الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طريق إلى تبين مستحقه فكان الصرف في الفقراء مخلصا من المظلمة بحسب الإمكان وكان الأولى أن يكون مصرفه المصالح كما في سائر الأموال الملتبسة.
[فصل
ولا يصح الرجوع عنه إلا في حقه لله يسقط بالشبهة أو ما صودق فيه غالبا ومنه نحو سقت أو قتلت أو غصبت أنا وفلان بقرة فلان ونحوه لا أكلت أنا وهو ونحوه]
قوله: "فصل: ولا يصح الرجوع عنه".
أقول: وجه هذا أنه قد لزمه الحق بإقراره وهو بالغ عاقل فرجوعه عن الإقرار رجوع باطل يستلزم إبطال حق على من أقر له به وذلك ظلم والظلم حرام مخالف للعدل الذي أمر الله عباده بالحكم به.
وأما قوله: "إلا في حق لله" إلخ فلا بد من أن يكون رجوعه محتملا للصدق حتى يكون شبهة له وإلا كان من دفع ما قد تكلم به لسانه وأقر به على نفسه بما لا يصح للدفع وليست الشبهة التي أمرنا بدرء الحدود عندها إلا ما كانت موجبة للاشتباه موقعة في بعض اللبس وإلا كان ذلك من إهمال الحدود التي ورد الوعيد الشديد على من لم يقمها.
وأما قوله: "أو ما صودق فيه" فإن كان هذا الذي صادقه على الرجوع هو من له في الإقرار نفع أو دفع فذاك وإلا فلا حكم لهذه المصادقة ويؤخذ المقر بإقراره ولا وجه لما فرق به المصنف بين قول المقر سقت أو قتلت أو غصبت أنا وفلان وبين قوله أكلت أنا وهو ونحوه فإن الجميع إقرار على النفس ولا حكم لقوله وفلان في الفرق ولا يقتضي ذلك رواية ولا دراية.
كتاب الشهادات
[فصل
يعتبر في الزنا وإقراره أربعة رجال أصول وفي حق الله ولو مشوبا والقصاص رجلان أصلان غالبا وفيما يتعلق بعورات النساء عدله وفيما عدا ذلك رجلان أو رجل وامرأتان أو ويمين المدعي]
قوله: فصل: "ويعتبر في الزنا وإقراره أربعة رجال أصول".
أقول: أما على الفعل فهو نص القرآن وإجماع السلف والخلف وأما الشهادة على الإقرار فسيأتي لنا في الحدود إن شاء الله أنه يكفي للإقرار مرة واحدة فلا وجه لإيجاب أربعة شهود على الإقرار وإنما يتوجه ذلك لو كان الإقرار أربع مرات كما هو اختيار المصنف ومن معه وأما اشتراط كونهم رجالا أصولا فوجهه الاحتياط والتحري في الحدود لما يستلزمه من الإضرار بالأبدان ولما ثبت فيها من أنها تدرأ بالشبهات ولكن هذه العلة قاصرة على إفادة المطلوب.
والحاصل أنه لم يدل دليل على هذا الاشتراط ولا على اشتراط كون الشهادة في حق الله وفي القصاص من الرجال الأصول وظاهر القرآن أن الرجل والمرأتين يقومون مقام الرجلين في كل شيء فمن ادعى التخصيص فعليه البرهان ولا يصلح لذلك ما رواه ابن أبي شيبة من قول الزهري إنها مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين بعده أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود لأنه مع كونه مرسلا في إسناده ضعف فلا يصلح أن يكون شبهة في الحدود فضلا عن القصاص وسيأتي في فصل الادعاء ما فيه زيادة فائدة إن شاء الله.
قوله: "وفيما يتعلق بعورات النساء عدلة".
أقول: هذا إخبار لا شهادة وخبر العدل أو العدلة مقبولة فيما ورد قبوله فيه وأما كونه يصلح مستندا للحكم ففيه نظر لأن الله سبحانه شرع لنا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ومما يقوي قبول خبر العدل أو العدلة فيما يترتب عليه عمل يتعلق بالغير ما ثبت في صحيح البخاري "13/185، 186"، وغيره أحمد "5/186"، أبو داود "3645"، الترمذي "2715"، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود وقال حتى كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم كتبه وأقرأته كتبهم إذا كتبوا إليه ولكن ليس هنا خصومة حتى يكون مثل هذا دليلا على قبول الواحد فيها ولهذا قال الكرماني لا نزاع لأحد أنه يكفي ترجمان واحد عند الإخبار وأنه لا بد من اثنين عند الشهادة وقال ابن المنذر القياس يقتضي اشتراط العدد في الأحكام لأن كل شيء غاب عن الحاكم لا يقبل فيه إلا البينة الكاملة والواحد ليس ببينة كاملة حتى يضم إليه كمال النصاب غير أن الحديث إذا صح سقط النظر وفي الاكتفاء بزيد بن ثابت وحده حجة ظاهرة لا يجوز خلافها انتهى.
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بزيد بن ثابت في خصومة بل في الإخبار عن كتاب اليهود وأما ما روى من قول الزهري مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادة النساء وغيرها فهذا مع كونه مرسلا قد أخرجه ابن أبي شيبة قال حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن الزهري وأخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري أيضا وهو لأئمة أثبات.
والحاصل أن الحاكم إذا أراد مزيد الاستثبات استكثر من العدلات حتى يغلب ظنه بصدق قولهن ولهذا روى عن الشافعي أنه لا بد من ثلاث وعن مالك والأوزاعي ثنتان.
وأما قوله: "وفيما عدا ذلك رجلان" إلخ فهو نص القرآن الكريم وهو يشتمل على كل خصومة إلا ما خص بدليل.
وأما قوله: "أو يمين المدعي" فقد قدمنا الأدلة الدالة على وجوب العمل بالشاهد واليمين عند قول المصنف ولا ترد المتممة فلا نعيده.
[فصل
ويجب على متحملها الأداء لكل أحد حتى يصل إلى حقه في القطعي مطلقا وفي الظني إلى حاكم محق فقط وإن بعد إلا لشرط إلا لخشية فوت فيجب وإن لم يتحمل إلا لخوف وتطيب الأجرة فيهما]
قوله: "فصل: ويجب على متحملها الأداء لكل أحد".
أقول: وجه هذا قول الله عزوجل: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقر: 282]، فإنه يدل على وجوب تحمل الشهادة على من دعي إليها وعلى وجوب تأديتها لمن طلب تأديتها إلى الحاكم ومما يدل على الوجوب قوله تعالى:{وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]، وأيضا قد تقرر وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأدلة القطعية ووجب تأدية الشهادة من هذا القبيل لا سيما عند خشية فوت الحق وعلى هذا حمل حديث:"ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي تأتي شهادته قبل أن يسألها"، وهو في صحيح مسلم "19/1719"، وغيره أحمد "5/193"، أبو داود "3596"، الترمذي "2296"، من حديث زيد بن خالد الجهني ولا فرق بين أن يكون الحق قطعيا أو ظنيا لأن الشاهد عليه أن يؤدي شهادته إلى الحاكم وعلى الحاكم أن يحكم بما يصح لديه.
وأما قوله: "إلى حاكم محق" فجمود ظاهر لا وجه له ولا دليل عليه بل يجب عليه أن يؤدي الشهادة إلى من يقيم الحق ويأخذ على يد من هو لديه حتى يرده على أي صفة كان ولو كان غير قاض إذا علم الشاهد أنه يقدر على إيصال من له الحق بحقه ووجه هذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالسعي في إثباته بكل ممكن وهكذا الآية وهي قوله: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} فإن الشهود إذا دعاهم المشهود له إلى من يرجو منه إنفاذ الحق فقد وجب عليهم أن لا يأبوا من الإجابة وإلا كانوا واقعين في النهي القرآني وبهذا تعرف صحة قول المصنف وإن بعد وعدم صحة قوله إلا لشرط فإن اشتراط ما أمر الله بخلافه لا يجوز.
وأما قوله: "وتطيب الأجرة" فهذه الأجرة على واجب وقد قدمنا الكلام على ذلك في الإجارات والقول بأن الواجب مجرد التأدية لا قطع المسافة غير صواب بل الواجب التأدية التي
ينتفع بها المشهود له وهي إذا احتاجت إلى قطع مسافة فلا يصدق على الشاهد أنه قد أدى الشهادة إلا بذلك وإلا كان داخلا في قوله: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 182"، وفي قوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ، وتاركا لما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[فصل
ويشترط لفظها وحسن الأداء وإلا أعيدت وظن العدالة وإلا لم يصح وإن رضي الخصم وحضوره أو نائبه ويجوز للتهمة تحليفهم وتفريقهم إلا في شهادة زنا ولا يسألون عن سبب ملك شهدوا به] .
قوله: "فصل: ويشترط لفظها".
أقول: المراد بالشهادة الإخبار بما يعلمه الشاهد عند التحاكم إلى الحاكم بأي لفظ كان وعلى أي صفة وقع ولا يعتبر إلا أن يأتي بكلام مفهوم يفهمه سامعه فإذا قال مثلا رأيت كذا وكذا أو سمعت كذا وكذا فهذه شهادة شرعية وقد أحسن المحقق ابن القيم حيث قال في فوائده ليس مع اشتراط لفظ الشهادة فيها دليل لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح انتهى وقد قدمنا لك في كثير من الأبواب أن اشتراط الألفاظ إنما هو صنيع من لم يمعن النظر في حقائق الأشياء ولا وصل إلى الألفاظ غير مرادة لذاتها وإنما هي قوالب للمعاني تؤدى بها فإذا حصلت التأدية للمعنى المراد فاشتراط زيادة على ذلك لم تدل عليه رواية ولا دراية وهكذا قوله وحسن الأداء لا وجه له من عقل ولا نقل ولا ورد فيه شيء وليس المراد إلا انفهام المعنى المراد من كلامه وإن جاء بعبارة غير حسنة وألفاظ غير مأنوسة فليس المقام مقام بلاغة حتى يقال إنه يشترط حسن الأداء بل المقام مقام إخبار بما علمه الشاهد ولو بالرطانة واللغة المستعجمة إذا كان يفهم عنه ذلك ويصح بمجرد الإشارة المفهمة من القادر على النطق وبالكتابة.
قوله: "وظن العدالة".
أقول: عدالة الشهود هي الشرط الذي تبنى عليه القناطر ويترتب عليه القبول وهي الشرط الذي لم يشترط الله سبحانه في كتابه غيره ولا نبه على سواه بقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، وقوله:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، والمراد بهذه العدالة أن يعلم الحاكم أو يخبره من له اطلاع على حال الشهود أنهم حال تأدية الشهادة قائمين بما أوجبه الله عليهم تاركين لما نهاهم عنه ليسوا ممن يجتريء على الكذب ولا كانوا ممن شمله الحديث الذي أخرجه أحمد "2/204، 225، 226، وأبو داود "3600"، وابن ماجه "2366"، والبيهقي بسند
قوي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت" وهو الذي ينفق عليه أهل البيت وفي الباب أحاديث مقوية لهذا الحديث قد استوفيناها في شرح المنتقى وسيأتي للمصنف في الفصل الذي بعد هذا تعداد من لا تصح شهادتهم عنده وسنتكلم على ذلك إن شاء الله.
فالحاصل أن أعظم أركان العدالة تحري الصدق وعدم التسامح في الكلام والتزيد فيه فمن كان هكذا فهو الشاهد العدل ولا يحتاج بعده إلا إلى أن يكون في الحال ظاهر العدالة التي هي ملكة تمنع النفس عن اقتراف الكبائر والرذائل ولا يحتاج إلى كثرة التفتيش عن حاله بزيادة على هذا كما يقول بعض أهل الأصول إن الفسق مانع فلا بد من تحقيق عدمه بل نقول الفسق وإن كان مانعا فالأصل عدم وجوده فيبنى على هذا الأصل حتى يقوم ما ينقل عنه.
قوله: "وإلا لم يصح وإن رضي الخصم".
أقول: أما مع رضا الخصم فهذا الرضا بالشهادة يدفع كل علة ترد عليها فكأنه قد رضي بإثبات ما شهدت عليه به إذا لم يكن الرضا لقصور في فهمه وإدراكه كمن يظن أن مجرد شهادة الشهود عليه على أي صفة كانت موجبة لثبوت الحق عليه.
وأما قوله: "وحضوره أو نائبه" فهذا صحيح لأن هذه شهادة عليه يتعقبها إلزامه بما شهدوا به فقد يكون في حضوره التنبيه لهم على خلاف ما يعتقدونه لوهم عرض لهم وشبهة حصلت عليهم وأيضا له أن يجرحهم فيما شهدوا به فلا بد أن يعلم بكيفية شهادتهم عليه حتى ينفتح له باب الجرح إذا شهدوا بباطل عمدا أو سهوا.
قوله: "ويجوز للتهمة تحليفهم".
أقول: هذا التحليف للشهود مضارة لهم وقد قال الله عزوجل: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 182] ، وليس المعتبر فيهم إلا أن يكونوا عدولا مرضيين كما نطق به الكتاب العزيز فإن كانوا كذلك لم يتعلق بهم تهمة فلا يجوز تحليفهم وإن تعلقت بهم تهمة فليسوا بعدول مرضيين فشهادتهم مردودة من هذه الحيثية.
وأما الاستدلال بقوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} [المائدة: 107] ، فهذه القصة منسوخة مع كونها واردة في أهل الذمة ودعوى فسح بعضها دون بعض تحكم يأباه الإنصاف.
قوله: "وتفريقهم".
أقول: أما إذا كانوا عدولا مرضيين فلا يجوز هذا التفريق لأنه يفت في أعضادهم وعضد من شهدوا له بغير سبب يوجب ذلك مع كونه لم يرد به شرع يجب اتباعه ويتعين المصير إليه وأما إذا كان حالهم عند الحاكم ملتبسا فأراد أن يختبر صدقهم واتفاقهم على ما شهدوا به فلا بأس بهذا فإنه مما يتوصل به إلى إثبات الحق ودفع الباطل وقد انتفعنا بهذا التفريق في غير قضية
ولا سيما إذا كان الشهود قد جاءوا في الشهادة بلفظ واحد من غير اختلاف فإن ذلك مما يؤذن بالريبة ويدعو إلى التهمة بأنهم قد تواطئوا أن يشهدوا بذلك اللفظ وتواصوا به بينهم والغالب في شهادة الصدق أن يؤدي كل شاهد معنى ما شهد به الآخر بألفاظ يعبر بها عند التأدية سواء وافقت لفظ من شهد معه أو خالفته مع الاتفاق على المعنى.
ومما يوضح الصدق من الكذب مع الريبة أن يفرقهم الحاكم ثم يسألهم عن صفات تتعلق بالزمان أو المكان أو الحال وينوع لهم ذلك فإن الشهادة الكاذبة عند ذلك تتعثر غاية التعثر ويظهر خللها ويتبين صدقها.
وأما قوله: "إلا في شهادة زنا" فلا وجه له وما عللوا به من أنهم يكونون قذفة تعليل باطل ليس عليه أثارة من علم بل ولو شهد كل واحد منهم في وقت غير الذي شهد به الآخر وإن تباعدت الأوقات كما وقع في شهادة الشهود على المغيرة فإن زيادا تأخر وشهد في وقت آخر وقد حضر ذلك أعيان الصحابة ولم ينكروه ولا قالوا إن المتأخر قاذف.
قوله: "ولا يسألون عن سبب ملك شهدوا به".
أقول: وجه هذا أنهم قد أدوا ما عليهم من الشهادة على الملك بما قد علموه من ثبوت يد المشهود له على ذلك الشيء وتصرفه به تصرف المالك في ملكه فالسؤال لهم عن سبب الملك سؤال لا يجب عليهم معرفته ولا تلازم بينه وبين صحة شهادتهم.
[فصل
ولا تصح من أخرس وصبي مطلقا وكافر تصريحا إلا مليا على مثله وفاسق جارحة وإن تاب إلا بعد سنة والعبرة بحال الأداء ومن له فيها نفع أودفع ضرر أو تقرير فعل أو قول ولا ذي سهو أو حقد أو كذب أو تهمة بمحاباة للرق ونحوه لا للقرابة والزوجية ونحوها ومن أعمي فيما يفتقر فيه إلى الرؤية عند الأداء] .
قوله: "فصل: ولا تصح من أخرس".
أقول: وجه عدم الصحة عنده ما تقدم له من اشتراط اللفظ وقد قدمنا ما يدل على أن ذلك الاشتراط ليس بشيء وأن الشهادة تصح بالإشارة المفهمة من قادر على النطق فضلا عن غير قادر وأما اشتراط أن يكون الشاهد غير صبي فظاهر لأن العدالة شرط كما تقدم والصبي لا يوصف بذلك فلا يصح أن يكون شاهدا ولكنه إذا اجتمع من خبر الصبيان ما يفيد الظن القوي كان العمل بذلك من العمل بالقرائن القوية وقد قدمنا نقل الإجماع عليه.
قوله: "وكافر تصريحا".
أقول: هذا مجمع عليه كما نقله المحققون من أهل المذاهب المختلفة ولم ينقل فيه
خلاف ومن زعم أن في المسألة خلافا فقد أخطأ والوجه في هذا ما صرح به القرآن الكريم من اشتراط أن يكون الشهود عدولا مرضيين والكافر ليس بعدل ولا مرضي فهو مسلوب الأهلية ومظنة للتهمة.
وأما قوله عزوجل: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] ، فليس ذلك مما نحن بصدده بل هو في شيء آخر كما بينه محققو المفسرين وأيضا الآية منسوخة فلا حكم للاستدلال بشيء مما اشتملت عليه وقد قدمنا الإشارة إلى مثل هذا.
والحاصل أن الأمر أوضح من كل واضح وأجلى من كل جلي ولكن من حبب إليه المجيء بما يخالف الناس وقع في مخالفة الكتاب والسنة والإجماع وهو لا يشعر.
قوله: "إلا مليا على مثله".
أقول: وجه هذا أنا مأمورون بتقريرهم على شرعهم ومن التقرير على شرعهم قبول شهادة بعضهم على بعض ولو لم تقبل شهادة بعضهم على بعض لكان ذلك مقتضيا لإهدار كثير من القضايا التي لا توجد فيها شاهد يشهد بينهم من المسلمين لأن المتاخمة والمداخلة إنما هي فيما بينهم والمسلمون متنزهون عنهم مسكنا ومخالطة.
وهذا الدليل أعنى تقريرهم على شرعهم يغني عن الاستدلال بمثل ما أخرجه ابن ماجة من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أهل الكتاب بعضهم عن بعض فإن في إسناده مقالا.
قوله: "وفاسق جارحه".
أقول: قد أغنى عن هذا ما قدمه من اشتراط العدالة فإن العدل لا يطلق على مرتكب معاصي الله عزوجل وهكذا يغني اشتراط العدالة عن ذكر الكافر والصبي وليس في التنصيص على هذه بعد اشتراط العدالة إلا التطويل الذي لا يأتي بكثير فائدة مع أن الفسق في أصل اللغة هو أشد الكفر وعليه عبارات القرآن وإن ورد في قليل مرادا به عصاة المسلمين كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، وقد ورد في السنة ما يدل على رد شهادة من ليس بعدل كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بإسناد قوي وقد رواه أبو داود بإسنادين لا مطعن فيهما وفي لفظ لأبي داود ["3601"] : "لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية" وشهد له ما أخرجه الترمذي ["2298"] والدارقطني والبيهقي من حديث عائشة بلفظ: "لا يجوز شهادة خائن ولا خائنة" الحديث وفي إسناده يزيد ابن أبي زياد وفيه مقال وقال الترمذي لا يصح عندنا إسناده وقال أبو زرعة منكر وضعفه عبد الحق وابن حزم وابن الجوزي ولكن في الباب من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب نحوه أخرجه الدارقطني والبيهقي وفي إسناده ضعيفان وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا ويغني عن الاستدلال بها ما قدمنا من أن الواقع في هذه المعاصي ليس بعدل.
وأما قوله: "وإن تاب إلا بعد سنة" فتوقيت لا يوافق رواية ولا دراية ومجرد وقوع التوبة وتحققها تمحو عنه ما اتصف به من سلب العدالة ويرده ويرده إلى الاتصاف بها.
قوله: "ومن له فيها نفع".
أقول: وجه هذا قد صار بهذا النفع العائد إليه مظنة للتهمة عند الحاكم فإن كان بمكان من العدالة بحيث لا يؤثر فيه مثل ذلك فهو عدل مرضي فلا وجه لرد شهادته لوجود الشرط المعتبر فيه وفي حديث عمرو بن شعيب المتقدم قريبا زيادة بلفظ: "ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت"، والقانع الذي ينفق عليه أهل البيت والوجه في عدم قبول شهادته ما يتهم به بسبب ما له من المنفعة من المشهود لهم وهكذا الوجه في قوله أو دفع ضرر أو تقرير فعل أو قول فإن المانع من القبول في جميع هذه هو كونهم مظنة تهمة لما يجلبونه إلى أنفسهم من النفع أو يدفعون به عن أنفسهم من الضرر أو يقررون به قولهم أو فعلهم فإن انتفت التهمة وانتفت المظنة فلا عذر من القبول لوجود الشرط المعتبر كما قدمنا.
وأما عدم قبول شهادة ذي السهو فوجهه واضح لأنه مع كثرة سهوه لا يوثق بشهادته لجواز أن يسهو عن بعض ما شهد به مما لا تتم الشهادة على وجه الصواب إلا به.
وهكذا شهادة ذي الحقد لأنه قد صار بحقده على المشهود عليه مظنة تهمة توجب عدم قبوله وفي حديث عائشة المتقدم قريبا زيادة بلفظ: "ولا ذي غمر لأخيه ولا ظنين ولا قرابة" وفيه المقال المتقدم وروي من حديث عمر بلفظ: "لا تقبل شهادة ظنين ولا خصم" قال ابن حجر: ليس له إسناد صحيح ولكن له طرق يقوي بعضها بعضا ومن ذلك ما رواه أبو داود في المراسيل من حديث طلحة بن عبد الله ابن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مناديا أنه لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين وروى البيهقي أيضا من طريق الأعرج مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجوز شهادة ذي الظنة والحنة"، يعني الذي بينك وبينه عداوة وروى الحاكم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مثله وفي إسناده نظر وهكذا لا تقبل شهادة ذي الكذب وهو أقبح هؤلاء المعدودين حالا وأبعدهم عن العدالة التي لا شهادة بدونها.
وأما قوله: "أو تهمة بمحاباة للرق ونحوه" فيدل على ذلك ما تقدم من نفي قبول شهادة ذي الظنة ومن نفي قبول شهادة القانع.
وأما قوله: "لا للقرابة والزوجية أو نحوهما" فلا وجه للفرق بينه وبينهما قبله بل من كان من هؤلاء متهما بالمحاباة فشهادته غير مقبولة من ذوي الظنة ومن لم يكن كذلك فشهادته مقبولة من غير فرق بين رق وخادم وأجير وقريب وزوجة وغيرهم.
وأما قوله: "ومن أعمى فيما يفتقر فيه إلى الرؤية عند الأداء" فوجهه واضح لأن الأعمى لا يشهد ما لا بد فيه من الرؤية فإن فعل كان مجازفا كاذبا بخلاف الشهادة على الصوت وعلى سائر ما لا يفتقر إلى الرؤية كما سيأتي للمصنف.
[فصل
والجرح والتعديل خبر لا شهادة عند م بالله فيكفي عدل أو عدلة وهو عدل أو فاسق إلا بعد الحكم فيفصل بمفسق إجماعا ويعتبر عدلان قيل وفي تفصيل الجرح عدلان قيل ويبطله الإنكار ودعوى الإصلاح وكل فعل أو ترك محرمين في اعتقاد الفاعل التارك لا يتسامح بمثلها وقعا جرأة فجرح والجارح أولى وإن كثر المعدل]
قوله: "فصل: والجرح والتعديل خبر لا شهادة" الخ.
أقول: قد قدمنا أن اعتبار اللفظ في الشهادة جمود لا وجه له وقد قدمنا أن الشرط الذي لا بد منه هو أن يكون الشهود عدولا مرضيين كما نطق به القرآن الكريم فقال: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282"، فالمعتبر في الشهادة العدالة والعدد وأما الإخبار بأن فلانا عدل أو غير عدل أو يتصف بكذا ولا يتصف بكذا فهذا من باب الرواية فلا بد أن يحصل للحاكم ظن الصدق فإن حصل بالواحد كفى ذلك وإن لم يحصل بالواحد فلا بد من الزيادة ثم العمل بما يرجحه الحاكم الذي يقوم بمثل ترجيحه الحجة في الاكتفاء بمجرد الإجمال أو الفحص عن التفصيل وإذا غلب في ظن الحاكم صدق الجارح أو المعدل عمل على ذلك ولا فرق بين أن يكون الجرح قبل الحكم أو بعده أنه إذا غلب على ظن الحاكم صدق الجرح فت في عضد الحكم السابق ولا يشترط أن يكون بمفسق إجماعا كما قال المصنف ولا يبطله الإنكار كمل قيل إذا كان مجردا وأما دعوى الإصلاح فعلى الحاكم أن يبحث عن ذلك حتى يتبين له الحال ويعمل على ما ينتهي إليه.
وأما قوله: "وكل فعل أو ترك محرمين" إلى آخر كلامه فهو كلام صحيح إذ لا يصدق مسمى الجرح إلا على ما اشتمل على هذه القيود.
قوله: "والجارح أولى وإن كثر المعدل".
أقول: وجه ذلك عند المصنف ومن قال بقوله أن المعدل غاية ما يقوله إنه لم يعلم بارتكاب ما يقدح في شهادة الشاهد وعدم العلم ليس علما بالعدم بخلاف الجارح فإنه يشهد على ارتكاب الشاهد لما يقدح في عدالته وهذا إثبات والإثبات مقدم على النفي وإنما يتم هذا إذا كان الجرح مفصلا أما لو كان مجملا بأن يقول الجارح هذا الشاهد غير عدل ويقول المعدل هذا الشاهد عدل فينبغي أن يكون المرجح من الوصفين ما يكون عليه الشاهد في حال الشهادة فإن كان متصفا بما يوجب العدالة متجنبا لما يقدح فيها كان التعديل أرجح ويحمل الجرح المجمل على أن الجارح استند في جرحه إلى فعل أو ترك فعله الشاهد قبل هذه الحالة التي صار عليها ومتصفا بها وإن كان الشاهد في حال الشهادة متصفا بما ينفي العدالة كان الجرح مقدما على التعديل ويحمل قول المعدل على أنه استند في تعديله إلى ما كان عليه حال الشاهد قبل
هذه الحالة التي هو عليها وقد استوفيت وجوه الترجيح في كتابي الذي سميته إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول بما لم أسبق إليه فمن رام شفاء النفس واندفاع اللبس فعليه ذلك.
[فصل
ويصح في غير الحد والقصاص أن يرعي عدلين ولو على كل من الأصلين لا كل فرد على فرد ويصح رجل وامرأتان ولو على مثلهم لا ذميين على مسلم ولو لذمي وإنما ينوبان عن ميت أو معذور أو غائب بريدا يقول الأصل اشهد على شهادتي أني أشهد بكذا والفرع أشهد أن فلانا أشهدني أو أمرني أن أشهد أنه شهد بكذا ويعينان الأصول ما تدارجوا ولهم تعديلهم] .
قوله: "ويصح في غير الحد والقصاص أن يرعي عدلين".
أقول: لم يأت في شيء من الأدلة ما يدل على أن الشاهد يجوز له أن يشهد على شهادته شاهدا آخر بل أوجب الله سبحانه على الشهود أن يأتوا بالشهادة التي تحملوها فقال: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقر: 282]، وقال:{وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ، فلا يجوز هذا الادعاء بعدم وروده في الشرع فإن عرض للشاهد عذر يخشى معه فوته كالمرض أو عرض له سفر إلى مكان بعيد كان الإرعاء ها هنا جائزا لأنها قد اقتضته الضرورة وفي وتركه إضرار بمن له الشهادة وتفويت لحقه فوجب السعي في تلافي الأمر بحسب الإمكان وهذا غاية ما يمكن ومما يقوم مقام الإرعاء إذا لم يكن أقوى منه أن يكتب الشاهد شهادته بخطه إذا كان معروف الخط أو يكتبها بخط من يعرف خطه ويشهد على ذلك فإنها قد وردت الأدلة الصحيحة الدالة على العمل بالكتابة الصحيحة في مواضع من الكتاب والسنة وورد ما يدل على قبولها على العموم.
وأما قوله: "في غير الحد والقصاص" فوجه عدم قبول الإرعاء في الحد أنه يسقط بالشبهة وقد يمكن أن يأتي الشاهد في شهادته إذا شهد بنفسه بما يفيد الشبهة وهذا وإن كان تجويزا بعيدا جدا لكن درء الحدود بالشبهات يقتضي مثل هذا وقد قدمنا أنه لا يشترط اجتماع الشهود على الحد فغاية ما هنا أن ينتظر الشاهد حتى يزول عذره ثم يحضر للشهادة فإن تعذر حضوره وانخرم به النصاب لم يثبت الحد.
وأما القصاص فلا وجه لاستثنائه بل يجوز الارعاء مع العذر أو الشهادة بالكتابة الصحيحة ولكن المصنف بنى هنا على ما قدمه في أول كتاب الشهادة من اشتراط أن يكون شهود القصاص أصولا.
وأما قوله: "أن يرعى ولو على كل من الأصلين" إلخ فصحيح إذ ليس المقصود إلا تحمل الفروع لشهادة الأصول فيكفي أن يتحمل الواحد عن الواحد أو كل واحد من الفرعين عن كل واحد من الأصلين ولكن مع العذر المسوغ لذلك كما قدمنا وكما سيأتي للمصنف وإنما ينوبان عن ميت أو معذور أو غائب.
وأما قوله: "لا ذميين عن مسلم" فقد أغنى عن هذا ما تقدم من عدم صحة شهادة الكافر على المسلم من غير فرق بين أصل وفرع.
وأما ما ذكره من قوله اشهد على شهادتي إلخ فقد عرفناك أن اشتراط هذه الألفاظ في غالب الأبواب جمود لا دليل عليه فيكفي أن يأمره بأن يشهد على شهادته بأي لفظ كان وكذلك يكفي الفرع أن يؤدي هذه الشهادة بأي لفظ كان.
وأما قوله: "ولهم تعديلهم" فظاهر لأن الفروع لم يشهدوا بالحق وإنما شهدوا على شهادة من شهد به.
[فصل
ويكفي شاهد أو رعيان على أصل مع امرأتين أو يمين المدعي ولو فاسقا في كل حق لآدمي محض غالبا لا رعي مع أصل ولو أرعاهما صاحبه ومتى صحت شهادة لم تؤثر مزية الأخرى] .
قوله: "فصل: ويكفي شاهد أو رعيان على أصل مع امرأتين أو يمين المدعي".
أقول: هذا صحيح أما كونه يكفي شاهد مع امرأتين فهو نص القرآن الكريم وأما كونه يقوم مقام الأصل رعيان فقد قدمنا الكلام عليه في الفصل الذي قبل هذا وقدمنا أيضا الأدلة الدالة على جواز الحكم بشاهد ويمين المدعي عند قول المصنف: "ولا ترد المتممة" فارجع إليه وهكذا قوله: ولو فاسقا فإن الدليل الصحيح قد دل على ذلك كما تقدم في قصة الحضرمي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له: "شاهداك أو يمينه": يا رسول الله إنه رجل فاجر لا يبالي على ما حلف فقال: "ليس لك إلا ذلك".
وأما قوله: "في كل حق لآدمي محض" فقد قدمنا ما يعتبر من الشهادة في كل مشهود فيه فلا نعيده.
قوله: "ومتى صحت شهادة لم تؤثر مزية الأخرى".
أقول: هذا سد لباب الترجيح وردم لطريق هي أوسع الطرق ساحة ومعلوم أن ارتفاع إحدى الشهادتين المتعارضتين بأي مزية من المزايا تصيرها راجحة فتكون الأخرى مرجوحة والظن لصحة الراجحة أقوى كما أنه بصحة المرجوحة أنقص وقد تبلغ إلى مرتبة لا يبقى
للمرجوحة تأثير في تحصيل الظن المعتبر وليس اعتبار مجرد وجود النصاب مقتضيا إلا مع عدم المانع ووجود الشهادة الراجحة من جملة ما يصدق عليه وصف المانعية فاعرف هذا وسيأتي الكلام في تعارض البينات.
[فصل
واختلاف الشاهدين إما في زمان الإقرار أو الإنشاء أو مكانهما فلا يضر وأما في قدر المقربه فيصح ما اتفقا عليه لفظا ومعنى غالبا كألف مع ألف وخمسمائة لا ألفين وكطلقة وطلقة مع طلقة وأما في العقود ففي صفتها كالخيار ونحوه لا يكمل وفي قدر العوض لا تكمل إن جحد الأصل وإلا ثبتت بالأقل إن ادعى الأكثر وأما في مكان أو زمان أو صفة لفعل قيل أو عقد نكاح فقط أو في قول مختلف المعنى لا كحوالة وكفالة أو رسالة ووكالة بل كباع وهب أقر به أوصى عن بيع عن غصب أو في عين المدعي أو جنسه أو نوعه أو صفته أو قال قتل أو باع أو نحوهما والآخر أقر فيبطل ما خالف دعواه فيكمل المطابق وإلا بطلت] .
قوله: "فصل: واختلاف الشاهدين" الخ.
أقول: كل اختلاف يمكن حمله على تعدد الواقعة من غير مانع فلا يضر ومن هذا الاختلاف في زمن الإقرار أو الإنشاء أو مكانهما وأما الاختلاف في قدر المقربه فهو وإن أمكن حمله على تعدد الواقعة لكنه لا يلزم إلا ما اتفقا عليه لأنه الذي تم عليه نصاب الشهادة فإن أمكن تكميل النصاب على الزيادة بأن يشهد شاهد آخر على ما شهد به من شهد بالزيادة أويحلف المدعي كان الواجب العمل بذلك لوجود النصاب المعتبر في الحكم.
وأما قوله: "ويصح ما اتفقا عليه لفظا ومعنى" فلا وجه لاعتبار الاتفاق في اللفظ ولا يتعلق به فائدة بل المعتبر الاتفاق في المعنى فقط فلا وجه لما مثل به المصنف مراعيا فيه الاتفاق لفظا ومعنى.
وأما قوله: "وفي العقود" إلخ فلا يخفاك أن الإثبات مقدم على النفس لأن الشاهد به شاهد بعلم ونا فيه غاية ما تضمنته شهادته أنه لا يعلم وعدم العلم ليس علما بالعدم فإن كمل المدعي شهادة المثبت بيمينه أو شهد معه شاهد آخر وجب الحكم بذلك وهكذا الكلام في الاختلاف في قدر العوض وهكذا قوله وأما في زمان أو مكان أو صفة لفعل فإنه كما قدمنا إن أمكن الحمل على تعدد الواقعة فذاك ولا يضر الاختلاف وإن لم يمكن فإنه يكون قادحا في الشهادة حتى يتبين الحال.
والحاصل أن المعتبر في جميع هذا الفصل هو هذا ولا وجه للفرق بين بعض صوره دون بعض وقد طول المصنف المقال في غير طائل.
[فصل
ومن ادعى مالين فبين على كل منهما بينة كاملة ثبتا إن اختلفا سبا أو جنسا أو نوعا مطلقا أو صكا أو عددا ولم يتحد السبب أو مجلسا ولم يتحدا عددا وصكا ولا سببا وإلا فمال واحد ويدخل الأقل في الأكثر] .
قوله: "فصل: ومن ادعى مالين فبين على كل منهما بينة كاملة ثبتا".
أقول: هذا صحيح ولا يحتاج إلى التنصيص عليه وشغلة الحيز به لوضوحه وظهوره فإن هذا الاختلاف بين المالين في أي هذه الصور يقتضي عدم كونهما مالا واحدا فقد وجب هنا الحمل على التعدد مع عدم الاختلاف وجب حمل البينتين على مال واحد رجوعا إلى البراءة الأصلية مع عصمة أموال المسلمين بالشرع.
[فصل
وإذا تعارضت البينتان وأمكن استعمالهما لزم وترجح الخارجة ثم الأولى ثم المؤرخة حسب الحال ثم يتهاتران ولذي اليد ثم يقسم المدعى كما مر ويحكم للمطلقة بأقرب وقت في الأصح] .
قوله: "فصل: وإذا تعارضت البينتان وأمكن استعمالهما لزم" الخ،
أقول: وهذا أيضا مما لا يحتاج إلى تحريره وشغلة الحيز به لأنهما مع إمكان الاستعمال يجب حملهما على ذلك وإنما يكون التناقض مع عدم إمكان الاستعمال وهو حيث يتحد المتعلق مع عدم إمكان تعدد الواقعة.
وأما قوله: "وترجح الخارجة" فوجهه أن صاحبها هو المدعي والبينة في الأصل عليه فكانت من هذه الحيثية أرجح وقد قدمنا ما في ذلك فلا نعيده وأما ما ذكره من ترجيح الأولى فلا بد من تقييده بكونها ترفع مضمون الأخرى كأن تشهد الشهادة الأولى بأن مالك هذه العين باعها من فلان ثم تشهد البينة الأخرى بأنه باعها من آخر مع أنه يمكن أن يكون البيع الأول قد عرض له ما يقتضي رده على بائعه بخيار من الخيارات الموجبة للرد وإن كان الأصل خلاف ذلك.
وأما ما ذكره من ترجيح المؤرخة فلا أرى له وجها صحيحا لأن المطلقة يمكن أن تكون قبلها ويمكن أن تكون بعدها فينبغي أن ينظر هل يمكن تعدد الواقعة أم لا؟ فإن لم يمكن فالقسمة كما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون من قبيل قوله ثم يتهاتران وأما كونه يكون مع التهاتر لذي اليد فوجهه أنه عمل بالاستصحاب لعدم وجود الناقل الخالص عن المعارض وإن لم يكن لأحدهما عليه يد أو كان في أيديهما فالقسمة فإنها مدرك شرعي كما مر.
وأما قوله: "ويحكم للمطلقة بأقرب وقت" فهذا فيه شبهة التحكم فإنها إذا كانت متحملة لأقرب وقت وأبعده وأوسطه كان حملها على أحد محتملاتها حملا بلا مرجح.
[فصل
ومن شهد عند عادل ثم رجع عنده أو عند مثله بطلت قبل الحكم مطلقا وبعده في الحد والقصاص قبل التنفيذ وإلا فلا فيعزمون لمن غرمته الشهادة أو نقصته أو أقرت عليه معرضا للسقوط ويتأرش ويقتص منهم عامدين بعد انتقاص نصابها وحسبه قيل في الحدود حتى يبقى واحد ثم على الرؤوس وفي المال على الرؤوس مطلقا والمتممة كواحد والنسوة الست كثلاثة ولا يضمن المزكي] .
قوله: "فصل: ومن شهد عند عادل ثم رجع" الخ.
أقول: لا وجه للتقييد بكون الشهادة عند عادل ولا يكون الرجوع عنده أو عند مثله بل المعتبر صحة الرجوع بوجه من الوجوه ومع الرجوع تبطل شهادته من غير فرق بين كونها قبل الحكم أو بعده وأي تأثير للحكم مع بطلان مستنده فإن هذا من أعجب ما يقرع سمع من يتعقل الحقائق فضلا عمن هو عالم بالأسباب الموجبة لثبوت أحكام الشرع ولا فرق بين الحد والقصاص وغيرهما فإن كان قد وقع التقييد فلا شك أن الحاكم مغرور من جهة الشهود وهم سبب الجناية على المشهود عليه فيغرمون لمن أصيب بشهادتهم في بدنه أو في ماله أما في البدن فظاهر لأنه قد حل به ما لم يمكن استدراكه إلا بتسليم ديته أو أرشه وأما في المال فلا يغرمون إلا إذا تعذر إرجاع ذلك المال إلى يد مالكه وتعذر الرجوع على من أتلفه بقيمته.
وأما ما ذكره من الاقتصاص من الشهود فخبط لا ينبني على حقيقة وذهول عما سيأتي له في الجنايات وما ذكره بعد هذا فهو ظاهر لا يحتاج إلى الكلام عليه.
[فصل
ويكمل النسب بالتدريج والمبيع بما يعنيه وكذلك الحق وكان له أو في يده بما أعلمه انتقل إن كان عليه يد في الحال والإرث من الجد بتوسط الأب إن لم يتقدم موته والبيع والوصية والوقف والهبة بفعله مالكا أو ذا يد ورزمة الثياب بالجنس والعدد والطول والعرض والرقة والغلظ والوصية وكتاب حاكم إلى مثله ونحوهما بالقراءة عليهم والبيع لا الإقرار به ولا من الشفيع بتسمية الثمن أو قبضه فإن جهل قبل القبض فسخ لا بعده والقول للمشتري وقتله يقينا أو نحوه نشهد وإلا بطلت في الكل] .
قوله: "فصل: ويكمل النسب بالتدريج".
أقول: سيأتي له أنه يكفي في الشهادة على النسب شهرة في المحلة فإن كان هذا التكميل لا بد منه بحيث لا يحكم الحاكم بالنسب إلا به لم يكن لقوله فيما سيأتي كثير فائدة وإن كان النسب يثبت بدون هذا التكميل لم يكن لتحريره ها هنا فائدة لأنه قد ثبت أصل النسب وهو المراد وقد فرق بين الموضعين بعض المشتغلين بهذا العلم فقالوا إن كفاية الشهادة بالشهرة باعتبار ثبوت الميراث وأما ثبوت النسب فلا يتم إلا بالتدرج ولا يخفى أن هذا فرق ممن لا يفرق بين حقائق الأمور وما يتسبب عنها فإن ثبوت الميراث متسبب عن ثبوت النسب فإذا لم يثبت السبب لم يثبت المسبب وثبوت المسببات بدون ثبوت أسبابها محال.
وأما قوله: "والمبيع بما يعينه" فلا وجه له فإن الشهادة على الشيء بدون ما يعينه ليست شهادة على ذلك الشيء بل هي شهادة على ما يحتمله هو وغيره فإن جاء بما يعينه كانت شهادة عليه وإلا فليست بشهادة عليه وهكذا الشهادة على الحق لا فرق بينهما وبين الشهادة على الملك.
وأما قوله: "وكان له أو في يده بما أعلمه انتقل" فلا وجه لهذه الزيادة بل الشهادة على أنه كان له أو في يده قد اقتضت استصحاب الحال فلا ينقل عن ذلك إلا ناقل صحيح ومع هذا فقد تقدم للمصنف أنها لا تصح الشهادة على ملك كان.
وأما قوله: "والإرث من الجد بتوسيط الأب" فلا فائدة لهذا التكميل لأن إثبات كونه جدا قد اقتضى أن ابن ابنه يرثه ومن ادعى أن ثم مانعا من إرثه له فعليه بيان ذلك المانع.
وأما قوله: "والبيع والوصية والوقف والهبة بفعله مالكا أو ذا يد" فلا أرى لهذا التكميل وجها لأنه قد ثبت بالشهادة صدور هذه الأشياء فيحكم على من صدرت عنه حكما مطلقا بأنه فعل ذلك وإذا نوزع المحكوم له كانت خصومة أخرى يرجع فيه إلى البينة من المدعي أو اليمين من المنكر وهكذا ما ذكره بعد هذا.
والحاصل أن مثل هذه التعريفات ظلمات بعضها فوق بعض وقد جعل الله لعباده عنها سعة فإنها لا تأتي إلا بمجرد التضييق عليهم وتعسير الشريعة الواضحة التي ليلها كنهارها.
[فصل
ولا تصح على نفي إلا أن يقتضي الإثبات ويتعلق به ومن وكيل خاصم ولا بعد العزل وعلى حاكم أكذبهم ومن تسقط عنهم حقا له كمالك غير مالكهم أو ذي اليد في ولائهم ولغير مدع في حق آدمي محض وعلى القذف قبل المرافعة ومن فرع اختل أصله ولا يحكم بما اختل أهلها قبل الحكم فإن فعل نقض ولو قبل العلم غالبا ولا بما وجد في ديوانه إن لم يذكر وتصح من كل من الشريكين للآخر في المشترك فيفوز كل بما حكم له ولا يتبعض ومن المنهي عن الأداء وممن كان أنكرها غير مصرح وعلى أن ذا الوارث وحده] .
قوله: "فصل: ولا تصح على نفي" الخ.
أقول: هذه الشهادة على النفي قد أفادت في الجملة انتفاء ذلك الشيء في علم الشاهد فإن عورض هذا النفي بالإثبات فهو أرجح منه وأقدم لأنه شهادة عن علم وإن لم يعارض هذا النفي فلا وجه للجزم بعدم صحة الشهادة عليه بدون معارض أنهض منه لأنه قد أفاد في الجملة فائدة معمولا بها مع عدم المعارض ولو لم يكن إلا كون هذه الشهادة عاضدة للأصل ومقوية له فإن العدم مقدم على الوجود ولا وجه لتقييد عدم الصحة بقوله: "إلا أن يقتضي الإثبات" فإن هذه الشهادة المقتضية للإثبات هي شهادة إثبات ولا اعتبار بدخول النفي في لفظها لما عرفناك غير مرة أنه لا اعتبار بمجرد الألفاظ وأن ذلك جمود لا يليق بأهل التحقيق.
قوله: "ولا من وكيل خاصم" الخ.
أقول: إن كان بهذه الخصومة قد صار متهما فقد تقدم عدم قبول شهادة المتهم بالأدلة التي ذكرنا وباشتراط القرآن الكريم أن يكون الشهود عدولا مرضيين والمتهم غير عدل ولا مرضي وإن كان هذا الوكيل بمكان من الثقة والعدالة بحيث لا تؤثر فيه الخصومة تهمة ولا عداوة فلا وجه لرد شهادته لأن نفس تولي الخصومة في حق للغير لا يصلح لكونه مانعا لعدم الدليل على ذلك ولا فرق بين أن يكون الوكيل قد عزل أم لا.
قوله: "وعلى حاكم أكذبهم".
أقول: مراد المصنف أنهم شهدوا عليه بأنه قد حكم فأكذبهم وعدم صحة هذه الشهادة أوضح من الشمس بحيث لا يفتقر إلى التنصيص عليه لأن الحاكم إذا أنكر الحكم لم يبق مستند
لإثبات ما اشتمل عليه أو نفيه ومع هذا فهو يمكن حمل الشهود على حالة سمعوها من الحاكم وتعقب ما يخالفها وعلى كل حال فمع إكذابهم لا يبقى لشهادتهم موضع من الصدق قط فضلا عن العمل بها.
قوله: "ومن يسقط عنهم حقا كمالك غير مالكهم".
أقول: هذه الشهادة وإن أسقطت عنهم حقا للأول فقد أثبتت عليهم حقا للآخر فمن حيث إسقاطها عنهم حقا للأول كأنهم شهدوا لأنفسهم والشهادة للنفس لا تصح وهكذا الكلام على قوله: "أو غير ذي اليد في ولائهم".
قوله: "ولغير مدع".
أقول: قد قدمنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما عمادان من أعمدة هذا الدين ولا يتوقف وجوب ذلك على مطالبة ذي الحق لأن الاستيلاء عليه وهو في ملكه غصب ومظلمة له ظاهرة فأقل أحوال من علم بحقيقة الحال أن يخبر من له الحق بذلك أو يخبر من يقدر على إنصافه ورفع مظلمته فالرجوع إلى هذين الأصلين العظيمين يغني عن الرجوع إلى ما تعارض من حديث: "خير الشهداء الذي يؤدي شهادته قبل أن يستشهد"، وحديث الذم للقوم الذين يشهدون ولا يستشهدون.
وأما ما قيل من أن عدم صحة الشهادة لغير مدع مجمع عليه فما أكثر هذه الدعاوى على إجماع المسلمين مع تعسره بل تعذره كما أوضحنا ذلك في إرشاد الفحول وهكذا الكلام في قوله: "وفي حق آدمي محض".
قوله: "ومن فرع اختل أصله".
أقول: مثل هذا لا يحتاج إلى التنصيص عليه للعلم بأن شهادة الفرع إنما هي في حكم التأدية لشهادة الأصل فاختلال الأصل مستلزم لاختلال فرعه شرعا وعقلا وعادة وإذا حكم الحاكم بشهادة الفرع الذي اختل أصله فحكمه هباء وسراب بقيعة لا يحتاج فيه إلى أن يقال إنه ينقض فإنه لم ينعقد من الأصل.
قوله: "ولا بما هو وجد في ديوانه إن لم يذكر".
أقول: القاضي مأمور بأن يحكم بحكم الله عزوجل ولا يكون ذلك إلا بإقرار أو شهادة أو يمين فكيف يقع في ذهن من تعرض للتصنيف أنه قد يحكم بما وجد في ديوانه مع عدم الذكر لسبب ذلك الذي وجده وأي مدخل لهذا في الأسباب الشرعية وكيف يظن بقاض من المسلمين أن يحكم بمثل هذا حتى يقال له ولا يحكم بما وجد في ديوانه إن لم يذكر وأي فائدة لذكر مثل هذا ومع ذلك فهو من أحكام القضاء لا من أحكام الشهادات فكان تأخيره إلى باب القضاء أولى ولكن المصنف رحمه الله قد حبب الله إليه في كثير من مباحث هذا الكتاب التطويل والتكرير فإن غالب ما ذكره في هذا الفصل قد تقدم في فصل من لا تصح شهادتهم.
وأما قوله: "ويصح من كل من الشريكين للآخر" إلخ فالوجه أنه لا مانع من هذه الصحة
لا من رواية ولا من دراية لأن الشريك لم يشهد لنفسه ولا بما له نفع فيه ولا سبب يقتضي اتهامه فكان له عن ذكر مثل هذا سعة وهكذا لا حاجة لقوله ومن المنهي عن الأداء فإن من المعلوم أن نهي المشهود عليه للشاهد أن يشهد عليه لا يقول أحد ممن يعلم بل ممن يفهم أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد بعد هذا النهي حتى يحتاج إلى التنصيص على جواز شهادته.
وأما كونها تصح الشهادة ممن كان أنكرها فوجهه أنه قد ينكر سهوا أو نسيانا ثم يذكر لكن إذا صرح بالإنكار وصمم عليه كان ذلك موجبا للريبة في شهادته وهكذا لا حاجة للتنصيص على صحة الشهادة بكون ذا الوارث وحده فإنه لم يقل أحد بعدم قبول هذه الشهادة حتى يحتاج إلى ذكر قبولها وليت شعري أي حامل للمصنف على ذكر هذه المسائل وشغلة الحيز بها وإتعاب الطلبة بالنظر فيها.
[فصل
ويكفي الشاهد في جواز الشهادة في الفعل الرؤية وفي القول الصوت معها أو ما في حكمها أو تعريف عدلين مشاهدين أو عدلتين بالاسم والنسب وفي النسب والنكاح والموت والوقف والولاء شهرة في المحلة تثمر علما أو ظنا وفي الملك التصرف والنسبة وعدم المنازع ما لم يغلب في الظن كونه للغير ويكفي الناسي فيما عرف جملته والتبس تفصيله الخط.
قوله: "فصل: ويكفي الشاهد في جواز الشهادة في الفعل الرؤية".
أقول: لما كانت الشهادة لا تكون إلا عن يقين ولا يكفي فيها ظن إن كانت المشاهدة في الشهادة على الأفعال متوقفة على الرؤية التي يحصل عندها العلم اليقين وهكذا الشهادة على الأقوال فإنه لا بد فيها من رؤية صاحب القول وسماع صوته إلا أن يكون الشاهد ممارسا لذلك القائل بحيث يعلم علما يقينا أن القول قوله ولا يمترى في ذلك لوجه فإنه لا يحتاج حينئذ إلى مشاهدة القائل.
وأما قوله: "وتعريف عدلين" إلخ فهذا مما لا بد منه إذا كان الشاهد لا يعرف المشهود عليه معرفة تميزه عن غيره وإن كان يعرفه كان ذلك مغنيا عن التعريف.
قوله: "وفي النسب والنكاح" الخ.
أقول: ولا بد للشاهد بهذه الأمور من تصريحه بأن مستنده في شهادته هو مجرد الشهرة ووجه هذا أن الشهرة مستند ضعيف فإذا عورضت بما هو أقوى منها لم يبق حكم فكم من شهرة تنشأ عن مجرد كذب كاذب وهزل هازل وقد يحصل للسامع لها ظن لكثرتها فينكشف لخيال كاذب.