الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي التقريب في ضعيف وأما عطاء الخراساني فقد ضعفه بعض أهل الحديث ووثقه ابن معين وأبو حاتم وقال ابن حجر في التقريب صدوق يهم كثيرا ويدلس انتهى قلت إذا كان كلام ابن حجر في الرجلين هكذا ولم يرو الحديث من طريق غيرهما فكيف يحكم على رجال إسناده بأنهم ثقات ولا يخفاك أن عطاء الخراساني من رجال مسلم قد أخرج له في صحيحه فجاز القنطرة وقد عقد البيهقي لطرق هذا الحديث بابا وقال ابن كثير إنه روي
من وجه ضعيف عن عبد الله بن عمر بن العاص مرفوعا.
ويشهد لحديث الباب ما أخرجه الدارقطني عن أبي إسحق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت يا أم المؤمنين إني بعت غلأما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وإني ابتعته منه بستمائة نقدا فقالت لها عائشة بئس ما اشتريت وبئس ما شريت إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بطل إلا أن يتوب.
والحاصل أن مجموع ما في الباب تقوم به الحجة ولا سيما وهذه حيلة من الحيل الباطلة التى جاءت الشريعة بإبطالها وأيضا قد استلزمت أن يرد المستقرض زيادة على ما استقرضه وذلك ربا مجمع على تحريمه فلو لم يرد في الباب شيء لكان ما ورد في تحريم هذا الربا كافيا مغنيا عن غيره قال الجوهري في الصحاح العينة بالكسر السلف قال في القاموس وغيره أخذ بالعينة بالكسر أي السلف أو أعطى بها قال والتاجر باع سلعته بثمن إلي أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن انتهى قال الرافعي وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلي المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقدا أقل من ذلك العقد وقد ذهب إلي عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم وهو الحق وجوز ذلك الشافعي وأصحابه واستدلوا بما لا دلالة فيه على المطلوب.
[باب الخيارات
هى ثلاثة عشر نوعا لتعذر تسليم المبيع وهو لهما في مجهول الأمد وللمشتري الجأهل في معلومة ولفقد صفة مشروطة وللغرر كالمصراة وصبرة علم قدرها البيع فقط وللخيانة في المرابحة والتولية ولجهل قدر الثمن أو المبيع أو تعيينه وهذه على التراخي وتورث غالبا ويكلف التعيين بعد المدة ولغبن صبي أو متصرف عن الغير فاحشا وبكونه موقوفا وهما على تراخ ولا يورثان وللرؤية والشرط والعيب] .
قوله: "هى ثلاثة عشر نوعا".
أقول: قد بلغ استقراء المصنف لأسباب الخيارات إلي هذا المقدار وليس مراده إلا أن
الخيار له أسباب يضاف إلي كل واحد منها وسنوضح لك إن شاء الله الكلام في كل واحد منها.
قوله: "لتعذر تسليم المبيع".
أقول: قد قدمنا لك أن البيع والشراء هو حصول التراضي من البائع والمشتري فالمشتري رضي بالعين المبيعة والبائع رضي بالثمن المقابل لها وإذا تعذر تسليم العين المبيعة ارتفع التراضي المعتبر فلا بيع ولا شراء بل وجود التراضي المتقدم كعدمه لأنه قد انكشف عدم وجود متعلقه الذي كان التراضي عليه والثمن إنما يلزم بعد وجود عين المبيع ومصيرها إلي المشتري فمثل هذا لا ينبغي أن يجعل من أنواع الخيار بل ينبغي أن يعد في مبطلات البيع هذا إذا تعذر تسليمه مطلقا أما إذا تعذر في مدة ثم أمكن فقد دخل البائع في بيع منهي عنه لأنه باع ما ليس عنده فكان من هذه الحيثية غير صحيح وإذا لم يصح التبايع فعند عود المبيع إذا شاء اتبايعا وإلا فهو باق على ملك البائع الأول ولا حكم لما وقع منهما من التبايع مع تعذر التسليم وبهذا تعرف أنه لا فائدة لقوله وهو لهما في مجهول الأمد وللمشتري الجأهل في معلومة.
قوله: "ولفقد صفة مشروطة".
أقول: هذا نوع من خيار الغرر لأن المشتري لم يقف على حقيقة المبيع كما ينبغي مع مزيد الغرر باشتراطه لتلك الصفة في المبيع وانكشاف عدمها فلا وجه لعدة خيارا مستقلا.
قوله: "وللغرر كالمصراة".
أقول: هذا نوع من أنواع الغرر لأن البائع قد غرر المشتري بالتصرية فلم يقف على حقيقة المبيع وما هو الغرض الحامل على شرائه وهذا النوع قد ثبت النص عليه بالسنة الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما من طرق وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المصراة: "فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين من بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر"، وقد بسطنا القول على هذا الحديث في شرحنا للمنتقي وبسطنا الكلام في الرد على من خالفه والمقام لا يتسع لبعض ذلك.
قوله: "وصبرة علم قدرها البائع فقط".
أقول: وهذا أيضا نوع من أنواع خيار الغرر فإنه إذا لم يقف البائع على قدرها ولا عرف حقيقتها فبالأولى المشتري والخيار ثابت لهما جميعا ولا وجه لجعله لأحدهما دون الآخر وقد قدمنا أن هذا أعنى بيع الصبرة الذى هو نوع من بيع الجزاف قد خصصه دليله من أحاديث النهي عن بيع الغرر وما لم يبطل من بيوع الغرر فالخيار ثابت فيه كما في بيع الصبرة والمصراة ونحوهما.
قوله: "وللخيانة في التولية والمرابحة".
أقول: هذا سبب من أسباب الخيار لأن الخيانة خديعة وقد ثبت في الصحيحين [البخاري
"4/337"، مسلم "48/1533"، وغيرهما [أبو داود "3500"، النسائي "7/252"، أحمد "5036، 5405، 5271، 5515، 5561، 5854"]، من حديث ابن عمر قال ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال:"من بايعت فقل لا خلابة"، والخلابة الخديعة فإذا انكشف أن البائع أو المشتري خدع أحدهما الآخر بنوع من أنواع الخديعة التي من جملتها الخيانة فالخيار ثابت أما إذا اشترط أحد المتبايعين ذلك فظاهر وأما إذا لم يشترط فالبيع مشتمل على الغرر الذى هو المناط الأعظم في الخيارات وقد ثبت في حديث عند البخاري في التاريخ وابن ماجه والدارقطني أنه صلى الله عليه وسلم قال لذلك الرجل الذي كان يخدع في البيوع:"ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال إن رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها"، فهذا من جملة ما خصص بيع الغرر من أحاديث النهي مع ثبوت الخيار.
قوله: "ولجهل قدر الثمن أو المبيع".
أقول: هذا أيضا من جملة أنواع الغرر لعدم الإحاطة بالمجهول من المبيع أو الثمن فإن ورد دليل يدل على صحة هذا التبايع مع ثبوت الخيار فذاك وألا فالظاهر أنه بيع باطل لاشتماله على ما نهى عنه الشرع من الغرر وأيضا التراضي الذى هو المناط في صحة البيع والشراء ليس بمتحقق مع الجهالة فلم يوجد ما هو المعتبر في هذه المعاملة.
قوله: "أو تعيينه".
أقول: الغرر في هذا ظاهر واضح فأن جعل البائع للمشتري الخيار في الاختيار فقد دلت السنة الصحيحة أنه يصح كما في حديث: "أو يقول لصاحبه اختر" في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر"، وربما قال:"أو يكون بيع الخيار" وأما إذا لم يقع الخيار فلا يصح البيع من أصله لأنه من بيع الغرر المنهي عنه ولكونه لم يتحقق التراضي الذى هو مناط البيع والشراء.
قوله: "وهذه على التراخي".
أقول: لا وجه لهذا لا من دليل صحيح ولا من رأي مستقيم أما الدليل فقد دل على أن الخيار في المصراة وفي الخديعة ثلاثة أيام وخيار التعيين مطلق حتى يختار وباقي الخيارات المتقدمة ينبغي أن يكون إلي الوقت الذي يطلع فيه صاحبه على ما لا بد من الاطلاع عليه فإذا وقع منه ذلك ولم يفسخ فلا خيار له.
قوله: "ويورث".
أقول: إذا كان الخيار ثابتا للبائع أو المشتري بدليل شرعي فاخترمته المنية قبل أن يقع منه الخيار وقبل أن تنقضي مدة الخيار المؤقت شرعا والمؤقت بتراضي البائع والمشتري فلا شك أن هذا الحق الثابت يكون حقا لوارثه فيثبت له ما ثبت له كسائر الحقوق وهكذا سائر الخيارات الآتية وما قيل فيه بأنه لا يورث منها فذلك رأي بحت مخالف لما أثبته الكتاب العزيز والسنة من ميراث الأملاك والحقوق ولم يأتوا في الفرق بشيء إلا بما هو هباء أو سراب بقيعة.
قوله: "ويكلف التعيين بعد المدة".
أقول: قد قدمنا أنه لا يصح البيع مع عدم التعيين إلا بشرط الخيار فإذا شرطه كان الاختيار موكولا إلي نظر من له الخيار إن وقع منه الاختيار نفذ البيع وإن لم يقع منه الاختيار فلا بيع وبهذا تعرف أنه لا وجه لتكليفه للتعيين بل يقال له اختر أو اترك فإذا سكت حتى مضت المدة فلا بيع لأن ذلك ترك للاختيار وهو يكفي من غير ما ذكره المصنف من التكليف.
قوله: "ولغبن صبي أو متصرف عن الغير فاحشا".
أقول: خيار الغبن قد أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمنا من حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما قال ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال: "من بايعت فقل: لا خلابة"، وأخرجه أحمد "3/217"، وأهل السنن [أبو داود "3501"، الترمذي " 1250"، النسائي "7/252"، ابن ماجة "2354" وصححه الترمذي "3/552"، من حديث أنس أن رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يبتاع وكان في عقدته يعني في عقله ضعف فدعاه ونهاه فقال: يا رسول الله إني لا أصبر عن البيع فقال: "إن كنت غير تارك للبيع فقل ها وها ولا خلابة"، وأخرجه البخاري في تاريخه وابن ماجه والدارقطني عن محمد بن يحيى بن حبان قال هو جدي يعني الرجل الذي كان يخدع في البيوع وكان رجلا قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه وكان لا يدع على ذلك التجارة وكان لا يزال يغبن فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال:"إذا أنت بايعت فقل: لا خلابة ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال إن رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها". فظهر بهذا أن من كان غير عارف بحقائق الأمور قاصر الفكرة عن معرفة مقادير أثمان المبيعات وما يصلح منها وما لا يصلح فله الخيار حتى يستشير من له خبرة بذلك وذلك ثلاث ليال فيلحق به كل من باع شيئا أو اشتراه وهو غير عارف به وبمقدار قيمته وإن كان مكلفا والنساء في هذا البيع أكثر وقوعا من غيرهن لنقص عقولهن وعدم كمال تمييزهن فإذا وقع الاشتراط من الرجل المتصف بالصفة التى ذكرناها أو من المرأة كما وقع من حبان بن منقذ فهذا خيار أثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدر مدته رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من خيار المغابنة وأما إذا لم يقع الاشتراط فمعلوم أن البيع الذى مناطه التراضي لا يتم إلا بالرضا المحقق فإن كان البائع قد رضي بما دفع إليه من الثمن مع علمه أن ذلك هو دون ثمن مثله فلا خيار له بعد ذلك وإن لم يعلم وكان معتقدا أن ذلك هو الثمن الذى تباع به تلك العين فقد كشف ظهور أن العين فوق ذلك الثمن أو أن الثمن فوق تلك العين على أن المشتري أو البائع لم يحصل منهما أو من أحدهما الرضا المحقق وطيب النفس وذلك موجب لعدم حصوله المناط الشرعي بلا يتم التبايع بينهما فإذا حصل الاختلاف فقال البائع قد تبين له أن قيمة مبيعه أكثر أو قال المشتري قد تبين له أن الثمن الذي دفعه أكثر من ثمنه وجب على القاضي أن يرفع الخصومة بينهما بتفويض الأمر إلي العدول الذين لهم خبرة بذلك المبيع ويعمل على قولهم.
وأما إذا كان البائع وكيلا للمالك أو وليا للصبي أو المجنون فالخيار ثابت بطريق الأولى لكن لا مطلقا بل إذا أخبر العدول بالغبن على البائع أو المشتري ووجه ذلك واضح لأنه لم
يرض المالك إلا بما هو المعتاد في الأعيان والأثمان وإذا قال الصبي بعد تكليفه أو المجنون بعد صحته إنه مغبون كان على القاضي أن يأمر العدول بتقويم العين المبيعة وقت بيعها فإن تقرر الغبن ثبت الخيار لأنه انكشف بالغبن أن الولي لم يتصرف بالعدل كما قال الله سبحانه فلا حكم لتصرفه ولا للرضا الواقع منه فلا بد من حصول الرضا منهما عند زوال المانع من الصغر والجنون ولا بد أن يكون هذا الغبن مما لم تجر للناس عادة باختصار مثله والتسأهل في المعاملات به فهذا هو الغبن الفاحش وذلك يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص ولا وجه لتقديره بمقدار معين ولا لحده بحد معلوم.
قوله: "وبكونه موقوفا".
أقول: قد عرفناك فيما سبق أن عقد الفضولي لا حكم له ولا اعتبار به بل إن أجازه المالك كان البيع الشرعي بها لأن التراضي المعتبر لم يحصل إلا عندها وإن لم يجزه كان وجوده كعدمه فليس هذا من بيع الخيار في شيء فلا فائدة لقوله وهما على تراخ ولا يورثان لأنه إذا لم يوجد الأصل وهو الخيار لم يوجد ما هو فرع له ومترتب عليه.
وأما قوله: "وللرؤية والشرط والعيب" فما أراد المصنف بذكر هذه الثلاثة على هذه الصفة إلا تكميل عدد ما أفتتح به الباب من الخيارات وسنتكلم على كل واحد منها إن شاء الله في فصله.
[فصل
فمن اشترى غائبا ذكر جنسه صح وله رده عقيب رؤية مميزة بتأمل لجميع غير المثلى إلا ما يعفى ويبطل بالموت والإبطال بعد العقد وبالتصرف غير الاستعمال وبالتعيب والنقص عما شمله العقد غالبا وجس ما يحبس وبسكوته عليها وبرؤية من الوكيل لا الرسول ولبعض يدل على الباقي ومتقدمة فيما لا يتغير وله الفسخ قبلها وفرعية ما قبض وإن رد والقول له في نفي المميزة والبائع في نفي الفسخ] .
قوله: "فمن اشترى غائبا ذكر جنسه صح".
أقول: لا يخفاك أنه قد صح النهي أن يبيع البائع ما ليس عنده كما قدمناه وبيع البائع للغائب هو من بيع ما ليس عنده وصح أيضا النهي عن بيع الغرر وهو ما لم يقف المشتري على حقيقته والغائب عن المشتري الذي لم يكن قد رآه هو غير واقف على حقيقته فلا بد أن يأتي دليل يخصص هذا البيع من النهيين ولم يثبت في ذلك شيء تقوم به الحجة فإن حديث: "من اشترى ما لم يره فله الخيار" في إسناده من هو مهتم بالوضع كما قال ابن حجر في التلخيص وقد تفرد بروايته مرفوعا الدارقطني والبيهقي وقالا المعروف أن هذا من قول ابن سيرين وأيضا
قد روي من طريق مرسلة وفيها أيضا من لا يقوم به الحجة فلم يبق في الباب ما يصلح للتعويل عليه ومع هذا فقد عرفناك غير مرة أن البيع الشرعي هو التراضي فعلى تقدير أنهما تراضيا على بيع الغائب فلمن وجده على غير الصفة التي رضي بها أن يتركه لإنكشاف عدم الرضى المحقق وهذا هو معنى خيار الرؤية عند المثبتين له ولكنهم يقولون قد انعقد البيع بنفس العقد ونحن نقول إن إنكشافه على خلاف الصفة التي وقع التراضي عليها قد عاد على التراضي السابق بالنقض فكأنه لم يكن وإذا حصلت الرؤية وحصل الرضا عندها فهذا هو البيع والشراء لا ما تقدمه.
وأما قوله: "ويبطل بالموت" فهو غير مستقيم على قواعدهم التي يعملون عليها لأن الخيار حق ثابت لصاحبه ومجرد موته لا يصلح سببا لبطلانه على وارثه والحق كالملك في انتقاله عن الميت إلي وارثه فلا بد من وجود مخصص لهذه الكلية الثابتة بعمومات الكتاب والسنة وبالإجماع على الجملة وأما بطلانه بالإبطال بعد العقد فوجهه أن حق له وهو مفوض فيه وأما كونه يبطل بالتصرف فلكونه مشعر بالرضا به ولا وجه للفرق بين التصرف به والاستعمال لأن كلا منهما مشعر بالرضا بالمبيع وهكذا لا وجه لبطلانه بالتعيب والنقص عما شمله العقد إلا أن يكون ذلك بفعل من له الخيار فإنهما يشعران بالرضا بالمبيع ولا فائدة لقوله وجس ما يجس لأن ذلك قد دخل تحت قوله بتأمل لجميع غير المثلى والتأمل هو كل شيء يجسه وبما يهتدي به إلي معرفته والجس هو بمعنى التأمل لما يجس.
وأما قوله: "وسكوته عقبها" فوجهه أنه مشعر بالرضا به وفيه ما فيه كما قدمنا في نظائره وأما الرؤية من الوكيل لها فلأنه ينكشف بها ما ينكشف برؤية الموكل إذا كان الوكيل له خبرة بمثل ذلك المبيع بخلاف الرسول المرسل لقبض المبيع فإنه غير قاصد للاطلاع على حقيقته ولا هو مبعوث من مرسله لهذا المقصد وأما ما ذكره من الرؤية للبعض يدل على الباقي فوجهه أن الشيء المتفق تقوم رؤية بعض أجزائه مقام الرؤية لجميعها وهكذا الرؤية المتقدمة فيما لا يتغير فإن الرائي قد وقف على حقيقته وليس المراد من الرؤية حال العقد وبعده إلا ذلك.
وأما قوله: "وله الفسخ قبلها" فخبط على غير قياس فإن المناط عندهم هو أن يوجد المبيع غير مطابق لغرض المشتري وقبل الرؤية لا حصول لهذا المعنى.
وأما قوله: "وفرعية ما قبض وإن رد" فلا وجه له لأن الرد قد كشف أن المبيع باق على ملك البائع وفوائده تابعة لأصله وما عللوا به لمثل هذا غير صالح لتسويغ مال الغير بغير طيبة من نفسه.
وأما قوله: "والقول له في نفي المميزة وللبائع في نفي الفسخ" فوجهه أن الأصل عدم الرؤية وعدم كونها مميزة وعدم وقوع الفسخ فهذا حاصل ما ينبغي أن يقال على كلامهم في هذا الفصل تصحيحا وتسقيما والحق عندنا ما قررناه في أول الفصل فاعرفه فإنه مشى مع الدليل لا مع القال والقيل.
[فصل
ويصح ولو بعد العقد لا قبله شرط الخيار مدة معلومة لهما أو لأحدهما أو لأجنبي فيتبعه الجاعل إلا لشرط ويبطل بموت صاحبه مطلقا فيتبعه المجعول له وبإمضائه ولو في غيبة الآخر وهو على خياره عكس الفسخ وأي تصرف لنفسه غير تعرف كالتقبيل والشفع والتأجير ولو إلي المشتري غالبا وبسكوته لتمام المدة عاقلا ولو جأهلا حتى انقضت] .
قوله: "ويصح ولو بعد العقد لا قبله شرط الخيار".
أقول: هذا الخيار قد جاءت به السنة الصحيحة منها ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصحابه اختر" وربما قال: "أو يكون بيع الخيار"، وفي لفظ لهما أنه صلى الله عليه وسلم قال:"المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يخبر أحدهما الآخر فإن خير أجدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع" وفي لفظ لهما أيضا: "المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار" ففي هاتين الروايتين قد جعل الخيار قسيما للتفرق فإذا تفرقا فقد وجب البيع إلا أن يكون بينهما خيار فإنه لا يجب البيع إلا بالاختيار وإن تفرقا.
وقد وقع الخلاف بين أهل العلم في هذا الاستثناء كما أوضحناه في شرح المنتقى على ثلاثة أقوال وأحسنها ثالثها وهو أن المراد بهذا الاستثناء أنهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يتخايرا ولو قبل التفرق وإلا أن يكون البيع بشرط الخيار ولو بعد التفرق قال ابن حجر في الفتح وهو قول يجمع التأويلين الأولين انتهى وفي الباب أحاديث كلها تدل على ثبوت خيار الشرط ومنها قصة حبان بن منقذ التي قدمنا ذكرها فإنها مصرحة بإثبات خيار الشرط بعد التفرق.
وأما قوله: "مدة معلومة" فوجهه عدم استقرار البيع مع جهالة مدة الخيار والظاهر أنه يصح مع جهالة المدة وإذا تراخى من له الخيار عن الاختيار كان للآخر مطالبته لذلك وعند ذلك يستقر البيع أو يبطل.
وأما قوله: "لهما أو لأحدهما أو لأجنبي" فصحيح لأن الأمر مفوض إليهما أو إلي من له الخيار.
قوله: "ويبطل بموت صاحبه".
أقول: عللوا هذا البطلان بما لا يصلح له فإن الحق الذي لصاحب الخيار يثبت لوارثه لأنه من جملة ما ينقل إلي الوارث كما قدمنا وعلى تقدير أنه لم يطلع على ما يختاره مورثه فله أن يختار ما يوافقه بحكم الخلافة منه لمورثه وانتقال الحق إليه.
وأما قوله: "ويبطل بامضائه" فصحيح ولكن جعل هذا من المبطلات خلاف المعقول فإنه إذا أمضى البيع فهو معنى ما جعل له من الخيار لأنه تفويض له أن يختار أحد الأمرين أما
الفسخ أو الإمضاء أو هذا المبيع أو هذا فهو بالإمضاء قد فعل ما جعل له ولم يبطله فإن أرادوا أن معنى بطلان الخيار أنه لا يصح منه أنه يختار الفسخ بعد اختيار الإمضاء فهذا معلوم ولكنه شيء غير بطلان الخيار بل معناه أنه قد صح خياره وفعل أحد الأمرين فليس له أن يرجع عما قد فعله من الاختيار للإمضاء وما ذكره من الفرق بين الإمضاء والفسخ من اشتراط كون الثاني في وجه الآخر دون الفسخ لا وجه له من رواية ولا رأي.
وأما قوله: "وبأي تصرف لنفسه" الخ فوجهه أن ذلك مشعر باختيار الإمضاء كما قدمنا.
وهكذا قوله: وسكوته لتمام المدة لإشعاره بذلك على ما في هذا الإشعار من عوج فإن نسبة الدلالة إلي مجرد السكوت لا يكون إلا عند عوارض مشعرة بعدم تيسر النطق ولو بمجرد الحياء كما في قوله صلى الله عليه وسلم: في البكر "إذنها صماتها".
وأما قوله: "وبردته حتى انقضت" فلا وجه له بل ينتقل هذا الخيار إلي من ينتقل إليه مال المرتد.
[فصل
وإذا انفرد به المشتري عتق عليه وشفع فيه وتعيب وتلف في يده من ماله فيبطل وإلا فالعكس والفوائد فيه لمن استقر له الملك والمؤن عليه وينتقل إلي وارث من لحق وولي من جن وصبي بلغ ويلغو في النكاح والطلاق والعتاق والوقف ويبطل الصرف والسلم إن لم يبطل في المجلس والشعفة] .
قوله: "وإن انفرد به المشتري عتق عليه".
أقول: المشتري بخيار شرط لا يدخل المبيع في ملكه إلا باختياره وهو قبل اختياره باق في ملك بائعه استصحابا للحال أو عملا باليد الأصلية فلا يعتق عليه ولا شفع ولا يتعيب ويتلف من ماله وإن كان في يده فهذه اليد غير مستقرة بل مشروطة بالاختيار للإمضاء وهكذا لا تكون المؤن عليه بل على البائع حتى يستقر ملك المشتري وهكذا الفوائد تكون للبائع حتى يستقر ملك المشتري وإذا استقر كانت له من وقت الاستقرار.
أما قوله: "وينتقل إلي وارث من لحق وولي من جن وصبي بلغ" فصحيح أما وارث من لحق فلما قدمنا في مواضع من كون الخيار بجميع أقسامه يورث وأما انتقاله إلي ولي من جن فلقوله سبحانه: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ} [البقرة: 282] .
وأما انتقاله إلي صبي بلغ فلكونه صاحب الحق على الحقيقة وقد صار صحيح التصرف.
قوله: "وبلغو في النكاح".
أقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به
الفروج" إلا أن يشترط عليه ما يرفع موجب النكاح ويخالف مقتضاه وأما في الطلاق والعتاق والوقف فوجه عدم صحة الخيار في هذه الأمور أنه تقييد لإنشاء فاعلها والإنشاء لا يتقيد ولا أرى هذا التعليل صحيحا فإنه إذا قال طلقت فلانة إن اختارت ذلك أو أعتقت العبد إن اختار ذلك أو وقفت هذا على فلان إن قبل كان هذا التقييد بالشروط المذكورة للإنشاء المذكور صحيحا فكيف لا يصح أن يقيدها فاعلها باختيار نفسه إلي وقت يردد فيه فكره ويصحح فيه رأيه ولا يصح قياس هذا على نفوذ ما ينفذ منها من الهازل كما وردت السنة بذلك حسبما قدمنا لأن الهزل باب آخر والشرط وخياره باب آخر وقيل إن خيار الشرط لم يثبته الشارع إلا في البيع فيكون خاصا به لا بسائر المعاملات والإنشاءات ولكنه يقال إن كانت العلة المعأوضة لحق بالبيع ما فيه معأوضة وإن كانت العلة كون البيع فيه وجهتان لحق به ما كان كذلك ومن أثبت مثل هذا القياس في غير هذا الموضع فلا عذر له من القول به هنا.
قوله: "ويبطل الصرف والسلم".
أقول: علله المصنف باشتراط التقابض في المجلس والباب واسع من هذه فإنه قد تقدم في الربويات فإن اتفقا فيما اشترط الملك والحلول فعلى هذا أن خيار الشرط يبطل كل ما كان التقابض في المجلس شرطا فيه مع أن نفس اشتراط الخيار لا يستلزم عدم التقابض فإذا تقابضا وشرط الخيار لهما أو لأحدهما لم يكن ذلك مبطلا للصرف والسلم ولا لما هو في حكمهما في اشتراط التقابض بل إذا اختار من له الخيار الفسخ رد كل واحد منهما تلك العين التي قبضها كما هى أما إذا كان شرط الخيار مضمونا إليه تأخر قبض أحد البدلين كان باطلا إن لم يبطل في المجلس وكذلك المعاملة باطلة لما فيها من النسيئة التي يقول فيها صلى الله عليه وسلم: "إنما الربا في النسيئة"، ولكن هذا البطلان ليس لشرط الخيار بل لتأخير القبض.
وأما قوله: "والشفعة" فمبني على أنها تبطل بالتراخي وسيأتي إنشاء الله الكلام على هذا في كتاب الشفعة.
[فصل
وما ثبت أو حدث في المبيع قبل القبض وبقي أو عاد مع المشتري وشهد عدلان ذوا خبرة أنه عيب ينقص القيمة رد به ما هو على حاله حيث وجد المالك ولا يرجع بما أنفق ولو علم البائع] .
قوله: "وما ثبت أو حدث في المبيع قبل القبض" الخ.
أقول: الأصل في ثبوت خيار العيب والرد به ما أخرجه أحمد "6/80، 116"، وأبو دأود "3510"، وابن ماجة "2243"، من حديث عائشة أن رجلا ابتاع غلأما فاستغله ثم وجد به عيبا
فرده بالعيب فقال البائع غلة عبدي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الغلة بالضمان" وفي لفظ من حديثهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان وأخرجه بهذا اللفظ أحمد "6/49، 161، 208، 237"، وأهل السنن [أبو داود "3508"، الترمذي "1285"، النسائي "7/354، 255"، ابن ماجة "2242"] ، وصححه الترمذي "3/852"، وابن حبان وابن الجارود والحاكم وابن القطان ومن جملة من صححه ابن خزيمة كما حكى ذلك الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام وحكي عنه في التلخيص أنه قال لا يصح وقد ضعفه البخاري وقد ثبت الحديث بتصحيح هؤلاء الأئمة له وله في سنن أبي دأود ثلاث طرق اثنتان منهما رجالهما رجال الصحيح ومعنى قوله:"الخراج بالضمان" أن فوائد المبيع يملكها المشتري بسبب ضمانه للمبيع إذا أتلف عنده فالباء سببية وظاهر الحديث أن العيب الذي حصل به الرد هو عيب كان عند البائع والاعتبار بكونه عيبا في عرف الناس وعند أهل الخبرة منهم سواء كان ينقص القيمة أم لا.
وأما قوله: "رد به ما هو على حاله" فالظاهر أنه يرد به على كل حال وسيأتي الكلام على ذلك وأما قوله: "ولا يرجع بما أنفق" فوجهه أنه أنفق على ملكه كما قالوا وفيه نظر لأن البائع إذا باع ما فيه عيب فقد حصل منه الغرر على المشتري فهو غرم لحق المشتري بسبب تغريره ولا سيما إذا كان عالما هو عاص ببيع المعيب مخالف للشريعة كما في حديث: "لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له"، أخرجه أحمد وابن ماجة والدارقطني والحاكم والطبراني من حديث عقبة من عامر قال ابن حجر في الفتح وإسناده حسن وأخرج أحمد وابن ماجة والحاكم في المستدرك من حديث واثلة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل لأحد أن يبيع شيئا إلا بين ما فيه ولا يحل لأحد يعلم ذلك إلا بينه"، وفي إسناده مقال وأخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يبيع طعأما فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول فقال:"من غشنا فليس منا"، وأخرج الترمذي والنسائي وأبي ماجة وابن الجارود عن العداء بن خالد بن هوذة قال: كتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا: "هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى منه عبدا أو أمة لأداء ولا غائلة ولا خبثه بيع المسلم المسلم".
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان"، فقد قدمنا أن المراد به ضمان المبيع إذا تلف فكل ما انتفع به من فوائد المبيع فهو إلي مقابل هذا الضمان لا إلي مقابل الإنفاق.
[فصل
ولا رد ولا أرش إن تقدم العلم ولو أخبر بزوال ما يتكرر أو رضي ولو بالصحيح منه أو طلب الإقالة أو عالجه أو زال معه أو تصرف بعد العلم بأي تصرف غالبا أو تبرأ البائع
من جنس عينه أو قدر منه وطابق لا مما حدث قبل القبض فيفسد] .
قوله: "ولا رد ولا أرش" الخ.
أقول: هذا صحيح لأن تقدم علم المشتري بالعيب وإقدامه على الشراء بعد العلم يدل على أنه قد رضي به دلالة بينة واضحة.
وأما قوله: "أو أخبر بزوال ما يتكرر" فلا بد أن يعلم أن ذلك العيب مما يتكرر أو يبين له البائع ذلك وإلا ثبت له الرد وأما إذا رضي بالعيب فليس بعد الرضي شيء.
وأما قوله: "ولو بالصحيح منه" فغير مسلم فإن الرضا بالصحيح دون المعيب لا يستلزم الرضا بالمعيب ولا يكون تفريق الصفقة موجبا لعدم الرد وإذا كان على البائع في التفريق ضرر كان المانع هو هذا لا مجرد تفريق الصفقة فيما لا ضرر في تفريقه وقد قدمنا عند قول المصنف ومتى انضم إلي جائز البيع غيره فسد ما قد عرفته.
وأما ما ذكره من طلب الإقالة والمعالجة والتصرف بعد العلم ففي بطلان الرد الثابت شرعا بهذه الأمور نظر لأن إشعار هذه بالرضي بالعيب غير مسلم بل قد بطلت الإقالة محاسنه وطلبا لرضاء البائع بدون خصومه وقد يعالجه لرجاء أن يذهب فلا يرده فإذا لم يذهب فهو على حجته وهكذا التصرف بشيء من فوائده فإن ذلك مما أباحه له الشرع كما تقدم في الحديث.
وهكذا إذا تصرف بالعين نفسها ثم ردت عليه بذلك العيب فحقه في الرد ثابت بالشرع ولا يمنع عنه إلا دليل من الشرع أو الرضا المحقق أو ما يشعر بالرضا المحقق وهو تقدم العلم بالعيب وهكذا إذا تبرأ البائع من عيب معين أو من جنس من أجناس العيوب فإن المشتري إذا قبل ذلك فقد رضي لنفسه إذا لم يكن العيب الموجود إلا ما تبرأ منه البائع لا إذا انكشف زائدا عليه ثبت له الرد بالزيادة.
وأما قوله: "لا مما حدث قبل القبض" فيفسد ففيه نظر لأن المشتري رضي لنفسه وهو بالغ عاقل والرضا هو المناط الشرعي في البيع فليس لنا أن نقول لا حكم لهذا الرضا لأنه منع لمناط شرعي بغير دليل وأما تعليل ذلك بأنه شرط مقارن للعقد فيقضي فساد عقد البيع فقد عرفت مما قدمنا في الشروط ما يندفع به هذا التعليل.
[فصل
ويستحق الأرش لا الرد بالرضا بتلفه أو بعضه في يده ولو بعد امتناع البائع عن القبض أو القبول مع التخلية وبخروجه أو بعضه عن ملكه قبل العلم ولو بعوض ما لم يرد عليه بحكم وبتعيبه معه بجناية يعرف العيب بدونها ممن تضمن جنايته وفي عكسها يخير بين أخذه وأرش القديم أو رده وأرش الحديث إلا عن سبب قبل القبض فلا شيء فإن زال
أحدهما فالتبس أيهما تعين الأرش ووطؤه ونحوه جناية وبزيادته معه ما لا ينفصل بفعله وفي المنفصل يخير بين أحد الأرش أو القلع والرد فإن تضرر بطل الرد لا الأرش ولو كان الزائد بها ثمن المعيب قيميا سليما لم تبطل واستحق قيمة الزيادة كلو تضررت الزيادة وحدها فيها وأما بفعل غيره فيرده دون الفرعية مطلقا وكذا الأصلية إلا بحكم فيضمن تالفها] .
قوله: "ويستحق الأرش لا الرد إلا بالرضا بتلفه أو بعضه في يده".
أقول: أما تلفه فظاهر لأن الأرش هنا غاية ما يمكن بعد تلف المبيع وأما إذا تلف بعضه فله رد الباقي وأخذ أرش التالف لأن الشرع قد أثبت له رد المعيب كله فرد بعضه بالأولى وما عللوا به من تفريق الصفقة لا وجه له.
وأما قوله: "ولو بعد امتناع البائع عن القبض أو القبول مع التخلية" فظاهر لأن المشتري قد استحق الرد مع البقاء والأرش مع التلف فلا فرق بين أن يكون التلف بعد الرد أو قبله ولا بين رضا البائع بالرد أو امتناعه.
قوله: "وبخروجه أو بعضه عن ملكه قبل العلم ولو بعوض".
أقول: إذا خرج عن ملكه قبل العلم بالعيب فهو على حجته وقد أثبت له الشرع رد المعيب وخروجه عن ملكه قبل علمه بعيبه لا يبطل حقه الثابت بالشرع فله استرجاعه ورده بعينه بذلك العيب ولم يمنع من الرد رواية صحيحة ولا رأى مستقيم وأما إذا أخرجه عن ملكه بعد العلم بالعيب فإن رد عليه لذلك العيب فله رده على البائع منه وأن طولب من المشتري الآخر بالأرش فله أن يرجع به على البائع منه لأنه غرم لحقه بسببه وإن رضي به المشتري منه ولم يطالبه برد ولا أرش فقد صح البيع ولم يلحقه نقص بسبب العيب فلا يطالب البائع منه بشيء والحاصل أن مثل هذه المسائل مما يقضي منه العجب لأنها مبنية على غير أساس وأعجب من هذا من يدعي الإجماع على مثل هذه الخرافات.
قوله: "وبجناية يعرف العيب بدونها ممن يضمن جنايته".
أقول: الجناية مضمونة على الجاني سواء كان المشتري أو غيره وذلك غير مانع من الرد فيرده للمشتري مع الأرش اللازم وكأنها وقعت الجناية على المبيع وهو في ملك البائع ولا يكون مثل هذا مبطلا لحق المشتري الثابت بالشرع وليس ها هنا رواية ولا رأي صحيح يصلحان للمنع من الرد.
وأما قوله وفي عكسها يخير الخ فهذا صحيح لأن الحق للمشتري فما رضي به لزمه ولزم البائع قبوله إلا أن يختار رد المبيع إليه بلا أرش فله ذلك.
وأما قوله: "إلا عن سبب قبل القبض فلا شيء" فوجهه أن ذلك التعيب كان لهذا السبب ولا اختيار للمشتري في لكونه عن السبب المتقدم على العقد.
وأما قوله: "فإن زال فالتبس أيهما تعين الأرش" يعني على البائع للمشتري والأولى أن
يقال تعين الرد للمبيع على بائعه بالدليل الصحيح وإذا نقص عن قيمته وقت الشراء بسبب من المشتري كان للبائع المطالبة بأرش النقص إلا أن يختار المشتري بقاءه لديه وأخذ الأرش فله ذلك.
وأما قوله: "ووطؤه ونحوه جناية" فصحيح ولكنه إذا أوقع الحمل امتنع الرد لوجود سبب العتق وله أن يرجع بالأرش لأن المفروض أنه وطيء قبل العلم بالعيب وأما إذا لم يقع الحبل فله الرد ويسلم أرش النقص إن حصل بذلك نقص.
قوله: "وبزيادته معه ما لا ينفصل".
أقول: لا وجه لجعل هذه الزيادة مبطلة للرد بل نقول للمشتري الرد بالدليل المتقدم وهذه الزيادة مضمونة على البائع لأنه غره ببيع المعيب منه وإن اختار المشتري الأرش فله ذلك وأما الزيادة المنفصلة فإن شاء المشتري أخذها ورد المبيع وإن شاء تركها ورد المبيع وليس له أن يطالب بالأرش لأن الزيادة ها هنا منفصلة ولا مانع له من أخذها إلا يكون قد حدث في المبيع نقص من جهة أخرى فله إذا اختار بقاءه لديه أن يطالب بالأرش.
وأما قوله: "فإن تضرر بطل الرد لا الأرش" فلا وجه لبطلان الرد بل المشتري بالخيار إن شاء رده بزيادة وإن شاء أخذ الأرش إن كان في المبيع ما يقتضي النقص الموجب للأرش.
وأما قوله: "ولو كان الزائد بها" إلي آخر الفصل بلا يخفاك أنه خروج عن البحث ولكن الكلام في هذه الزيادة كالكلام في الزيادة في المبيع بلا نطول البحث بما لا طائل تحته.
[فصل
وفسخه على التراخي ويورث وبالتراضي وإلا فبالحكم بعد القبض ولو مجمعا عليه وهو ينوب عن الغائب والمتمرد في الفسخ والبيع لتوفير الثمن أو خشية الفساد وفسخه إبطال لأصل العقد فترد معه الأصلية ويبطل كل عقد ترتب عليه وكل عيب لا قيمة للمعيب معه مطلقا أوجب رد جميع الثمن لا بعد جناية فقط فالأزش فقط وإن لم يعرف بدونها ومن باع ذا جرح يسري فسرى فلا شيء على الجارح في السراية به إن علما أو أحدهما والعكس إن جهلا وتلف أورد بحكم وهو عيب وإذا تعذر على الوصي الرد من التركة فمن ماله] .
قوله: "وفسخه على التراخي"
أقول: وجه ذلك أن الرد بالعيب حق ثابت للمشتري بالشرع فما دام المعيب موجودا أو العيب ظاهرا كان الرد ثابت وإن طالت المدة إلا أن يرضى به أو يسقطه ولا وجه لتقييد مدة هذا الخيار بثلاثة أيام استدلالا بما في حديث المصراة وفي حديث حبان بن منقذ لأن الأول من خيار فقد الصفة والثاني من خيار الخديعة والغرر وهكذا يورث عنه كما قدمنا غير مرة لأن ما كان
للمورث فهو ثابت للوارث ومنتقل إليه بالأدلة الثابتة في الكتاب والسنة وأما كون فسخه بالتراضي وإلا فبالحكم فظاهر لأنه إذا حصل التراضي أغني عن التشاجر وإذا لم يحصل ووقع التشاجر احتاجا إلي رفع الخلاف ودفع الخصومة بالحاكم ولا فرق بين أن يكون ذلك قبل القبض أو بعده ولا بين أن يكون بالعيب مجمعا عليه أو مختلفا فيه وأما كون الحاكم ينوب عن الغائب والمتمرد في الفسخ فظاهر لأنه لو لم يكن ذلك له لحصل الإضرار بمن له الفسخ وهو منكر ودفع المنكر واجب والحاكم أقدر الناس عليه ولكن كان الأولى أن يقول المصنف وهو يحكم على الغائب والمتمرد بالفسخ إذ لا معنى للنيابة ها هنا وسيأتي تكميل الكلام في باب القضاء.
وكما يحكم عليه بالفسخ يحكم عليه بالبيع لتوفير الثمن أو لخشية الفساد وأما كون فسخ الحاكم إبطالا لأصل العقد فصحيح إذا كان الحكم بوجه الحق ولا وجه للتقييد بقوله ويرد معه الأصلية بل لا يرد معه الأصلية ولا الفرعية لأن الخراج بالضمان كما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما كونه يبطل كل عقد ترتب عليه فظاهر لأن صحة المتأخر مشروطة بصحة المتقدم.
قوله: "وكل عيب لا قيمة للمعيب معه" الخ.
أقول: هذا كلام قليل الجدوى لأن مجرد وجود العيب سوغ به رد المبيع وإن لم ينقص به القيمة كما قررنا فيما سبق أو نقصت به كما تقدم للمصنف ورد المعيب على كل حال يوجب رد جميع الثمن.
وأما قوله: "لا بعد جناية فالأرش فقط" فقد تقدم له في الفصل الذي قبل هذا ما يغني عنه.
وأما قوله: "وإن لم يعرف بدونها" فقد جعله فارقا بين الكلام ها هنا وبين ما تقدم وليس لهذا الفرق به ومن منقول ولا من معقول وقد قدمنا ما هو الصواب.
قوله: "ومن باع ذا جرح يسري فسري" الخ.
أقول: لا يخفاك أن الجاني على ملك الغير قد لزمه أرش الجناية بالشرع فلا يسقط عنه إلا بإسقاط لا بمجرد بيع المالك أو شراء المشتري منه فإن هذا لا يصلح مسقطا لما هو لازم هذا إذا كان الجاني على ذلك أجنبيا أما إذا كان الجاني هو المالك الأول ثم باعه إلي آخر وهذا باعه إلي مشتر فلا شك أن سراية الجناية عيب ثابت من عند البائع الأول فالرد به ثابت فإن علم المشتري منه بالسراية واشتراه منه بهو كما قدمنا في تقدم العلم بالعيب وهكذا إذا علم المشتري منه بأن مثل هذا الجرح يسري فهو كذلك فلا رد ولا أرش وإن جهلا كان لكل واحد منهما الرد بذلك العيب وهو السراية فإن تعذر الرد بوجه فالأرش وبالجملة فهذه المسائل أكثرها تطويل بلا طائل مع كون غالبها على شفا جرف هار وقد تقدم ما يغني عن هذا فإن قوله ولا رد ولا أرش إن تقدم العلم يشمل كل عيب ومنه الجرح الذى يسري ويغني عن قوله والعكس إن جهلا وتلف قوله في الفصل المتقدم قبل هذا ويستحق الأرش لا الرد بتلفه الخ وكون المسألة مفروضة في بائعين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة أو زيادة على ذلك لا يقتضي شغله الحيز وإتعاب الطلبة بإن البحث واحد.