الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها أن يحب له ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه ومنها أن: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"[البخاري "2442"، مسلم "2580"، أبو دأود "4893"، الترمذي "1426"] ، وأي إسلام له أعظم من تركه يموت غرقا وهو بمرأى منه ومسمع وأين عمل هذا المصلي الذي آثر الاستمرار في صلاته على أخيه الذي صار في غمرات الموت بأحاديث المحبة منها "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا". [مسلم "54"، أبو دأود "5193"، الترمذي "2688"، ابن ماجة "3692"] .
فالحاصل أن هذا المصلي قد ترك أعظم الواجبات وارتكب أعظم المحظورات المنكرات واستمراره في صلاته منكر عظيم وقبيح شنيع فإن الله سبحانه قد طلب منه ما هو أهم من ذلك وأعظم وأقدم وهو يؤدي صلاته إذا كان في الوقت سعة وإذا ضاق عنها ولم يدرك شيئا منها فقد جعل الله القضاء لمن فاته الأداء بل يجب على المصلي ترك الصلاة والخروج منها فيما هو دون هذا بكثير وذلك نحو أن يرى من يريد فعل منكر كالزنا وشرب الخمر وهو يقدر على منعه والحيلولة بينه وبين ما هم به من المعصية وهو إذا استمر في صلاته تم لذلك العاصي فعل تلك المعصية فالواجب عليه الخروج من الصلاة وإنكار ذلك المنكر.
والحاصل أن هذه الشريعة المطهرة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد والموازنة بين أنواع المصالح وأنواع المفاسد وتقديم الأهم منها على ما هو دونه ومن لم يفهم هذا فهو لم يفهم الشريعة كما ينبغي والأدلة الدالة على هذا الأصل من الكتاب والسنة كثيرة جدا لا يتسع لها هذا المؤلف.
وقد ذكر الجلال ها هنا أبحاثا ساقطة البنيان مهدومة الأركان ليس في الاشتغال بدفعها إلا تضييع الوقت وشغلة الحير وإذا قد عرفت ما ذكرناه فيه تعرف الكلام على قوله: "أو تضيق وهي موسعة" وعلى قوله: "قيل أو أهم منها عرض قبل الدخول فيها".
ومما يؤيد ما حررناه لك في هذا البحث حديث جريج الثابت في الصحيح [البخاري"2350"، أحمد "2/385"] ، أنها دعته أمه وهو يصلي فقال اللهم أمي وصلاتي وتردد أيهما أقدم فعوقب تلك العقوبة والحال أن إجابته لأمه وقضاء حاجتها لا تفوت باستمراره في صلاته وإكمالها فكيف إذا كان الاستمرار في الصلاة يحصل به هلاك مسلم وكان الخروج منها محصلا لحياته.
وهذا وإن كان من شرع من قبلنا فقد حكاه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ما يخالفه في شرعنا فكان شرعا لنا كما تقرر في الأصول.
[باب والجماعة سنة مؤكدة
إلا فاسقا أو في حكمه وصبيا ومؤتما غير متخلف بغيرهم وامرأة برجل والعكس إلا
مع رجل والمقيم بالمسافر في الرباعية إلا في الأخريين والمتنفل بغيره غالبا وناقص الطهارة أو الصلاة بضده والمختلفين فرضا أو أداء أو قضاء أو في التحري وقتا أو قبلة أو طهارة لا في المذهب فالإمام حاكم.
وتفسد في هذه على المؤتم بالنية وعلى الإمام حيث يكون بها عاصيا.
وتكره خلف من عليه فائتة أو كرهه الأكثر صلحاء والأولى من المستويين في القدر الواجب الراتب ثم الأفقه ثم الأورع ثم الأقرأ ثم الأسن ثم الأشرف نسبا.
ويكفي ظاهر العدالة ولو من قريب] .
قوله: "باب والجماعة سنة مؤكدة".
أقول: هذا هو الحق فإن الأحاديث المصرحة بأفضلية صلاة الجماعة على صلاة الفرادى منادية بأعلى صوت بأن الجماعة غير واجبة وموجبة لتأويل ما ورد مما استدل به على وجوبها.
ومن هذه الأحاديث القاضية بعدم الوجوب ما أخرجه البخاري ["651"، ومسلم ["662"]، وغيرهما من حديث أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام".
ومنها حديث أبي بن كعب عند أحمد ["5/140"] ، وأبي دأود ["554"] ، والنسائي ["843"] ، وابن ماجه ["790"]، مرفوعا بلفظ:"صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلي الله عز وجل".
ومن ذلك حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" وهو في الصحيحين [البخاري "645"، مسلم "249، 650"] وغيرهما [أحمد "2/65"] .
ومنها حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة وهو في الصحيحين وغيرهما
وأخرج البخاري ["646"] ، وغيره [ابن ماجة "788"، أحمد "3/55"، أبو دأود "560"]، عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة".
فهذه الأحاديث وما ورد في معناها تدل على أن صلاة الفرادى صحيحة مجزئة مسقطة للوجوب وكل ما ورد مما استدل به على الوجوب فهو متأول والمصير إلي التأويل متعين.
وقد ذكرنا في شرح المنتقي ما لا يبقى بعده ريب لمرتاب فليرجع إليه ولكن المحروم من حرم صلاة الجماعة فإن صلاة يكون أجرها أجر سبع وعشرين صلاة لا يعدل عنها إلي صلاة ثوابها جزء من سبعة وعشرين جزءا منها إلا مغبون ولو رضي لنفسه في المعاملات الدنيوية
بمثل هذا لكان مستحقا لحجره عن التصرف في ماله لبلوغه من السفه إلي هذه الغاية والتوفيق بيد الرب سبحانه.
قوله: "إلا فاسقا أو في حكمه".
أقول: الفاسق من المسلمين المتعبدين بالتكاليف الشرعية من الصلاة وغيرها فمن زعم أنه قد حصل فيه مانع من صلاحيته لإمامة الصلاة مع كونه قارئا عارفا بما يحتاج إليه في صلاته فعليه تقرير ذلك المانع بالدليل المقبول الذي تقوم به الحجة وليس في المقام شيء من ذلك أصلا لا من كتاب ولا من سنة ولا من قياس صحيح فعلى المنصف أن يقوم في مقام المنع عند كل دعوى يأتي بها بعض أهل العلم في المسائل الشرعية.
وما استدل به على المنع من تلك الأحاديث الباطلة المكذوبة فليس ذلك من دأب أهل الإنصاف بل هو صنع أرباب التعصب والتعنت فإياك أن تغتر بما لفقه الجلال في هذا البحث وجمع فيه بين المتردية والنطيحة وما أكل السبع فإن هذا دأبه في المواطن التي لم ينتهض فيها الدليل.
ومن تتبع شرحه لهذا الكتاب عرف صحة ما ذكرناه.
وإذا عرفت هذا فلا تحتاج إلي الاستدلال على جواز إمامة الفاسق في الصلاة ولا إلي معارضة ما يستدل به المانعون فليس هنا ما يصلح للمعارضة وإيراد الحجج وبيان ما كان عليه السلف الصالح من الصلاة خلف الأمراء المشتهرين بظلم العباد والإفساد في البلاد.
نعم يحسن أن يجعل المصلون إمامهم من خيارهم كما أخرجه الدارقطني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" وفي إسناده سلام بن سليمان المدائني وهو ضعيف.
وأخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه صلى الله عليه وسلم: "إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم".
ولكن ليس محل النزاع إلا كونه لا يصلح أن يكون الفاسق ومن في حكمه إمأما لا في كون الأولى أن يكون الإمام من الخيار فإن ذلك لا خلاف فيه.
قوله: "وصبيا".
أقول: الأحاديث الواردة في أن الأولى بالإمامة الأقرأ أو من كان أكثر قرآنا شاملة للصبي ومنها حديث ابن عمرو بن سلمة الثابت في اصحيح البخاري ["631"] ، وغيره [أبو دأود "589"، النسائي "781"، مسلم "674"، الترمذي "205"، ابن ماجة "979"] أنه أم قومه وهو ابن ست سنين أو سبع أو ثمان وذلك أنه لما وفد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما قال له: "وليؤمكم أكثركم قرآنا"، وكان الصبي عمرو بن سلمة أكثرهم قرآنا لأنه كان يسأل من يمر بهم من الوفد عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به فيحفظ ما يروونه له من القرآن.
وقد ورد ما يدل على أنه وفد مع أبيه كما رواه الدارقطني وابن منده والطبراني.
وعلى تقدير أنه لم يفد مع أبيه فقد كانت إمامته مع وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم والوحي ينزل عليه ولا يقع التقرير مع نزول الوحي على ما لا يجوز.
وقد استدل أهل العلم على جواز العزل بحديث جابر وأبي سعيد بأنهم فعلوا ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان منهيا عنه لنهى عنه القرآن.
وعلى كل حال فالصبي داخل تحت العموم فمن ادعى أن فيه مانعا من الإمامة فعليه الدليل وقد صحت الصلاة جماعة بصبي مع الإمام كما في حديث ابن عباس [البخاري "859"، مسلم "184، 763"، أبو دأود "610"، النسائي "842"، الترمذي "232"] : "أنه قام يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقف على يساره فجذبه وأقامه عن يمينه" وإذا انعقدت صلاة الجماعة مع الإمام فقط فلتنعقد صلاة الجماعة به وهو الإمام ورفع الوجوب عنه لا يستلزم عدم صحة صلاته.
وقد صحت صلاة معاذ [البخاري "700"، مسلم 180"، أبو دأود "599"‘ 600"، الترمذي 583"] بقومه بعد صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متنفل وهم مفترضون فصحت إمامته ولا وجوب عليه إذ قد أدى الصلاة الواجبة عليه.
قوله: "ومؤتما غير مستخلف".
أقول: أما في حال كونه مؤتما فظاهر لحديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به"[البخاري "2/208"، مسلم "414"] ، وحديث "لا تختلفوا على أئمتكم" ومعلوم أن كون الإمام مؤتما تصير له أحكام الإمام وأحكام المؤتم فيؤدي ذلك إلي الاختلاف على إمامه يما يجب عليه الاقتداء به فيه.
وأما ما ورد من ائتمام الناس بأبي بكر وائتمامه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي قاعدا في مرضه وما ورد أنه يأتم بالمتقدمين من بعدهم فالمراد أنهم يركعون بركوعهم ويسجدون بسجودهم لأنهم مطلعون على ركوع الإمام وسجوده واعتداله لقربهم منه وقد يخفى ذلك على من هو بعيد منه فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يقتدوا بمن هو متقدم عليهم من صفوف الجماعة.
وأما المؤتم اللاحق بالإمام إذا قام لتمام صلاته منفردا فلا بأس بأن يأتم به غيره من المؤتمين الذين لم يدركوا إلا بعض الصلاة وعليه عند ذلك نية الإمامة وعليهم نية الائتمام ولا مانع من هذا والأدلة الدالة على مشروعية الجماعة تشمله.
ومن ادعى أنه لا يصلح للإمامة فعليه الدليل والتعليل بكون النية المتوسطة لا تصلح ليس بشيء.
قوله: "وامرأة برجل أو العكس".
أقول: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في جواز إمامة المرأة بالرجل أو الرجال شيء ولا وقع في عصره ولا في عصر الصحابة والتابعين من ذلك شيء وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوفهن بعد صفوف الرجال وذلك لأنهن عورات وائتمام الرجل بالمرأة خلاف ما يفيده هذا ولا يقال الأصل الصحة لأنا نقول قد ورد ما يدل على أنهن لا يصلحن لتولي شيء من الأمور وهذا
من جملة الأمور بل هو أعلاها وأشرفها فعموم قوله: "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" كما في الصحيحين [البخاري "709"، وغيرهما [أحمد "5/47، 51"، الترمذي "2262"، النسائي "8/227"] ، يفيد منعهن من أن يكون لهن منصب الإمامة في الصلاة للرجال.
وأما كون الرجل يؤم المرأة وحدها فلم يرد ما يدل على المنع من ذلك وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء بحضور المساجد والدخول في جماعة الرجال وإذا جاز ذلك مع الرجال جاز أن يؤم الرجل بمرأة واحدة من محارمه ومن يجوز له النظر إليه.
وقد أخرج أبو دأود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نفخ في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نفخت في وجهه الماء"، وإسناده ثقات وظاهره أعم من أن يصليا جماعة أو فرادى.
وأصرح من هذا ما أخرجه أبو دأود ["1309، 1451"]، من حديث أبي سعيد وأبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات".
وأخرج الإسماعيلي في مستخرجه عن عائشة أنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد صلى بنا وقال إنه حديث غريب ولكن غرابته لا تنافي صحته فإن الإسماعيلي إنما ذكر في مستخرجه ما هو على شرط الصحيح.
وثبت في اصحيح البخاري] "2/184"] في ترجمة باب إنه كان يؤم عائشة عبدها ذكوان من المصحف.
وأما كون المرأة تؤم النساء فالظاهر أنه لا منع من ذلك وقد أخرج أبو دأود من حديث أم ورقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها وفي إسناده عبد الرحمن ابن خلاد وهو مجهول الحال ولكن ذكره ابن حبان في ثقاته وقد رواه معه غيره ففي رواية لأبي دأود ["591"] ، قال عن عثمان عن وكيع عن الوليد بن جميع قال حدثتني جدتي وعبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت نوفل فذكره.
قوله: "والمقيم بالمسافر في الرباعية إلا في الأخريين".
أقول: ما أحسن ما قيل في هذا إن المسافر إذا صلى مع المقيم أتم لما أخرجه أحمد في مسنده عن ابن عباس أنه سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد وأربعا إذا ائتم بمقيم قال تلك السنة وفي لفظ لأحمد ["1/337"] : "أنه قال له موسى بن سلمة إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا فإذا رجعنا ركعتين قال تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم"، قال في خلاصة البدر إن إسناده على شرط الصحيح انتهى قال في البدر وأخرجه الطبراني في الكبير بإسناد رجاله كلهم محتج بهم في الصحيح.
وأصله في مسلم ["7/688"] ، والنسائي ["3/119""] بلفظ قلت لابن عباس كيف أصلي إذا
كنت بمكة إذا لم أصلي مع الإمام قال ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.
قوله: "والمتنفل بغيره".
أقول: أما صلاة المتنفل بالمتنفل فمما لا ينبغي أن يقع في صحتها خلاف لما ثبت من ائتمام غير النبي صلى الله عليه وسلم به في كثير من النوافل وهي أحاديث صحيحة ثابتة في الصحيحين وغيرهما.
وأما ائتمام المفترض بالمتنفل فحديث صلاة معاذ [البخاري "700"، مسلم "465"] ، بقومه بعد صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم وتصريحه هو وغيره أن التي صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم هي الفريضة والتي صلاها بقومه نافلة لهو دليل واضح وحجة نيرة وما أجيب به عن ذلك من أنه قول صحأبي لا حجة فيه فتعسف شديد فإن الصحأبي أخبرنا بذلك وهو أجل قدرا أن يروي يروي بمجرد الظن والتخمين وقد وقع هذا في عصره صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل فلو كان غير جائز لما وقع التقرير عليه.
ومما يؤيد ذلك ما وقع منه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف [البخاري "4136"ن مسلم "843"] ، فإنه صلى بكل طائفة ركعتين فهو في إحدى الصلاتين متنفل وهو مفترضون.
وأيضا الأصل صحة ذلك والدليل على من منع منه.
وأما الاستدلال بحديث: "لا تختلفوا على إمامكم" فوضع الدليل في غير موضعه فإن النهي على فرض شموله لغير ما هو مذكور بعده من التفصيل لا يتنأول إلا ما كان له أثر ظاهر في المخالفة من الأركان والأذكار وفعل القلب لا يدخل في ذلك لعدم ظهور اثر المخالفة فيه ولو قدرنا دخوله لكان مخصوصا بدليل الجواز.
قوله: "وناقص الصلاة أو الطهارة بضده".
أقول: الدليل على من منع من ذلك لأن الأصل الصحة وقد استدلوا على منع إمامة ناقص الصلاة بضده بالحديث الصحيح المصرح بالنهي عن الاختلاف على الإمام وفيه "وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا"[البخاري"722"، مسلم "86/414"، أبو دأود "603"] ، ولكن هذا لا يدل على أن كل ناقص صلاة لا يؤم بغيره كالأعرج والأشل مع كونهم يجعلونهما وأمثالهما ناقصي صلاة ثم مع هذا قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مرض موته وهي آخر صلاة صلاها بهم وكان قاعدا وكانوا قيأما فإن حمل هذا على اختصاصه به صلى الله عليه وسلم كان ذلك خلاف الظاهر وإن جعل ناسخا لم يصح الاستدلال بحديث "وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا" هكذا ينبغي أن يقال في ناقص الصلاة.
وأما ناقص الطهارة فلا دليل يدل على المنع أصلا فيصح أن يؤم المتيمم متوضئا ومن ترك غسل بعض أعضاء وضوئه لعذر بغيره ونحوهما ولا يحتاج إلي الاستدلال بحديث عمرو بن العاص في صلاته بأصحابه بالتيمم وهو جنب فإن الدليل على المانع كما عرفت والأصل الصحة.
قال في المنتقي وقد صح عن عمر أنه صلى بالناس وهو جنب ولم يعلم فأعاد ولم يعيدوا وكذلك عثمان وروي عن علي رضي الله عنهم من قوله انتهى.
وروى الأثرم عن ابن عباس أنه صلى بجماعة من الصحابة منهم عمار بن ياسر فلما فرغ من الصلاة ضحك وأخبرهم أنه اصاب من جارية له رومية فصلى بهم وهو جنب متيمم.
وأخرج البخاري ["694"] وغيره من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يصلون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم".
قول: "والمختلفين فرضا"
أقول: قد ذكرنا أن الدليل على من زعم أن ثم مانعا من الصحة ولكن أما مع اختلاف الفرضين فمدعي الصحة يحتاج إلي دليل على ذلك ولم يثبت أصلا ولا سمع في ايام النبوة بمثل هذا.
فالحاصل أن الفريضة إن كانت واحدة فالأصل صحة الائتمام والدليل على من ادعى عدم الصحة أما إذا كانا مفترضين فريضة فظاهر وهكذا إذا كانا متنفلين وقد قدمنا أن الأدلة على ذلك كثيرة جدا.
وأما إذا كان الإمام مفترضا والمؤتم متنفلا فلحديث "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه" أخرجه أبو دأود ["574"] ، والترمذي] "220"] ، وحسنه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم فإن الخطاب لجماعة قد صلوا فريضتهم.
وأما إذا كان الإمام متنفلا والمؤتم مفترضا فلحديث معاذ المتقدم وما ورد في معناه.
وأما مع الاختلاف أداء وقضاء مع اتفاق الفريضة فلم يثبت شيء من هذا في أيام النبوة ولا في أيام الصحابة.
وأما مع الاختلاف وقتا فلا يحل لمن لم يكن عنده أن ذلك الوقت وقت للصلاة أن يدخل فيها لا إمأما ولا مؤتما فإن فعل فقد عصى وصلاته باطلة وإذا كان إمأما فقد صحت صلاة المؤتم به الذي يعتقد دخول الوقت لحديث "وإن أخطأ فلكم وعليهم".
وأما مع الاختلاف في القبلة فلا يحل من اعتقد أن القبلة في غير جهة إمامه أن يأتم به.
وأما استثناء الخلاف في المذهب فلا بأس بذلك لكن لا يجوز أن يخالفه فيما نص عليه حديث "لا تختلفوا على إمامكم".
من ذلك التفصيل وإذا عرفت هذا علمت أن قوله: "وتفسد على المؤتم بالنية وعلى الإمام حيث يكون بها عاصيا" لا ينبغي أن يؤخذ كليا فإن الفساد لا يكون إلا لفوات ما دل الدليل على أن الصلاة لا تكون صلاة إلا به وقد قدمنا تحقيق هذا.
ولا وجه لقوله: "وتكره خلف من عليه فائتة" لعدم وجود الدليل على ذلك والكراهة حكم شرعي لا يجوز القول به مجازفة وعلى تقدير كون التراخي عن قضاء الفائتة معصية فذلك لا يستلزم عدم صلاحيته للإمامة كما تقدم.
قوله: "وكرهه الأكثر صلحاء".
أقول: ما ورد فيمن أم قوما وهم له كارهون من الوعيد متوجه إلي الإمام ولم يرد في
المؤتمين شيء من ذلك بل الأحاديث القاضية بأن الأئمة في الصلاة إن اصابوا فللمؤتمين بهم ولهم وإن أخطأوا فللمؤتمين وعليهم يدل على أن صلاة المؤتمين صحيحة وأن الإمام الذي أم قوما وهم له كارهون يكون خطؤه عليه لا عليهم وظاهر الأحاديث الواردة في وعيد من أم قوما وهم له كارهون أن صلاته غير مقبولة كحديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون" الحديث أخرجه أبو دأود ["593"] وابن ماجه ["670"] وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وضعفه خفيف لا يسقط الاعتبار بحديثه.
وأخرج الترمذي ["360"]، في حديث أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاثة لا تجأوز صلاتهم آذانهم" وفيه: "إمام أم قوما وهم له كارهون" قال الترمذي حديث حسن غريب انتهى وفي إسناده أبو غالب الراسبي البصري قال أبو حاتم ليس بالقوي وقال النسائي ضعيف لكنه قد صحح له الترمذي ووثقه الدارقطني وعدم قبول صلاته لا يستلزم عدم قبول صلاة المؤتمين لما تقدم فذلك عليه لا عليهم والإثم راجع إليه لا إليهم.
وقد أخرج الترمذي ["358"]، عن أنس مرفوعا بلفظ: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة رجلا أم قوما وهم له كارهون الحديث قال الترمذي حديث أنس لا يصح لأنه قد روي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وفي إسناده أيضا محمد بن القاسم الأسدي قال الترمذي يتكلم فيه أحمد بن حنبل وضعفه وليس بالحافظ وضعفه أيضا البيهقي.
وأخرج ابن ماجه ["971"] عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رءوسهم شبرا رجل أم قوما وهم له كارهون" الحديث قال العراقي إسناده حسن.
وأخرج الطبراني في الكبير عن طلحة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما رجل أم قوما وهم له كارهون لم تجز صلاته أذنيه"، وفي إسناده سليمان بن ايوب الطلحي قال أبو زرعة عامة أحاديثه لا يتابع عليها وقال الذهبي في الميزان صاحب مناكير وقد وثق.
وأخرج البيهقي عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ: "ثلاثة لا تجأوز صلاتهم رؤوسهم رجل أو قوما وهم له كارهون" الحديث. قال البيهقي هذا إسناده ضعيف.
قوله: "والأولى من المستويين في القدر الواجب".
أقول: ثبت في صحيح مسلم ["673"،] ، وأحمد ["3/24"]، والنسائي ["2/77"] من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة اقرأهم".
وثبت في صحيح مسلم ["673"]، وغيره من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يؤم القوم اقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا" وفي رواية: "فأقدمهم سلما" أي إسلاما "ولا يؤمن الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه".
وفي الصحيحين [البخاري "630"، مسلم "674"، وغيرهما [أبو دأود "589"، الترمذي "205"، النسائي "2/77"] من حديث مالك بن الحويرث قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولصاحب لي: "إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما".
ولمسلم ["674"، وأحمد "3/436"، "وكانا متقاربين في القراءة".
فهذا الترتيب النبوي هو الذي ينبغي اعتماده والعمل عليه ولم يرد شيء في تقديم الراتب على غيره وما قيل إنه قد ثبت له سلطان لكونه راتبا فذلك مجرد دعوى فإن السطان أمره بالمعروف لغة وشرعا.
نعم إذا كان الرجل في بيته فقد ثبت في صحيح مسلم ["291/673"]، وغيره أبو دأود ""582"] :"لا يؤم الرجل الرجل في أهله".
وهكذا لم يرد في تقديم الأورع شيء يخصه وأما حديث ابن عباس الذي رواه الدارقطني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم" فلا تقوم به الحجة لضعف إسناده.
وهكذا لا دليل على تقديم الأشرف نسبا والاستدلال بمثل حديث "الناس تبع لقريش"[مسلم "1819"، أحمد "3/379"] ، ونحوه وضع الدليل في غير موضعه.
وأما قوله: "ويكفي ظاهر العدالة ولو من قريب" فمبنى على اعتبار العدالة في إمام الصلاة وقد قدمنا ما فيه كفاية.
[فصل
وتجب نية الإمامة والائتمام وإلا بطلت أو الصلاة على المؤتم فإن نويا الإمامة صحت فرادى والائتمام بطلت وفي مجرد الاتباع تردد] .
قوله: "فصل ويجب نية الإمامة والائتمام" الخ.
أقول: صلاة الجماعة عمل لأن لها وصفا زائدا على صلاة الفرادى بالاجتماع والمتابعة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما الأعمال بالنيات" وصح عنه أنه قال: "لا عمل إلا بنية" فلا يكون الإمام إمأما ولا المؤتم مؤتما إلا بالنية فإذا لم ينويا جميعا لم تكن جماعة وصحت صلاة الجميع فرادى ومجرد الانتظار والمتابعة لا يوجبان البطلان.
وهكذا إذا نويا الائتمام لم يكن ذلك موجبا لبطلان صلاتهما لأن نية الإمامة قد تضمنت نية أصل الصلاة مع نية أمر زائد عليها وهو التجميع فإذا بطل كونها جماعة لم يبطل كونها صلاة
ومن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل فكهذا ينبغي أن يكون الكلام في هذا المقام فدع عنك التسرع إلي الحكم بالبطلان فأمر الشرع لا يثبت بالترهات والخزعبلات كما وقع هنا في شرح الجلال رحمه الله من المجادلة لعدم وجوب النية من الأصل.
[فصل
ويقف المؤتم الواحد أيمن إمامه غير متقدم ولا متأخر بكل القدمين ولا منفصل وإلا بطلت إلا لعذر إلا في التقدم والاثنان فصاعدا خلفه في سمته إلا لعذر أو لتقدم صف سامته ولا يضر قدر القامة ارتفاعا وانخفاضا وبعدا وحائلا ولا فوقها في المسجد أو في ارتفاع المؤتم لا الإمام فيهما.
ويقدم الرجال ثم الخناثا ثم النساء ويلي كلا صبيانه ولا تخلل المكلفة صفوف الرجال مشاركة وإلا فسدت عليها وعلى من خلفها أو في صفها إن علموا.
ويسد الجناح كل مؤتم أو متأهب منضم إلا الصبي وفاسد الصلاة فينجذب من بجنب الإمام أو في صف منسد لا اللاحق غيرهما] .
قوله: "فصل ويقف الواحد أيمن إمامه" الخ.
أقول: هذا الموقف للمؤتم الواحد هو الثابت ثبوتا لا شك فيه ولا شبهة وأما الحكم على من تقدم بكل القدمين أو تأخر بهما أو انفصل بقدرهما ببطلان صلاته فليس على ذلك دليل ولا شك أن تسوية الصف والتراص والزاق الكعاب بالكعاب سنة ثابتة وشريعة مستقرة ولكن البطلان لا يكون إلا بدليل يدل عليه ويفيده وإلا فالأصل الصحة بعد الدخول في الصلاة.
قوله: "والاثنان فصاعدا خلفه".
أقول: الثابت عنه صلى الله عليه وسلم هو هكذا كما في صحيح مسلم ["3010"، وغيره أبو دأود "634"] ، من حديث جابر أنه أقامه النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه ثم جاء آخر فقام عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأيديهما فدفعهما حتى أقامهما خلفه.
وأخرج الترمذي من حديث سمرة بن جندب قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا قال ابن عساكر في الأطراف إنه حديث غريب فاجتمع القول والنقل على أن موقف الاثنين خلف الإمام هو الثابت في عصره صلى الله عليه وسلم في عصر الصحابة بعده أو عصر من بعدهم.
وأما ما روي عن ابن مسعود أنه دخل عليه الأسود بن يزيد وعلقمة فأقام أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فهو موقوف عليه كما في صحيح مسلم ["26/534"] وغيره [الترمذي "1/453"، أبو دأود "868"، النسائي "2/183، 184"] .
ووقع عند أحمد ["1/414، 451، 455، 459"] ، وأبي دأود ["868"، والنسائي ["2/49، 50"] ، أن ابن مسعود قال هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا كانوا ثلاثة وفي إسناد هذه الزيادة هارون بن عنترة وفيه مقال معروف قال ابن عبد البر هذا الحديث لا يصح رفعه والصحيح عندهم أنه موقوف على ابن مسعود وعلى تقدير صحة الرفع فقد ذكر جماعة من الحفاظ أنه منسوخ قالوا وإنما تعلم ابن مسعود ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة تركه ومن زعم أن هذه الزيادة المقتضية للرفع في صحيح مسلم فقد أخطأ.
وأما اعتبار أن يكونا في سمته فهو معنى كونهما في خلفه وأنهما لو وقفا في جانب خارج عن سمته لم يكونا خلفه وإذا عرض مانع يمنعهما من الوقوف خلفه في سمته جاز لهما الوقوف في أي مكان فلا يجب عليهما إلا ما يدخل تحت إمكانهما.
قوله: "ولا يضر قدر القامة" الخ.
أقول: لا يضر قدر القامة ولا فوقها لا في المسجد ولا في غيره من غير فرق بين الارتفاع والانخفاض والبعد الحائل ومن زعم أن شيئا من ذلك تفسد به الصلاة فعليه الدليل ولا دليل إلا ما روي عن حذيفة أنه أم الناس بالمدائن على دكان فأخذ أبو مسعود البدري بقميصه فجذبه فلما فرغ من صلاته قال له أبو مسعود ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك قال بلى قد ذكرت حين مددتني أخرجه أبو دأود ["597"] وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وفي رواية للحاكم التصريح برفعه ورواه أبو دأود ["598"]، من وجه آخر وفيه أن الإمام كان عمار ابن ياسر والذي جبذه حذيفة ولكن فيه مجهول لأنه من رواية عدي بن ثابت الأنصاري قال حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر في المدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار وقام علي وكان يصلي والناس من اسفل منه فتقدم حذيفة فأخذ على يديه فأتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ عمار من صلاته قال حذيفة ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مكانهم" أو نحو ذلك قال عمار لذلك تبعتك حين أخذت على يدي هكذا ساقه أبو دأود ["1/399، 400"] وفي إسناده الرجل المجهول الذي ذكرناه ورواه البيهقي أيضا.
ففي هذا الحديث والحديث الأول دليل على منع الإمام من الارتفاع على المؤتم ولكن هذا النهي يحمل على التنزيه لحديث صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر كما وقع في الصحيحين وغيرهما ومن قال إنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك للتعليم كما وقع في آخر الحديث فلا يفيده ذلك لأنه لا يجوز له في حال التعليم إلا ما هو جائز في غيره ولا يصح القول باختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جمعنا في هذا البحث رسالة مستقلة جوابا عن سؤال بعض الأعلام فمن أحب تحقيق المقام فليرجع إليها
قوله: "وتقدم الرجال". الخ.
أقول: أما تقديم الرجال على النساء فهو الثابت في جماعاته في مسجده صلى الله عليه وسلم وكذلك
ثبت عنه ذلك في صلاته في غير المسجد كما في حديث فصففت أنا واليتيم خلفه والعجوز من ورائنا وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس.
وأخرج أحمد ["5/298"] ، وابو دأود ["677"] من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل الرجال قدام الغلمان والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان فأفاد هذا تقديم الرجال على الغلمان وتقديم الغلمان على النساء وأما الخناثى فلم يرد فيهن شيء ولا وجد هذا الجنس في زمن النبوة ولا ورد ما يفيد تقديمه على النساء وإنما لما كان له نسبة إلي الرجال ونسبة إلي النساء كان متوسطا بين الجنسين.
قوله: "ولا تخلل المكلفة صفوف الرجال مشاركة لهم وإلا فسدت عليها وعلى من خلفها" الخ.
أقول: إذا لم تقف المرأة في موقفها الذي عينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وهو وقوفها في صف النساء أو وقوفها وحدها بعد الرجال فقد صارت بذلك عاصية.
وأما فساد صلاتها بذلك فلا دليل يدل عليه وهكذا لا دليل يدل على فساد صلاة الرجال لأن غاية الأمر دخول الأجنبية معهم ونظرهم إليها وذلك لا يوجب فساد الصلاة بل يكون من وقف بجنبها مختارا لذلك أو نظر إليها عاصيا وصلاته صحيحة وأما من لم يقف بجنبها ولا نظر إليها فليس بعاص فضلا عن كون صلاته تفسد بمجرد دخولها معهم في الصلاة ومشاركتها لهم في الإئتمام بإمامهم.
والحاصل أن هذا التسرع إلي إثبات مثل هذه الأحكام الشرعية بمجرد الرأي الخالي عن الدليل ليس من دأب أهل الإنصاف ولا من صنيع المتورعين.
قوله: "ويسد الجناح كل مؤتم أو متأهب منضم إلا الصبي وفاسد الصلاة"
أقول: أما استثناء الصبي فمصادم للدليل الصحيح الثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس أنه صف هو واليتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم ووقفت العجوز أم سليم خلفهما ومصادم لما ثبت في الصحيحين [البخاري "859"، مسلم "184/763"] ، وغيرهما [أبو دأود "610"، والنسائي "842"، الترمذي "232"، من صلاة ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم وحده بعد أن وقف عن يساره فأداره إلي يمينه
ومصادم لما أخرجه النسائي في الخصائص أن عليا كان يصلي إلي جنب النبي صلى الله عليه وسلم قبل بلوغه.
وأما استثناء فاسد الصلاة فليس على ذلك دليل والأصل الصحية وغاية ما هناك أن يكون فاسد الصلاة بمنزلة السارية المتخللة في وسط الصف ولم يصب من ادعى أن بينهما فرقا.
قوله: "فينجذب من بجنب الإمام"
أقول: أما مشروعية انجذاب من بجنب الإمام فيدل على ذلك ما تقدم في صحيح مسلم وغيره من حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامه عن يمينه فجاء آخر فوقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأيديهما فدفعهما حتى أقامها خلفه.
وأما مشروعية انجذاب من في الصف المنسد لمن لحق ولم يجد من ينضم إليه فلم يثبت ما يدل على ذلك بخصوصه ولا يصح الاستدلال بما أخرجه أبو دأود في المراسيل بلفظ: "إذا انتهى أحدكم إلي الصف وقد تم فليجذ إليه رجلا يقيمه إلي جنبه" لأنه مع كونه مرسلا في إسناده مقاتل بن حيان وفيه مقال ولم يثبت له لقاء أحد من الصحابة فثم انقطاع بينه وبين الصحأبي فهو مرسل معضل.
ولا يصح الاستدلال أيضا بما أخرجه الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الآتي وقد تمت الصلاة بأن يجذب إليه رجلا يقيمه إلي جنبه فإن في إسناده بشر بن إبراهيم وهو ضعيف جدا.
وهكذا ما أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي عن وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلى خلف الصف: "أيها المصلي هلا دخلت في الصف وجررت رجلا من الصف أعد صلاتك" فإن في إسناده السري بن إسماعيل وهو متروك وقد رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان من طريق اخرى ولكن فيها قيس بن الربيع وهو ضعيف ورواه ابن أبي حاتم في علله من طريق ثالثة وفي إسنادها ضعف.
ولكن الانجذاب معأونة على البر والتقوى فيكون مندوبا من هذه الحيثية.
[فصل
وإنما يعتد اللاحق بركعة أدرك ركوعها وهي أول صلاته في الأصح ولا يتشهد الأوسط من فاتته الأولى من أربع ويتابعه ويتم ما فاته بعد التسليم فإن أدركه قاعدا لم يكبر حتى يقوم.
وندب أن يقعد ويسجد معه ومتى قام ابتدأ وأن يخرج مما هو فيه لخشية فوتها وأن يرفض ما قد أداه منفردا ولا يزد الإمام على المعتاد انتظارا وجماعة النساء والعراة صف وإمامهم وسط] .
قوله: فصل: "وإنما يعتد اللاحق بركعة أدرك ركوعها".
أقول: هذا مذهب الجمهور وخالفهم جماعة من أهل العلم وقد كتبت في هذه المسألة رسالة مستقلة بحثت فيها مع بعض أهل العلم المائلين إلي مذهب الجمهور ثم ذكرت في شرحي للمنتقي خلاصة البحث بما لا يحتاج الناظر إلي غيره فلا نطيل الكلام في هذا المقام فإن رجوع الطالب للحق إلي ما ذكرناه يغنيه.
قوله: "وهي أول صلاته في الأصح".
أقول: هذا القول الراجح والمذهب الصحيح وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عبد الرحمن بن عوف ودخل معه صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية فلما سلم عبد الرحمن قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ركعة ثم سلم وهو في الصحيحين [البخاري"182"، مسلم "105/274"] ، وغيرهما [أبو دأود "149"، أحمد "4/251"] ، وثبت في الصحيحين [البخاري "2/117"، مسلم "151، 152، 153،"]، وغيرهما [الترمذي "327"] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" فالأمر بالإتمام يدل على أن ما أدركه مع الإمام أول صلاته.
وأما ما ورد في رواية مسلم بلفظ: "وما فاتكم فاقضوا" فقد حكم مسلم على الزهري بأنه وهم في هذا اللفظ فلا متمسك لمن تمسك بهذا اللفظ الذي وقع فيه الوهم.
وأيضا لو قدرنا عدم الوهم لكان تأويل هذا اللفظ الذي خالف الروايات الكثيرة الصحيحة بحمل القضاء على الإتمام فإنه أحد معانيه متعينا وقد ورد به الكتاب العزيز قال الله عز وجل: {فَإذا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] أي أتممتموها وقال الله عز وجل: {فَإذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة: 10] الآية.
وبهذا تعرف أنه ليس في المقام ما يصلح لمعارضة الأمر بالإتمام وتعرف صحة ما قاله المصنف من أنه لا يتشهد الأوسط من فاتته الأولى من أربع وأنه يتم ما فاته بعد التسليم.
وأما قوله: "فإن أدركه قاعدا لم يكبر حتى يقوم" فليس على هذا دليل بل ظاهر أمر المؤتم بالسجود إذا أدرك الإمام ساجدا أنه يكبر ويعتد بتلك التكبيرة لصلاته ولا يعتد بتلك السجدة ولفظ الحديث في سنن أبي دأود هكذا "إذا جئتم إلي الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة" وقد صححه ابن خزيمة.
وهكذا حديث: "إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حاله فليصنع كما يصنع الإمام" أخرجه الترمذي وقال حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده إلا ما روي من هذا الوجه والعمل على هذا عند أهل العلم انتهى وفي إسناده الحجاج ابن أرطاة وفيه مقال قال ابن حجر في الفتح وينجبر ضعفه بما رواه سعيد بن منصور عن أناس من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدني قائما أو راكعا أو ساجدا فليكن معي على الحالة التي أنا عليها".
قوله: "وأن يخرج مما هو فيه لخشية فوتها".
أقول: جعل المصنف هذا الخروج مندوبا وقيده بقوله لخشية فوتها وظاهر الحديث الصحيح عند مسلم ["36/71"] ، وأحمد ["517"] ، وأهل السنن [أبو دأود "1266"، النسائي "2/116"، الترمذي "421"، ابن ماجة "1151"] ، وغيرهم أن الخروج واجب إذا سمع إقامة الصلاة إن كان المراد بقوله في الحديث "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" نفس الإقامة وهي قول المؤذن قد قامت الصلاة.
وإن كان المراد القيام إلي الصلاة كان الواجب عليه إذا عاين قيامه إلي الصلاة أن يخرج لأن ظاهر قوله: "فلا صلاة" نفي ذات الصلاة الشرعية فالمتنفل عند إقامة الصلاة قد بطلت صلاته فإذا
استمر فيها فقد استمر في صلاة غير شرعية وخالف ما جاء عن الشارع.
وإن كان المراد المعنى المجازي في قوله: "فلا صلاة" فقد قدمنا لك أن نفس الصحة هو أقرب المجازين إلي الحقيقة فيجب الحمل عليه لأنه يستلزم انتفاء صحة الصلاة.
وبهذا تعرف أنه لا وجه للتقييد بقوله لخشية فوتها ولا لجعل الخروج مندوبا فقط.
قوله: "وندب أن يرفض ما قد أداه منفردا".
أقول: قول الله عز وجل: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] ، يدل بعمومه على أنه لا يجوز إبطال عمل من الأعمال كائنا ما كان والذي قد صلى منفردا إذا رفض صلاته فقد أبطل عمله فلا يجوز المخالفة لما يقتضيه هذا العموم إلا بدليل وقد دل الدليل على أن من صلى في بيته ثم وصل إلي جماعة فإنه يدخل معهم في الجماعة ثم اختلفت الروايات أيهما النافلة هل التي قد صلاها أو التي دخل فيها مع الجماعة وثم مرجح لكون النافلة هي الأخرى وهي الأحاديث الواردة أنها "لا تصلي صلاة في يوم مرتين"[أبو دأود "579؟ "، النسائي "860"، أحمد "2/19"] ، وأنه لا ظهران في يوم فلو كانت الثانية هي الفريضة لكان قد أبطل عمله وصلى الصلاة في يوم مرتين وهذا مرجح قوي لكون الثانية نافلة والأولى فريضة ومع هذا فالحديث الذي فيه أن الأولى نافلة والثانية فريضة حديث ضعيف لا تقوم به الحجة.
ويقوي ما ذكرناه من كون الفريضة هي الأولى ما تقدم في حديث معاذ أنه كان يصلي بقومه ويجعلها نافلة وكذلك حديث "ألا رجل يتصدق على هذا" فيصلي معه وقد قدمنا أنه حديث صحيح.
فهذان الحديثان في الجملة يدلان على مشروعية النافلة مع الجماعة.
ويؤيد ما ذكرناه أيضا أحاديث الصلاة مع أمراء الجور فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالدخول في جماعتهم ويجعلها الذي قد صلى في بيته نافلة.
وأظهر مما ذكرناه حديث يزيد بن الأسود في قضية الرجلين اللذين لم يصليا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأتي بهما ترعد فرائصهما فقالا قد صلينا في رحالنا فقال لهما: "إذا أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة"[أبو دأود "575، 576"، النسائي "2/112، 113"] ، هو حديث صحيح.
قوله: "ولا يزيد الإمام على المعتاد انتظارا".
أقول: انتظار اللاحق ليدرك إمامه هو من باب قوله تعالي: {وَتَعَأونُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، فلا يحتاج إلي الاستدلال عليه بدليل يخصه بل يكفي هذا العموم ثم حديث أمر الإمام بالتخفيف لا يعارض هذا العموم إلا إذا حصل بالانتظار تطويل وهو غير مسلم فإن التطويل والتخفيف من الأمور النسبية نعم إذا كان الانتظار يحصل به تضرر من المؤتمين فإنه يخصص عموم الآية وهذا على تقدير أنه لم يرد في انتظار اللاحق دليل يخصه وقد ورد ما يخصصه وهو ما أخرج أحمد ["4/356"] ، وأبو دأود ["802"]، والبزار عنه صلى الله عليه وسلم: "أنه كان ينتظر في
صلاته حتى لا يسمع وقع قدم" وفي إسناده رجل مبهم ولكنه قد بين هذا الرجل المبهم المزني في الأطراف فقال إنه روى هذا الحديث أبو إسحق الخميسي عن محمد ابن حجارة عن كثير الحضرمي عن ابن أبي أوفى فذكره وكثير هذا ثقة من ثقات التابعين وذكر النووي في شرح المهذب أن بعض الرواة سمى هذا الرجل فقال طرفة الحضرمي صاحب ابن أبي أوفى وذكر في التقريب أنه مقبول من الخامسة.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل الركعة الأولى من صلاة الظهر وهكذا في صلاة الصبح وفي رواية لأبي دأود ["759"] أنه كان يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الركعة الثانية وهكذا في صلاة العصر وهكذا في صلاة الغداة.
وفي رواية لعبد الرزاق وابن خزيمة أنه قال الرأوي ظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى.
قوله: "وجماعة النساء والعراة صف وإمامهم وسط".
قول أما جماعة النساء فقد تقدم الكلام عليها وأما جماعة العراة فالظاهر أنهم يصلون جماعة كما يصلي غيرهم من الرجال ويتقدم الإمام ويصفون خلفه ولهم عذر ظاهر وهو كونهم عراة وعليهم غض أبصارهم.
[فصل
ولا تفسد على مؤتم فسدت على إمامه بأي وجه إن عزل فورا وليستخلف مؤتما صلح للابتداء وعليهم تجديد النيتين ولينتظر المسبوق تسليمهم إلا أن ينتظروا تسليمه.
ولا تفسد عليه بنحو إقعاد مأيوس فيبنى ويعزلون ولهم الاستخلاف كما لو مات أو لم يستخلف] .
قوله: فصل: "ولا تفسد على مؤتم فسدت على إمامه بأي وجه".
أقول: هذا صواب فإن الفساد لا بد من قيام دليل يدل عليه ومجرد تعليق صلاة المؤتم بصلاة الإمام بنية الائتمام به هي ما دام الإمام إمأما فإذا بطلت صلاته فلا وجه لفساد صلاة المؤتم ثم إيجاب نية العزل عليه لا فائدة فيه لأنه قد صار بمجرد بطلان صلاة إمامه منفردا إذ لا ائتمام إلا بإمام ولا إمام فلا وجه للحكم بفساد صلاته إذا لم ينو العزل وهذا إذا كان الذي فسدت به صلاة الإمام لا اختيار له فيه كمن يحدث غير متعمد للحدث أما إذا كان الفساد وقع باختياره بسبب منه فقد قدمنا أن الإمام إذا اصاب فله وللمؤتمين به وإن أخطأ فعليه لا عليهم فلا وجه للحكم بفساد صلاة المؤتم على كل تقدير.
قوله: "وليستخلف مؤتما" الخ.
أقول: أما كون هذا واجبا على الإمام فلم يدل عليه لأن صلاته قد بطلت فلم يبق إمأما وصلاة المؤتمين به إذا لم يتقدم أحدهم قد صحت فرادى.
وأما حديث ائتمام الناس بأبي بكر لما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم وتأخر أبي بكر لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت هذا في الصحيح [البخاري "684، 1201، 1218، 234، 2690، 2693، 790"، مسلم "421"، أبو دأود "940، 941، 942، النسائي "2/77، 78"] ، فغايته الدلالة على أنه إذا لم يحضر إمام الصلاة جاز للمؤتمين أن يؤمروا من يصلي بهم وإذا رجع الإمام وهم في الصلاة كان لللإمام الأول المفضول أن يتأخر ويتقدم الإمام الفاضل فيتم بهم الصلاة.
وهكذا صلاة أبي بكر في مرضه صلى الله عليه وسلم ثم خروج النبي صلى الله عليه وسلم وقعوده جنب أبي بكر فكان أبو بكر يقتدي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر.
فغاية ما فيه الدلالة على ما دل عليه الحديث الأول وبهذا تعرف أنه لا دليل يدل على وجوب الاستخلاف من الإمام الذي بطلت صلاته وأنه لا دليل على تجديد النية من الإمام والمؤتمين به فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم في تين الصلاتين بتجديد النية ولو كان ذلك واجب لأمرهم به.
وأما عدم فسادها على الإمام بعروض إقعاد مأيوس فظاهر ولا يحتاج إلي ذكره ولا فرق بين الإمام والمؤتم والمنفرد أما كونهم يعزلون صلاتهم فلا وجه لذلك وقد تقدم حديث: "وإذا صلي قاعدا فصلوا قعودا" وهذا عذر عارض في وسط الصلاة فلا يكون حكمه حكم من دخل في الصلاة قاعدا.
وأما كون للمؤتمين أن يستخلفوا من يتم بهم الصلاة فلا مانع من ذلك كما تقدم والحاصل أن هذه التفريعات لم تكن مبنية على رواية مقبولة ولا رأي صحيح.
[فصل
ويجب متابعته إلا في مفسد فيعزل أو جهر فيسقط إلا أن يفوت لبعد أو صمم أو تأخر فيقرأ] .
قوله: "فصل ويجب متابعته". الخ.
أقول: هذا صحيح وقد دل عليه حديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا" الحديث وهو في الصحيحين [البخاري "734"، مسلم "414"،وغيرهما [أبو دأود "603، 604"] النسائي "921، 142، 922"، ابن ماجة"846" من حديث أبي هريرة.
وأخرج البخاري ["733"] عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تركعوا حتى يركع ولا ترفعوا حتى يرفع".
وأخرج مسلم ["112/426"]، من حديث أنس أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف".
فهذه الأحاديث ونحوها تدل على وجوب المتابعة مع ما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يحول صورته صورة حمار".
وأما كونه يعزل في المفسد فقد قدمنا في الفصل الذي قبل هذا ما فيه.
وأما كونه يسكت إذا جهر الإمام فذلك فيما عدا فاتحة الكتاب وأما هي ففرض عليه قراءتها في كل ركعة كما تقدم تحقيقه.
[فصل
ومن شارك في كل تكبيرة الإحرام أو في آخرها سابقا بأولها أو سبق بها أو بآخرها أو بركنين فعليين متواليين أو تأخر بهما غير ما استثني بطلت أحدهما] .
قوله: فصل: "ومن شارك إمامه في كل تكبيرة الإحرام".
أقول: ليس في هذا ما يوجب الفساد وهكذا إذا شاركه في أولها وسبق بآخرها وأما إذا سبقه بالتكبيرة كلها أو سبقه بأولها فهذا قد خالف ما أمر به من قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا".
أما كون صلاته تفسد فلا وتعليلهم بأنه دخل في الصلاة قبل دخول إمامه علة عليلة لا ينبغي جعلها مقتضية للفساد فإن الفساد لا بد له من دليل خاص يدل عليه يوجب انتفاء الصلاة بانتفاء ما تركه أو انتفاءها بفعل ما فعله.
وأما الحكم بالبطلان بتقدم المؤتم على الإمام بركنين فعليين متواليين أو تأخره عليه بهما فلا شك أن الفاعل لذلك قد اثم وخالف ما هو واجب عليه لما قدمنا من الأدلة في الفصل الذي قبل هذا فإنها قاضية بالمنع من ذلك في الركن الواحد فضلا عن الركنين.
وأما كون ذلك مبطلا للصلاة فلا دليل عليه يوجب البطلان وقد تابع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الخامسة حيث صلى بهم خمسا وهي مشتملة على أركان وأذكار ولم يأمرهم بالإعادة وهكذا في حديث ذي اليدين وأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من الرباعية على ثلاث ثم تكلم وتكلموا ثم قام فكبر وصلى بهم ركعة واحدة وسلم وفي كثير من الروايات أنه سلم على ركعتين ثم قام فصلى ركعتين.
وهذا مما يفيدك أن حكم أهل الفقه بالفساد في كثير من المواضع ليس على ما ينبغي ثم كان يلزمهم أن يوجبوا الفساد بمجرد التقدم بركن واحد فإنه يصدق على الفاعل لذلك إذا كان