا وأضلوا وأهل البيت رحمهم الله براء من هذه المقالة مصونون عن القول بشيء منها.
ولقد صارت الجماعات الآن تقام في جوامع صنعاء للعصر بعد الفراغ من صلاة الظهر وللعشاء في وقت المغرب وصار غالب العوام لا يصلي الظهر والعصر إلا عند اصفرار الشمس فيا لله وللمسلمين من هذه الفواقر في الدين.
وسيأتيك الكلام في الجمع الذي جعله هؤلاء ذريعة إلي هذه المفاسد السارية إلي ترك الصلوات التي صرح الشارع بأنه "ليس بين العبد وبين الكفر إلا تركها"[أحمد "3/370، 389"، مسلم "82"، أبو دأود "4678"، النسائي "1/232"، الترمذي "2622"، ابن ماجة "1078"] .
قوله: "ورواتبها في أوقاتها يعد فعلها إلا الفجر"
أقول: رواتب الفرائض كثيرة جدا ومنها ما هو قبل فعل الفريضة ومنها ما هو بعد فعلها فإن أراد الرواتب التي وردت في الأحاديث الصحيحة فهي كما عرفناك وإن أراد ما ورد في حديث ابن عمر المتفق عليه [البخاري "1180 و "1172" و "1165" و "937"، مسلم "729"، أنه قال حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الغداة فهذا الحديث قد دل على أنه يصلي قبل الظهر ركعتين فلا يتم قوله إلا الفجر.
وإن أراد حديث أم حبيبة الثابت عند الجماعة [مسلم ""103/728"، أبو دأود "1250"، الترمذي "415"، النسائي "1796"، ابن ماجة "1141"]، إلا البخاري قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة سجدة سوى المكتوبة بني له بيت في الجنة".
ثم بينها صلى الله عليه وسلم كما في رواية بعض الجماعة فقال: "أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الفجر". فهذه فيها أربع قبل الظهر [أبو دأود "1251"، النسائي "1795"، ابن ماجة "1161"، الترمذي "424"] .
وإن أراد غير هذين الحديثين فمنها ما فيه أربع قبل الظهر وأربع بعدها ومنها ما فيه أربع قبل العصر ومنها ما فيه "أن بين كل إذانين صلاة"[مسلم "838"، الترمذي "185"، ابن ماجه "1162"] أي بين الإذان والإقامة في جميع الصلوات.
وورد في خصوص صلاة المغرب بلفظ: "بين أذاني المغرب صلاة" وورد: "صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين"[البخاري "1183،7368"] وهو في الصحيح.
وبالجملة فالمصنفون في الفروع في هذه الديار جعلوا رواتب الفرائض ركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين قبل الفجر ولا راتبة عندهم سوى هذه ولا موجب إلا عدم الإشراف على كتب السنة وهجرها بالمرة وجعلها من كتب الخصوم وليسوا بخصوم لأحد من أهل الإسلام بل هم الجامعون لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن كانوا خصوما بهذا العمل فالويل لمن كانوا خصومه.
وأعجب من هذا أنهم جعلوا الوتر ثلاث ركعات لا يزاد عليها ولا ينقص منها ولا وتر عندهم إلا ذلك لأنهم لم يعرفوا ان الوتر إنما هو إيتار صلاة الليل وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في غالب حالاته يوتر بركعة والمراد اشتمال آخر صلاة الليل على وتر أما بركعة منفردة أو ثلاث أو خمس أو سبع ولكنه قد ورد النهي عن الإيتار بثلاث كما أوضحته في شرح المنتقي.
وأما اعتقاد أن الله شرع صلاة ثلاث ركعات متصلة بعد صلاة العشاء من دون أن يتقدمها صلاة فليس هذا إلا من الجهل البالغ بما جاءت به السنة وأقل ما يفعله من كان عاجزا غير راغب في الأجر أن يصلي ركعتين ويسلم فيهما ثو يوتر بركعة منفردة فإن هذا يصدق عليه أنه لم يصل من النافلة في الليل إلا ركعتين ثم أوترها بركعة وقد كانت صلاته في الليل صلى الله عليه وسلم تبلغ إلي ثلاث عشرة ركعة بوترها وقد يقتصر على اقل منها.
قوله: "وكل وقت يصلح للفرض قضاء".
أقول: استدلوا على ذلك بحديث أنس عند الشيخين [البخاري "597"، مسلم "684"] ، وغيرهما [أوب دأود "442"، أحمد "3/269" و "3/100"، ابن ماجة "696"، الترمذي "178"، النسائي "1/293، 294"]، مرفوعا:"من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" وفي رواية لغيرهما "فوقتها حين يذكرها" وقد عورض ذلك بالنهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات وهو ثابت في أحاديث الصحيحين وغيرهما [مسلم "293/831"، أحمد "4/152"، أبو دأود\ "3192"، الترمذي "1030"، النسائي "1/375"، ابن ماجة "1519"] ، وقد قيل إن حديث "من نام عن صلاته" مطلق مقيد بأحاديث النهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات وهو ممنوع فإنا إذا سلمنا شمول أحاديث النهي للفرائض المقضية كان بين هذه الأحاديث عموم وخصوص من وجه فأحاديث النهي هي أعم من أن تكون الصلاة نافلة أو فريضة مقضية أو مؤداة.
وحديث: "من نام عن صلاته" هو أعم من أن يكون قيام النائم وذكر الناسي في هذه الثلاثة الأوقات أو غيرها إلا أنه لا يخفاك أن الصلاة التي تركت لنوم أو نسيان هي مفعولة في وقت القيام من النوم أو الذكر بعد النسيان في الوقت الذي لا وقت لها سواه فهي أداء لا قضاء فيتوجه النهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات إلي النوافل لا إلي الفرائض المؤداة وقد ثبت أن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك فمن أدرك من العصر ركعة قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدركه ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الفجر وهذه الأحاديث المصرحة بأن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها أخص مطلقا من أحاديث النهي عن الثلاثة الأوقات وصلاة النائم والساهي لأن ذلك الوقت وقت الأداء لها فهي كسائر الفرائض المؤداة ومن زعم أنها مقضية لا مؤداة فالدليل عليه فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن وقتها حين يذكرها لا وقت لها سواه.
قوله: "وتكره الجنازة والنفل في الثلاثة"
أقول: الأحاديث الصحيحة قد وردت مصرحة بالنهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات وعن
قبر الموتى فيها ووردت أحاديث صحيحة مصرحة بالنهي عن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس وبعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وظاهر النهي التحريم ولم يرد ما يدل على صرفة عن معناه الحقيقي وهو التحريم إلي معناه المجازي وهو كراهة التنزيه ولم يرد ما يدل على تخصيص ذوات الأسباب من هذا العموم نعم ما ورد فيه دليل يدل على فعله من غير فرق بين وقت الكراهة وغيره كتحية المسجد فبينه وبين أحاديث النهي عموم وخصوص من وجه فيرجع إلي مرجح لأحدهما على الآخر خارج عنهما فإن كان ترجيح الحظر على الإباحة من المرجحات المعمول بها كما يدل عليه حديث: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإن نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" كان المتعين ترك تحية المسجد في الأوقات المكروهة وينبغي للمتحري لدينه تجنب دخول المساجد فيها فإن دخل لحاجة فلا يقعد.
قوله: "وأفضل الوقت أوله"
أقول: قد كان استمرار رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعل الصلوات في أول أوقاتها وكان ذلك ديدنه وهجيراه ولا يخالف في ذلك أحد ممن له اطلاع على السنة المطهرة وورد من أقواله ما يدل على ذلك كحديث "أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها"[البخاري "527، 2782، 5970، 7534"، مسلم "137، 138"، و "139" و "140/85"، أحمد "1/451، 1/409 – 410" و "1/439"، النسائي "1/292"، ابن ماجة "173"] . وما ورد في معناه وجعل قوم الإسفار بالفجر أفضل ولكن كان آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم التغليس بها وورد عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن تأخير صلاة العشاء إلي ثلث الليل أو إلي نصف الليل أفضل وأنه إنما ترك ذلك لئلا يشق على أمته وورد عنه صلى الله عليه وسلم رخصة الإبراد بالظهر وعلل ذلك بأن "شدة الحر من فيح جهنم"[البخارس "536"، مسلم "615"، النسائي "501"، ابن ماجة "677"، الترمذي "157"، أبو دأود "402"] .
والحاصل أن أفضل الوقت أوله إلا ما خصه دليل مع بيان أنه أفضل كتأخير العشاء لا مجرد الترخيص لعذر فإنه لا يعارض أفضلية أول الوقت.
والعجب من استدلال الجلال للرافضة في قولهم بتأخير صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم لحديث "لا حتى يطلع الشاهد" [مسلم "292/830"، النسائي "521"، والشاهد النجم ثم تكميل هذا الاحتجاج الساقط بقوله ولام النجم للاستغراق فيا لله العجب من وقوع هذا المحقق في مثل هذه المضايق التي يتحاشى كل عارف أن يقع في مثلها وهب أن قول والشاهد النجم ليس بمدرج وأنه من كلام النبوة فكيف يحمل على الاستغراق فيكون مدلوله أن تطلع نجوم السماء كلها حتى لا يبقى نجم وهكذا لو قال قائل لآخر لا اكرمك حتى يأتي الرجل وهو غير مريد لرجل بعينه كان مدلوله على ما زعم الجلال امتناع الإكرام حتى يأتي كل رجل في الدنيا فأي فهم يسبق إلي مثل هذا أو أي علم يدل عليه ويستفاد منه وقد بالغ النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صلاة المغرب حتى صلوها في يومي التعلم في وقت واحد عند غروب الشمس وكانوا يفرغون منها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع طول القراءة وإن الرجل ليبصر مواقع نعله 2 كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة وقال: "لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا صلاة
المغرب حتى تشتبك النجوم"، وهو حديث صحيح أخرجه أحمد ["4/147"] ، وأبو دأود ["418"، والحاكم في المستدرك ورجال إسناده ثقات وابن إسحق قد صرح بالتحديث فيه.
وأخرج ابن ماجه والحاكم وابن خزيمة في صحيحه هذا الحديث من حديث العباس ابن عبد المطلب بلفظ: "لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم".
ثم أعجب من هذا أن الجلال رحمه الله أيستدل على استحباب تأخير الصلاة للمغرب بما ورد من أحاديث: "إذا حضر الطعام" فيا لله العجب أي دليل في هذا؟ فإن العلة التي صرح الشارع بتأخيرها لها حضور الطعام ولم يكن ذلك خاصا بالمغرب بل ورد في جميع الصلوات كما في الحديث الثابت في الصحيح بلفظ: "لا صلاة بحضرة طعام" وحاشا مثله أن يوقعه حب الروافض في مثل هذا التعسف الذي لا يخفى على من له أدنى عرفان ومن الروافض حتى يتبرع بمذهبهم الباطل بما هو من الباطل؟ وما كلامهم في هذه المسألة بأول عناد عاندوا به الشريعة فإنهم يخالفون كل السنن ويدافعون كل حق.
[فصل
"وعلى ناقص الصلاة والطهارة غير المستحاضة ونحوها التحري لآخر الاضطرار ولمن عداهم جمع المشاركة وللمريض المتوضىء والمسافر ولو لمعصية والخائف والمشغول بطاعة أو مباح ينفعه وينقصه التوقيت جمع التقديم والتأخير بإذان لهما وإقامتين ولا يسقط الترتيب وإن نسي ويصح التنفل بينهما"] .
قوله: "فصل وعلى ناقص الصلاة أو الطهارة غير المستحاضة ونحوها التحري لآخر الاضطرار".
أقول: هذا رأي فائل واجتهاد عن الحق مائل وقول عن دليل العقل والنقل عاطل وقد عرفناك فيما سبق ما هو الحق فيما جعلوه وقت اضطرار والمصنف ومن قاله بقوله ممن قبله أو بعده قد أوجبوا على ناقص الصلاة أو الطهارة أن يترك الصلاة التي ليس بين العبد وبين الكفر إلا تركها كما صح بذلك الدليل.
وبيان ما ذكرناه من إيجابهم عليه أن يترك الصلاة المفروضة هو أنه لم يرد في كتاب الله سبحانه ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدا من هؤلاء يؤخر الصلاة عن وقتها المضرب لها جوازا فضلا عن أن يكون ذلك على جهة الوجوب فضلا عن أن يكون التأخير إلي آخر وقت الاضطرار حتما فإن من فعل الصلاة في هذا الوقت لغير عذر يقتضي التأخير فقد فعلها بعد خروج وقتها المضروب لها ومن فعلها بعد خروج وقتها المضروب لها فقد تركها ولا تأثير لفعلها بعده.
والأحاديث الواردة بأن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها هي رخصة للمعذورين كالنائم والساهي لا لهؤلاء فإنهم مأمورون بفعل الصلاة في وقتها كغيرهم.
فانظر هذه الفائدة التي استفادها المقلد المسكين من هؤلاء المصنفين في علم الدين.
وأما قياس هؤلاء على المتيمم فقياس باطل ودعوى كون صلاة الجميع بدلية مصادرة على المطلوب لأن ذلك هو محمل النزاع.
ثم لو قدرنا صحة القياس تنزلا لكان الأصل المقيس عليه وهو التيمم والمتيمم ممنوعا فإنه ليس على كونه يؤخر الصلاة إلي آخر الوقت أثارة من علم بل ذلك خلاف الأدلة الدالة على أن المتيمم كغيره يصلي في أول الوقت كما يصلي غيره.
وقد قدمنا في باب التيمم ما فيه كفاية فلا أصل ولا فرع ولا عقل ولا شرع.
ثم انظر كيف تلون الكلام في هذه الأحكام فإنه استثنى من ناقص الصلاة والطهارة المستحاضة ونحوها ثم أثبت لمن عداهم جمع المشاركة وهذا كله ظلمات بعضها فوق بعض وخبط يتعجب منه الناظر فيه إذا كان له أدنى تمييز.
والحاصل أن هذا القول لم يسمع في أيام النبوة وقد كان فيهم الزمني وأهل العلل الكثيرة وفيهم من قال له صلى الله عليه وسلم: "صل قائما فإن لم تسطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب"[البخاري "1117"، النسائي "3/224"، أبو دأود "952"، الترمذي "372"، ابن ماجة "1223"] ، ولم يسمع بأنه أمر احدا منهم بتأخير الصلاة عن وقتها ولا جاء في ذلك حرف واحد لا من كتاب ولا من سنة وهكذا لم يسمع شيء من ذلك في عصر الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم ولا في عصر من بعدهم من التابعين وتابعيهم ولم يقل بذلك أحد من أهل المذاهب الأربعة ولا من سائر أهل الأرض فمثل هذه المسائل من عجائب الرأي الذي اختص به أهل أرضنا هذه.
اللهم غفرا.
قوله: "وللمريض المتوضىء والمسافر ولو لمعصية" الخ.
أقول: أما الجمع للمسافر فقد ثبت بالأحاديث الكثيرة أما جمع التأخير فأحاديثه في الصحيحين [البخاري"1112"، مسلم "46/704"] وغيرهما وأما جمع التقديم فهو ثابت بأحاديث حسان مع مقال فيها ومع معارضتها لما في الصحيحين من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا زالت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب.
وأما الجمع للمريض والخائف وفي المطر فلم يرد في ذلك دليل يخصه إلا ما يفهم من قول الرواة لحديث الجمع بالمدينة فإنهم قالوا من غير خوف ولا سفر ولا مطر. [مسلم "49/705"، البخاري"543"، أبو دأود "214"، الترمذي "187"، النسائي "1/290"] .
وقد استدلوا على جواز الدجمع لهم بقياسهم على المسافر وليس بقياس صحيح ولو كان صحيحا لجاز لهم قصر الصلاة وقد مرض النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل إلينا أنه جمع بين الصلوات وكذلك ما نقل إلينا أنه سوغ لأحد من المرضى جمع الصلوات.
وأما ما ذكره المصنف من جواز الجمع للمشغول بطاعة فليت شعري ما هي هذه الطاعةالتي يجوز تأثيرها على الصلاة التي هي رأس الطاعات وهي أحد أركان الإسلام والتي ليس بين العبد وبين الكفر إلا مجرد تركها.
وأعجب من هذا وأغرب تجويز الجمع للمشغول بمباح ينفعه وينقص في التوقيت فإن جميع الناس إلا النادر يدأبون في أعمال المعاش العائد لهم بمنفعة وإذا وقتوا فقد تركوا ذلك العمل وقت طهارتهم وصلاتهم ومشيهم إلي المساجد فعلى هذا هم معذورون عن التوقيت طول أعمارهم ولهم جمع الصلاة ما داموا في الحياة وهذا تفريط عظيم وتسأهل بجانب هذه العبادة العظيمة وإفراط في مراعاة جانب الأعمال الدنيوية على الأعمال الأخروية وقد كان الصحابة رضي الله عنهم في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم يشتغلون بالأعمال التي يقوم بها ما يحتاجون إليه فمنهم من هو في الأسواق ومنهم من هو في عمل الحرث ونحوه ومنهم من هو في تحصيل علف ماشيته ولم يسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عذر أحدا منهم عن حضور الصلاة في أوقاتها ولا بلغنا ان أحدا منهم طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له لعلمهم بأن مثل ذلك لا يسوغه.
وأما التمسك بحديث جمعه صلى الله عليه وسلم في المدينة فهذا وقع مرة واحدة وتأوله كثير من الرأوين للحديث وحمله بعضهم على الجمع الصوري لتصريح جماعة من رواته بذلك.
وقد افردنا هذا البحث برسالة مستقلة وذكرنا في شرح المنتقي ما ينتفع به طالب الحق رحم الله الحافظ الترمذي فإنه صرح بأن جميع ما في كتابه معمول به إلا حديثين هذا أحدهما.
والحال أن كتابه قد اشتمل على ذكر ألوف مؤلفة من الأحاديث.
والحاصل أن الكلام في مثل هذا البحث يطول جدا وقد وقع فيه الخبط البالغ والخلط العجيب وتكلم الجلال في شرحه لهذا الكتاب في هذا الموضوع بما هو حقيق بأن يضحك منه وتارة ويبكي منه أخرى بل حقيق بأن يعد في لغو الكلام وسقطه وغلطه.
قوله: "بذان لهما وإقامتين".
أقول: يدل على هذا ما في حديث جابر الطويل عند مسلم ["147/1218"، أبو دأود "1905"، النسائي "1/290". ابن ماجة "3074"، صلى الظهر ثم اقام فصلى العصر.
وأخرج أبو دأود ["1930 و 1931"]، ما يخالف هذا ابن عمر قال جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء يجمع بإقامة واحدة لكل صلاة ولم يناد في الأولى وفي رواية [أبو دأود "1928"] :"لم يناد بينهما ولا على إثر واحدة منهما إلا بالإقامة".
وفي البخاري [أحمد "1/375"]، عن ابن مسعود:"أنه صلاهما بإذان وإقامتين" وأخرج الدارقطني في قصة جمعه بين المغرب والعشاء فنزل فأقام الصلاة وكان لا ينادي لشيء من الصلاة في السفر.